أصل الأذان

الأذان من بين الأمور التي لم يجد المحدثون لها أصلا روائيا مرفوعا إلى النبي ، فقاموا باعتماد رواية الرؤيا في المنامية لأحد الصحابة المغمورين والذي لم يعرف عنه إلا هذا الحديث كما يقول أهل هذه المدرسة أنفسهم ، وهذه الرواية لم ترو إلا عند أصحاب مدرسة الحديث وحسب فهي مما انفردت به هذه المدرسة دون غيرها على عكس المدارس العلوية التي تزعم أن الأذان كان بوحي من الله تعالى عن طريق جبريل وكان ذلك بحضرة علي بن أبي طالب في حين روى الإباضية رواية أبي محذور والتي يأمر فيها النبي صلى الله عليه أبا محذور أن يتعلم الأذان من بلال رضي الله عنه ويشتم من هذا الخلاف رائحة الانتصار المذهبي بين الأقوال رغم أن الأذان تناقلته الأمة عمليا عند الأمة بكافة طوائفها ومدارسها مع اختلاف بسيط عند بعض الشيعة .

athan

القرآن الكريم هو مصدر الشريعة الإسلامية فهو وحي الله تعالى المنزل على رسوله الكريم وما فرط الله في كتابه من شيء سواء أكان متعلقا بالنواحي العقدية أو الفقهية أو السياسية أو حتى الحياة الإجتماعية عامة والأسرية خاصة ، وكانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم تطبيقا عمليا لهذا الوحي الرباني فكان قرآنا يمشي بين الناس كما قالت عائشة رضي الله عنها وكلامها يؤكد أن النبي عليه السلام لم يك يستقل في تطبيقه لأمر الله عن القرآن الكريم ، فالتشريع رباني ومصدره القرآن والنبي عليه السلام يطبق ما يوحى إليه في القرآن بانتظار الإقرار الرباني ، أو التوجيه لما وصل إليه اجتهاده في ذلك ، ومثاله بيان ركعات الصلاة وكيفية أدائها ، وتقسيم الزكاة ، وكيفية أداء مناسك الحج ، وغيرها من العبادات المفروضة على الأمة  في الكتاب العزيز ، قال تعالى ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) إذن فالقرآن هو المؤسس الأصلي للأحكام والعقائد والتصورات وغيرها ولم يترك الناس في حيرة من أمرهم بل جعلهم على بينة ونور ما إن تمسكوا بها لن يضلوا أبدا .

وهذا الحس القرآني كان حاضرا وبارزا مذ زمن الصحابة رضي الله عنهم يؤيد ذلك ما رُوي عن عائشة رضي الله عنها عندما ذكر لها ابن عباس قول ابن عمر في أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه فقالت ( إنما مَرَّ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على يَهُودِيَّةٍ يَبْكِي عليها أَهْلُهَا فقال إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عليها وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ في قَبْرِهَا … ولا تزر وازرة وزر أخرى )  فالقرآن الكريم كان هو المهيمن على باقي الكلام حتى وإن تم نسبته للرسول صلى الله عليه وسلم ولكن هذا الحس بدأ يخفت شيئا فشيئا وخاصة بعد أن أصبح المرجع لثبوت الحكم الشرعي صحة السند وليس القرآن الكريم يقول يحيى بن سعيد القطان ( لا تنظروا إلى الحديث ، ولكن انظروا إلى الإسناد فإن صح الإسناد وإلا فلا تغتروا بالحديث إذا لم يصح السند ) وبهذا تم إبعاد التحاكم إلى كتاب الله تعالى لصحة ما نسب إلى رسول الله وتم الاعتماد على من قاله والنظر فيهم جرحا وتعديلا .

الأذان إقرار قرآني وليس حلم منامي

حاول بعض أهل الرواية والحديث البحث عن نصوص روائية تؤيد ما وصل إليهم من فقه ، وما لم يجدوا له دليلا روائيا استحدثوا له دليلا في عملية عُرفت تاريخيا ب( الوضع في الحديث ) وتمت نسبة تلك الأحاديث المسبوكة إما إلى النبي أو إلى صحابته  .

