السريالية تلك الحركة التي نشأت تحت حطام الحرب العالمية الأولى تجاوزت كل التوقعات , فمن نظرية سياسية ومناوشات في علم النفس إلى مدرسة فنية وأدبية لها زخم وحضور في كثير من الأعمال. استطاعت أن تثبت نفسها ردحا من الزمن وهي تقتات على فلسفات فرويد رائد التحليل النفسي المشهور بنظرياته المثيرة للجدل. ومقارنة بالعمر القصير للقران بين بين السريالية وبين التحليل النفسي, فقد استطاعت حقا خلال كل هذه السنين أن تكون منطقية في الفن التشكيلي وفي الكتابة الشعرية.
أما القصة تشهد اضطرابا في إثبات نفسها كقصة من حيث المصطلح والتعريف عندما تصبح فطيرة سريالية. في حين يعتبر البعض إن إسقاط الحس اللاشعوري وتجاوز الحقيقة – وهي السريالية – في النص القصصي سيجعل من القصة نصا شعريا بامتياز. ومن هذا المنطلق اعتبرت القصة السريالية, تكلفا, ولا مجال لربط منطقي بين عناصر القصة وملامح السريالية.
من حيث المبدأ , فإن تلطيخ لوحة بالألوان , ورسم ساعة ذائبة على سرير , وفيل ورقي ميت على شاطئ , لا يحدث فارقا في كونها لوحة, وحتى لو اجتمعت عشرات الصور الخيالية في لوحة واحدة , فستبقى لوحه بالمعنى الذي تعارف عليه البشر, لوحة بألوان وبأشكال هندسية ومنحنيات متقاطعة. أما الترابط بين العناصر وتفسير العمل فهو متروك للمتذوق والناظر.
جزئيا تنطبق الفكرة ذاتها على النصوص الشعرية السريالية , فقلما نجد ترابطا منطقيا بين شطر وشطر , صورة أولى لطائر بحجم الإنسان, وتليها أخرى لإله يسكن مغارة , غير أن الشاعر يضع في باله تصورا حول معنى محدد ورابط ما يجمع الأشطر, ولا يعني هذا بالضرورة أن يكون الترابط هدفا, بل إن الشعر ككيان يلعب على حبل العواطف وإثارة الأحاسيس ولو بصور فوق الخيال والسريالية عمقت من جودة الظاهرة الشعرية بهكذا دور. ولا غرابة إذا من الارتباط الأول بين السرياليزم وبين علم النفس.
نعود للقصة وهي موضوعنا, التي يعتبر فيها الترابط أساسيا, وما من مساحة فنية تبيح نثر صور متضاربة. حيث يشكل الترابط هدفا لأجل إنهاء النص القصصي بسلام. وهذا في الحقيقة ما يعيق إسقاط الظاهرة السريالية على نص قصصي. إضافة إلى ذلك تلعب السريالية دورا في إيجاد مغالطات حول حبكة القصة, فالنص القصصي وظروفه الفنية اضعف من إن يحتمل تفسيرات عديدة , وان استخدام لغة مفرطة بالخيال قد يشكل تساؤلات عما إذا كان للقصة من أرضية مكانية أو زمانية بفعل التناقض والصور المتلاحقة !
رغم السيئات الظاهرة أمامنا , فلا أخفيكم , إن الحسنة الوحيدة للمدرسة السريالية في القصة هي إنها قادرة على صنع دراما قوية للأحداث ويظهر تأزم المواقف بشكل جلي وهي تتطور سريعا , بسبب نزعة الانفلات لدى معتنقي المدرسة. وتوصف بأنها قوية لأنها تحاكي داء الهلوسة عند المرضى الذي يجعله المرض يرى عشرات الصورة اللاحقيقية بطريقة متسارعة مما يوجد فيه أزمة خوف وتوتر.
أرى انه مع جهد أكبر لدراسة علاقة ممكنة بين القصة والسريالية , قد نصل لثغرات يمكن من خلالها إحداث قصة سريالية حقيقية, دون أن تخل بالتعريف البنيوي للقصة. وكما إن وجود نص مسرحي سريالي يشكل أملا ما نحو إيجاد كلمة السر التي تجعل من السرياليزم قادرا على دخول مغارة النص القصصي المجرد من زوائد النص المسرحي.
إلى الآن أكاد لا أرى حتى أنصاف الحلول لحل الأشكال, وأعود لأسأل نفسي السؤال ذاته, هل القصة السريالية تكلف أم منطق ؟, هي تكلف عندما تصبح مجازفة دون الأخذ بالاعتبار ماهية السرد بتعريفه المجرد والبسيط , وتصبح منطقا إذا ما أصبحت يوما ما ممكنة الحدوث.
حتى هذه اللحظة التي انهي فيها المقال, لا استطيع الإجابة عن السؤال تحديدا, ولندع الإنتاج القادم يجيب على السؤال , أليس حلا معقولا ؟!!