(قناديل) – رجل الشرق وفوبيا حقوق المرأة

تشترك ثلاثة من تلك الأسباب أعلاه – وأعني القوامة, والقيادة الذكورية , وسلطة الرجل – في النزعة الظاهرة للتسلط وهذا مؤشر خطير يدل على عقلية الكثير هنا ممن يظن ان الرجل هو الوحيد الذي يستطيع التفكير بشكل سليم, وهي أيضا ليست مبررة . اتفق ان القيادة أمر أساسي, لكن بالمقابل هنالك حوار عائلي ضمن نطاق الاسرة , حوار اجتماعي في دائرة أوسع, وحوار عام أوسع بكثير مع رجل الشارع ورجل السياسة. المرأة مكون يستطيع التفكير وتقديم شيء وإذا كنا نردد دائما انها نصف المجتمع فلما التهميش اذا ؟!!

women right

نستطيع ببساطة أن نحدد موقف الرجل التقليدي الواضح من خروج المرأة الذي غالبا يُبنى على نظرية اجتماعية مغروسة فيه منذ القدم أو بناء على التأويل المتعارف عليه للنص الديني. بينما يصبح الوضع ضبابيا لدى رجال الفئة المثقفة , ففي حين ساهمت ظروف بيئتهم المحاطة بالمتعلمين وأبجديات العمل الجماعي وذلك بانفتاحهم على الحوار مع الرجل ومع المرأة على حد سواء, نجد على النقيض موقفا آخر منهم يبدو مناقضا أو يجعلنا نشكك حقا في إيمانهم بحقوق المرأة.

ولنتعرف على ما الذي يحدث يجب ان نفتح حوارا مع أحدهم , ولنصف الساعة سيبدو الأمر جيدا فهو يتحدث عن الحاجة لمساواة المرأة بالرجل وربما يوسع آفاق الحديث ليعرض تجربة مجتمع أوروبي بحكم اختلاطه به أثناء فترة الدراسة هناك. حتما كل شئ جيد إلى هنا , وان الوقت حان لتسأله عن ردة فعله إذا رأى أخته تحدث زميلها بجمعية خيريه هاتفيا !. هذا السؤال وأشباهه يكشف عن مستوى الوعي والقناعة معا بحقوق المرأة هنا. وأرى أنه من الحكمة ألا تسأله حفاظا على حياتك أو ضلوعك على الأقل!

طبعا أنا اتحدث عن غالبية بذات التفكير, ويوجد من القلة من يكون على قناعة تامة بحقوق الفتاة لكن مشكلتهم هو ادراكهم المسألة على نطاق ضيق. بمعنى يدركون حرية اختيار المرأة لقرينها, ويخيرون المرأة في العمل من عدمه وغيرها من الأساسيات لكنهم يهملون أو لا يعرفون عن مسائل فرعية كثيرة أخرى, إضافة إلى ما ذكرت افتقادهم إلى معرفة حقوق المرأة سياسيا. إذاً الرجل الواعي لدينا يعاني من قصور معرفي حقيقي فهو يعرف حقوقها على المستوى الشخصي كحرية الاختيار لكنه بالمقابل يفتقد لمعرفة الكثير.

وقبل أن اطلق الاسباب الداعية لهذا القصور المعرفي الناتج عن عدم الوعي الكافي بحقوق المرأة , يجب أن نحلل معطيات وعناصر البيئة المؤثرة ومنهجية الحُكم لدى الرجل الشرقي على السلوك الاجتماعي, سنبحث في الأسباب التي تخلق كل هذا الرعب من ظهور المرأة على السطح. وهي كالآتي :

أولا : القيادة الذكورية : منذ النشء تعتاد الأسرة على تلقي الأوامر من الأب , وحتى بعد فقدان الأب فغالبا ما يكون الابن الأكبر موجها لجميع أفراد الأسرة من نساء وذكور بما فيها الأم. يجب أن نضع في الحسبان أن علاقته بالأم مبنية على الود والتقدير بحكم وضعها الطبيعي كأم لكن يبقى هو الناهي والآمر.

ثانيا : مفهوم القوامة : بحكم النص الديني القرآني } الرجال قوامون على النساء { يعتبر الرجل هو المسؤول الملزم والشرعي في التصرف في الشؤون المعيشية, ولذا كان هذا تبريرا جيدا للرجل لعدم شرعية خروج المرأة بنظره فما من سبب يدعوها للخروج , فهي لا تعيل أسرة , وليست ملزمة أن تعمل وتبحث عن الرزق. وقد أختلف شخصيا في تأويل هذا النص , فهو برأيي يحمل الرجل المسؤولية نظرا لقوته لكنه لم ينفيها مطلقا عن النساء. انه يبدو كتخيير , ويعود القرار لها .

