حين قال السلطان سعيد بن تيمور كلّ شيءٍ بنفسه

كتب بواسطة فاطمة بنت ناصر

صادفتني هذه الكلمة للسلطان سعيد بن تيمور- طيب الله ثراه-. وقد أعجبتُ، ليس فقط بما جاء فيها، ولكن فرحتي الحقيقيّة تكمن في أنّني ربما للمرة الأولى أقرأ كلام هذا السلطان بلسانه وليس بلسان الآخرين. هذا السلطان من أكثر سلاطين عمان، الذي نتكلم عنه دون أن نعرف في الواقع الكثير عنه، وعن حقبته. لقد لخصت هذه الخطبة أحوال السلطنة وما مرّ عليها حتى عام 1968. وقد قيلت هذه الكلمة بمناسبة مرور 6 أشهر على تصدير النفط من عمان إلى الخارج. وأرى أن أهميّتها تتمثل في عدة أمور أهمها : معرفة لغة السلطان سعيد بن تيمور وأسلوب خطابه لشعبه، ومعرفة التحديات التي واجهها متحدّثًا عنها بلسانه، وما كانت مسبّبات تأخّر تقدّم السلطنة الحضاري. ولقد حاولت في هذا المقال عرض أهم ما جاء في هذه الكلمة، وترتيب التسلسل الوارد فيها، ليسهل على القارئ والباحث الحصول على المعلومة بشكل مفصّل وبترتيب أرجو أن يعينه في مبتغاه.
كل ما هو وارد باللون الأغمق هو نقل حرفيّ من كلمة السلطان سعيد بن تيمور-طيب الله ثراه-
غلاف الكتيب الذي طبعت فيه الكلمة:
كلمة السلطان
سعيد بن تيمور سلطان مسقط و عمان
تاريخ الوضع المالي في السلطنة في الماضي وما يؤمل أن يكون عليه الحال في المستقبل
بعد تصدير النفط
شوال ۱۳۸۷ هجري
جنوري 1968

أولا: فاتحة الكلمة
(بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله على ما أنعم وتفضّل، حمدًا كثيرًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين).

مناسبة الخطاب:
جاءت السطور الأولى من الخطاب شاكرة الله بمرور 6 أشهر على ابتداء تصدير أول شحنات نفط عمان للخارج بواسطة شركة ( نفط عمان المحدودة). بعدها ذكر السلطان المبتغى من هذا الخطاب، ألا وهو استعراض الخطط والأفكار المستقبليّة التي لم تكن لتتحقق لولا تصدير النفط. وقد قال السلطان جملة معبرة في هذا:
(ولولا ظهور النفط لما استطعت أن أتحدث إليكم بخصوص ما سيتحقق من مشاريع أو ما يجول في أفكارنا من آمال، حيث كما تعلمون بأن ( المال هو عماد الآمال).

ثانيا: قبل المستقبل وطموحاته، ذكر الماضي وعبراته
ذكر السلطان السبب وراء التقديم البطيء في بداية عهده وما سبقه، وقد عبر عنه بقوله:
ولا شكّ أن كلّ من له إلمام بأحوال البلاد يعلم أن عُمان ليس بالبلد الغنيّ، وأنّ الحالة الماليّة لم تكن تُساعدنا على السير قُدُمًا بخطوات أوسع مما كنا نخطو، ولذا كان خطونا وئيداً.

ثالثًا: استعراض الحالة الماليّة منذ عام 1913 وحتى عام 1968

الفترة الأولى: قبل سنة 1913 إلى 1920

  • عهد السلطان فيصل بن تركي وما قبله من سلاطين، كانت البلاد ذات نظام اقتصادي بسيط، تم وصفه في كلمة السلطان سعيد في الآتي:
    -( الارتجال كان الأساس لكل ما يُعمل أو يُقال).
    -(إدارة شؤون البلاد دون ميزانية أو تخطيط أو تنظيم).

واستدرك قائلا: ( إن هذا كان حال معظم البلاد العربية في ذلك العهد).

