عندما خُدش “هُبَلْ”

. إلا أن هُبَلْ لا يزال متواجد بين ظهرانينا كأمة عربية مسلمة … و يتشكل بأشكال متعددة ، و يعبد ويعظم ويجل ويمجد بطرق و وسائل عدة ، فالعباد و إن كانوا يدينون بديانة الإسلام دينا وعقيدة إلا أن تقديس وتعظيم وإجلال وتبجيل وعبادة هُبَلْ – المتعدد الوجوه و الأشكال و الأغراض – ما تزال قائمة بل مستشرية ومفروضة ومنتشرة وموجهة ومباركة من قبل المجتمع وأفراده وساسته …

hubal


“هُبَلْ” هو أحد المعبودات لدى العرب القدماء قبل الإسلام، وهو صنم على شكل إنسان وله ذراع مكسورة، قام العرب بإلحاق ذراع من ذهب بدل منها”.

… كان هذا قبل الفتح الإسلامي الكبير و انتصار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على مشركي مكة قبل نحو أربعة عشر قرنا.

أصبح العرب المسلمون بعد ذلك يعبدون الله الواحد القهار في ظل تعاليم سماوية أنزلها الله على رسوله محمد الأمين (صلى الله عليه وسلم).

و لكن هل لا يزال هُبَلْ متواجد بيننا نحن الأمة العربية الإسلامية التي كرمها الله بالدين الإسلامي الحنيف و شرفها على العالمين بأن ابتعث نبيا عربيا رسولا و نبيا على العالمين ليختم الرسالة السماوية ؟

رغم مرور أربعة عشر قرنا على تحطيم الصنم “هُبَلْ” من قبل صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) و هم يدخلون مكة منتصرين بنصر الله فاتحين بأمر وتوفيق منه عز وجل … إلا أن هُبَلْ لا يزال متواجد بين ظهرانينا كأمة عربية مسلمة … و يتشكل بأشكال متعددة ، و يعبد ويعظم ويجل ويمجد بطرق و وسائل عدة ، فالعباد و إن كانوا يدينون بديانة الإسلام دينا وعقيدة إلا أن تقديس وتعظيم وإجلال وتبجيل وعبادة هُبَلْ – المتعدد الوجوه و الأشكال و الأغراض – ما تزال قائمة بل مستشرية ومفروضة ومنتشرة وموجهة ومباركة من قبل المجتمع وأفراده وساسته …

و مهما اختلف و تعدد شكل هُبَلْ في حياتنا المعاصرة، فلا يمكن أن تتحدث سلبا عن هُبَلْ هذا … و لا يمكن أن تنتقده أو تحاول نصحه و إصلاح توجهاته، و إن فعلت ذلك ثار عليك سدنته و العباد، و أصبح ينظر إليك بالمتمرد المنشق الذي تطاول على الآلهة المكرمة المجللة المصون حرمتها ومكانتها … فهُبَلْ هذا – حسب ما ينظر إليه و يعتبر – هو الصواب وهو الكمال وهو من جلب الخير وهو من أنعم وهو من أهدى و من بنى وشيد وعمّر وأنجز وهو من اختار وزكى وخطط ورفع كرامة الإنسان … فلا يمكن أن يخطيء أو يُقصر أو يظلم …

هُبَلْ عصرنا الحديث المتعدد الأشكال و المظاهر له سدنته وخدمه المطيعين … يخدمونه باخلاص و امتنان … فلا يمكن أن يُشك في اخلاصهم وتفانيهم … وأمانتهم وعفتهم، وهم حريصون على الحفاظ على صورة هُبَلْ هذا المتعدد الأشكال و الأهداف والأغراض والمقومات والتطلعات من دون فساد أو امتهان.

أما عباد هُبَلْ وهم العامة المختارة و الغير مختارة من المجتمع فما عليهم إلا العبادة و تقديم الولاء والطاعة و العرفان و بذل النفس و النفيس في سبيل تحقيق طموحات و تطلعات و توجهات هُبَلْ و سدنته … و يجب عليهم ألا يفكروا أو يتمعنوا أو يتناقشوا في الأمور … فهُبَلْ و سدنته كفلوا كل شيء عنهم فهم القائمون بالواجب و هم الحريصون على سلامة و راحة و نِعم وخيرات العامة من المجتمع … فعليهم عدم القلق و الامتعاض والتفكير والتوجيه ، فكل الأمور يعنى بها ومسيطر عليها وتسير على نهج قويم خدمة لمصلحة هُبَلْ وسدنته … وعباده.

و لكن سدنة هُبَلْ تمادوا في الحفاظ على كينونته ورعايته وسلامته وما منحه من بركات وخير ورزق … فهم المقربون وهم الموقرون والمبجلون ، وهم الأخيار الذين لا يوجد مثلهم في الديار ، وهم الذين لا يمكن أن يخطئوا أو يتجاوزوا أو يستفيدوا أو يُقصروا و كذلك لا يجب محاسبتهم أو مساءلتهم فقد كسبوا ثقة الراعي الأكبر لمعبد هُبَلْ بكل جدارة و اقتدار … فكل شيء يدار عند أولئك السدنة كما أراد هُبَلْ ذلك المعبود الذي رزق العباد الخير و العطايا و الهبات من دون منة أو تقصير أو إخلال… أو هذا ما يظنونه و يتصورونه و يعتقدون به.

