لقاء مع أديب نوبل الصيني جاو إكسينجيان

كتب بواسطة أحمد الزناتي

تقديم

وُلد جاو إكسينجيان في الرابع من يناير سنة 1940  في “جنزهو ” شرق الصين، ونال شهادة في اللغة الفرنسية وآدابها سنة 1962 من قسم اللغات الأجنبية في بكين، أُرسل بعد اندلاع الثورة الثقافية في الصين (1966-1976) إلى أحد مخيمات إعادة التأهيل (تأهيل غير الملتزمين بالتعاليم الماوية)، وتعذر عليه نشر  أعماله بسبب الرقابة الصارمة للحزب الشيوعي، ولم يتمكن من مغادرة الصين بصفة نهائية إلا سنة 1987، متجهًا إلى فرنسا التي تجنّس بجنسيتها لاحقًا، وما زال يعيش بها حتى اليوم. كتب إجسينجيان المسرح والقصة القصيرة والرواية والمقال الأدبي. ومن أشهر أعماله رواية “جبل الروح”، و”سِفر  رجل”، “العودة إلى الرسم”، ومسرحية “ثلج في أغسطس”، وغيرها، فضلًا عن كتابيّ مقالات أدبية. يُذكر أن إكسينجيان رسّام محترف يرسم بالحبر الصيني، ونظّم عشرات المعارض الدولية، علاوة على تصميم أغلفة أعماله بنفسه، فضلًا عن اشتغاله بالترجمة الأدبية على سبيل الهواية وعلى الأخصّ ترجمة أعمال صمويل بيكيت وأوجين يونسكو.  رغم غزارة أعماله لم تُترجم من أعماله سوى روايتين فقط؛ روايته الملحمية جبل الروح، نقلها إلى العربية بسام حجّار  وماري طوق سنة 2009 عن دار الآداب ورواية “سِـفـر  رجل”، المنشورة للمرة الأولى سنة 1999،  وصدرتْ ترجمتها العربية السنة الماضية بترجمة د. خالد الجبيلي.

أُجْري الحوار التالي باللغة الصينية ونقله إلى الإنجليزية دانيال فيرتيج ونُشر في مجلة الدراسات الآسيوية.

المحاور:

في سنة 1981 نشرتَ كتابًا صغير الحجم بعنوان “مقاربة مبدئية للأدب الصيني الحديث” الذي سرعان ما تحوّل إلى مرجع لعشّاق الأدب وكُتّابه في جميع أرجاء الصين. إلا أن الكتاب أثار استياء عدد كبير من المسئولين عن الرقابة ورجال الحزب [الشيوعي الصيني]. السؤال الذي أطرحه الآن: كيف تعرّفتَ إلى هذه الألوان الأدبية المغايرة للسائد – لنسمّها الحداثة أو الأدب الحداثي- تحت وطأة ظروف العزلة المشددة داخل لصين في أوائل الثمانينيات؟ وما طبيعة خلفيتك الأدبية بالتزامن مع تعريف جمهور القُراء الصيني بهذه الطرائق الأدبية الحداثية؟

إكسينجيان:

في تلك الفترة كانت الثورة الثقافية قد انتهت للتو، وكان الأدب الصيني يمر بمرحلة التعافي والنقاهة، في أواخر عقدي السبعينيات وأوائل الثمانينات كتبتُ قليلًا من المواد لكني أحرقتها ولم ترَ النور. ومن ثمَّ مثّل هذا الكتاب –  مقاربة مبدئية للأدب الصيني الحديث- أول فرصة سانحة لنشر الأفكار التي سبق وأن كتبتُها.

بعد سنة 1949 تحوّلت الصين إلى دولة اشتراكية سوفيتية،  وصار من المستحيل للأدب أن يتمتع بالحرية الكاملة؛ لأن ماوتسي تونغ تبنّى مجموعة من الأساليب الأدبية، أولها أسلوب الرومانسية الثورة والثاني أسلوب الواقعية الثورية. كان هدفي في الأساس إسقاط هذه الأساليب أو قلب الطاولة على رأسها، لكني عدمتُ وسيلة تعينني على بلوغ غايتي على نحو مباشر، ومن هنا كان أسلوبي في الكتابة محاولةً تسعى بشكل غير مباشر إلى تقويض هذه الأساليب الأدبية. كنتُ شديد الحذر آنذاك، وكنتُ حريصًا على ألا أتجاوز الخطوط الحمراء، ممسكًا بلجام نفسي. كانت هذه طريقتي في مقاربة الأدب في ذلك الوقت ولم يدر بخلدي قط أن ما كتبتُه سيخلق لي مثل هذه المشكلات.