عهد السلطان تيمور بن فيصل منذ عام 1913
وصفه السلطان سعيد في كلمته بقوله : ( والدنا المحبوب السلطان تيمور بن فيصل ).
وفي عهده برزت تحديات اقتصاديّة كثيرة كما جاء في الكلمة أهمها:
ورث السلطان تيمور عن والده فيصل ديونًا كثيرة وجب سدادها لتجار البلاد.
استمرّت الدّيون في ازدياد حتى عام 1920؛ إذ أدرك أنّ الأمر الماليّ يحتاج إلى تنظيمٍ للتمكّن من سداد الديون. وأول خطوات التنظيم المالي كانت: توحيد مصدر الدين الذي في الأساس كان لعددٍ من التّجار. وبذلك يستطيع تسديد الدّيون القديمة مع الاستحصال على زيادةٍ تصلح للمساعدة على القيام بالإصلاحات المرجوّة*.

ثانيًا: حكومة الهند الإنجليزية كانت الوحيدة القادرة على تلبية هذا الطلب، ووافقت على إقراضه المال اللازم على أن يتمّ سداده خلال 10 سنوات.

ثالثاً: قام السلطان تيمور بالطلب من الحكومة المصريّة بمدّه بعددٍ من موظفي الجمارك، وكان عددهم 3. قال عنهم السلطان سعيد في خطبته : ( قاموا بعملهم خير قيام). رابعاً: الاستعانة بموظف إنجليزي يُدعى ( دي.في. مكلم) للإشراف على الإدارة الماليّة.
تغيّرت الحال بعدها، حيث تمكّنت البلاد من ترتيب ميزانيتها دون عجز مع التمكن من تسديد أقساط القرض في مواعيدها.
في عام 1920، وبعد مرور 6 أشهر فقط على تولّي الموظف الإنجليزي (دي.في.مكلم ) الإشراف على إدارة ماليّة الدولة، ونظراً لعدم وجود البديل؛ تم تعيين والي مطرح محمد بن أحمد الغشام خلفاً له، إذ تمّ تعيينه وزيرًا للسلطان تيمور، ومسؤولاً عن إدارة مالية الدولة حتى أواخر 1924).
ويذكر السلطان سعيد صراحة أنه لوحظ تدهور الاقتصاد منذ توليه قائلا: ( حيث ظهر العجز في الماليّة بسبب إهمال المسؤول، وسوء تصرف ضابط الخزينة، ونتيجة لذلك تزعزعت ماليّة الحكومة لدرجة لم تستطع معها مواصلة تسديد أقساط الدين في موعدها).


بداية سنة 1925:
بعد ظهور إهمال الغشّام الوزير المسؤول عن إدارة الشؤون المالية. ارتأى السلطان تيمور تعيين موظف إنجليزي خلفاً له، فقرّر توظيف مستر برترام طومس وزيرًا للمالية، بعقد لمدة 5 سنوات لتحسين الوضع الماليّ للحكومة). ويقول السلطان سعيد واصفًا فترة إدارة المستر طومس بالآتي:
( وقد بذل في بادئ الأمر جهدًا لا بأس به، كان من أثره أن ظهرت بوادر التحسّن في الشؤون المالية غير أنّ هذا التحسن مع الأسف لم يدم أكثر من ثلاث سنوات فقط، ساءت بعدها الحالة الماليّة ثانية بسبب سوء إدارة الموظف المشار إليه في المدة الأخيرة، حيث توسّع في الإنفاق في الشؤون الحكومية دون التقيّد بالميزانية المقررة؛ الأمر الذي أدّى إلى العجز والاضطراب في ماليّة الحكومة؛ فاختلّ ميزان المدفوعات فتراكمت الأقساطات مع مواصلة الصرف في الوجوه المختلفة، حيث أصبحت المبالغ المطلوبة من الحكومة تشكل دينًا جديدًا علاوة على المتبقي من الدين السابق).

سنة 1930
حلّت بالعالم كارثة الكساد الكبير التي أسدلت سدولها على عُمان كغيرها من بلدان العالم. وأهمّ الآثار الاقتصاديّة التي حلّت بعُمان كما ذكرتها كلمة السلطان سعيد الآتي:
(شملت العالم ضائقة اقتصاديّة أثّرت على التوازن التجاري في البلاد، فنتج عن ذلك هبوط كبير في إيراد الجمارك (وهو المصدر الوحيد تقريباً لموازنة مالية الحكومة).
(وبينما كانت الآمال معقودةً على مستر طومس ليصلح ما أفسده غيره، فإذا به يصل بالمالية إلى الحضيض حيث تركها في أتعس حال).

