لطيفة لبصير أديبة مغربيّة من مواليد الدار البيضاء، المغرب، وهي أستاذة جامعية في جامعة الحسن الثاني ابن مسيك بالدار البيضاء، حاصلة على دكتوراه الدولة في موضوع “السيرة الذاتية النسائية”. صدر لها العديد من المؤلفات منها في القصة القصيرة: “رغبة فقط” (2003)، “ضفائر” (2006)، “أخاف من..” (2010)، “عناق” (2012)، “يحدث في تلك الغرفة” (2018)،
أما في المحكيات والنقد؛ فقد صدر لها “محكيات نسائية، لها طعم النارنج” (2014)، دراسة نقدية “سيرهن الذاتية، الجنس الملتبس” (2012) و(2018).
إضافة إلى مجموعة قصصية مشتركة مع القاص الإسباني نافارو (2009)، ثم “وردة زرقاء” وهي مختارات قصصية مترجمة من أعمالها، ترجمها إلى اللغة الفرنسية عبد الله الغزواني (2018).
شاركت لبصير في العديد من الندوات الدولية، كما حاضرت في العديد من المراكز والمؤسسات الثقافية كمركز الشيخ إبراهيم بالبحرين، ومركز الشيخ زايد بأبو ظبي، ولقاء سان نازير بفرنسا، إلى غيرها من اللقاءات العالمية، كما قدمت برنامج الصالون الثقافي في قناة الدوتشيه فيله الألمانية بشراكة مع قناة المغربية، وترأست العديد من اللجان في القصة القصيرة والسرد إلى غيرها من الأجناس الأخرى.
1- بين النقد والقصة والعمل الأكاديمي وعضوية لجان تحكيم بعض الجوائز، أين تجد لطيفة لبصير ذاتها، كيف توزّع وقتها بين هذه العوالم؟
ج: “من المؤكد أن الاشتغال في هذه التنويعات يعطي تجربة أكبر، مع أنّه يأخذ وقتًا كبيرًا، لكنّني مغرمة بالإبداع أكثر، فلطالما حاولت أن أغض الطرف عن الاشتغال النقدي؛ لأن الابداع يستهويني كثيرا وأجد بأنني أمتلك جناحين خفيفين وأنا أكتب القصة القصيرة، إلا أن النقد يعود دوما بقوة ليأخذني إلى عالمه الساحر، ولذا أكتب العديد من الدراسات والأعمال النقدية وأشتغل بتوقٍ كبيرٍ إلى جعل النقد الخاص بي يمتلك نوعًا من المغامرة والجنون، حتى أطوّع الكثيرَ من المفاهيم والنظريات لرؤيتي الخاصّة وتصير لها لمسات مشاكسة أيضا. والاشتغال في كل هذه المجالات يسحب الوقت طبعا، لذا أحاول أن أخوض تجارب أخرى دون أن أؤثر على عملي الذي أحبه طبعا. والتدريس يحتلّ تجربة أخرى لأنّه يخول لي التواصل أيضا مع الطلبة وخلق جسور أخرى تتجلى عبر الزمن في نتائج أخرى تعود عليّ بالفرح، حين يكبر أبنائي الذين درستهم طبعا في مجالاتهم…أما تجربة لجان التحكيم، فأنا أعيشها بين الفينة والأخرى؛ فقد ترأست لجنة السرد في جائزة الدولة للمغرب، كما ترأست لجنة القصة القصيرة في القناة الثانية، وكذا شاركت في لجنة المسرح الجامعي لكلية الآداب بنمسيك، وأيضا أشارك في كل سنة بجائزة زهرة زيراوي، كما أنني في لجنة تحكيم جائزة الشارقة للقصة القصيرة لهذه السنة، إلى غيرها، وهذا طبعا يكلّف جهدا، لكنّه جهد رغم ذلك مريح، لأنها تجربة أخرى في عالم النقد والابداع”.
