عام الهزيمة الأمريكية

إنه من العيب أن ننكر القتال الشرس الذي ظهر به مقاتلو حركة طالبان طيلة التسع سنوات الماضية, فقد رأينا جولات من النصر تتحقق على أيديهم وقد وصلت عملياتهم إلى العاصمة الأفغانية كابل بل وإلى القصر الجمهوري . فمن تسميهم واشنطن بالمتمردين قد أبانوا عن قوة وعزيمة قل نظيرها في زماننا هذا وقد قاموا بعمليات بطولية شهد بها العدو قبل الصديق وأثخنوا في حلف الناتو خسائر فادحة قد تتطلب عقودا كاملة لإصلاحها وقرونا أخرى لنسيانها !!!

America_02

بعد مرور تسع سنوات كاملة على غزو أفغانستان وإسقاط حكم طالبان وتقزيم تواجد أعضاء تنظيم القاعدة في بعض من كهوف جبال تورا بورا , ها هي الأمور الآن تتغير بالكامل وتحدد منحى آخر يعاكس تماما المنحى الذي ظهرت به عام 2001. فالأحداث التي تجري في العالم الإسلامي عامة وأفغانستان خاصة تبين وبالملموس أن هزيمة الولايات المتحدة الأمريكية هذا العام لم تعد إلا مسألة وقت فقط أو بالأحرى مسألة إعلان من قبل البيت الأبيض، لكن ما الذي جرى حتى تغيرت الأمور بهذا الشكل ؟ فمن سيطر على أرض أفغانستان كاملة في أسبوعين عجز حتى على حماية عاصمة البلاد من هجمات مقاتلي طالبان !! وما الذي حدث حتى يرتفع عدد قتلى الناتو إلى أكثر من 700 قتيل؟ ليصبح هذا العام الأكثر دموية منذ غزو أفغانستان . إن لكل نجاح عوامل ولكل هزيمة دوافع, فما هي تلك العوامل التي أدت لانتصار حركة طالبان وما هي تلك الدوافع التي عجلت بهزيمة الأمريكان؟

1 ) العامل النفسي
حين حط أكثر من مائة ألف جندي غربي أرجلهم على أرض أفغانستان كانت أحوالهم النفسية تختلف كليا عن أحوال مقاتلي حركة طالبان, فجنود الناتو جاؤوا من أقصى البلاد من أجل أداء مهمتهم الوظيفية فحسب والعودة بأقرب فرصة متاحة إلى زوجاتهم أو عائلاتهم ولم يكن لأغلبهم أدنى علم بجدوى الحرب على أفغانستان فدخلوا الحرب وهم كارهين لها وشاركوا فيها وهم على أغلب الظن قد وفد إلى مسمعهم أن أفغانستان تعتبر مقبرة الإمبراطوريات . أما في الطرف الآخر فكان الجانب النفسي عاملا من عوامل النجاح لدى حركة طالبان , فالمقاتلين هناك كانوا على دراية تامة بأسباب الحرب بالإضافة إلى العامل الديني الذي ساهم بشكل كبير في صعود العامل النفسي وذلك لأثره الكبير في تشجيع المرء على الجهاد وحشد النفوس للتطلع إلى الشهادة.

2 ) العامل الإيديولوجي
كان من الممكن جدا أن تنجح فكرة الصحوات على الطريقة العراقية في أفغانستان لو لم تكن قبيلة البشتون تشكل نصف سكان البلاد. فالبشتون يعرفون مند أن اعتنقوا الإسلام تباعا بحبهم الشديد للدين وقدموا تضحيات جسام احتفظ بها التاريخ حتى الآن. فالعامل الإيديولوجي كان رادعا للأمريكيين الذين لم يستطيعوا العثور على العدد الكافي من المخبرين والعملاء من أبناء القبيلة الذين يكفرون التعامل مع المحتل بصفة كاملة وهو ما ساهم بشكل كبير في الحد من الاغتيالات التي تطال القيادات العليا سواء من حركة طالبان أو تنظيم القاعدة بالإضافة إلى حب الجهاد والشهادة من قبل أبناء القبيلة.

3) العامل الطبيعي
إن ثلثي مساحة أفغانستان من الجبال المنخفضة أو المرتفعة وهذا ساعد مقاتلي حركة طالبان والقاعدة في أربع مسائل وهي:
أ) الاختباء في مغارات تلك الجبال أثناء القصف الأمريكي وهو ما ساهم في تقليص عدد القتلى والجرحى.
ب) جعل الجبال منطلقا للعمليات القتالية والهجوم على المديريات الأفغانية.
ج) صعوبة ووعورة الجبال أرغمت حلف الناتو على استبعاد مشاركة الآلات الثقيلة في الحرب.
د) سهولة التدريب بالنسبة لمقاتلي طالبان والقاعدة في الجبال وصعوبة ترصدهم من قبل الولايات المتحدة.