سنة 1931
اتّجهت أنظار السلطان تيمور لتوظيف خبير إنجليزي آخر يخلف مستر طومس، وقد وقع الاختيار على (مستر هجكوك) عام 1931. حيث قام– كما تذكر كلمة السلطان سعيد- :
(بمباشرة عمله بكل نشاط ومثابرة إلى أن انتشل الماليّة مما وصلت إليه بسبب سوء تصرّف مستر بترام طومس).
(قام بخفض المرتبات واقتصد في النفقات حتى استطاع أخيرًا أن يرتّب سجلّات الماليّة وينظم ميزانيتها على أحسن الأساليب).
(ولا نذيع سرًّا إذا قلنا إن ميزانية الحكومة آنذاك لم تكن تزيد عن 700 ألف روبية أو مايعادل 50 ألف جنيه إسترليني فقط. وبهذا المقدار من المال كانت السلطنة قائمة بجميع أجهزتها، ومن هذا كان عليها أن تسدد ما كان متبقيًا من الدين علاوة على ما كانت مكلفة به من أبواب الإنفاق المتنوّعة، ومن جملتها: ما كان يدفع للعطايا والهبات المعتادة لشيوخ القبائل، والوفود التي كانت الحكومة تظهر بمظهر الغني الواسع الثروة).
(وأما ما قام به مستر هجكوك من التنظيم لمالية السلطنة فإنه يستحق الإعجاب والتقدير، غير أنه مع الأسف لم تطل مدته، فلم يبق في عمله أكثر من ثمانية أشهر، استقال بعدها لأسباب خاصة).
وبعد مضيّ مدّة وجيزة على استقالة مستر هجكوك، تقرّر تعيين ( آر.جي. أولين) الإنجليزي مستشارًا للماليّة).

عام 1932
تنازل فيها السلطان تيمور بن فيصل عن الحكم لولده السلطان سعيد تحديدًا في 11 فبراير 1932؛ إذ ورد في الكلمة على لسان السلطان سعيد الآتي : ( وفي اليوم الثاني من شهر شوال لعام 1350 هجرية الموافق 11 فبراير 1932 ميلادية، وبعد تنازل والدنا المحبوب السلطان تيمور بن فيصل عن السلطنة لنا لأسباب صحيّة، فبعون الله تولينا الحكم منذ ذلك التاريخ وأولينا الناحية الماليّة اهتمامًا خاصًّا).

التحدّيات الماليّة في عهد السُّلطان سعيد بن تيمور،
يقول السلطان سعيد في كلمته:
( تولّينا الحكم منذ ذلك التاريخ، وأولينا الناحية المالية اهتمامًا خاصًّا، ولكن نظرًا للضغط الاقتصادي الذي أثّر في ميزان التجارة العالميّ في ذلك التاريخ، وجدنا أنفسنا في حالة نضطر معها إلى ضغط مختلف أبواب الصرف، والاقتصاد في النفقات).
حالة خزينة الدّولة حين تولّى السلطان سعيد الحكم، التي يصفها بشكل صريح جداً في الآتي :
( وقد يستغرب القارئ لو علم بأن خزينة السلطنة عندما تسلّمنا زمام الحكم كانت خالية خاوية تمامًا).
( ولا شكّ أنّ الكثير من المعاصرين من أهل البلاد يذكرون كيف كان الوضعُ المالي في تلك الآونة).

