أربعون عاماً في الجنة

ورغم ما تحقق وما لم يتحقق لم تتوجه الدولة العمانية حتى اللحظة بكامل إمكانياتها وقدراتها نحو اتخاذ قرار حاسم من أجل صياغة مراجعات دقيقة ودراسات شاملة لعهد امتد لأكثر من 40 عاما حتى تناقش الممارسات الازدواجية والأفعال المتناقضة التي حدثت عبر فترات هذا العهد حتى تتواكب مع الأجهزة الرسمية العمانية التي تداوم كدأبها المستمر على تضخيم كمية الانجازات وتعظيم نسبة المنجزات الواقعة على هذه الأرض ونسيان بطبيعة الحال ما هو خلاف ذلك.

omanceleb

ابتعدت ذكرى 23 يوليو واقتربت ذكرى 18 نوفمبر ومع اقتراب وابتعاد هذه المناسبات العزيزة تتهيأ الوسائل الإعلامية الرسمية في السلطنة لإعادة برمجة الروح العمانية على تجديد الطاعة التامة وترسيخ الولاء المطلق لكامل الأفعال المرتبطة بسياسات وخطط واستراتيجيات الدولة في مختلف القضايا والمجالات، لذا نجد الشخصية العمانية في كل مناسبة وطنية تقف مندهشة وحائرة كعادتها أمام كمية هائلة من المنجزات والانجازات التي تحققت في هذا العهد الزاهر وبذلك هي أشبه ما تكون في حالة سكون دائم يمكن وصفه على أقل تقدير بالأثر الناتج عن إبر التخدير المتواصلة.

ورغم ما تحقق وما لم يتحقق لم تتوجه الدولة العمانية حتى اللحظة بكامل إمكانياتها وقدراتها نحو اتخاذ قرار حاسم من أجل صياغة مراجعات دقيقة ودراسات شاملة لعهد امتد لأكثر من 40 عاما حتى تناقش الممارسات الازدواجية والأفعال المتناقضة التي حدثت عبر فترات هذا العهد حتى تتواكب مع الأجهزة الرسمية العمانية التي تداوم كدأبها المستمر على تضخيم كمية الانجازات وتعظيم نسبة المنجزات الواقعة على هذه الأرض ونسيان بطبيعة الحال ما هو خلاف ذلك.

فهل الدولة بكامل شخصياتها الرئيسة ومنابرها المؤثرة في المشهد العماني الحاضر لا ترى نواقص وسلبيات وتجاوزات في هذا العهد أم أنها تقف عاجزة عن الاعتراف الضمني ببروز وجه آخر للنهضة المباركة تستحي التطرق إليه وتتحاشى مناقشة تفاصيله وتتجنب معرفة جذوره، كل ذلك يدفعنا للاهتمام بمجموعة من الأسئلة والتساؤلات التي تُطرح لدى المواطن العادي كونها استنتاجات طبيعية ومشاهدة حية لأفراد وجماعات في الشارع العماني لأن الشارع يمثل نبض المجتمع وهموم المواطن حيث تشير “مجموعة من الأصوات العمانية في الخفاء وعلى استحياء وبدون أدلة قطعية إلى ابتلاء الوطن بحالات الفساد وانعدام العدالة في تقسيم الثروة وانتشار المحسوبية وظهور ملامح الطبقية وغياب أجواء الديمقراطية واتساع شيخوخة أعضاء الجسد الحكومي ووجود فجوة بين حياة المواطن وحياة المسؤول وتدني المشاركة الشعبية المؤثرة في صناعة القرار الوطني وتمركز السلطة بأنواعها المختلفة في أيادي محدودة.”

فهل كل ما سبق يتطلب تعريضه للبحث والمناقشة والبرهان؟ وهل الفرصة متاحة الآن لإثبات صحة أو بطلان الأخبار السالفة؟ وهل القيام بإجراءات جادة وعمليات جراحية ناجعة يعد مطلب ضروري في وقتنا الحاضر حتى تبدأ الحكومة في ممارسة عمليات الإصلاح والتغيير والتحديث في كافة أرجاء الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتشريعية عبر الجسد العماني؟ وهل حكومتنا الرشيدة تمتلك شجاعة البحث وهمة التدقيق في ملفات الماضي؟ وهل عمليات الإصلاح المتوقعة من شأنها توطيد العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتدعيم قنوات الشفافية بين قادة الدولة وأبناء المجتمع في عٌمان؟

