إن نجاح الانتفاضات الشعبية والثورات الجماهرية مرهون بوعي تلك الجماهير وقدرتها على مواجهة الدعاية الإعلامية للحاكم المستبد، فقد حاول النظام التونسي البائد أن يرهب المجتمع بفكرة (الانفلات الأمني) و(عصابات السرقة والتخريب) التي كان وراءها أجهزة النظام السرية، لكن الشعب التونسي كان واعيا لهذه المكيدة وأعلن منذ البدء أن تلك العصابات ليست سوى أسراب من قطعان أجهزة النظام المستبد، وهكذا يجب على كل الشعوب أن تعي مثل هذه الألاعيب التي قد تشل بعض الانتفاضات، كما أن الشعب التونسي قام بخطوة أكبر حيث عمد الأهالي إلى تنظيم صفوفهم من أجل تامين حماية مدنهم وقراهم.
فرّ مساء الجمعة 14/1/2011 طاغية تونس زين العابدين بن علي وهو المدرع بقوات الأمن والشرطة والجيش من أمام الجماهير الخالية من كل سلاح إلا سلاح الإرادة، ولى المستبد هارباً ولم يعقب أمام الأطفال والفتية الذين لا يملكُون من القوة شيئاً سوى قوة الإيمان بمبدأ الحرية. إن الانتفاضة الشعبية التونسية ضد الظلم، وضد الديكتاتورية وضد الجبروت لم تحطم أصنام الطغيان فحسب بل وأعطت جميع الشعوب العربية دفقاً من أمل بغد أفضل وانتفاضات أكبر ضد الفساد والاستبداد.
بخلاف الثورة الإسلامية في إيران والثورة البوليفارية في فنزويلا وبقية الثورات اليسارية في أمريكا الجنوبية تميزت الانتفاضة التونسية بميزة فريدة من نوعها، وهي ميزة غياب القيادات الملهمة التي تكون سبباً في تحريك الشوارع وتهييج الجماهير، فكل الانتفاضات والثورات الشعبية السابقة كان فيها شخصيات كارزمية ملهمة تنفخ في الأمة أنفاس الثورة وتسكب فيها وقود الاستمرار. فلذلك استبق المستبدون شعوبهم وقتلوا الشخصيات الملهمة وشردوها في بقاع الأرض، لا بل وتآمروا مع دول المنفى على تقييد تلك القيادات الشعبية وشلّ حركتها كي تموت مفجوعة منفية لا ترى أوطانها إلا في أحلام الموتى، الشعب التونسي اليوم يبرهن للطغاة أن قتل القيادات الملهمة أو تهجيرها لن يوقف طوفان الثورات الجماهيرية ولن يستطيع أن يصد انتفاضات التحرر الوطني من الظلم والفساد والطغيان والاستبداد.
من الدروس الرائعة التي تعلمتها الشعوب العربية من انتفاضة التحرير التونسية درس الصبر وقبول التضحيات، فالحرية لا تعطى والحقوق لا توهب وإنما تنتزع من المستبدين والفراعنة المتغطرسين. ومعظم الاحصاءات تكاد تجمع على أن الشعب التنوسي قدم قرابة السبعين شهيدا قبل هروب الطاغية، وهذا رقم بسيط جدا إذا ما علمنا أن مئات الشهداء كانوا يموتون سنويا في سجون الطغاة وفي مقابر الجوع ومساكن الصفيح التي رماهم فيها الزبانية.
درس آخر من دروس الانتفاضة التونسية هو تأكيد الأهمية غير المسبوقة للعالم الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي في الانترنت، فعلى جميع الشعوب العربية أن تتعلم استخدام الانترنت وأن تبدأ في فضح الطغاة وأزلامهم وتعرية ممارساتهم أمام العالم، فهذا الفضح يقوي الثورة ويزيد من تماسك جماهير الانتفاضة، كما يساهم في ارتقاء الوعي الجمعي بضرورة المطالبة بالحقوق وعدم الخنوع للظلم.
