بحضور دبلوماسيين وفنانين وأدباء مسقط تؤبن غازي القصيبي

رحل غازي القصيبي في 15 أغسطس 2010 م بعد صراع مع مرض السرطان عن عمر بلغ سبعين عاما كُلِّل بالعطاء الفكري والأدبي والعملي .. رحل عن العالم بكثير من التأثر، والبكاء الدفين، والحزن الشفيف. ودع المثقفون كاتبهم وأديبهم ، الذي وهبهم ” حياة في الإدارة” ودخل بهم إلى ” حديقة الغروب” ليقطف من ثماره الشعرية التي أينعت، ويقدم زهورها فواحة عطرة، حتى ولو مسها الزمن.. رحل بعد أن ترك الساحة أكثر ضجيجا حول مؤلفاته . غاب غازي بعد أن ترك بصمات خالدة في الأدب والسياسة والإدارة والحياة ، وسار إلى مثواه الأخير بعد حياة حافلة بالأحداث، ليمضي به القدر من شقة الحرية إلى شُقة التاريخ.

qusaibi5

عاشت مسقط يوم الثلاثاء الموافق 28 سبتمبر 2010 م أمسية حزينة وهي تؤبن الأديب الكبير والشاعر الراحل والوزير المسؤول غازي بن عبدالرحمن القصيبي الذي وافته المنية في 15 أغسطس 2010 م . الأمسية جاءت بتنظيم مميز من الحارة العمانية وبرعاية كريمة من الجمعية العمانية للكتاب والأدباء وباحتضان رحب من قبل جمعية المرأة العمانية بمسقط ، إذ تكاتفت الجهود لتأبين الراحل الكبير الذي قدم للأدب الكثير ، وأبحر في الإدارة والسياسة والفكر ؛ ليخلف لنا إرثا قيماً تعشقه الآجيال وتقرأه النفوس وهي تسافر في فضاءات الحرية والحب والوطن . كانت الأمسية حزينة جميلة بحجم الحزن الذي خلفه رحيل القصيبي ، وبمساحة الجمال التي انطلقت من بين الحروف والكلمات التي سطرها القصيبي ذات يوم ، وصدح بها المشاركون في الأمسية .

حضور الأمسية كان مميز ومتميز ، تنوع بين التمثيل الدبلوماسي والمسؤولين في مجلس الدولة والأدباء والفنانين وعشاق الراحل الكبير ومن المهتمين بعالم الثقافة والأدب وثلة من الصحفيين.

qusaibi4

غازي القصيبي في سطور

ولد غازي بن عبدالرحمن القصيبي في 2 مارس 1940م حيثُ قضى في الإحساء سنوات عمره الأولى، ثم انتقل بعدها إلى المنامة بالبحرين ؛ ليدرس فيها. نال ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة ، ثم تحصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا ، فشهادة الدكتوراة في العلاقات الدولية من جامعة لندن وقد كانت رسالته فيها حول اليمن كما أوضح ذلك في كتابه الشهير “حياةٌ في الإدارة”.

من أشهر أعمال الأديب الكبير غازي “شقة الحرية” و “العصفورية” و”دنسكو” و”أبو شلاخ البرمائي” و”سبعة” و”سعادة السفير” و”الجنيّة و”معركة بلا راية” و”أشعار من جزائر اللؤلؤ” و”للشهداء” و”حديقة الغروب” ، وله إسهامات صحافية متنوعة أشهرها سلسلة مقالات “في عين العاصفة” التي نُشرَت في جريدة الشرق الأوسط إبان حرب الخليج الثانية ، وله مؤلفات أخرى في التنمية والسياسة والإدارة وغيرها منها : “حياة في الإدارة” و “التنمية، الأسئلة الكبرى” و”عن هذا وذاك” و”باي باي لندن ومقالات أخرى” و”الأسطورة، ديانا” و”أقوالي غير المأثورة” و”ثورة في السنة النبوية” و”حتى لا تكون فتنة” ، كما يعد كتاب “حياة في الإدارة ” أشهر ما نشر له، وتناول سيرته الوظيفية وتجربته الإدارية حتى تعيينه سفيراً في لندن ، وقد وصل عدد مؤلفاته إلى أكثر من ستين مؤلفاً.

qusaibi3

أمسية بحجم الحدث

أدارت أُمسية تأبين الرّاحِل بكل اقتدار المكرمة الدكتورة سعيدة بنت خاطر الفارسي نائبة رئيس الجمعية العمانية للكتاب والأدباء ، فقدمت للراحل الكبير بما يليق بحجم مبدع مثله ، وتحدثت عن بعض المواقف التي جمعتها بالأديب الراحل وبعض الرسائل الأدبية النقدية التي دارت بينهما، كما عرجت على بعض السمات المميزة في أدب غازي القصيبي . ثم ألقى الدكتور صادق جواد سليمان رئيس الجمعية العمانية للكتاب والأدباء كلمة الجمعية التأبينية ، تحدث فيها عن أهم الملامح الشعرية والأدبية والعملية للراحل ، وأهم المناصب التي تقلدها مبينا الأثر الكبير الذي خلفه رحيل غازي على المشهد الثقافي كأديب وعلى الساحة العملية والسياسية كوزير، كما سرد نبذة مختصرة عن مؤلفاته ومآثره الفكرية والأدبية.