و لكن العباد –  و إن كانوا لا يزالون يقدسون ويجلون ويبجلون ويعبدون هُبَلْ – ساءهم تصرف السدنة و حرصهم على كينونة وقدسية هُبَلْ وبرغم رهبتهم  من سطوة أولئك السدنة الذين لم و لن يسمحوا للعباد في التمادي و التطاول في مخالفة توجهاتهم وتطلعاتهم وحرصهم وحفاظهم على هُبًلْ وهيمنته وهيبته ومكانته … بدأ أولئك العباد في التذمر من سطوة أولئك السدنة ويرهبون من العواقب التي قد تنصب عليهم منهم … فكان أن بدأوا في الحديث في مجالسهم الخاصة والعامة عن تصرفات أولئك السدنة وأنانيتهم وجشعهم و أطماعهم و نفوذهم وفسادهم وسطوتهم وإساءاتهم لهُبَلْ … فكان أن ثارت حمية بعض العباد الذين يرون في هُبَلْ و سدنته الأخيار مثالا يجب الحفاظ عليه و الإقتداء به و السير على دروب و ركب السدنة الذين لا يمكن أن يخطئوا أو يسيئوا لهُبَلْ المعبود وعباده المخلصين الأوفياء ….

خدش هُبَلْ و صورته الجميلة حين حاول بعض العباد دعوة سدنته مراعاة ظروفهم وتلبية بعض مطالبهم البسيطة منها إصلاح ظروف و آليات عبادة المحبوب والمعبود هُبَل …

و خدش هُبَلْ نتيجة تصرف السدنة الغيورين عليه والحريصين على عطاياه وخيراته رهبة في تقديم أية تنازلات تؤدي إلى ضعضعة وضعهم بين العباد وفي معبد هُبَلْ.

و لكن السدنة لم يكترثوا أو يهتموا لهذا الخدش – و لو بدى ذلك – فهم على يقين بمكانتهم و قدراتهم و حظوتهم و الثقة بهم لدى الراعي الأكبر لمعبد هُبَلْ ، فلم يهتموا أو يعطوا الأمر بالا متأكدين أن ذلك الخدش يمكن إعادة تجميله و تحسين ظاهرة بالقدرات و الإمكانات التي لديهم …

و لكن من اكترث و اهتم وتحسر واستشاط غاضبا على ذلك الخدش ومطالب أولئك العباد هم بعض العباد أيضا الذين ما أن سمعوا  بحادثة “الخدش” حتى ثارت ثائرتهم و هبت نخوتهم و عزيمتهم للدفاع عن هُبَل و هيبته ومكانته وسدنته وسطوتهم … هبوا يكيلون التهم والنعوت على أولئك العباد الذين تطاولوا على المعبود هُبَلْ وسدنته رغم أنهم لم يطالبوا بشيء سوى الإصلاح في طريقة التعبد و التقرب لهُبَلْ ومنح العطايا وتخفيف سطوة السدنة على مقدرات مجتمعهم وحثهم لبقية العباد التحلي بالشجاعة والعزيمة دون رهبة في تحقيق طموحاتهم و مطالبهم.

دار سجال بين العباد … الكل يدافع عن هُبَل وعن هيبته و وجوب الحفاظ عليها وسطوة سدنته الذين يجب أن يتمتعوا بتلك السطوة و الهيبة … وإلا كيف سيديرون هيكل المعبد وتقديم القرابين والضحايا لهُبَل الذي يجب أن يحتفظ بمناسك عبادته وجماليات إلوهيته وطاعة عبادته.

لزم السدنة الصمت ليقينهم أن استمرارية الجدال والصراع بين العباد يكسبهم قوة ونفوذا وحرصا على الحفاظ على هُبَل وجمالياته وطقوس عبادته …  فما كان إلا أن ازدادت قوتهم وسطوتهم ونفوذهم.

بقي العباد في سجالهم لم ينالوا شيئا من جدالهم إلا استمرارية عبادة وتقديس وتبجيل هُبَلْ وهي مناسك واجبة و مفروضة عليهم … والخنوع لسدنته وأهواءهم و توجهاتهم … يتقاذفون التهم و الشك حول آلية عبادة هُبَلْ و تبجيله و تثمين دور سدنته في ما آل إليه الأمر من حب وتبجيل وتعظيم لهُبَلْ وسبل التقرب إليه في ظل وجود أولئك السدنة الذين لا يكترثون بجماليات عبادته والحفاظ على مكتسبات تلك العبادة بقدر ما يهمهم بقاءهم في هيكل المعبد منعمين مثريين من عطاياه و قربهم منه.

مسقط في 23 رمضان 1431 هـ

الموافق 3 سبتمبر 2010 م

العدد السابع سياسة

عن الكاتب

مازن الطائي

كاتب عماني وباحث في الشؤون التاريخية