2- من أين وكيف تستدعي القاصة لطيفة لبصير شخوصها؟ هل سبق وأن التقت بهم؟
ج: “الشخوص يختلفون، ففي بعض الأحيان أجد نفسي مأخوذة بفكرة مجرّدة قد تجعلني أفقد النوم، لا ينتهي إلا حين أحولها إلى عالم آخر، تقوده شخصيات قد لا أعرفها البتة ولا أدري من أين تلبستني، ولكنني أشرع في رسم الملامح بدقة، حتى إنّ وصف الوجه يقتضي منّي تحديد لون الوجه الذي يكون ملائما لهذه الشخصية بالذات، ثم الاستغراق في بعض التفاصيل التي تضيء الشخصية وتمنحها علامات في الكتابة. في بعض الأحيان أعرف بعض الشخصيات التي كتبت عنها حينما تلح عليّ بعض ملامحها وعاداتها وتشدني عوالمها، وقد تكون الشخصيّة أنا أيضا حين أنتقل لأصبح موضوعًا للكتابة مثلما كتبت عن ولادتي لابني وما عانيته من ألم، وما حدث لابني بعد الولادة من مشاكل في التنفس، كل ذلك انتقل ليصبح موضوعًا للقصة، وليصبح حياة أخرى في قصة “يبدو أنني غفوت قليلا…”
3- ما الذي تعنيه القصة القصيرة للطيفة لبصير؟ وما أهمية أن يكون المبدع ناقدا لأعماله بالتحديد؟
ج: “القصة القصيرة إبداع جميل يتطلب الكثير من الحذر حتى لا تتدفق الشخصيات وتصير لها ملامح السرد الروائي، ولذا فمهما كانت الشخصيات كثيرة في القصة القصيرة ينبغي الحد من عوالمها حتى تكون على قدر الجمل والتراكيب التي تضمها إلى غير ذلك، وبالنسبة لي الاشتغال على القصة فيه الكثير من الإحساس، لأنني أكون قريبة جدا من الشخصية حتى لو كانت على خلاف كل اعتقاداتي، ولذا أترك الشخصيّات تتنفس بحرية كي تعبّر عن نفسها أكثر، والمبدع ليس بالضرورة أن يكون ناقدا لأعماله، فهو يمكن أن يتحدث عن قصصه دون أن يكون هو الحكم، لأن القارئ والناقد يمكنهما أن يقدما رؤية إضافية أو مغايرة للكاتب”.
4- كيف تقيمين الحضور الأدبي النسائي في المشهد القصصي والثقافي العربي؟ وما رأيك فيما يتم الحديث عنه عن ضرورة خلق جوائز أدبية إبداعية تخص نون النسوة؟
ج : “الحضور الأدبي النسائي متنوّع بشكل كبير جدا في العالم العربي ومختلف، وأنا أقرأ العديد من الأعمال التي تكتبها النساء، ومعجبة بالكثير من الأقلام التي خلقت إضافة نوعيّة كبيرة للمشهد الثقافيّ العربيّ، وبرأيي أن النساء لهن ملامح خاصة في الكتابة مهما كتبن عن السجن والوطن إلى غيرها من التجارب الأخرى، فهن يرسمن أمكنة أخرى تظل بالنسبة لي أجمل ما في الإبداع، ولا عيب في أن تكون المرأة شاهدة على هذا الاختلاف في إبداعها لأنني أؤمن بجماليات التعبير في أقصى اختلافاته. أما بالنسبة للجوائز فحبذا لو تم إنشاء جوائز للأدب النسائي ولو مرحليًّا فقط، حتى يتم النظر إلى الأدب النسائي على أنه أدب يستحق أن ينال العديد من الجوائز، لأنّه مع ذلك أجد هذه المنطقة غير منصفة للإبداع الذي تكتبه النساء”.
5- برزت في الساحة الثقافية العربية مؤخرا جوائز متخصصة في القصة، منها جائزة الملتقى للقصة القصيرة وجائزة الشيخ زايد للكتاب إضافة إلى جوائز أخرى. إلى أي حد تساهم هذه الجوائز في حضور القصة كجنس أدبي يستحق الاحتفاء والاهتمام إلى جانب المد الروائي الذي لوحظ انتشاره مؤخرا؟
ج: “في الحقيقة الجوائز التي تهتم بالقصة القصيرة هي قليلة مع ذلك، لأن الرواية هي شغل العالم الآن، ولطالما اعتبرت القصة القصيرة مثل المعمل المخبري الذي يؤهّل إلى أبحاث ذات قيمة أخرى، غير أنها الجنس الأدبي الأكثر صعوبة، والكل يتحدث عن استسهالها، لذا يعتبرها كثير من المبدعين محطة تمرين ليس إلا. أعتبر جائزة الملتقى للقصة القصيرة جائزة متخصصة أفردت للقصة مساحة خاصة دون غيرها، وهذه محطة مهمة، أما بالنسبة لجائزة الشيخ زايد، فالرواية تلتهم الجزء الأكبر، وقد سبق لمجموعتي القصصية “عناق” أن وصلت إلى اللائحة الأخيرة، غير أنه تم حجب الابداع في تلك السنة أي 2013 . أتصور أن القصة القصيرة تلزمها أيضا جوائز أخرى ومهتمون بمعالمها العجيبة ويكفي أنها مثيرة في القراءة والكتابة معا، وتحقق متعة الاكتشاف والتدريس”.