الخطط المالية التي أعتمدها السلطان سعيد في بداية عهده:
أولاً: تخفيض مخصّصات السلطان، وجاء في الكلمة: (حيث أجرينا تخفيضها إلى نصف ما كانت عليه في السابق).
ثانياً: الإشراف المباشر على الشؤون المالية.
ثمار الترشيد الماليّ في عهد السلطان سعيد بن تيمور
أولى هذه الثمار هو سداد كافة ديون عمان المستحقة للتجار بنهاية عام 1933.
واستقالة المستشار المالي الإنجليزي ( آر.جي. أولين).
استمرار التحسّن في إيرادات الجمارك.
زيادة رواتب الموظفين مع توجيه العناية لمختلف مرافق السلطنة، وإجراء الإصلاحات الممكنة.
وقد ورد الحديث عن هذا الأمر في كلمة السلطان سعيد ووصفه في الآتي:
(وفي أواخر سنة 1933 استقال مستشار المالية وعندها قمنا بالإشراف الكامل شخصيًا على ماليّة السلطنة وتنظيم ميزانيتها سنوياً، وقد استمرّ التحسن في إيرادات الجمارك (التي لم تكن للسلطنة إيراد يذكر غيرها) وبفضل هذا التحسّن في الإيراد استطعنا أن نرفع رواتب الموظفين مع توجيه العناية لمختلف مرافق السلطنة، وإجراء الإصلاحات الممكنة، وقد استمرّ الوضع المالي في تحسن مستمر إلى يومنا هذا.

الفترة الثالثة بداية عام 1939:
تتحدث الكلمة أنّ الفترة الثالثة ممتدّة منذ بداية عام 1939 حين نشبت الحرب العالمية الثانية، وحتى عام 1945. أهم ملامح هذه المرحلة كما ورد في كلمة السلطان سعيد:
(توالى ارتفاع أسعار السلع والحاجيات، فتحسّن دخل السلطنة من الجمارك).
فأدخلنا زيادات أخرى على رواتب الموظفين.
وقمنا ببعض الإصلاحات الضروريّة في أنحاء السلطنة.
منذ عام 1933 وحتى يومنا هذا- 1964 – لم يطرأ على ميزانيّة الحكومة أي عجز مالي – ولله الحمد-.
واستطاعت الحكومة أن تحتفظ باحتياطيّ من المال لا بأس به للطوارئ ، هذا مع ما كان مخصّصًا للدّفاع
الدّفاع هو الباب الذي كان يستنزف نصف الميزانية تقريبًا.
كنّا نتامل إدخال مختلف الإصلاحات إلى الكثير من مرافق البلاد التي كانت في حاجة ماسّة لذلك؛ غير أنّنا لم نجد لا في مالية الحكومة ولا في الاحتياطي ما يشجّع على القيام بأيّ نوعٍ من المشاريع، وفي الوقت ذاته لم نشأ أن نرهق ماليّة السلطنة.
ولا شكّ أنّه كان يتيسّر لنا أن نجد المال من مختلف الجهات، وهذا لا يكون إلا بالدّين، وبفائدة بنسبةٍ مئوية معينة، وهذا هو الربا بعينه فلم نوافق عليه إطلاقًا، وتحريمه الديني غير مجهول.

الإصلاحات البسيطة رغم الضائقة المالية منذ ( 1940 – 1967 )
1940:
بناء المدرسة السعيدية.
إصلاحات في المراكز الحكومية والحصون في مختلف الولايات.
وعن هذا ورد في نص كلمة السلطان سعيد بن تيمور – رحمه الله – الآتي :
(ومن قبيل المثال نذكر أننا بادرنا عندما سنحت الفرصة في سنة 1940 في إبان الحرب، فأقمنا بناء المدرسة السعيدية بالعاصمة مسقط، وقد كان أول بناء حكوميّ أنشأناه بعد أن اجتزنا تلك الظروف القاسية التي مرّت بنا، وكذلك قمنا بعد هذا بعدد من الإصلاحات لمراكز الحكومة والحصون في مختلف الولايات).

