ضغوطٌ أمريكيَّة لإنهاء عمل (أونروا).. ما الأهداف؟

كتب بواسطة عبد الرحمن محمود

منذ وصول الرئيس دونالد ترامب لسِدَّة الحكم مطلعَ عام 2017م، أخذت جهودُ الولايات المتحدَّة الأمريكيَّة لإلغاء أو تقزيم دورِ منظَّمة الأمم المتحدة لغوثِ وتشغيل اللاجئين الفلسطينيينَ (أونروا) منحى أكثر جدية وخطورة، في سياقِ تفاهماتٍ إسرائيليَّة أمريكيَّة سياسيَّة هادفة في أساسها لتصفية القضيَّة الفلسطينيَّة كليًّا.

وأُسِّست أونروا في 8 ديسمبر/كانون الأول 1949م، وبموجبِ قرار الجمعيَّة العامة رقم 302 لتقديم المعونة للاجئين الفلسطينيين في مناطقِ عملياتها الخمس: الضِّفة الغربيَّة وقطاع غزَّة والأردن ولبنان وسوريا، وذلك حتى إيجاد حلٍّ عادل للقضية الفلسطينية، وتمكين اللاجئين من العودةِ إلى ديارهم وأراضيهم المسلوبة.

خدمات الوكالة الأممية تُقدَّم لأكثر من خمسةِ ملايين لاجئٍ فلسطيني مسجلين لديها، وتدير (711) مدرسةً، كما تديرُ معاهد للدراسات العليا، إضافةً إلى (143) مركز خدمات صحيَّة، وتقدِّم خدمات إغاثيةً واجتماعيةً وإقراضيةً لتوفير الحماية للاجئين والحفاظ على كرامتهم وحقوقهم لحين عودتهم، وفق القرار الأممي (194).

وبدأت معالمُ الاستهداف الأمريكيِّ لأونروا في الظُّهور تدريجيًّا، وتحديدًا في مطلع 2018م عندما قررت إدارة الرئيس ترامب تخفيضَ الدعم السنويِّ الذي تُقدِّمه الولايات المتحدة للوكالة من (365) مليونَ دولارٍ إلى (125) مليونًا، لم تُقدِّم منها خلال ذلك العام إلا (60) مليونًا فقط، مع تجميدِ (65) مليون دولارٍ لـ”النظر فيها مستقبلًا”.

وكانتِ الولايات المتحدَّة الأمريكيةُ من أكبر مانحي الوكالة الأمميَّةِ؛ إذ كانت تقدِّمُ سابقًا نحو ثلث الميزانية العامَّة، التي تزيد على (874) مليون دولار سنويًّا، تحصل عليها الوكالة باعتبارها تبرُّعاتٍ طوعيَّة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والصديقة للشَّعب الفلسطينيِّ.

ولم تكُنْ تمضي أشهرٌ معدودةٌ على قرار تخفيض الدعم، حتى عادت إدارة ترامب لاتخاذ قرار أكثر حدَّة تمثَّل بوقف التمويل المخصص لوكالة “أونروا” وقفًا كاملًا، وذلك عقب اجتماع عقده ترامب في 31 أغسطس/آب 2018م حضره مستشاره وصهره جاريد كوشنر ووزير الخارجيَّة الأمريكي مايك بومبيو.

قرار وقف تمويل الوكالة الأممية توافق مع قرار آخر اتَّخذه ترامب، يتمثَّل في حجب مساعدات إغاثية وتنموية بقيمة إجمالية تتجاوز (200) مليون دولار، كان من المتوقَّعِ صرفُها خلال عام 2018م المنصرم على مشاريعَ إنسانيَّة في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزةَ المحاصر.

وما بين اتخاذ قراري تقليص الدعم ثم وقفه بالكلية، كان الدور الإسرائيليُّ المساند والمشجِّعُ للخطوات الأمريكيَّة التي تستهدف أونروا حاضرًا وبشكل علني على وسائل الإعلام، إذ أعلن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو خلال تلك الحقبة وفي أكثر من مناسبة بأنه بحث قضية تفكيك المنظمة الأممية مع شخصيات دولية وكبار المسؤولين في البيت الأبيض.

ويمكن الاستدلال على ذلك، بالعودة لتاريخ 7 يناير/كانون الثاني 2018م، عندما قال نتنياهو في مستهلِّ الاجتماع الأسبوعي لحكومته: “أتفق تمامًا مع انتقادات السيد ترامب القويَّة “لأونروا”، هي منظمة تديم المشكلة الفلسطينية، وتديم أيضًا رواية ما يسمى بحق العودة الذي يهدف إلى تدمير دولة لإسرائيل، ولذا يجب أن تزول أونروا عن الوجود”.

ذلك الإعلان الإسرائيليُّ، أتبِع بموقف أمريكيٍّ مؤيِّد جاء على لسان المستشار كوشنر بعد (4) أيام من تصريح نتنياهو، عندما قال الأول: “من المهمِّ أن يكون هناك جهدٌ صادقٌ ومخلصٌ لتعطيل أونروا، هي تديم الوضع الراهن ولا تساعد على السلام”، ثم تَبِع ذلك وصف أونروا بأنها “فاشلة” على لسان مستشار الأمن القوميِّ الأمريكيِّ جون بولتون.