الأذان من بين الأمور التي لم يجد المحدثون لها أصلا روائيا مرفوعا إلى النبي ، فقاموا باعتماد رواية الرؤيا في المنامية لأحد الصحابة المغمورين والذي لم يعرف عنه إلا هذا الحديث كما يقول أهل هذه المدرسة أنفسهم ، وهذه الرواية لم ترو إلا عند أصحاب مدرسة الحديث وحسب فهي مما انفردت به هذه المدرسة دون غيرها على عكس المدارس العلوية التي تزعم أن الأذان كان بوحي من الله تعالى عن طريق جبريل وكان ذلك بحضرة علي بن أبي طالب في حين روى الإباضية رواية أبي محذور والتي يأمر فيها النبي صلى الله عليه أبا محذور أن يتعلم الأذان من بلال رضي الله عنه  ويشتم من هذا الخلاف رائحة الانتصار المذهبي بين الأقوال رغم أن الأذان تناقلته الأمة عمليا عند الأمة بكافة طوائفها ومدارسها مع اختلاف بسيط عند بعض الشيعة .

وفي نظري وهي نظرة ليست بالفصل وإنما فكرة قابلة للنقاش أن الرسول صلى الله عليه وسلم اقتبس كلمات الأذان من القرآن الكريم وكلها كلمات ذات دلالات عميقة ومعاني سامقة ترتبط بعضها ببعض بترتيب عجيب ورصين وليست أضغاث أحلام ، فعندما كان اليهود يستخدمون البوق واتخذت النصارى الناقوس جاء الإسلام ليعيد الناس إلى أذان التوحيد الذي جاء به الأنبياء عليهم السلام وإن كان البوق والناقوس لا يمثل لأصحابه سوى الإعلام بدخول الوقت المتعين فيه إقامتهم للصلاة فإن الأذان يمثل هوية ثقافية للمسلمين ويحمل بين طياته شعارات جاء بها الدين الحنيف كالتوحيد والوحدة واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والإقدام على الأعمال الصالحة التي تضمن لصاحبها الفوز والفلاح في الدارين .

ومن الطبيعي أن يكون الأذان في بداية الدعوة للإسلام ، فهو امتداد لها لما فيه من ألفاظ توافق روح الشريعة الإسلامية ، بل يكاد يكون في صميم ما يدعوا إليه النبي صلى الله عليه وسلم ومن وحدانية الله تعالى واتباع نبيه الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم وهو ذات النداء الذي صدح به في مكة .

إذ أن القول بأن الأذان كان بعد الهجرة النبوية والصلاة فرضت في ليلة المعراج _ كما يزعمون_ فمعنى ذلك أنهم صلوا في مكة صلوات بدون أذان وهو أمر مستبعد فمن مقاصد الأذان بجانب الدعوة هو الإعلام لدخول وقت الصلاة وبما أن المعراج كما يقال كان قبل الهجرة بسنة وبعضهم قال بستة عشر شهرا معنى ذلك أنهم صلوا  1825 صلاة وهم لم يحسموا أمر الأذان إلا عند مجيئهم للمدينة وعلى القول الثاني أنهم صلوا 2737 صلاة دون أذان فهل يعقل أن تمر هذه الفترة الطويلة جدا عليهم وهم لم يفكروا في كيفية الجمع للصلاة إلا بعد قدومهم المدينة .. ثم إنه يروى أن النبي عليه السلام أو غيره عندما يريدون الدعوة للصلاة فإن ندائهم يكون بالصيغة التالية ( الصلاة جامعة  ) فما الفرق بين الدعوتين إن وجدت الأولى فلما لا توجد الثانية  !!! .

وليس من الصعوبة على النبي عليه السلام وهو من هو في اصطفائه وحكمته صياغة الأذان من القرآن الكريم فكيف يعقل أن يجعل الأذان مشورة بين أصحابه ثم يأتي الفرج برؤيا منامية ، فهل أصبحت الأحكام الشرعية تبنى على الرؤى والأحلام ؟ فأين ذهب القرآن !

الرواية سندا

اختلف المحدثون في رواية الأذان من ناحية السند حيث تحاشى البخاري ومسلم روايتها حسب الحاكم في المستدرك حيث يقول (وشهد عبد الله بن زيد في السبعين من الأنصار ليلة العقبة في رواية جميعهم، وشهد بدرا، وأحدا، والخندق، والمشاهد كلها مع رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وكانت معه راية بني الحارث بن الخزرج في غزوة الفتح وهو الذي أري الأذان الذي تداوله فقهاء الإسلام بالقبول، ولم يخرج في الصحيحين لاختلاف الناقلين في أسانيده )

في حين نقل ابن حجر في الإصابة أن الصحابي الذي روى هذه الرواية توفي قبل الهجرة حيث يقول العسقلاني (وقال الحاكم: الصحيح أنه قتل بأحد فالروايات كلها منقطعة انتهى . وخالف ذلك في المستدرك وفي الحلية في ترجمة عمر بن عبد العزيز بسند صحيح عن عبد الله العمري قال: دخلت ابنة عبد الله بن زيد بن ثعلبة على عمر بن عبد العزيز فقالت: أنا ابنة عبد الله بن زيد شهد أبي بدرا وقتل بأحد فقال: سليني ما شئت فأعطاها. )