1958:
قبول مساعدات ماليّة من بريطانيا، وقد صرفت في:
تقوية الجيش.
إدخال تحسينات على التعليم.
إقامة المستوصفات الصحية في مختلف ولايات الساحل والداخل.
إنشاء الحقول النموذجية التجريبية لتحسين حالة الزراعة في البلاد ولرفع مستواها.
شقّ طرق المواصلات.
وعن هذا ورد في نصّ كلمة السلطان سعيد بن تيمور – رحمه الله – الآتي:
( وفي سنة 1958 عرضت علينا الصديقة الحكومة البريطانية مساعدات مالية لتصرف في سبيل تقوية جيش السلطنة وإدخال التحسينات على التعليم وإقامة المستوصفات الصحية في مختلف ولايات الساحل والداخل، وإنشاء الحقول التجريبية لتحسين حالة الزراعة في البلاد ولرفع مستواها، ولشق طرق المواصلات وما إلى ذلك من الإصلاحات الأخرى، فقبلنا منها هذه المساعدة، شاكرين لها هذا العون، وقد كانت هذه المساعدات موقوتة بحيث تستمر حتى يتحسّن الوضع الماليّ في السلطنة، وقد استمرّت هذه المساعدات حتى أواخر مارش من السنة الماضية (1967) أي قبل الشروع في تصدير النفط من البلاد إلى الخارج بأربعة أشهر، وكان ذلك أواخر جولاي 1967. حيث اعتمدنا في هذه المدة على ما لدينا من احتياطيّ في ماليّة السلطنة ولولا الاقتصاد في النفقات، وما كان لدينا من الاحتياطي لما استطعنا أن نتحمل عبء ما أنفقنا في خلال هذه الأشهر، وعلى الأخص ما صرف من المخصّصات الباهضة لجيش السلطنة بالنسبة لوضعنا الماليّ قبل أن تتحصل الحكومة على حصّتها من إيراد النفط).

أواخر جولاي 1967 وحتى يوم كتابة الخطاب من سنة 1968:
النفط يجري في الأنانبيب إلى خزانات ميناء الفحل في سيح المالح.
في هذه الكلمة جاء أوّل تصريحٍ مكتوبٍ لتغيير مسمّى سيح المالح إلى سيح الحلو، والسبب مرور النفط فيه. وسنأتي على ذكر ما جاء نصًّا في كلمة السلطان لاحقاً.
وجود 3 حقول أهمها حقلا : فهود وناطح . وحقل آخر في منطقة ( جبال) قرب فهود.
نص كلمة السلطان عمّا سبق ذكره:
( والآن والنفط يجري في أنانبيه إلى خزّانات ميناء الفحل في سيح المالح – الذي يحقّ أن يسمّى بعد الآن سيح الحلو- من حقلي فهود وناطح، وما سيتبع ذلك من حقل آخر في منطقة جبال قرب فهود، حيث سندفع إنتاجه متدفقاً عبر الأنابيب بإذن الله لينضم إلى ناتج الحقلين السابقين لتزويد الخزانات العامة في سيح الحلو، حيث يواصل النفط تدفقه مندفعاً إلى الناقلات الراسية في ميناء الفحل استعداداً لشحنه مصدراً إلى الخارج وبذلك تصبح بلادنا العزيزة في عداد الأقطار المصدرة للنفط ولله الحمد).
(ويكون بعد ذلك في استطاعتنا أن نجعل في ميزانيتنا بابًا خاصاً – لايرادات النفط- نعم الآن فقط نستطيع أن نقدر، ونفكر، ونخطط ، لتنفيذ مختلف المشاريع التي تحتاج إليها البلاد حيث نعلم أن الإيراد من النفط سيكون متّصلاً بعون الله، والأمل ما زال قائمًا بأن هذه الإيرادات ستستمر في تصاعد نسبي سنوياً).

العلاقة ين السلطنة وشركة النفط:
استعرضت الكلمة بعد الحديث أعلاه علاقة السلطنة بالشركة المسؤولة عن استخراج النفط بدءاً من أول اتفاقيّة وقعت بينهما ووصولاً إلى سنة كتابة الكلمة في عام 1968.

1937:
تم توقيع أول اتفاقية في منتصف 1937. حيث كان بموجبها أن تدفع الشركة مبلغ إيجار نظير محاولات التحرّي عن النفط في أراضي السلطنة.
1964:
تم اكتشاف النفط في أراضي السلطنة بكميّات تجاريّة.
اقترحت الشركة تعديل الاتفاقية بما يتناسب والوضع الجديد.
نصّ الكلمة في هذا الشأن:
( وفي سنة 1964 عندما اكتشف وجود النفط في أراضي السلطنة بكميّات تجاريّة اقترحت الشركة الحاليّة تعديل الاتفاقية المعقودة من قبل فيما بين السلطنة وشركة النفط السابقة حتى تُصبح الاتفاقيّة الجديدة مشابهة لمثيلاتها من الاتفاقيات المعقودة حديثاً بين شركات النفط المختلفة والحكومات المصدرة للنفط في بلاد الشرق الأوسط، فوافقت السلطنة على ذلك وطلبت من الشركة أن تبدأ بعرض ما لديها من الاقتراحات في موضوع التعديل على الحكومة لتقوم بدراستها).