ثالثا : محدودية وظيفة المرأة : ان الرجل الشرقي من واقع معايشته منذ الصغر للأدوار التي تقوم بها النساء في محيطه المنزلي والاجتماعي , يجعله يعتقد بيقين ان ادوار المرأة محدودة, ودورها يفقد سطوعه عندما تبدأ بالخروج واستبدال مسؤوليتها الحقيقية بمسؤوليات ليست من اختصاصها – كما يعتقد الرجل – . إذن الرجل يعتقد انه بيقينه هذا يحافظ على الصورة النمطية الصافية لدور المرأة.

رابعا : العار الاجتماعي : الذي يطال سمعة الرجل وعائلته عن مدى تدين أو مدى حقيقة أن تكون العائلة شرقية, كل هذا يجعله خائفا, وكأنما الفتاة التي تصبح كاتبة لا تفعل هذا إلا رغبة في التمهيد لعلاقة عاطفية !. لا نغفل أيضا مدى ايمانه بأن عقلية المرأة قاصرة مما يجده مبررا مقنعا لحبسها بالبيت تجنبا لاحتمالية أن تقترف أخطاء وبالتالي تفادي العار .

خامسا : سلطة الرجل : بناء على ما أوضحناه بخصوص سمة القيادة الذكورية في النقطة الأولى , نبني استنتاجنا الآخر والذي ينص على وجود هاجس عند رجل الشرق وهو الخوف من إزاحة سجاد السلطة من تحت قدميه. ثمة تكوين داخلي غريب في خريطة سلوكه يخشى من ان تكون المرأة صاحبة قرار , بل حتى أن تكون شريكة قرار !

تشترك ثلاثة من تلك الأسباب أعلاه – وأعني القوامة, والقيادة الذكورية , وسلطة الرجل – في النزعة الظاهرة للتسلط وهذا مؤشر خطير يدل على عقلية الكثير هنا ممن يظن ان الرجل هو الوحيد الذي يستطيع التفكير بشكل سليم, وهي أيضا ليست مبررة . اتفق ان القيادة أمر أساسي, لكن بالمقابل هنالك حوار عائلي ضمن نطاق الاسرة , حوار اجتماعي في دائرة أوسع, وحوار عام أوسع بكثير مع رجل الشارع ورجل السياسة. المرأة مكون يستطيع التفكير وتقديم شيء وإذا كنا نردد دائما انها نصف المجتمع فلما التهميش اذا ؟!!

نأتي الآن على ظاهرة القصور المعرفي لدى الرجل حول ما هية حقوق المرأة. فإذا ما افترضنا انه – اي الرجل – واعي بما فيه الكفاية ليدرك ان المرأة انسان له حقوق ويحًّكِم المنطق والعقل قبل أن يحكم العُرف والتقاليد , فهذا مؤشر جميل بل رائع. لأنني اعتقد انه إذا كان لدينا نسبة قليلة من هؤلاء الرجال فهذا كاف لاعادة صياغة العرف الاجتماعي ولكن بشرط معالجة اسباب القصور المعرفي بحقوق المرأة لأهميته. ومن هنا اطرح بعضا من هذه الاسباب :

الأول : الافتقاد للجمعيات النسوية, وان وجدت فهي تتصف بطابع إنتاجي, دون الالتفات لطرح مشكلة المرأة, أو دون التحدث في العلن عن قضايا المرأة خصوصا الحساسة منها والمخفية في الادراج.

الثاني : لا يوجد حركة نشر واعية , وان وجدت فهي كتابات مكررة ولا تعدو كونها مطالبات باحترام حقوق المرأة أو انها عبارة عن تحدي سافر للمجتمع. في حين يتساءل الشارع عن ماهية هذه الحقوق !. نحتاج حقيقة لنوعية من الكتابات تتحدث عن واقع المرأة وليس مجرد مطالبات !

الثالث : حقوق المرأة متطلب عصري: عدد من الرجال يعتبر الايمان بحقوق المرأة كمطلب وضع حالي أو مسايرة لمعايير الانفتاح. وبالتالي فإن المسألة لا تتعدى بالنسبة له أكثر من كونها قناعة ( بأسباب أو بدون أسباب ) , ولهذا يهمل الجانب البحثي والتدقيق في مسألة الحقوق هذه , لأن الايمان بها يكفيه.

قد يكون هنالك أسباب أخرى , ويبقى الدور الأكبر توعويا ملقى على عاتق المرأة لأنها الوحيدة من تفهم مشاكلها , وتفهم كيف تعبر عنها .

وفي النهاية , اتساءل مجددا , عن ما اذا كان اعطاء المرأة لحقوقها يستحق كل هذا الخوف من الرجل الشرقي ؟! عجبا !

—————————-

(1) القرآن الكريم، سورة النساء , الآية 34

(2) مع الاخذ في الاعتبار اني لا امثل جهة دينية , بل هو كنوع من التأويل الشخصي

العدد الخامس ثقافة وفكر

عن الكاتب

حاتم سالم عبدالله

كاتب ومدون عماني