المساعي الأمريكيَّةُ للإضرار بأونروا لم تتوقَّفْ عند حدود الولايات المتحدة، بل عملت جاهدة على ممارسة الضغط بأساليبِ الترغيب أو الترهيب على عدَّة دول مساندة لأونروا من أجل وقف دعم الأخيرة وإنهاء دورها كخطوةٍ أولى لإنهاء حقِّ عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين طُرِدُوا من بلداتهم في نكبة 1948م.

مشكلاتٌ وقراراتٌ

الفجوة التمويليَّةُ التي خلفتها التبرُّعات الأمريكيَّة المفقودة والجهود الإسرائيليَّة الأمريكيَّة لإفقار أونروا، تسببت بعدة مشكلات على صعيد قدرة أونروا على الاستمرار في تقديم الخدمات الإغاثية لنحو (5) ملايين لاجئ فلسطيني، معتمدين على سجلات الوكالة في مناطق العمليات الخمس.

وفي خِضَمِّ الأزمة المالية التي عصفت بأونروا بعد القرارات الأمريكيَّة الأخيرة، أعلنت الوكالة الأممية عن عدَّة إجراءات تقشفية تسببت بأزمات طالت جميع قطاعات أونروا دونَ استثناءٍ وتحديدًا قطاعي التعليم والصحة، إضافةً إلى قطاع الموظفين.

ويعمل لدى أونروا -وفقًا للموقع الإلكتروني لها- ما يزيد على (30) ألف موظف وموظفة، معظمهم من اللاجئين الفلسطينيين، إضافةً إلى عدد من الموظفين الدوليين يعملون في مكتبين للرئاسة العامة في (غزة وعمان) وخمس مناطق للعمليات، إضافة إلى أربعة مكاتب تمثيل ومكاتب ارتباط في (نيويورك وجنيف وبروكسل والقاهرة).

وارتبطت الأزمةُ الأولى وفقَ ما تحدث به رئيس اللجنة الشعبية في مخيم الشاطئ غرب غزة، نشأت أبو عميرة، بإنهاء عقود العاملين على بند البطالة الذين يقدَّر عددهم بـ(3-4) آلاف شخص، وإنهاء العمل ببرنامج الصحة النفسيَّة بالوكالة، وكذلك واجه أكثر من (500) معلم يعملون على بند العقود اليوميَّة، صعوبات في الحصول على حقوقهم الوظيفيَّة أو الماليَّة.

وتأثرت أيضًا الميزانيةُ الخاصَّة ببرنامج الطوارئ بالقرارات الأمريكية، الأمر الذي يُهدِّد إمكانية الاستمرار في تقديم المعونات الغذائيَّة لآلاف الأُسَر الفقيرة دوريًّا على مدار العام، خاصَّة في قطاع غزة الذي يعاني ارتفاعًا غير مسبوق في نِسب الفقر والبطالة نتيجة استمرار الحصار الإسرائيليِّ لأكثر من (13) عامًا.

ويقول أبو عميرة: “تزعم الولايات الأمريكيَّة أنَّ استمرار أونروا في تقديم خدماتها للاجئين بالداخل والخارج، سبب في استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولكن هذا مجرَّد ادعاء يخالف الوقائع والأهداف الحقيقية التي تتمثَّل في المساعي الأمريكية الإسرائيليَّة لتصفية القضية الفلسطينيَّة وما يرتبط بها من حقوق واستحقاقات معترفٍ بها دوليًّا خاصَّة حق عودة اللاجئين”.

ويعتقد أبو عميرة أن الخطوات الأمريكيَّة الأخيرة تأتي في سياقِ ما يُعرف بـ”صفقة القرن”، التي بدأت فعليًّا في إخراج القدس من عقدة الصراع، وذلك عبر إعلان دونالد ترامب مدينة القدس المحتلة عاصمة مزعومة لدولة الاحتلال، ثم جاءت المرحلة الثانية القائمة على “تقزيم” دور أونروا وتحويلها من منظمة أمميَّة إغاثيَّة تعيل اللاجئين وشاهدة على نكبتهم لمنظمةٍ فارغة من مبادئها الأساسية التي أُنشِئَت على أساسها بقرار أممي”.

ولم تتوقَّف المحاولات الأمريكيَّة عند ما سبق، بل بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2019م حملةُ استهدافٍ جديدة لأونروا عبر المطالبة بتقصير وِلاية التجديد للوكالة، بحيث تكون مرَّة كلَّ عام وليس كل (3) أعوام، وزيادة الشفافية من خلال نشر أونروا جميع التفاصيل المتعلقة بكلِّ أنشطتها الاقتصاديَّة.

ولكنَّ الجمعية العامة للأمم المتحدة، جدَّدت في منتصف الشهر الماضي ديسمبر/ كانون الأول، تمديد ولاية عمل وكالة أونروا ثلاثَ سنوات إضافيَّة، تبدأ من 30 يونيو/ حزيران 2020م إلى 30 يونيو/ حزيران 2023م.

وصوَّت لصالح القرار (167) دولةً، مقابل اعتراض (6) دولٍ، هي: “(إسرائيل)، وكيرباتي، وجزر المارشال، وولايات ميكرونيسيا المتحدة، الولايات الأمريكية، وكندا”، في حين امتنعت (7) دولٍ عن التصويت هي: “ناورو، وروندا، وفانواتو، وأستراليا، وكاميرون، وإفريقيا الوسطى، وغواتيمالا”، في وقت تغيَّبت فيه (13) دولة عن الجلسة.

الثالث بعد المئة سياسة

عن الكاتب

عبد الرحمن محمود