صوفية هندية بين عالمين

كتب بواسطة إبراهيم بن سعيد

قراءة رواية ما حكاه الصوفي

للروائي الهندي كي بي رامانوني

ترجمة أزهار أحمد

صادرة عن مسعى للنشر ومكتبة لوتس ٢٠٢٠

تحاول الرواية أن تسرد حكاية كارتي الهندوسية التي تحولت بالزواج إلى مسلمة دون أن تتخلى عن عقيدتها الهندوسية، في امتزاج هندي الطابع، والحكاية تجري على لسان رجل متصوف مسلم يرويها لشاب هندوسي يتعرف عليهما القارئ في الفصل الأول والأخير من الرواية حيث يقول الشاب الهندوسي يصف إصغائه للحكاية: تماهيت مع هذا الرجل الحكيم مؤرخ الكون. كلما نطق كلمة  تحولت إلى صورة في ذهني. ص١٠

تنساب الرواية بعد ذلك لتحكي عن بيت ميليبواللارا منذ ولادة الفتاة الأخيرة في العائلة، ذلك البيت الذي في طريقه للانقراض والفتاة التي ستكون آخر فرد فيها، تأخذنا الرواية لوصف مسحور بتلك الفتاة وجاذبيتها وبركاتها وجمالها الأخاذ، ذلك الجمال الذي يربك حتى خالها وهو سيد البيت ويربك الجميع من حولها، تشير الرواية التي تدور أحداثها إبان الاحتلال الانجليزي للهند إلى لمحات من جشع الرجل الأبيض، لكنها تنشغل أكثر بالطقوس والبركات والصفاء الروحي والاتزان النفسي والهدوء الإنساني لشخصياتها، خاصة حين تجري أحداثها في القرية الهندوسية.

تقع الفتاة في غرام شاب مسلم هو ماموتي، وتهرب معه وتتزوج به في قريته المسلمة، يلاحظ القارئ اضطراب نسيج الرواية في القرية المسلمة مقابل انسيابه في القرية الهندوسية، فنلاحظ اضطراب الشخصيات الروائية والمشهد العام، منذ دخول ماموتي بزوجته الشابة كارتي التي يشار إلى أن اسمها تحول مع إسلامها إلى سيتارا، وذلك الاسم لا نجد له ذكرًا غير مرة واحدة فقط ص٨٤، فقد بقيت كارتي هي كارتي طوال أزمنة الرواية، وفي حين تذكر كولية مباركة لا يذكر لها اسم.

إذا كانت بداية الرواية تعبر عن طموحها الذي تلخصه كلمات الصوفي: الأولياء كلهم لك يا بني، حتى لو كنت هندوسيّا، والإلهة بهاجافاتي لي مع أنني مسلم طاهر. ص١٠ فرغم انتقال كارتي للإسلام ظاهريًا إلا أن القلق يملأ نفسها محل السكينة السابقة، ولا يهدأ ذلك الاضطراب حتى يبني لها زوجها ماموتي معبدًا تتعبد فيه لبهاجافاتي، مما يثير عليه سخط مجتمع قريته المسلم، كذلك يكتشف القارئ أن الأوصاف التي قدمتها الرواية لزوجها ماموتي في بداية ظهوره كحصان فحل لم يكن مجرد وصف أدبي، بل بقي الزوج محصورًا بالنسبة لكاتي في دور الفحل، وإذا كان حضور كاتي الروائي تصوره الرواية كمنبع للشفاء وللبركات، فإن تكشف الأحوال في القرية وشخصياتها بعد وصول كاتي ينم عن انهيار وتمزق يكشف غلبة التنميط على الرواية بدل التنوع، وتسيّد الأحادية بدل تخصيب الاختلاف.

هكذا نرى تمزق إمام مسجد القرية الذي تكشف الرواية أن عائلته لم تتحول للإسلام إلا منذ ثلاثة أجيال أو أربعة، فنجد الإمام مصابًا بمرض المشي في نومه، وفي ذلك المشي تتكشف شخصية أخرى في عقله الباطن، هي شخصية كوتشوني الهندوسي الذي يتعبد لظلال التماثيل في جدران المسجد، حتى تصارحه زوجته مريومه: يقول الناس أنه حالما تغرب الشمس تتحول لكافر. ص١٠٥، مما يثير اضطرابًا عميقًا فيه ويدفعه لمحاولة انتحار فاشلة ص١٠٦، كذلك نجد القرية التي كانت تعتبر ماموتي مرجعها وبطلها تنقلب ضد ماموتي ويفارقه شركائه التجار ص١١١، ويتعرض دكانه وبيته للحريق المدبر، ونرى سقوط ماموتي الأخلاقي نفسه، حيث نراه يسقط ضحية رغباته الجنسية إلى حد التحرش بالصبية حين يخلو على الشاطئ بالصبي أمير ص١٢٦، ثم يبهت حضور ماموتي في الرواية حتى أن مقتله يظهر ظهورًا شبحيّا ص١٤٩، كأنما تتخلص الرواية منه بعد أن أدى دوره.

ولم تسلم حتى بطلة الرواية كارتي من تلك الاضطرابات حيث نراها تتحول إلى قاتلة مغوية تغرق الصبي أمير في بركة الماء ص١٤٥، ويحضر التاريخ الإسلامي للهند في صورة السلطان تيبو حاكم ميسور، والشخصية تاريخية حقيقية، لتسرد الرواية إرغام الهندوس على اعتناق الإسلام بالقوة وبتهديد السلاح ص١٠١.

هكذا في المحصلة يجد القارئ أن كل طموح الرواية السردي لبناء سرد متكافئ يصعد بمكوناته المختلفة للاتحاد تحت ظل بركات الوليّة واجهته عقبات بنيوية كثيرة، مثلما يفصح البناء الروائي عن غلبة الصورة النمطية للمسلمين في الرواية وعن اعلاء طرف وبخس طرف آخر، الأمر الذي يثير بطبيعة الحال حساسية القارئ المسلم، أكثر مما يطمئنها، خاصة وأن هذه الترجمة تصدر في ظل حكومة مودي الحالية التي تسعى بسياساتها الأحادية العدائية لإثارة النعرات بين المسلمين والهندوسين أكثر مما تسعى لتهدئتها، بينما لا يمكن إسقاط تاريخ الهند الإسلامي الطويل، والتعايش المتقدم والحضاري الذي تحقق في الهند طوال قرون بين مختلف الديانات، وذلك الجمال الإنساني الذي خلف للعالم مآثر عمرانية خالدة مثل تاج محل.

بذلت المترجمة جهدًا واضحًا في تحقيق انسيابية العمل في لغته العربية والإشارات المرجعية لتعريف القارئ للثقافة الهندوسية آلهتها وطقوسها، لكن تمنيت أنها تبنت الأسماء العربية المقابلة لبعض المسميات الهندية أو الإنجليزية التي جرت الترجمة منها، مثل تسمية فاكهة الكاكايا وهي الفنس المعروف، وكذلك استخدام مقياس الإنش بدل ترجمته للبوصة الشائعة، لكن هذه مجرد ملاحظات صغيرة في إطار ترجمة رواية كاملة اظن أن الترجمة استطاعت تجسير الهوة بين اللغتين ونقل العمل للقارئ بسلاسة وانسيابية ودون تعقيد..

أدب السابع بعد المئة

عن الكاتب

إبراهيم بن سعيد