قبل عام من الآن تقريباً ضجّ “الحراك الرقمي المحلي” – إن صح الوصف!- في السلطنة بالحديث حول ما بات يُعرف بقضية “وثائق التعليم العالي” التي قام المُدوّن عمّار المعمري بنشرها في مدونته.
تلك الوثائق كانت عبارة عن ملاحظات – أو “استفسارات أولية” – موجهة من جهاز الرقابة المالي للدولة لوزارة التعليم العالي بسلطنة عمان بخصوص “منحها” بعثات غير مستحقة دراسية لأبناء بعض المسؤولين في الدولة، وحتى يومنا هذا فإن تفاصيل آلية تسريب هذه الوثائق وما صاحبها من أحداث والأهم من ذلك ما ترتب عليها من نتائج لا تزال غامضة على الكثيرين، ومن ناحيةٍ أخرى فإن الاختلاف لا يزال قائماً حول “أخلاقية” فضح أسماء أولئك الطلبة بالإضافة إلى جدوى ذلك التصرف مقارنةً بالمخاطر القانونية و”الأمنية” التي ترتبت عليه. وأخيراً حول فائدة مناقشة مثل هذه القضايا في العالم الرقمي الذي يصفه البعض بأنه مجرد “زوبعة في فنجان”.
إذاً في هذا الطرح تبيان لتلك التفاصيل وذلك مع الشكر لـ”المصادر المُطلّعة” التي زودتني بالمعلومات اللازمة له.
* البداية:
كمواطنين فإن بداية اطلاعنا على هكذا “تجاوزات” و “مِنح” من قبل وزارة التعليم العالي كان عبر خبر طرحه الصحفي المتميز محمد بن علي البلوشي في جريدة الشبيبة بتاريخ 1/6/2009م [1]، ورغم أن الخبر سرد معظم ما جاء في الوثائق إلا أنه لم يتم إلحاق المستندات معه ولم يتم ذكر أسماء المستفيدين من هكذا “تجاوزات” وهو أمر يمكن إحالته إلى خوف الصحفيّ أو الجريدة من الملاحقة القانونية.
ولكن ما لا يعرفه عامة الناس أن تلك الوثائق لم ترسل فقط لمحمد البلوشي بل أرسلت لمجموعة من الصحفيين في نفس الوقت من قِبل موظف سابق في وزارة التعليم العالي قدم استقالته قُبيّل تسريبه لتلك الوثائق نتيجةً لعدم تحمله لتلك التجاوزات المتكررة، ولكن لتخوف البعض من الدخول في متاهات نشر مثل هذه الأمور ولأسباب أخرى كان السبق الصحفي لمحمد البلوشي وحده.
وبعد ثلاثة أيام نشرت الجريدة ذاتها رد وزارة التعليم العالي الذي جاء هزيلاً وخالياً من المصداقية في ظل تركيزه أن جهاز الرقابة المالية للدولة لم يوجه “ملاحظات شديدة” للوزارة وإنما كانت مجرد “استفسارات واستيضاحات أولية” لم يتم الرد عليها بعد، وأن الوزارة لم ترد بشكل نهائي وأن العبارات التي نسبت للوزارة مثل أن الطالب أعطي بعثة نتيجةً لـ”إلحاح والده المستمر” ليست سوى مجرد “مسودة” رد لم يتم اعتمادها بعد.
ومن الجدير بالذكر أن جهاز الرقابة المالية اجتمع حينها لمعرفة مصدر التسريب قبل أن يخلص في النهاية أن الخلل ليس منه وإنما من الوزارة نفسها.
وهكذا مرّ الموضوع بهدوء، أو كاد..
* الوثائق في العالم الرقمي:
بما أن الاستخدام الرئيسي لصحفنا الورقية في عُمان هو كـ”سفرة” للطعام وأن خبر الشبيبة لم يكن بذلك الثقل لافتقاده –نسبياً- لأدلة قاطعة ولأسماء المستفيدين بالإضافة لصدور رد الوزارة فإن الموضوع ما لبث أن خَفَت تدريجياً إلى أن أعاد المُدوّن عمار المعمري [نبشه] بطريقة صدامية وثقيلة جداً وذلك عبر نشره لمراسلات جهاز الرقابة المالية ووزارة التعليم العالي دون شطب الأسماء في مدونته بعد شهرين تقريباً (13 أغسطس 2009م) من نشر خبر جريدة الشبيبة [2].
وفي الحقيقة فإن عمّار المعمري لم يكن أول من حاول نشر الوثائق في العالم الرقمي فقد كانت هناك ثلاث محاولات فاشلة لنشر الوثائق في” سبلة عُمان” كان مصيرهن جميعاً الحذف من قِبل المشرفين، وفي المحاولة الأخيرة – التي تمت قبل سويعات من نشر عمّار للوثائق- نجح أحد الأعضاء في حفظ الوثائق قبل أن يحذف الموضوع من جذوره بعد أقل من نصف ساعة من نشره، ومن ثم قام بإرسال الوثائق لعمّار الذي تكفل بكل جرأة بنشرها في مدونته دون أيّ تصرف بها من قِبله.