وشكك البعض في سماع سعيد بن المسيب من عبد الله بن زيد الأنصاري قال الحاكم (وقد توهم بعض أئمتنا أن سعيدا لم يلحق عبد الله بن زيد، وليس كذلك، فإن سعيد بن المسيب كان فيمن يدخل بين علي وبين عثمان في التوسط وإنما توفي عبد الله بن زيد في أواخر خلافة عثمان )

الرواية متنا

ولا شك أن هذا التضارب في السند يجعلنا نقف وقفة تأمل في أصل هذه الرواية ومدى صحتها وثبوتها سندا قبل أن تثبت متنا حيث أن المتن أيضا تكلم فيه العلماء وخلاصة الخلاف هو في إثبات الأذان وهو حكم شرعي برؤيا منامية يقول ابن حجر العسقلاني ( وقد استشكل إثبات حكم الأذان برؤيا عبد الله بن زيد لأن رؤيا غير الأنبياء لا ينبني عليها حكم شرعي، وأجيب باحتمال مقارنة الوحي لذلك، أو لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بمقتضاها لينظر أيقر على ذلك أم لا، ولا سيما لما رأى نظمها يبعد دخول الوسواس فيه، وهذا ينبني على القول بجواز اجتهاده صلى الله عليه وسلم في الأحكام وهو المنصور في الأصول، ويؤيد الأول ما رواه عبد الرزاق وأبو داود في المراسيل من طريق عبيد بن عمير الليثي أحد كبار التابعين أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الوحي قد ورد بذلك فما راعه إلا أذان بلال، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ” سبقك بذلك الوحي ” وهذا أصح مما حكى الداودي عن ابن إسحاق أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالأذان قبل أن يخبره عبد الله بن زيد وعمر بثمانية أيام، وأشار السهيلي إلى أن الحكمة في ابتداء شرع الأذان على لسان غير النبي صلى الله عليه وسلم التنويه بعلو قدره على لسان غيره ليكون أفخم لشأنه، والله أعلم. )

ويقول النووي (ثم رأى عبد الله بن زيد الأذان فشرعه النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك إما بوحي وإما باجتهاده -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على مذهب الجمهور في جواز الاجتهاد له -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وليس هو عملاً بمجرد المنام، هذا ما لا يشك فيه بلا خلاف، والله أعلم )

وقد ذكر السدويكشي في الحاشية على كتاب الإيضاح لأبي ساكن الشماخي ما معناه ( والأذان ثبت بوحي من الله أو باجتهاد منه صلى الله عليه وسلم )

يشي هذا التوجه من بعض العلماء واستنكارهم لثبوت الأذان بتلك الرؤيا إلى عدم التسليم المطلق لتلكم الرواية وما هذا المقال إلا بذرة نرميها لكي يسقيها العلماء الأفذاذ من رفدهم ومعين علمهم لكي يتبين لنا ما هو الصواب ، فالمقال ليس بقول فصل وليس بتقرير حكم وليس برد رواية أو نفي حكم بقدر ما هو تساؤل حول صحة الرواية من عدمها بما طالعنا من أقوال العلماء والفقهاء والمحدثيين .

athan2

الأذان في القرآن الكريم

على أن ذلك لا يمنع أن ننظر في القرآن الكريم لنجد إن ألفاظ الأذان كلها موجودة في القرآن وبنسق عجيب يندهش المتأمل في ألفاظ معانيه ، فيدرك أنه ليس مجرد رؤيا منامية جاءت صدفة هكذا .

فالأذان يبدأ بتكبير الله تعالى وهو من شأنه أن يجلب الانتباه ، ويصغر نفس السامع أمام عظمة الله يقول تعالى يقول في التكبير ويقول ( وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا ) الإسراء ، وقال جل شأنه (ولتكبروا الله على ما هداكم ) البقرة . وقال (  اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) العنكبوت .

فالتكبير هو ذكر لله تعالى وهو أكبر من كل شي يشغل بال الإنسان فكان حري ابتداء الأذان بتكبير الله تعالى لشد الأسماع وجذب الأذهان .

ثم تأتي الشهادة لله تعالى وهو إقرار لله تعالى بالوحدانية وانفراده بالألوهية يقول تعالى (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) محمد ، والاستغفار دعاء والصلاة هي أعظم الدعاء .

وقال تعالى (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ َلا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ {35} وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ ) الصافات .

