التمرد

كتب بواسطة مازن المعولي

التمرد هو الخروج عن المألوف، أيًّا كان ذلك المألوف. ومن يصنع التمرد هم المستبدون أنفسهم، فالإنسان لا يحب أن يتقيد بأي شيء يعيق حريته إن كان ذلك حقًا مشروعا له. ولا يقتصر التمرد على الأنظمة السياسية فقد يتمرد الإنسان على عادات المجتمع وتقاليده، فأكثر الناس لا يحتملون استبداد تلك العادات والبقاء في زمان غير زمانهم. تلك العادات التي غالبا ما تكون قادمة من زمن بعيد، يحاول كبار السن وأصحاب الشأن في المجتمعات أن يُملوها على الجيل الجديد بدعوى الخبرة في الحياة. 

وهنا يكون السؤال؛

هل الزج بالخبرة يتم بوعي لما يحدث من تطور في الزمن؟؟

ألا يتعارض ذلك مع سنة الحياة في التغيير والتطور المستمر؟؟

يبدأ الفرد بالتمرد على المجتمع حين يشعر بأن المجتمع يعيق طموحاته ويوقف أحلامه ومواكبته للعصر، وقد يدفعه للتمرد ما يراه من معاناة لأبناء جيله من حواجز تعيق أفكارهم ورغباتهم، حتى تصل إلى التدخل في حياتهم الخاصة بهدف السيطرة عليهم دون استيعاب لما في دواخلهم ولا تفهم للمتغيرات التي حدثت في زمانهم.

ومن أهم ظواهر التمرد على المجتمع، التمرد الفكري. ويبدأ هذا النوع من التمرد حين يرى بعض الأفراد أن المجتمع لا يستطيع أن يتفهم المتغيّرات الحديثة والتطور الفكري الجديد الذي يصاحبه تطور في تقنيات التعلم والمعرفة، التي بدورها تتيح للفرد أن يرى أكثر من وجهة نظر واحده تمكنه من الاستقلال بأفكاره عن المجتمع الذي يعيش فيه.

وقد لا يحبذ أصحاب الفكر الأصولي هذا التطور فيواجهون ذلك بالتذمر والاحتقار ويتهمون أصحابه بعدم الصلابة.. وهنا يبدأ التمرد على الفكر القديم؛ حيث لا تتم مناقشة أفكار الجيل الجديد أو البحث عن مصدرها ومن أين أتوا بها، كما لم تتعرض تلك الأفكار للنقاش أو الاستفهام أو حتى البحث عن مدى صحتها. فقاموا بنقدها نقدا استخفافيا، وربما واجهوا أصحابها بالسخرية، فقام أصحابها بالتمرد على كل الفكر السائد والقديم.

وهناك أيضا ظاهرة التمرد داخل الأسرة، وهذي الظاهرة لا تظهر إلا حين يتحوّل الزوج أو المربي إلى مستبد يريد أن يفرض رأيه على كل أفراد الأسرة. فتجد الزوج مثلا يوجه زوجته كيفما يريد هو، دون أن يترك لها المجال لأن تتصرف من ذاتها، وهنا ينتفي مبدأ المشاركة الزوجية، ويبدأ شعور الزوجة بالتحول من شريك إلى تابع لا يقدر على القيام بشيء من ذات نفسه. أيضا قد تمارس الزوجة أو الأم ذات السلوك مع الأبناء فتصبح الزوجة تابعة للأب، ويصبح الأبناء تابعين للأم وهكذا. وقد يتدخل الأبوان في كل تفاصيل حياة أبنائهم من الملابس والمقتنيات والسلوك وحتى الاختيارات الدراسية، وقد يصل ذلك إلى الاختيارات الزوجية؛ بل وقد يتعداه إلى التدخل حتى في حياة أبنائهم بعد الزواج.

ومع الضغط المتواصل من قبل أرباب الأسرة تظهر شخصية المتمرد، ذلك “الجوكر” المختلف في العائلة، متمردا على الاستبداد الصادر من الأبوين، مناديا بأن لكل إنسان حريته التي لا يريد لأحد أن يتدخل فيها؛ ومن ثم يصعب السيطرة عليه. وبالإضافة لشخصية الجوكر فإن للتمرد عواقب وخيمة على الأسرة، أولا على الأبوين نفسيهما ثم على الأبناء إذا ما فشلوا في التمرد على الواقع أو الاستقلال بأنفسهم، فقد يؤدي ذلك إلى الانحراف أو التسبب في مشاكل نفسية.

قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:

(لا تربوا أبنائكم كما تربيتم فإنهم في زمان غير زمانكم)

إن الظلم والعنف واللامبالاة بأفكار الناس ومشاعرهم وحقوقهم يصنع متمردين كُثرا، بعضهم يريد الانتقام، والآخر يريد الخراب ومنهم من يريد الهرب من واقعه. وختامًا نقول إن المتمرد ليس بالضرورة شخص سيئ بل ربما يكون تمرده بسبب ما يحدث له، ومتى ما زال السبب عاد إلى طبيعته.

(فتنبهوا أن تصنعوا “جوكرا” بقصد أو بدون قصد).

التاسع بعد المئة ثقافة وفكر

عن الكاتب

مازن المعولي