في كل مرة أخرج فيها من البيت آخذ معي المرآة؛ مرآة الجيب أحتاجها كل لحظة لتذكرني بملامح وجهي التي أفتقدها في بعض المرات .
حدث مرة أن نسيتها في البيت؛ والحق أنني لم أنسها أبدا بل كسرتها عندما ثملت من فرط السٌّكْر . كنت أنا حينها في مواجهة مع أنا الآخر؛ لم ينتصر أحد لكن المرآة انكسرت.
فكيف إذن أستطيع أن أتعرف على نفسي كل لحظة؛ كي أذكر نفسي أنني أنا الشخص الذي كان يتأمل وجهه أمام المرآة.
كنت ثملاً !
ربما لأنني اعتدت على أن أرى العالم بالأبيض والأسود . يلتف السواد على فنجان قهوتي بينما أتأمل بياض الورقة الشاسع الذي يحاصرني في كل زوايا الكتاب.
بينما أنا الآن أرى العالم بالألوان الطبيعية، متأرجحًا بين زرقة السماء وحمرة الشفاه وأضواء الشوارع والسيارات.
هل لأنني صرت ثملًا !!
أفقدني الزكام حاسة الشم والتذوق؛ لم يعد بمقدوري أن أتذوق الأطعمة و أستمتع بها، ولا أن أستنشق العطور الأنثوية المثيرة، ولا حتى الكريهة منها .
هل بمقدوري كذلك أن أشتم رائحة المكر والخديعة.. النفاق والتزلف… أن أستمتع برائحة الحب والعشق؛ رائحة جسد ما..
لكن السؤال الحقيقي الذي يطاردني في مخيلتي:
هل لكل هاته الأشياء روائح..!
لم أفكر أبدا في الصمت، لكن ذلك ما تفرضه أقسى اللحظات. إذا كان الكلام و الجدال لا ينفعان، إذا كان التفكير والنقاش لا ينفعان؛ فليكن الصمت إذن خيارًا وحيدًا ونهائيًا. فهو على الأقل يجعلنا نحتفظ بشيء من الطاقة كي نجابه به ما تخبئه لنا لحياة ..
لكن الصمت الطويل في حد ذاته مشكل آخر؛ فقد تنسى الأبجديات ومعها حاسة النطق، فتظل تتمتم دون أن تكمل جملة واحدة. فتفقد قدرتك على التعبير، لا تعرف متى يتوجب عليك أن تتكلم أو أن تصمت.
ما بين الصمت و الكلام هناك مساحات شاسعة من التأمل والتفكر
ربما تفي بالغرض !