4) العامل الباكستاني
إن الحدود الباكستانية الأفغانية هي معبر للمقاتلين من شتى بقاع جنوب ووسط آسيا وهي أيضا منفذ للأسلحة والعتاد, ورغم القصف الأمريكي الهائل على تلك المنطقة إلا أن الدعم المقدم إلى حركة طالبان أفغانستان. لم يقف ,بل زاد الأمر سوءا حين أعلن عن تشكيل حركة طالبان باكستان فتتضاعف الدعم للمقاتلين في أفغانستان وتقزم الدور الحكومي الباكستاني
فباكستان كانت دائما مخزن العتاد الخلفي لأفغانستان في كل حروبها السابقة وغالبا ما كانت تشكل الورقة الرابحة في تلك الحروب , وقد بدا ذلك جليا في الحرب الأخيرة بين المجاهدين والسوفيت.

5) العامل السياسي
إن ما بني على باطل فهو باطل والحكومة الأفغانية بنيت على باطل وأسست قصرها ورفعت علمها على دماء أبنائها وبتزكية من أعدائها. وبما أن الباطل لا يأتي من ورائه إلا باطل فقد عم الفساد أرجاء البلاد فسرقت أموال الدولة وزورت الانتخابات وتفشت زراعة المخدرات واستهلاكها من قبل الشعب الأفغاني، فَكَرِه الشعب حكومته وشجعهم جشعها على الانضمام إلى طالبان أو على الأقل عدم القتال مع الأمريكان. وقد اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بأن حكومة أفغانستان فاسدة ولا يمكن الاعتماد عليه، ولم يجد الرئيس الأفغاني بدا لاستقطاب شعب أفغانستان إلا البكاء أمام الكاميرا !!!!!!

6) العامل المادي
إن الدعم المادي للمقاتلين بأفغانستان لم يتوقف منذ إعلان الولايات المتحدة الأمريكية حربها على البلاد والعباد بل وتفيد المعلومات الواردة أنه زاد بشكل ملحوظ من عدة جهات أجنبية تتوافق مع نفس التوجهات لدى المقاتلين من حركة طالبان, و تدفق الدعم الكبير بهذا الشكل هو بسبب موقع أفغانستان الإستراتيجي الذي يقع بين سبع دول معظمها إسلامية,وإذا تعددت الطرق كثرت الفرق.

7) العامل القتالي
إنه من العيب أن ننكر القتال الشرس الذي ظهر به مقاتلو حركة طالبان طيلة التسع سنوات الماضية, فقد رأينا جولات من النصر تتحقق على أيديهم وقد وصلت عملياتهم إلى العاصمة الأفغانية كابل بل وإلى القصر الجمهوري . فمن تسميهم واشنطن بالمتمردين قد أبانوا عن قوة وعزيمة قل نظيرها في زماننا هذا وقد قاموا بعمليات بطولية شهد بها العدو قبل الصديق وأثخنوا في حلف الناتو خسائر فادحة قد تتطلب عقودا كاملة لإصلاحها وقرونا أخرى لنسيانها !!!

8 ) العامل القاعدي
إن عودة تنظيم القاعدة إلى أفغانستان لا ينكره إلا جاهل, فقد بدا وبوضوح في الآونة الأخيرة وجود بصمات للقاعدة في بعض العمليات القتالية سواء في قندهار أو خوست. ورغم العدد القليل جدا من أعضاء التنظيم – حددته المعلومات الواردة بــ 100- إلا أنه لا يمكن تجاهل مدى قوة وذكاء أعضائها سواء في التخطيط أو في علم المتفجرات لذلك يمكن القول وبوضوح وبعد مرور تسع سنوات على القتال الشرس أن القاعدة عقل القتال وطالبان يده، وبالتالي فالنصر لم يتحقق إلا بوجود الطرفين واندماجهما, وقد حاولت الولايات المتحدة الأمريكية التفريق بين التنظيمين بإرسالها لمبعوثين سعوديين ولكنها فشلت فشلا ذريعا في إقناع الملا عمر بتسليم أسامة بن لاذن إلى السعودية على الأقل قبل تحوليه وكالمعتاد إلى سجن غوانتنامو.

9) العامل الأمريكي
ينقسم العامل الأمريكي إلى قسمين:
أ) الخسائر الفادحة للاقتصاد الأمريكي جراء الحرب على أفغانستان. فقد كلفت الحرب أكثر من 900 مليار دولار وما زلت تستنزف الخزانة الأمريكية كل يوم من معدات حربية وتعويضات لجنودها المقاتلين في أفغانستان وهو ما ساهم بشكل أو بآخر بالأزمة المالية الخانقة التي تضرب الولايات المتحدة الأمريكية منذ 2007 .واستمرار الحرب يعني استمرار الإنفاق واستمرار الإنفاق يعني استمرار الأزمة .
ب) لن يضل الشعب الأمريكي ساكتا عشر سنوات أخرى والأخبار التي تصله يوميا حول عدد القتلى الأمريكيين المتزايد سنة بعد أخرى والمعيشة الاقتصادية الصعبة التي أصبح يتكبدها ويشعر بمراراتها كل يوم في غلاء المعيشة وصعوبة التوفير كلها ستساهم في مطالبة شعبية للحكومة الأمريكية بسحب قواتها من أفغانستان.

تلك تسع أسباب متان ساهمت في نصر طالبان وهزيمة الأمريكان في بلاد الأفغان.

العدد الحادي عشر سياسة

عن الكاتب

عدنان وادي