درس مهم آخر وهو التغلب على الدعايات الترهيبية التي يقوم بها الطغاة، ففي أول كلمة ألقاها الرئيس التونسي المخلوع أعلن عزمه ضرب المنتفضين في مدينة أبو زيد التونسية التي انطلقت منها شرارة الانتفاضة بيد من حديد، بيد أن خطابه ذاك كان عديم القيمة، فالنفس البشرية يتملكها الخوف -بل والرعب- قبل مواجهة الخطر ولكنها حين تواجه الخوف وتنغمس في أتونه يتبدد من قلوبها تماما، وتحل محله رغبة عارمة في الحياة والانتصار على الموت. وفي هذا الإطار تروى بعض كتب التاريخ أن الإمام أحمد بن حنبل سُئل بعد محنة خلق القرآن: ألم تخشَ بطش الخليفة؟ فقال: إنما هو السوط الأول. أي أنه كان خائفا قبل التعرض للتعذيب، وبمجرد ابتداء التعذيب تلاشت تلك المخاوف وصار كالجبل الذي لا تزعزعه الرياح ولا تهده الأعاصير.
درس مهم آخر وهو أن ما زعمه الفلاسفة الاجتماعيون كبرتراند راسل وغيره من أن التقدم العلمي والتقنيّة قد صادر قدرة الشعوب على الثورة ضد الظلم والاستبداد بسبب استخدام الطغاة للتكنولوجيا في مراقبة ومتابعة المعارضين وملاحقة كل من تشم فيه ريح الثورة، فالانتفاضة الشعبية التونسية أكدت بما لا يدع مجال للشك أن الإنسان قادر على التكيف مع جميع الظروف لا وبل هو قادر أيضا على الإبداع واختراق الحواجز، فلم تنفع جميع تكنولوجيا العالم التي كان يحتكرها بن علي، وانتصرت إرادة الشعب الذي لا يملك إلا تكنولوجيا الثورة من أجل الحرية، وكما أن الطغاة يمتلكون قدرا كبيرا من التكنولوجيا تعينهم على التضييق ضد الشعوب فإن لدى الشعوب كذلك إمكانات إبداعية تستطيع بها التفلت من القبضَةِ التكنولوجيّة للطغاة وهو ما حصل فعلا في تونس.
كما زعم براتراند رسل أيضاً أن الثورات ضد الطغاة لا يمكن أن تنجح إلا إذا كانت مدعومة بثورة من داخل القصر أو انقلاب عسكري أو بقوى خارجية تحتل الدول وتعمد إلى تغيير نظامها، الشعب التونسي أثبت لرسل ولغيره من الفلاسفة وعلماء الاجتماع أن الشعوب قادرة على التحرر من الظلم دون استعانة بالقوى الخارجية ودون انتظار لثورة العسكر أوانقلابات القصور.
درس آخر نستفيده من الانتفاضة التونسية، وهو أن نجاح الانتفاضات الشعبية والثورات الجماهيريّة مرهون بوعي تلك الجماهير وقدرتها على مواجهة الدعاية الإعلامية للحاكم المستبد، فقد حاول النظام التونسي البائد أن يرهب المجتمع بفكرة (الانفلات الأمني) و(عصابات السرقة والتخريب) التي كان وراءها أجهزة النظام السرية، لكن الشعب التونسي كان واعيا لهذه المكيدة وأعلن منذ البدء أن تلك العصابات ليست سوى أسراب من قطعان أجهزة النظام المستبد، وهكذا يجب على كل الشعوب أن تعي مثل هذه الألاعيب التي قد تشل بعض الانتفاضات، كما أن الشعب التونسي قام بخطوة أكبر حيث عمد الأهالي إلى تنظيم صفوفهم من أجل تأمين حماية مدنهم وقراهم.
من الدروس المهمة والتي يجب ألّا تغفلها الشعوب العربية، هو عدم حيادية وسائل الإعلام الغربية التي لم تبال بما يحدث في تونس وكأن من يقتلون على أيدي الطاغية ليسوا بشرا ولا إخوة لهم في الإنسانية، نفس تلك الوسائل هاجت وماجت متسابقة في نقل وتضخيم واختلاق أكاذيب حول المظاهرات الإيرانية التي حدثت بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة. إن تجاهل وسائل الإعلام الغربية خاصة الفرنسية منها للأحداث في تونس ليؤكد على أن الإعلام الغربي ليس حرا ولا نزيها وإنما هو إعلام موجه من قبل السلطات الغربية التي لا تزال تضمر روحا غير متسامحة مع العرب والمسلمين وبقية شعوب العالم غير الغربي.
