قراءة تحليلية لخطاب صاحب الجلالة قابوس بن سعيد سلطان عمان 2010

qaboos2

عودنا جلالته على عدم الخوض في التفاصيل بل إعطاء الخطوط العريضة لفهم المرحلة المقبلة عليها بلادنا الغالية في خطاباته السنوية لمجلس عمان بحضور الحكومة كاملة في مكان واحد فالكل حاضرون سلطان البلاد و أعضاء مجلس الوزراء وأعضاء مجلس الدولة وأعضاء مجلس الشورى والمستشارون والأعيان . إن فكرة و جود الحكومة كلها في مكان واحد وفي توقيت محدد مسبقا و معلن في وسائل الإعلام المحلية و الخارجية لها من الدلالات الرمزية الكثير أهمها في نظري أن بلدنا آمن و لله الحمد.

ولقد أعدت سماع الخطاب السامي لجلالة السلطان -حفظه الله- مرات عديدة فقد اعتدنا أن تكون خطابات جلالته صورة لمعالم المرحلة القادمة من مسيرة البناء في الدولة العمانية الحديثة التي أكملت عقدها الرابع هذا العام و هي حاليا على مشارف الاحتفال بالعيد الوطني الأربعين في نوفمبر القادم. وقبل سماع الخطاب كنت أتسال: حكومتنا عمرها أربعين عاما فهل فعلا أكملت بناء البنية الأساسية للدولة و حققت انجازات قياسية ينظر الأعمى لها و تُسمع من به صممُ !؟

كان الخطاب و التكهن بمضمونة من الصعوبة البالغة فقد تم التحدث في الخطابات السابقة عن التعليم و الزراعة والصناعة و المرأة و محاربة الفساد الإداري و المالي، فماذا بقيء للحديث عنه و رسم معالمه؟ أم أن الحديث سيكون ” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا “، حسنا الحديث لم يكن كذلك بل تضمن حسب فهمي له محاور أساسية:

1.دلالات رمزية.

2.إشارات أمنية “فلنقل تجاوزا تحذيرات مبطنه”.

3. معالم للمرحلة المقبلة.

4.مبادئ الفكر السياسي و الاجتماعي للدولة.

• الدلالات الرمزية:

“لا وطن بدون ذاكرة وظفار ذاكرة النهضة العمانية”

بدأ جلالته أولى الدلالات الرمزية بالحديث عن أن الهدف من عقد الاجتماع في مدينة صلالة بمحافظة ظفار مقصودا لمعنى رمزي فقال جلالته ” للقاء اليوم في مدينة صلالة ونحن على مشارف الاحتفال بعيد النهضة الأربعين دلالة رمزية ففي محافظة ظفار انطلقت النهضة وفيها بدأت الخطوات الأولى لتحقيق الأمل وها نحن نحتفل بالذكرى الأربعين لمسيرة نهضتنا المباركة في مجالات كثيرة غيرت وجهه الحياة في عمان فجعلتها تتبوأ مكانة بارزة .من هنا ألقينا أول كلمة لنا أكدنا من خلالها على التزامنا ببناء دولة عصرية قدر المستطاع ومن ذلك الحين أخذنا بالأسباب لتحقيق ما وعدنا به”

لقد أكد جلالته أن خطوات البناء للدولة العصرية بدأت من محافظة ظفار و كوني أبنه ظفار تلك المحافظة الجنوبية أعي هذه الدلالة الرمزية بل و كنت من التأثر بقول جلالة ” ففي محافظة ظفار و فيها و من هنا وها نحن” لدرجة الشجن وفيض الدموع لا وطن بدون ذاكرة وظفار ذاكرة النهضة العمانية، وهي ليست فقط دلاله رمزية بل ربما جلالته لاحظ قصور وضعف في الخدمات و المرافق العامة بالمحافظة فأراد أن يوجه رسالة للسادة أعضاء مجلس الوزراء بالقول لماذا هذا الجفاء لظفار و هي منها انطلقت الدولة العصرية التي أنتم نتاج لها؟!.

الدولة لا تبنى بفرد و لكن بمشاركة الجميع

ومن الدلالات الجميلة التي تنم عن عقلية فكرية راقية تأكيد جلالته الدائمة على تقديره و تثمينه لكل من شاركوا في بناء الدولة العصرية ليقول لم أقم بذلك وحدي بل بمشاركتكم جميعا قمنا بالبناء فقال في ذلك ” نتوجه في هذه المناسبة العزيزة بالتحية والتقدير إلى كل من أسهم في بناء صرح الدولة العصرية في عمان وشارك في تحقيق منجزاتها والسهر على صونها وحمايتها ونخص بالذكر قواتنا المسلحة وجميع الأجهزة الإدارية والأمنية . ربنا عليك توكلنا واليك أنبنا واليك المصير ربنا هب لنا”.