ومن مدونة المعمري عمّار انتقلت هذه الوثائق إلى منتدى “الحارة العمانية” حيث تم تثبيت الموضوع ومناقشته بكل أريحية – قبل أن تقوم سبلة عُمان بنفس الشيء لاحقاً- ولم يطل انتظار الناس ليصل رد “الجهات المختصة” عبر اختراق الحارة لعدة ساعات واختراق البريد الإلكتروني الخاص بعمّار المعمري، مما يعيد للذاكرة قصة اختراق “سبلة العرب” بعد سُويّعات من نشر موضوع فضح بعض كبار المسؤولين في الإدعاء العام في نوفمبر 2006م [3]
هذه المرة كانت الفضيحة “بجلاجل” كما يقولون، وانتشرت الوثائق كانتشار النار في الهشيم وأصبحت وزارة التعليم العالي هدفاً مُستباحاً ومشروعاً للجميع، ورغم ذلك فإنه لم يطفوا للسطح أبداً أي تحرك رسمي رغم تحركات “ما تحت الطاولة” في مكتب معالي وزيرة التعليم العالي وطلب الرقابة المالية لتقارير حول عمّار المعمري ومعاوية الرواحي باعتبارهما أبرز من سببا إزعاجاً و”صداعا” بخصوص هذه القضية.
ولكن هل كان كل هذا “زوبعة في فنجان” حقاً؟!!
* ماذا حصل بعد نشر وثائق التعليم العالي؟!
شبِع “الشارع العماني” غمّاً من الأسباب الواهية التي جاءت لتبرر تلك الوثائق وحصول أولئك الطلبة والطالبات على بعثات غير شرعية من قبيل ” نظراً لخدمة والدته الوطنية الطويلة” وأمسك رأسه من تعبير “يمنح” التي استعملته [معاليها] وهو الذي لم يتعود على المِنح إلا من جلالة السلطان..أو جلالة الله!
ولكن هذا “الشارع” المغلوب على أمره لم ير ردة فعل حكومية على هكذا “إهانة” بحقه، أو إن أردنا الدقة فهو لم يطلّع على ردود الفعل بشكل واضح ولذلك نرى الكثيرين يؤمنون بأن الكتابات الإنترنتية بشتى أشكالها لا طائل ورائها وأنها لن تخلق حراكاً شعبياً أو تساهم في تغيير وضعٍ ما.
يجب علينا أن نعرف أن جهاز الرقابة المالية للدولة لم يرفع مراسلاته – أو ملاحظاته- مع وزارة التعليم العالي إلى جلالة السلطان بعد وإنما سيقوم بهذا خلال هذا العام (2010م) وذلك نظراً لآلية عمله التي تقتضي رفع تجاوزات العام الحالي بعد عام، وربما هذا هو السبب وراء عدم إطاحة هذه التجاوزات بمعاليها من كرسيّها الوزاريّ حتى الآن إن افترضنا أن هذا هو العقاب المنطقيّ لهكذا تجاوزات.
ومن ناحيةٍ أخرى فإن تسريب مثل هذه الوثائق أوجد “حلاً” لمعاليها من مطالبات مُحرجة و”إلحاحات” مشابهة من رجال و “أمهات وطنيات” لهم ولهن مناصبهم في الدولة للحصول على “بعثات غير شرعية”، وهو ما حصل فعلاً عندما حاول مؤخراً مستشار كبير في الدولة التوسط لأحدهم لدى معاليها فرفضت وساطته بكل لباقة مُتعللةً أنها لا تستطيع تحمل “فضيحة” أخرى!
ولهذا فعلى معاليها أن تكون شاكرةً لعمار المعمري!
أما ردة الفعل الأهم فهي تكمن في إلغاء بعض الطلبة والطالبات لدراساتهم من تلقاء أنفسهم – وليس بطلبٍ من الوزارة- وذلك بعد فضح أسماؤهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر هناك الطالبة التي حصلت على بعثة كاملة “تقديراً للظروف التي مرت بها” (وهي ابنة أخ أشهر وزير في عُمان!) و آخر بدّل مكان تدريبه للطيران وثالث هو ابن أحد [السادة] ومحافظ إحدى محافظات سلطنتنا الحبيبة..كل هؤلاء –وربما غيرهم- رجعوا نتيجةً للنشر الغير أخلاقي – كما يصفه البعض- لوثائق التعليم العالي
.
إذاً في النهاية نحن لا نستطيع القول أنه لم تكن هناك ردود فعل تجاه “الحراك العنكبوتي” في السلطنة، ورغم أن التأثير قد لا يكون بالحجم الكافي إلا أنها البداية فقط. وهذا ما يمكن استشفافه من رد المسؤولين عبر الصحف وعبر أقلام بعض المُستأجرين هناك حول ما يدور في المنتديات والمدونات، وكذلك من حديث أحد الوزراء خلال الشهر الفضيل حول ما يدور في المدونات من هجوم على الدراما العمانية أثناء مأدبته للأدباء والكتاب التي يقوم بها بشكل سنوي، وهو حديث اتسم يومها بمعرفة دقيقة حول ما يدور في عالم المدونات.
في الختام فإن الهدف من هذا الطرح هو اطلاع الرأي العام في عُمان حول نتائج وتفاصيل تجربة بارزة من تجارب فضح الفساد على الشبكة العنكبوتيه، وعسى أن لا تظل هي التجربة الأبرز إلى الأبد.
——————————-
المراجع
[1] http://1.bp.blogspot.com/_2GKTnYIbONI/SoNVQH6XU5I/AAAAAAAAAa4/mE0X5Kghj3o/s1600-h/222.jpg
[2]http://omani1970.blogspot.com/2009/08/blog-post_13.html
[ 3) http://omani1970.blogspot.com/2009/11/blog-post_4440.html