درس آخر أتمنى أن يعيه كل طغاة العالم خاصة المستبدون في عالمنا العربي، وهو أن ما حدث لنظام زين العابدين بن علي يمكن أن يحدث للأنظمة الأخرى، بل إن الوقتَ بات مواتيا الآن لهبوب رياح الثورات والانقلابات، فالشعوب المظلومة بدأت تدرك هشاشة الأنظمة المستبدة وعدم ولاء جلاديها، بل إن أولئك الجلادين هم أوائل الناس الذين سيتبرأون من النظام المستبد وينقلبون عليه حتى لا يسحلهم الشارع سحلا انتقاما وتشفيا، وعلى المفسدين المتعيشين على ظلم الأنظمة المستبدة أن يدركوا أن الشعوب واعية بما يفعلون وأن الفرصة ربما لن تسنح لهم للهرب ومغادرة بلدانهم قبل أن يلقي الشعب عليهم القبض ويحاسبهم حسابا عسيرا، فعلى الطغاة احترام الشعوب وتخفيف القيود، وعلى المفسدين كف أيديهم عن نهب مقدرات الدولة، والتوبة إلى الشعوب، والأوبة إلى الضمير الوطني قبل أن يطاردوا في الأرض والسماء كما حصل لزين العابدين وجلاديه الذين رفضت الدول التي كانت تعينهم على الاستبداد استقبالهم.
وأخيرا لا ننسى الدور المهم للمثقفين في إلهاب مشاعر الجماهير، فالمثقف الحقيقي حيا كان أم ميتا جدير بنفخ روح الانتفاضة في الشعوب، وفي تونس كانت روح الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي تفيض على كؤوس الجماهير من شراب الثورة المقدس، وقد كانت الجماهير التونسية تواجه بطش جلادي النظام المستبد وهي تردد كلمات أبي القاسم التي يقول فيها:
إذا الشـــعبُ يومًــا أراد الحيــاة * فــلا بــدّ أن يســتجيب القــدرْ
ولا بــــدَّ لليـــل أن ينجـــلي * ولا بــــدّ للقيـــد أن ينكســـرْ
فرّ مساء الجمعة 14/1/2011 طاغية تونس زين العابدين بن علي وهو المدرع بقوات الأمن والشرطة والجيش من أمام الجماهير الخالية من كل سلاح إلا سلاح الإرادة، ولى المستبد هارباً ولم يعقب أمام الأطفال والفتية الذين لا يملكُون من القوة شيئاً سوى قوة الإيمان بمبدأ الحرية. إن الانتفاضة الشعبية التونسية ضد الظلم، وضد الديكتاتورية وضد الجبروت لم تحطم أصنام الطغيان فحسب بل وأعطت جميع الشعوب العربية دفقاً من أمل بغد أفضل وانتفاضات أكبر ضد الفساد والاستبداد.
بخلاف الثورة الإسلامية في إيران والثورة البوليفارية في فنزويلا وبقية الثورات اليسارية في أمريكا الجنوبية تميزت الانتفاضة التونسية بميزة فريدة من نوعها، وهي ميزة غياب القيادات الملهمة التي تكون سبباً في تحريك الشوارع وتهييج الجماهير، فكل الانتفاضات والثورات الشعبية السابقة كان فيها شخصيات كارزمية ملهمة تنفخ في الأمة أنفاس الثورة وتسكب فيها وقود الاستمرار. فلذلك استبق المستبدون شعوبهم وقتلوا الشخصيات الملهمة وشردوها في بقاع الأرض، لا بل وتآمروا مع دول المنفى على تقييد تلك القيادات الشعبية وشلّ حركتها كي تموت مفجوعة منفية لا ترى أوطانها إلا في أحلام الموتى، الشعب التونسي اليوم يبرهن للطغاة أن قتل القيادات الملهمة أو تهجيرها لن يوقف طوفان الثورات الجماهيرية ولن يستطيع أن يصد انتفاضات التحرر الوطني من الظلم والفساد والطغيان والاستبداد.