المرأة شريكة بناء في فكر جلالته

ربما المرأة في عمان أفضل نساء الخليج وضعا و نيلا لحقوقها في المجتمع و الدولة، والأساس في ذلك فكر جلالة السلطان فقبل تولي جلالته لم تكن للمرأة في عمان تلك الحقوق السياسية و القانونية في المجتمع والدولة، و في ظل أربعين عاما كان هناك إيمان راسخ بحقوق المرأة و إصرار على إعطائها إياه من قبل جلالته، وبإرادة سياسية ثابتة تغير وضع المرأة في عمان كثيرا و فجئن الوزيرات و السفيرات و المديرات و عضوات الادعاء و في كل المجالات والميادين. فالمرأة في فكر جلالته ليست عاله بل معول بناء فأكد في خطابه على ذلك بالقول:” من جميع فئات المجتمع ذكورا وإناثا تم التغلب على جميع الصعاب واقتحام كل العقبات والحمد لله” وكذلك قوله ” أبناء وبنات عمان من مواصلة المسيرة الخيرة برعاية المولى عز وجل وتوفيقه وعونه”

النهضة العصرية لعُمان اتكأت على أرث تاريخي وهي امتداد له و ليست بداية للتاريخ ولا نهاية له

“إن لعمان تاريخا عريقا ومبادئ راسخة منذ عصور مضت وما قمنا به هو تأكيد تلكم المبادئ والتعبير عنها بلغة العصر” جاء هذا القول من خطاب جلالته ليؤكد على تاريخ عمان الضارب في عمق التاريخ وليقول أن هذه المنجزات وهذه النهضة بقيادتنا ليست بداية للتاريخ بل هي امتداد له كما أنها ليس نهاية للتاريخ العماني فهناك أجيال قادمة يجب أن نحافظ لها على هذه المنجزات لتنطلق من قاعدة صلبة ” لم نقصد بالإشارة إلى ما سبق مجرد التذكير بالمنجزات التي تمت على أرض هذا الوطن العزيز فهي ماثلة للعيان ولا تحتاج إلى أي برهان وإنما أردنا أن نؤكد على أهمية المحافظة عليها وصونها وحمايتها لكي يتمكن الجيل القادم والأجيال التي تأتي من بعده من أبناء وبنات عمان من مواصلة المسيرة الخيرة برعاية المولى عز وجل وتوفيقه وعونه” .

• الإشارات الأمنية:

لا أعرف هل قراءتي لتلك الإشارة الواضحة لكلمة أمن وتدخل في محلها أم لا، و لكنني أعتقد أن جلالته ربما حسب ما وصل لمسمعي هي المرة الأولى التي يقول فيها ” وكذلك عدم القبول بتدخل ذلك الغير في شؤوننا” فلا أعرف كيف أفهمها هل هناك غير يتدخل في شؤوننا؟ أم أنه تحذير لكل من تسول له نفسه ذلك؟ أم هي رسالة يراد لها الوصول لمدى معين؟! أم هل هناك بوادر لداخل ينساق لخارج قد يخل بالأمن، والدولة لن تقف حياله موقف المتفرج؟! فجاء التحذير على لسان سلطان البلاد شخصيا و بحضور أعضاء مجلس عمان وعبر نقل مباشر؟!

ليس هذا فقط بل الإشارات الأمنية تكررت كالتأكيد على ضرورة الحفاظ وصون و حماية المنجزات فقد قال جلالته”لم نقصد بالإشارة إلى ما سبق مجرد التذكير بالمنجزات التي تمت على أرض هذا الوطن العزيز فهي ماثلة للعيان ولا تحتاج إلى أي برهان وإنما أردنا أن نؤكد على أهمية المحافظة عليها وصونها وحمايتها ” بل وختم جلالته التحايا بتحية خاصة للقوات المسلحة و الأمنية ” نتوجه في هذه المناسبة العزيزة بالتحية والتقدير إلى كل من أسهم في بناء صرح الدولة العصرية في عمان وشارك في تحقيق منجزاتها والسهر على صونها وحمايتها ونخص بالذكر قواتنا المسلحة وجميع الأجهزة الإدارية والأمنية” .

• معالم للمرحلة القادمة

لقد أوضح جلالته معالم المرحلة القادمة إنها ليست مرحلة دولة الخدمات و الرعاية الأبوية للمواطن بل هي مرحلة جديدة إنها دولة المؤسسات و القانون و أجيال تحافظ و تبني، مما يعني أن في خطاب جلالته إمضاءات في معالم المرحلة القادمة ألخصها حسب فهمي بالتالي:

1. دولة المؤسسات و القانون.

2. تفعيل المشاركة المجتمعية.