بعدها قدم الشاعر داود الجلنداني كلمة تأبينية بالنيابة عن أعضاء وإداريي الحارة العمانية ، استهلها بكلمات من أشعار غازي القصيبي المؤثرة والتي رثى فيها الراحل نفسه، معبرا عن الأسف الذي يعم المشهد الثقافي لرحيل غازي ، سارد أهم المحطات في مسيرة حياته وما تركه من مؤلفات وإبداع شعري ونثري، لتتوالى بعد ذلك فقرات الأمسية في تناغم حزين ومؤثر، حيث ألقت الإعلامية سهى الرقيشي مجموعة من قصائد القصيبي الخالدة والجميلة مثل (وتبتسم يارا) و (هناك) وسرد المخرج الدكتور عبدالكريم جواد بعض المواقف التي جعلته من المعجبين بغازي القصيبي، وأهم مؤلفاته وأشعاره التي أثرت في مشوار حياته ودراسته .

qusaibi2

صور من حياة الشاعر

قدم الدكتور عيسى بن محمد السليماني ورقة بعنوان (صور من حياة غازي القصيبي) تحدث فيها عن الجانب العلمي والأدبي والإنساني للشاعر الراحل ، كما تطرق إلى بعض الموقف التي تدل على تواضع القصيبي وحسن تعامله مع الناس، في أثناء تقلده لنصب الوزارة. وأشار السليماني إلى أن رؤى النقاد تباينت حول أدبية غازي فمنهم يراه متطرفا نحو اليسار، وآخرين يروه متطرفا لليمين ، لا سيما في أدبياته الأخيرة ، خاصة قصيدة الشهداء التي ارتفع بها عاليا في فلسطين قبل نحو ثلاث سنوات، وقيل ذلك من الأسباب التي أضعفت العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا، وسببا في نقل غازي من السفارة عائدا إلى الوزارة. وأشار الدكتور عيسى إلى أن مؤلفات القصيبي لم تسلم من التهمة السياسية ، فحجر بعض منها عن الطباعة ، وأخرى طبعت بمضض ، وكثير منها مُنع من التداول في السعودية لا سيما الروايات.

وعلى المستوى الروائي قال الدكتور عيسى بأن روايتي شقة الحرية والعصفورية، هما أهم وأفضل وأشهر ما كتب القصيبي كما يجمع المهتمون بهذا الشأن، في حين احتفظ ديوان معركة بلا راية بمرتبته المتقدمة بين دواوين الشعر الأخرى، وفي المؤلفات الأخرى يبقى حياة في الإدارة واحدا من الكتب التي حققت انتشارا كبيرا رغم أن ثقافة القراءة كانت شبه معدومة حينها في المجتمع العربي (نشر الكتاب عام 1998) وهو عام بائس في التاريخ السعودي انخفض فيه سعر برميل النفط إلى أقل من 10 دولارات كما أشار الدكتور في ورقته.

لمحات شعرية ونقدية من أدب القصيبي

بعدها قدمت الدكتورة زينب الجميلي من جامعة نزوى ورقة بعنوان (غازي القصيبي … قراءة في حضارة أديب) تحدثت فيها عن بعض الملامح الشعرية والنقدية في شعر غازي القصيبي ومنها الترف اللغوي الذي يتمتع به أسلوب هذا الشاعر، وأهم والشعراء الذين تأثر بهم كالجواهري ونزار قباني، مستدلة في رؤاها النقدية على مقاطع شعرية للقصيبي.

وقالت الجميلي أن القصيبي قدم من سماته الشخصية بعضًا من سماته الأدبية، فجسد جانبًا من جوانب طبعه المتمثل بالسهل الممتنع، البسيط العالي، الترف الناعم العميق تأثيره، المحققة أهدافه اللغوية بوضوح دلالالته، وبقدرته على المرور بأفكاره ومنطقه وذوقه إلى تحريك جمال الصور الشعرية عند المتلقي تحريكًا منساقًا بتأثر وانجذاب وتتبع غير ممل إلى المرسوم بالألفاظ والجمل القصيرة والأسلوب المشوق. وأضافت الدكتورة زينب الجميلي أن أسلوب القصيبي يحرك بسلاسة عددًا من القضايا الإنسانية المشتركة، وهو أسلوب مؤثر .. قادر على المرور إلى الشعور والفكر، يجلو برقة همومًا مخفية، فيزيحها عن كاهل الذهن والروح بإشراكه المتلقيين – على تعدد مستوياتهم الفكرية الثقافية- في الحياة بالصورة، وفي تحديد ملامحها وتلوينها بنفسه.

واختتمت الجميلي ورقتها بالقول أن القصيبي سيبقى رمزًا من رموز ترف الأسلوب والسلوك والذوق الأدبي، وملمحًا واضحًا من ملامح الثقافة، والأدب السعودي والعربي عمومًا فيما نهل وسلك وأبدع في رقي نتاجه.

القصيبي من شقة الحرية إلى شقة التاريخ

رحل غازي القصيبي في 15 أغسطس 2010 م بعد صراع مع مرض السرطان عن عمر بلغ سبعين عاما كُلِّل بالعطاء الفكري والأدبي والعملي .. رحل عن العالم بكثير من التأثر، والبكاء الدفين، والحزن الشفيف. ودع المثقفون كاتبهم وأديبهم ، الذي وهبهم ” حياة في الإدارة” ودخل بهم إلى ” حديقة الغروب” ليقطف من ثماره الشعرية التي أينعت، ويقدم زهورها فواحة عطرة، حتى ولو مسها الزمن.. رحل بعد أن ترك الساحة أكثر ضجيجا حول مؤلفاته . غاب غازي بعد أن ترك بصمات خالدة في الأدب والسياسة والإدارة والحياة ، وسار إلى مثواه الأخير بعد حياة حافلة بالأحداث، ليمضي به القدر من شقة الحرية إلى شُقة التاريخ.

خليفة سليمان

العدد الثامن ثقافة وفكر

عن الكاتب

خليفة سليمان

كاتب وأديب عماني