من الدروس الرائعة التي تعلمتها الشعوب العربية من انتفاضة التحرير التونسية درس الصبر وقبول التضحيات، فالحرية لا تعطى والحقوق لا توهب وإنما تنتزع من المستبدين والفراعنة المتغطرسين. ومعظم الاحصاءات تكاد تجمع على أن الشعب التنوسي قدم قرابة السبعين شهيدا قبل هروب الطاغية، وهذا رقم بسيط جدا إذا ما علمنا أن مئات الشهداء كانوا يموتون سنويا في سجون الطغاة وفي مقابر الجوع ومساكن الصفيح التي رماهم فيها الزبانية.
درس آخر من دروس الانتفاضة التونسية هو تأكيد الأهمية غير المسبوقة للعالم الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي في الانترنت، فعلى جميع الشعوب العربية أن تتعلم استخدام الانترنت وأن تبدأ في فضح الطغاة وأزلامهم وتعرية ممارساتهم أمام العالم، فهذا الفضح يقوي الثورة ويزيد من تماسك جماهير الانتفاضة، كما يساهم في ارتقاء الوعي الجمعي بضرورة المطالبة بالحقوق وعدم الخنوع للظلم.
درس مهم آخر وهو التغلب على الدعايات الترهيبية التي يقوم بها الطغاة، ففي أول كلمة ألقاها الرئيس التونسي المخلوع أعلن عزمه ضرب المنتفضين في مدينة أبو زيد التونسية التي انطلقت منها شرارة الانتفاضة بيد من حديد، بيد أن خطابه ذاك كان عديم القيمة، فالنفس البشرية يتملكها الخوف -بل والرعب- قبل مواجهة الخطر ولكنها حين تواجه الخوف وتنغمس في أتونه يتبدد من قلوبها تماما، وتحل محله رغبة عارمة في الحياة والانتصار على الموت. وفي هذا الإطار تروى بعض كتب التاريخ أن الإمام أحمد بن حنبل سُئل بعد محنة خلق القرآن: ألم تخشَ بطش الخليفة؟ فقال: إنما هو السوط الأول. أي أنه كان خائفا قبل التعرض للتعذيب، وبمجرد ابتداء التعذيب تلاشت تلك المخاوف وصار كالجبل الذي لا تزعزعه الرياح ولا تهده الأعاصير.
درس مهم آخر وهو أن ما زعمه الفلاسفة الاجتماعيون كبرتراند راسل وغيره من أن التقدم العلمي والتقنيّة قد صادر قدرة الشعوب على الثورة ضد الظلم والاستبداد بسبب استخدام الطغاة للتكنولوجيا في مراقبة ومتابعة المعارضين وملاحقة كل من تشم فيه ريح الثورة، فالانتفاضة الشعبية التونسية أكدت بما لا يدع مجال للشك أن الإنسان قادر على التكيف مع جميع الظروف لا وبل هو قادر أيضا على الإبداع واختراق الحواجز، فلم تنفع جميع تكنولوجيا العالم التي كان يحتكرها بن علي، وانتصرت إرادة الشعب الذي لا يملك إلا تكنولوجيا الثورة من أجل الحرية، وكما أن الطغاة يمتلكون قدرا كبيرا من التكنولوجيا تعينهم على التضييق ضد الشعوب فإن لدى الشعوب كذلك إمكانات إبداعية تستطيع بها التفلت من القبضَةِ التكنولوجيّة للطغاة وهو ما حصل فعلا في تونس.
كما زعم براتراند رسل أيضاً أن الثورات ضد الطغاة لا يمكن أن تنجح إلا إذا كانت مدعومة بثورة من داخل القصر أو انقلاب عسكري أو بقوى خارجية تحتل الدول وتعمد إلى تغيير نظامها، الشعب التونسي أثبت لرسل ولغيره من الفلاسفة وعلماء الاجتماع أن الشعوب قادرة على التحرر من الظلم دون استعانة بالقوى الخارجية ودون انتظار لثورة العسكر أوانقلابات القصور.