7 مارس 1967

تم الاتفاق على تعديل الاتفاقية المبرمة بين الحكومة العمانية وشركة النفط على أن تكون حصة الحكومة من صافي إيرادات النفط 50% ، 12.5 % من مجموع صادرات النفط.
مستر أف. هيوز كان مديرا عاما وممثلا لشركة النفط في ذلك الحين.
وعن هذا ورد نص الكلمة الآتي :
( وفي 7 مارس 1967 وبعد الانتهاء من البحث والمخاطبات فيما بين السلطنة والشركة تم الاتفاق على أن تكون حصة الحكومة من صافي إيرادات النفط 50% ، وبعده جرى اتفاق آخر اشترط فيه أن يخصص للسلطنة 12.5 % من مجموع صادرات النفط، وذلك وفقاً لما أقرّته منظمة (أوبيك) المكونة من بعض دول الشرق الأوسط المصدرة للنفط، والاتفاقية تحتوي على الكثير من الموادّ الأخرى التي تعود بالفائدة والنفع العميم على البلاد).
وقد كان هذا كلّه في الوقت الذي كان فيه مستر إف. هيوز مديرًا عامًا وممثلاً للشركة لدى الحكومة، وقد عيّن من قلب الشركة للبحث في نقاط تعديل الاتفاقية التي أبرمت بين الطرفين، وقد وجدنا من جانبه تفهّمًا تامًّا للوضع، وقد تمّ الاتفاق على الشروط بكل سهولة ويسر بفضل الهمة التي بذلها لتعود الاتفاقية بالنفع والخير على الجانبين المتعاقدين).

الآمال والخطط لسنة 1968 :
أن تكون هذه السنة فاتحة عهد جديد للسلطنة.
الشروع بتنفيذ مشاريع يشرف عليها مختصون وخبراء أولها: بناء المرافق الحكومية، ثم بناء المساكن للموظفين القادمين من الخارج. ثانياً: بناء المستشفيات والمدارس وطرق المواصلات.
الاهتمام بتنمية الثروات السمكية و الحيوانية و الزراعية.
تحسين رواتب موظفي الحكومة.
إيجاد كادر لضبط نظام ترقيتهم.
دعم الجهاز الحكومي بالخبراء والفنيين يضمن وجود جهاز إداري قائماً على أحدث النّظم.
الماء: مدّ أنابيب ماء لمسقط ومطرح في غضون 12 شهرا من تاريخ التّعاقد.
الكهرباء: تم الانتهاء من الإجراءات الأوّليّة بهذا الشأن مع الشركة المسند إليها، ومن المؤمل أن تكون متاحة للاستخدام في مسقط ومطرح الصيف القادم. أي في صيف 1969.
ميناء مطرح: الشروع في تسهيل أعمال بناء الميناء في المستقبل القريب.
إيجاد مستودعات لحفظ البضائع الواردة والصادرة.
مشروع النقد: إيجاد عملة موحّدة للبلاد هو من أهم المشاريع.
الاهتمام الخاص بحاجات قبيلة الدروع، وتنفيذ المشاريع التي تناسبهم كونهم يقطنون في المنطقة التي ظهر فيها النفط.
إنشاء هيئة معنية بالتنفيذ والمتابعة للمشاريع في كافة ربوع السلطنة تحت مسمى ( مجلس الإعمار).
إنشاء مجلس يتولّى الاهتمام بمشروعي الماء والكهرباء.
اختصاصات مجلس الإعمار:
ترتيب الميزانية اللازمة لكل مشروع.
الاتصال بالخبراء والفنيين وغيرهم ممن يكون هناك ضرورة للتشاور معهم بخصوص أي مشروعٍ يُراد تنفيذه.