6- أغلب الكاتبات والكتاب يذكرون دائما مدى صعوبة اختيار عناوين إصداراتهم، فهناك من يترك الأمر للناشر وهناك من يستشير أصدقاءه كما كان يفعل محمد شكري مثلا، كيف تختارين عناوين إصداراتك خصوصا وأنها تتوزع بين أكثر من مجال؟
ج: “أنا أحب اختيار العناوين، ومغرمة بهذا الموضوع تحديدا، وفي بعض الأحيان أغير العنوان بعد العمل مثل مجموعتي القصصية “يحدث في تلك الغرفة” لكنني في كثير من الأحيان يسبق العنوان العمل وأبني عليه العمل ككل، بحيث يكون مثل نسق مشترك، وأستشير أصدقائي أيضا وهذه متعة أخرى، فقد يأخذ وقتا لتحديد الكلمة التي تصلح بالضبط كعنوان سواء لقصة أو لمجموعة، وهناك عناوين جاءت من تجارب ومعاناة مثل قصة “ملاك لا يحبني” أو “مس من الإنس” إلى غيرها، وهناك عناوين تفرض ذاتها أيضا بحيث تصبح لها أكثر من دلالة، ففي مجموعتي القصصية كان هناك محور غير مهادن يهيمن عليّ طيلة العمل ألا وهو الخوف من الموت، فقد كنت قريبة جدًّا من الشخصيات التي تشعر بالخوف، وقد كنت أيضا طرفًا في هذا الإحساس، ولذا كنت أحسّ بأنني أخاف وأنا أتحدث عن هذا الموضوع، فعنونت مجموعتي القصصية بـ “أخاف من…”.
7- كل كاتب جيد هو قارئ جيّد، نعلم جيدًا أهمية القراءة في معادلة التثقيف وتطوير ملكة الإبداع والكتابة. ما الذي يثير شغف لطيفة لبصير القارئة ويساعد، بالنتيجة، الكاتبة فيها لمواصلة مسيرة الإبداع أدبًا ونقدًا؟
ج : “أنا أقرأ كثيرًا وأقرأ أعمالًا متنوعة بين الإبداع والنقد والفلسفة والفن، وأشعر بالشغف في قراءة الكتب المعقدة، كما أنّ لديّ شغفًا خاصًا بالتحليل النفسيّ وأعشق فرويد وغرابته كما جاك لاكان، وأيضا أحب الاشتغال على الفن، الذي يستهويني في الفن أيضا الاطلاع على الكثير من الأعمال التي وضعت أسئلة كثيرة حول الكائن البشري وغرابته في هذا الكون الشاسع، لذا أقرأ الكثير من الحيوات السرية لسالفادور دالي وماغريت وفريدا كاهلو وفان جوخ، وقد ساعدني ذلك على أن يدخل ضوء خاص إلى قصصي، ضوء الألوان والاحساس المختلف والسوريالي الذي يمنح مسحة أخرى للذات، وفوق هذا بدون قراءة لا يمكن أن تكون كاتبا مهما كانت موهبتك”.
8- قاصة راكمت إصدارات قصصية متميزة وفازت بعضها ببعض الجوائز، ألم تفتنها الرواية بعوالمها السردية؟ أو ليست القصة بوابة عبور إليها؟
ج: “كما أشرت سابقًا، ليست جسر عبور، وحين سأصدر الرواية فليس معناه الانقطاع عن القصة؛ لأنها حبيبتي التي أجد فيها ذاتي أكثر، فهي المجال العصي على الترويض، ويكفي أنني حين أكتب أبدأ بعد ذلك بالحذف والتقطيع حتى تصير القصة سؤالا يطرح أكثر من علامة على دلالة مؤجلة”.