درس آخر نستفيده من الانتفاضة التونسية، وهو أن نجاح الانتفاضات الشعبية والثورات الجماهيريّة مرهون بوعي تلك الجماهير وقدرتها على مواجهة الدعاية الإعلامية للحاكم المستبد، فقد حاول النظام التونسي البائد أن يرهب المجتمع بفكرة (الانفلات الأمني) و(عصابات السرقة والتخريب) التي كان وراءها أجهزة النظام السرية، لكن الشعب التونسي كان واعيا لهذه المكيدة وأعلن منذ البدء أن تلك العصابات ليست سوى أسراب من قطعان أجهزة النظام المستبد، وهكذا يجب على كل الشعوب أن تعي مثل هذه الألاعيب التي قد تشل بعض الانتفاضات، كما أن الشعب التونسي قام بخطوة أكبر حيث عمد الأهالي إلى تنظيم صفوفهم من أجل تأمين حماية مدنهم وقراهم.
من الدروس المهمة والتي يجب ألّا تغفلها الشعوب العربية، هو عدم حيادية وسائل الإعلام الغربية التي لم تبال بما يحدث في تونس وكأن من يقتلون على أيدي الطاغية ليسوا بشرا ولا إخوة لهم في الإنسانية، نفس تلك الوسائل هاجت وماجت متسابقة في نقل وتضخيم واختلاق أكاذيب حول المظاهرات الإيرانية التي حدثت بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة. إن تجاهل وسائل الإعلام الغربية خاصة الفرنسية منها للأحداث في تونس ليؤكد على أن الإعلام الغربي ليس حرا ولا نزيها وإنما هو إعلام موجه من قبل السلطات الغربية التي لا تزال تضمر روحا غير متسامحة مع العرب والمسلمين وبقية شعوب العالم غير الغربي.
درس آخر أتمنى أن يعيه كل طغاة العالم خاصة المستبدون في عالمنا العربي، وهو أن ما حدث لنظام زين العابدين بن علي يمكن أن يحدث للأنظمة الأخرى، بل إن الوقتَ بات مواتيا الآن لهبوب رياح الثورات والانقلابات، فالشعوب المظلومة بدأت تدرك هشاشة الأنظمة المستبدة وعدم ولاء جلاديها، بل إن أولئك الجلادين هم أوائل الناس الذين سيتبرأون من النظام المستبد وينقلبون عليه حتى لا يسحلهم الشارع سحلا انتقاما وتشفيا، وعلى المفسدين المتعيشين على ظلم الأنظمة المستبدة أن يدركوا أن الشعوب واعية بما يفعلون وأن الفرصة ربما لن تسنح لهم للهرب ومغادرة بلدانهم قبل أن يلقي الشعب عليهم القبض ويحاسبهم حسابا عسيرا، فعلى الطغاة احترام الشعوب وتخفيف القيود، وعلى المفسدين كف أيديهم عن نهب مقدرات الدولة، والتوبة إلى الشعوب، والأوبة إلى الضمير الوطني قبل أن يطاردوا في الأرض والسماء كما حصل لزين العابدين وجلاديه الذين رفضت الدول التي كانت تعينهم على الاستبداد استقبالهم.
وأخيرا لا ننسى الدور المهم للمثقفين في إلهاب مشاعر الجماهير، فالمثقف الحقيقي حيا كان أم ميتا جدير بنفخ روح الانتفاضة في الشعوب، وفي تونس كانت روح الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي تفيض على كؤوس الجماهير من شراب الثورة المقدس، وقد كانت الجماهير التونسية تواجه بطش جلادي النظام المستبد وهي تردد كلمات أبي القاسم التي يقول فيها:
إذا الشـــعبُ يومًــا أراد الحيــاة * فــلا بــدّ أن يســتجيب القــدرْ
ولا بــــدَّ لليـــل أن ينجـــلي * ولا بــــدّ للقيـــد أن ينكســـرْ