من جهة أخرى فأن المتابع لحركة النهضة منذ منشأها الأول حتى الآن يكتشف أن المسئولون في السلطة والقائمون على وسائل الإعلام العمانية يتجنبون أشكال النقد وأساليب المساءلة وطرق المحاسبة كون الأمر يرتبط بالعقل العماني وريث التراث العربي والإسلامي الذي أعتمد في تفكيره الذاتي وسلوكياته الجماعية على تقدس أفعال أهل المسؤولية وتعظيم ممارسات أصحاب السلطة مهما كانت نوعية الأفعال ومهما تعدت الخطوط الملونة، ويتجنب بشتى الوسائل وبمختلف الطرق التذكير بالنواقص والأخطاء والسلبيات ذات العلاقة بالسلوك الأبوي الحكومي أكان فرديا أم جماعيا، لذا من الواجب تناول السؤال الآتي في خضم الحديث عن العقود الأربعة السالفة: هل أتقنت المنابر الإعلامية العمانية خلال العقود الأربعة في تكريس سياسة ” الولاء المطلق” في أوساط المجتمع العماني وماذا عن العبارات التي تعمقت بمرور الزمن في الذهنية العمانية من أمثال ” الأمور طيبة” و ” كل شيء تمام” ” وبلدنا عال العال”؟

أقول مجيبا بكل صراحة نعم لقد نجحت وبجدارة الأدوات الإعلامية في الوصول إلى هذه المرحلة لأن كل ما سبق خلق في النفوس وبمرور الزمن رضا مبطن تجاوزت نظرته القاصرة التأمل في بعض الزوايا المظلمة المحيطة بالواقع العماني لترى العيون العمانية المشهد بلا وعي حقيقي كما لو كنا نعيش في جنة من جنان الأرض فلا وجود لبقع سوداء أو جروح غائرة تنهش في الجسد العماني.

على الجانب الآخر، يأتي المقال الحالي ضمن المقالات الباحثة عن التغيير والإصلاح والتجديد كونه يتفاعل بشدة مع ثلة من كتاب التغيير الذين بدأت نصوصهم وكتاباتهم تفتش جاهدة عن أمل قادم يسعى لمناقشة ما هو واقع في مشهدنا العماني والمشاركة في صناعة حاضره ومستقبله، كما أن هذه الأقلام غدت ترفع شعارات جادة تحاول من خلالها تجنب تكرار صور المديح والتملق والتمجيد والتطبيل، والبحث بجدية تامة في قضايا المجتمع المهمة مثل تدني الرواتب وارتفاع نسبة البطالة وإتساع مساحة الفقر وتبعية غالبية المواطنين للبنوك الربوية وتصاعد وتيرة الغلاء وانكماش الإدارة الحقيقية في مؤسساتنا، بل تجرأت وأنكرت هذه الأصوات المخلصة وجودنا في رحاب الجنة وأنكرت أن الأربعون عام الماضية حقبة من حقب النعيم والراحة والرفاهية.

وليس معنى ذلك أننا ننكر الفرق الهائل بين 1970 وما بعد 1970، لأن الذي تحقق بعد 23 يوليو كبير وعظيم ورائع، ولكن هل يجب علينا دائما الوقوف على الأطلال وتقديس فكرة الفرق بين الماضي والحاضر أم يجب على الجميع التفكير في وجود حاضر مختلف يشارك الجميع في صياغة تفاصيله ومناقشة علله من أجل الوصول في النهاية إلى حلول ناجحة من شأنها الدفع بعجلة البناء والتطوير والتلاحم إلى الأمام.

لذا فإن هذه الفئة تبحث في المقابل عن أجوبة شافية لحزمة كبيرة من الأسئلة والتساؤلات ومن أهم وأبرز هذه الأسئلة: هل كانت المشاريع الفائتة والخطط المتنوعة خلال العهود الأربعة السابقة مشروع نهضوي عملاق ومتكامل أم إنها مجموعة من المشاريع التنموية التي تعرضت بعد تنفيذها للنجاح والفشل في ذات الوقت؟

العدد السادس سياسة

عن الكاتب

هيثم بن سليمان البوسعيدي

كاتب عماني