العلمانية بين عقم الطرح وإعاقة النهضة

secular

بعد إفلاس الإنتاج الفكري الإنساني الوضعي المجرد عن التسديد الإلهي في مجال التشريعات وما نتج عن إصرار البشرية التي تنكرت للدين من ويلات وانسداد للآفاق، مازال المسلمون يتلفتون حولهم يبحثون عن طوق النجاة والحال أن الدور دورهم في الاقتناع بما بين أيديهم من الهدي الرباني المتمثل في شريعته الخاتمة ،وباتت المسؤولية أشد إلحاحا في طرح البديل الإسلامي والاعتداد به والعمل على التعريف به للعالم دونما شعور بالنقص أو إحساس بالدونية .

المشكل أن من أبناء جلدتنا من يعجز عن الإحساس بإفلاس الآخر المتجرد عن الإيمان إفلاسا أخلاقيا وتشريعيا وروحيا تأبى مظاهر المدنية المادية المتغولة أن تخفي تداعياته أو تخفف من حدته، فيبقى بريق المدنية المعاصرة مخفيا عن بعض إخواننا الجهة الخلفية لتلك المدنية

. ومما يعزز هذا الجهل أو التجاهل مسائل عدة من بينها:

1- ضعف الإحساس بالهوية والمرجعية الطبيعية للمسلم ألا وهي الإسلام.

2- الحيلولة بين المسلم وبين مرجعيته الأصيلة بطرق عدة ووسائل متنوعة ومن جهات مختلفة وعبر سياقات تاريخية وسياسية وفكرية ممنهجة

3- تراجع الدور الريادي للمسلمين لقرون عدة زيادة على ما سبق رسخ لدى شرائع واسعة من نخب المجتمع ضرورة اتخاذ النموذج الغربي قدوة لامناص منها للخروج من الأزمة وشرطا أساسيا للحاق بركب الحضارة

4 – الانبهار بمظاهر الرقي المادي عطل ملكة النقد الموضوعي وتتبع مواطن الخلل ومظاهر الانحراف في النظام العلماني الذي تقوم عليه الحضارة الغربية 5- الإسقاط الخاطئ -عن جهل أو قصد- لواقع الأمم العلمانية على الأمة الإسلامية وربط تقدم الغرب حضاريا بإبعاد الكنيسة وتعاليمها الدينية (المحرفة) عن شؤون الحياة المختلفة ، وفي هذا تعسف كبير وجهل بحقائق التاريخ وطبائع الأمم واختلاف خصوصياتها وتباين هوياتها .

إن العقل السليم يفرض على صاحبه أن يستشعر الفرق بين انتمائه لمجتمع تختلف معالم هويته عن هوية العالم الغربي -رغم كل مظاهر التغريب والحداثة التي طالت مجتمعاتنا في جل الميادين- ، هذا الاستشعار يستلزم من صاحبه أن يبحث عن أسباب هذا الاختلاف بصورة موضوعية ترتكز على أسس علمية وأخلاقية تمكن من وضع اليد على مكمن الداء بصورة صادقة ومنطقية حتى يكون وصف الدواء صحيحا وناجعا في نفس الوقت

اعتقد أن مشكلة العلمانيين عندنا تكمن في عدة مستويات :

المستوى الأول : إشكالية تصورية ذهنية تتجلى في العجز عن تصور نهضة حضارية شاملة انطلاقا من الشريعة الإسلامية بسبب المعرفة الدينية الباهتة، والمليئة بالمغالطات والشبهات

المستوى الثاني : إشكالية علمية معرفية تظهر في انعدام ملكة النقد الذاتي التي تكتسب أثناء البحث المستمر حول المقاربات المخالفة والانفتاح على الإنتاج الفكري الإسلامي والتفاعل معه بتجرد ودون تصورات مسبقة. ولكن العلمانيين لا يكلفون أنفسهم عناء اكتساب هذه الميزة العلمية .

المستوى الثالث : إشكالية أخلاقية : تتجلى في النظرة الدونية للإنتاج الفكري والحضاري للمسلمين ، وكذا اعتماد منهج الانتقاء المشوه لحقائق التاريخ الإسلامي ووضع الإسلام موضع الاتهام بتهويل بعض الانحرافات السياسية أو الفكرية والتي كانت نشازا في المسار المشرق للحضارة الإسلامية، وكذا استغلال بعض مظاهر الغلو والانحراف لدى شرذمة من شباب اليوم للتشكيك في الإسلام كبديل حتمي للنظام العلماني.

المستوى الرابع : إشكالية براغماتية تتعلق بالمصالح الفئوية والشخصية التي يحققها جزء من العلمانيين لارتباط مصالحهم النفعية باعتماد الطرح العلماني بغض النظر عن الاقتناع به ” الغاية تبرر الوسيلة”.

مالم يقم العلمانيون “بمراجعات نقدية” للفكر العلماني بناء على مستويات الإشكالية التي ذكرنا ستظل المنظومة العلمانية عائقا أمام البلاد الاسلامية في بناء ازدهارها وتحقيق نهضتها والتي أساسها العقيدة الإسلامية والهوية الوطنية بكل مكوناتها

العدد التاسع ثقافة وفكر

عن الكاتب

عبدالرحمن اوموس

کاتب مغربي مهتم بشؤون الفکر والتربية والتراث العلمي ، من کتاباته:

1ـ أصحاب الاخدود دراسة تاريخية واجتماعية
2ـ الفکر العقدي عند تقي الدين الهلالي من خلال کتابه سبيل الرشاد
3ـ العلمانية بين عقم الطرح وإعاقة النهضة " مقال "
4ـ الأمن العقدي في مواجهة التنصير " مقال "
5ـ في مفهوم التدين "مقال"