نصّ الكلمة في الشأن الوارد أعلاه :
( ونأمل أن تكون سنة 1968 بعون الله فاتحة عهد جديد للبلاد، حيث تبدأ ببدايتها بعض المشاريع التي سيتولى تنفيذها والإشراف عليها فنيون وخبراء من ذوي الاختصاص فنبدأ أولاً باقامة المكاتب الحكومية لمختلف الدوائر ثم المساكن للموظفين القادمين من الخارج ثم تتوالى المشاريع المختلفة تدريجياً كالمستشفيات والمشاريع التي تستدعيها حالة البلاد مع الاهتمام بتنمية الثروات السمكية والحيوانية و الزراعية، وما إلى ذلك من متطلبات البلاد، بحيث تعمّ المنشآت الحديثة جميع بلاد السلطنة حسبما تتطلبه حاجة كل منطقة، وهكذا ما دام فيض النفط يتدفق غزيراً فنحن بعون الله سنواكبه في جريانه بحيث يكون نشاط الحكومة في إقامة المشاريع التي تعود على البلاد بالخير العميم متواصلاً ومعادلاً لقوة جريان النفط في تدفقه، وبالطبع فإن المشاريع تحتاج إلى جهود جبارة يكون حليفها العمل الشاق والكفاح المضني. ولا شك أن ما نشاهده من تقدم وعمران في البلدان الأخرى لم يكن صنع يومه بل كان نتيجة جهود بذلت في سنين طوال، ومشاريع الإصلاح تحتاج إلى وقت لكي تظهر نتائجها، والأمر الذي لا مفر منه ونراه في منتهى الوضوح، هو وجود الفترة الكائنة بين استلام الإيراد من النفط، والوقت الذي تبدأ فيه منفعة السكان. ونحن بعون الله ساعون لتحسين أحوال البلاد بصفة عامة ومن جميع النواحي.
ومن جملة المشاريع التي ستعطى أولوية مشروع ( النقد) الذي سيوجه له الاهتمام الخاص، فمشروع إيجاد عملة موحدة للبلاد هو من أهم المشاريع. والنقد السعيدي سيكون أساسه ( الريال السعيدي)، وأما كسوره فهي: نصف ريال، ربع ريال، والبيسات سيصكّ منها ما يفي بحاجة السكان للاستعمال بمختلف الفئات وهي : 100،25، 20، 10 ،5 ، بيسة واحدة، وستعلن البيانات اللازمة بشأنها في الوقت المناسب إن شاء الله.
وأما المشاريع الأخرى فستبقى متتابعة متتالية، مقدمين الأهم على المهم مستمدين العون من الله تعالى، ويجب أن لا ننسى بأن مساحة السلطنة تزيد عن 100 ألف ميل مربع ، و أن طول سواحلها لا يقل عن 1000 ألف ميل، وأما السكان فإنهم يزيدون عن نصف مليون بحسب أقرب التقديرات).

قبل الختام : استعراض المبادئ والقيم
يأتي في القسم الأخير من نص كلمة السلطان سعيد المبادئ والقيم التي يجب ألا تنسى في خضم عملية التطور القادمة. وتخلصت في الآتي:
(التطوّر للأحسن والأفضل، بحيث يتفق ذلك مع ما لأمتنا من ماض تليد وتاريخ عريق مجيد).
(مهما تقدمنا وارتقينا؛ فلا بدّ أن نجعل نصب أعيننا ديننا الحنيف الذي عليه اعتمادنا و تقاليدنا التي هي تراثنا.
هناك محرّمات والمحرّمات محرمة إلى الأبد).
(وهناك عادات وهذه قابلة للتصرف فيها دون المساس بتقاليد البلاد الأساسية التي تعتبر من أمجاد السلف الصالح، حيث نعتز بها، وتحفظ علينا كياننا. وقد قال تعالى في محكم كتابه العزيز ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم) .

خاتمة الكلمة:
(ونسأله تعالى جل شأنه أن يلهمنا الصواب ويكلل مساعينا بالنجاح، وأن يكتب لنا التوفيق فيما نحاول، وأن يتيح لنا الفوز فيما نريد، ونضرع إليه جلّت قدرته أن يوفقنا لما فيه خير أمتنا العمانية وبلادنا).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع :
أرشيف الخليج الرقمي
www.agda.ae/العربية/catalogue/tna/fco/8/589/n/116

التاسع بعد المئة سياسة

عن الكاتب

فاطمة بنت ناصر

كاتبة ومترجمة