في كل حديث لجلالته عن المنجزات والنهضة العمانية استخدم جلالته عبارات توحي بالرضا التام كقول جلالته ” نحمد الله فقد تم انجاز نسبة نعتز بها في شتى أنحاء السلطنة من برامج التنمية .” وكذلك قول جلالته ” فهي ماثلة للعيان ولا تحتاج إلى أي برهان” وكذلك قول جلالته “نعم لقد تم انجاز نسبة عالية من بناء الدولة العصرية حسبما توسمنا” وقول جلالته ” تمكنت خلال المرحلة المنصرمة من انجاز الكثير مما تطلعنا إليه”. ولكن هناك جزئيتان استخدم لهن عبارات تؤكد أنها بدأت الآن وأنها هي المَعلم الواضح للمرحلة القادمة من النهضة العمانية.

جاء جلالته بعد الحديث عن كل تلك المنجزات للقول بأن هناك نتاج و تبعات و مقتضيات لهذه التنمية فما هي هذه المقتضيات؟ القول فيها جاء صريحا ” ومما لا ريب فيه أن نتاج التنمية التي شهدتها الحياة العمانية وكذلك المتغيرات المفيدة التي طرأت على المجتمع قد اقتضت تطوير النظامين القانوني والقضائي وتحديثهما لمواكبة مستجدات العصر فصدرت النظم والقوانين اللازمة لذلك والتي توجت بالنظام الأساسي للدولة” و لكم ألم تلاحظوا المفردات التي استخدمت هنا عند الحديث في هذا الصدد !؟ اقتضت،نتاج، تطوير، تحديث، مواكبة.أي أنها هي المرحلة القادمة لدولة المؤسسات و القانون، فقد تم التحديث و التطوير و التتويج و بقي التفعيل الجاد ومن ثم الوصول لما وصلنا له سابقا من رضا عن المنجزات أي أن الدولة العمانية المقبلة دولة يكرس فيها الاهتمام لتفعيل التطوير و التحديث الذي تم في جانب بناء النظم والقوانين والأطر و والمؤسسات القانونية.

كذلك جاءت الكثير من الإشارات لأبناء و بنات عمان ذكورا وإناث و وندر الإشارة إلى واجبات الدولة مما يعني أن هناك توجه ربما لإعطاء مساحات أكبر للمشاركة المجتمعية فالرعاية الأبوية للمواطن فيما سبق كانت نتاج لعدم اكتمال مشاريع التنمية الإنسانية في المقام الأول و الآن تحقق الرضا و أصبح هذا المواطن قادر على ممارسة الحقوق الممنوحة له بخطى ثابتة رسمتها الحكومة له خلال أربعين عام ” أبناء وبنات عمان من مواصلة المسيرة” نعم الدلالات واضحة .. المهمة القادمة هي تفعيل المشاركة فقد تم الحديث عن المواطنين ذكورا و إناثا أبناءً و بناتاً وفي الختام تم شكر الجهات على ما قامت به بعد أن أسهب في الشرح عن دور أبناء عمان في البناء.

أعتقد أننا قد نسمع قريبا مراسيم تفعل تلك المشاركة أكثر بخطوات ثابتة ومدروسة كصلاحيات أكثر مثلا لمجلس الشورى و الجمعيات المهنية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني.

• مبادئ الفكر السياسي و الاجتماعي للدولة:

تضمن الخطاب كذلك التأكيد على فلسفة الدولة وفكرها السياسي و الاجتماعي،ومن المبادئ الفكر السياسي ما جاء في خطاب جلالته صريحا في قول جلالته:

” ومن المبادئ الراسخة لعمان

– التعاون مع سائر الدول والشعوب على أساس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة

– عدم التدخل في شؤون الغير

– عدم القبول بتدخل ذلك الغير في شؤوننا .”

– “بناء الدولة العصرية…. من خلال خطوات مدروسة متدرجة ثابتة تبني الحاضر وتمهد للمستقبل . ”

وجاء في الخطاب أيضا تأكيد على ثوابت الفكر الاجتماعي العماني:

– “توازن دقيق بين المحافظة على الجيد من موروثنا الذي نعتز به ومقتضيات الحاضر التي تتطلب التلاؤم مع روح العصر والتجاوب مع حضارته وعلومه وتقنياته والاستفادة من مستجداته ومستحدثاته”

– “بناء مجتمع الرخاء والازدهار والعلم والمعرفة”

وبذلك كان الخطاب خارطة شاملة لتوجهات الحكومة ماضيا و حاضرا ومستقبلا وتوضيحا شاملا للفكر والتوجهات والتطلعات.

حفظ الله جلالته وحفظ عمان وشعبها.

العدد الثامن سياسة

عن الكاتب

منى بنت سالم جعبوب

باحثة وكاتبة عمانية