فهنا ربط بين الدعوة لوحدانية الله تعالى وبين ما كانوا يعبدون ويصلون له من أصنام فبدعوة الألوهية في الأذان يستكبر هؤلاء ويقولون في أنفسهم وفيما بينهم  وبعد سماعهم للأذان أنترك آلهتنا لهذا الشاعر المجنون .

وهذا الاستكبار والإعراض عن دعوة الله تعالى يتبعه نكران منهم لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم واتهامه بالسحر والجنون لذا كانت الدعوة للإيمان والتصديق برسالة محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان يدعو الناس لأمر الله تعالى ويبينه لهم وهو أمر الصلاة يقول تعالى (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً ) الفتح.

لاحظ أنه بعد إثبات رسالة النبي عليه السلام يتبعه فعل من أفعال الصلاة وهو الركوع و السجود وكأن الأمر متسق مع وجود الشهادة لرسالة محمد في الأذان والذي هو دعوة للركوع والسجود ( الصلاة ) ويقول تعالى (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً {40} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً {41} وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً {42} ) الأحزاب.

لقد كان المتلفظ بالشهادتين في عصر الرسالة يعرف أنه يجتاز عالـماً بأكمله ويدخل إلى عالم جديد ، يجتاز عالم الجاهلية بمبادئه وأخلاقه وعاداته ويَعْبر إلى عالم الإسلام والذي لم يك مجرد كلمات يتمتم بها الرجل وإنما يتبع التسليم والإيمان والعمل لذلك جاءت الدعوة والتحفيز والتشجيع لأمر فيه فوزهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة وهو الصلاة وهو أمر تكرر ذكره في القرآن حيث ورد  لفظ الصلاة ومشتقاتها في القرآن مقترنة بلفظ القيام نحو 51 مرة والآيات في ذلك كثيرة جدا يقول تعالى (وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) الأنعام ويقول جل شأنه (وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ) الأعراف ويقول ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) الشورى .والآيات في ذلك كثيرة جدا في كتاب الله العزيز .

بامتثال هذا الأمر ( أمر الصلاة ) يترتب على ذلك الفلاح وهو ما يأكده القرآن الكريم أن بالصلاة يفلح الإنسان والدعوة للفلاح في الأذان تأتي بعد الدعوة للصلاة ليكونا على خط واحد يقول تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى {14} وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى {15} ) الأعلى . فالدعوة للصلاة في الأذان هي نفسها الدعوة للفلاح فمن صلى قد فاز وفلح ويأكد ذلك قول الله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {2} ) المؤمنون . ويقول تعالى (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ {4} أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) وهنا أيضا يأتي الفلاح بعد إقامة الصلاة وهو ما اقتبسه النبي عليه السلام لصياغة الأذان .

إن نداء المؤذن حي على الصلاة ، حي على الفلاح على رأس وقت كل صلاة إعلان عــن وسطية الإسلام وجمعه بين الدين والدنيا ، فالمسلم في عبادة قبل الحضور إلى المسجد، وهو في عبادة عندما يحضر بعد سماع الأذان، وهـــو فـي عـبـادة عندما ينصرف بعد الصلاة إلى أشغاله وأعماله ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون )
ويعود التذكير بعظمة الله تعالى مرة ثانية في نهاية الأذان وأن دعوة الصلاة والفلاح هي دعوة ربانية في البداية والنهاية وليست دعوة ساحر أو مجنون كما قال الكفرة المكذبون ، وهو ما يحفز همة المؤمنين المصدقين لتركهم ما في أيديهم إجابة لداعي الله ، وهو ما يأكده قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) الجمعة . والبيع كان عصب الحياة فبه يترزق الناس وتدور عجلة الحياة ولكن تركه والذهاب للصلاة أولى من ذلك وكما قال سبحانه رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار .

هكذا نعلم أن الأذان مستنبط من القرآن الكريم ( من وجهة نظري )  وليست الأحلام مصدرا للأحكام وتشريعها بل النبي عليه السلام هو الذي يبين في تطبيقه أوامر القرآن الكريم والذي أشار للأذان ابتداء كما في قوله تعالى (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ ) وكما في قوله ( يا آيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة )  .

فالأذان أصله من القرآن وكلماته كلها من القرآن ، تم اختيارها وترتيبها بعناية ، وهذا الاختيار والترتيب مقصود لأمر يتجاوز مجرد الإعلام بدخول وقت الصلاة ،

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

العدد السادس ثقافة وفكر

عن الكاتب

هيثم إبراهيم المحرمي

كاتب عماني
محرر مجلة الفلق الإلكترونية