المحاور:

أظن أن السواد الأعظم من الجمهور ليس على دراية كاملة بأعمالك المسرحية، ولا يعرفون أنك بدأت حياتك المهنية كمؤلف ومخرج مسرحي، حيث دأبتَ منذ سنة 1984 على إنتاج وكتابة وإخراج عدد من المسرحيات التي نالت استحسانًا واسعًا من الجمهور، وأثارت في الوقت نفسه قدرًا من الإعجاب آنذاك، وبحلول سنة 1987 عزمتَ على مغادرة الصين دون رجعة، بعد ذلك طوّرتَ مجموعة من المصطلحات أو أسستَ مجموعة من الرؤى التي يُمكن اختزالها في كلمة “العدمية”، أو الإيمان المطلق بالاستقلال الفردي في الكتابة الإبداعية.  هل لك أن أن تخبرنا بالمزيد عن كيفية مغادرة الصين إلى الخارج  عن كيفية تطوير موقف أدبي مستقل، أقصد من حيث مفهومك الشخصي لعملية الكتابة.

إكسينجيان:

أدركتُ أن الالتزام بضبط النفس وبالخطوط الحمراء في كتاباتي سيجرُّ عليَّ ككاتبٍ عواقب وخيمة، استولتْ عليَّ رغبة حادة في التعبير عن نفسي تعبيرًا كاملًا عبر الأدب. لذا قررتُ تأليف كتاب لا أنوي نشره داخل الصين، فجاءت رواية “جبل الروح” التي عكفتُ طوال سبع سنوات على كتابتها في أثناء وجودي بفرنسا، وبعد أحداث الميدان السماوي سنة 1989[1] بدت الفرصة سانحة للخروج بتصريح، فانتهيتُ من الرواية في هذا الوقت ونشرتُها. في الواقع شعُرتُ أن أفضل أعمالي هي المنشورة بعد صدور رواية “جبل الروح”؛ لأنني كنت قد تخلصتُ من ربقة القيود التي كانت تكبّلني خشية مواجهة مشكلات مع الحكومة الصينية، وكانت السنوات الاثنتا عشرة الأخيرة منذ مجيئي إلى فرنسا أفضل سنوات إنتاجي الأدبي. خلصتُ بعد هذه السنوات إلى مبدأ “العدمية”، لأني حينما غادرتُ الصين أدركت أن العالم حافل بكثير من المذاهب والتوجهات الفكرية بحيث يتعذّر على الفنان إنتاج فنّ نزيه وأدب مستقل، فاتخذتُ قرارًا بألا أنخرط في طريق أي من هذه الأيديولوجيات أو التوجهات التي من شأنها أن تخلق لونًا من الضغط المُــكبّل لحرية الفنان المطلقة. لذا قررتُ ألا أكتب إلا أعمالًا ترضيني، مما يعني ألا أتبع اتجاهًا أو أيديولوجيا بعينها.

المحاور:

حينما صدرت الطبعة الأولى من رواية “جبل الروح” في تايوان سنة 1991 بيع منها حوالي تسعون أو واحد وتسعون نسخة فقط..أليس كذلك؟ ولم تكن السنة التالية 1991 بأفضل حالًا: حيث بيعَتْ نحو اثنتين وستين أو ثلاثة وستين نسخة فقط. ولكن الرواية صارت من بين الروايات الأكثر مبيعًا (بيست سيللر). وكانت تتصدّر المبيعات في تايوان وهونج كونج وفي المجتمعات الصينية ما وراء البحار. بالنسبة إليّ كقارئ متمرّس للأدب الصيني لم تكن قراءتها عملية سهلة، فالرواية جبّارة بحق وتـتّسم برؤية موسوعية هائلة. فهي نسيج شديد الثراء يضم الأجناس الأدبية الصينية كافة، كما أن الأشكال السردية المُوظَّـفة في الرواية مضفّرة في تناسق خلق عملًا شديد الخصوصية.  كيف استطعتَ الوصول إلى مثل هذه الرؤية الشاملة لعالم الأدب الصيني؟ وما الذي تقترحه علينا كقُرّاء؟ ما الخطوة الأولى اللازمة للولوج إلى عالم رواية “جبل الروح”؟

إكسينجيان

في الوقت الذي كنتُ أكتب فيه رواية “جبل الروح” لم أكن أعرف حجم التأثير الذي ستحدثه الرواية في العالم الأدبي ولم أفكّر في جمهور الرواية المُحتمل، في الحقيقة كنتُ أكتب الرواية لنفسي، في ذلك الوقت كنت شديد الاهتمام بمواقف الناس إزاء الثقافة الصينية والتاريخ الصيني وتنبهتُ إلى أن تاريخ الصين ليس إلا تاريخ السلطة، فأوليتُ مزيدًا من الاهتمام إلى مصادر الثقافة الصينية وارتحلتُ إلى الأماكن التي تدور فيها أحداثها الرواية؛ لأتحقق من تلك المصادر بنفسي، كنتُ شديد الاهتمام آنذاك بالظروف الاجتماعية والوضع المجتمعي للفرد داخل الصين. ولا أظن أن الموضوع كان مقصورًا على المجتمع الصيني وحده بل على المشكلات التي تواجه الجنس البشري في كل أرجاء العالم. من بين الأسئلة التي قاربتها في الرواية اهتزاز الثقة بالنفس وقيمة الفرد وسط العالم وشكوك الفرد حول قيمته في هذا العالَم. لذلك كانت الرواية تحليلًا لعملية التطور الفردي، يُضاف إلى ذلك إشكالية اللغة وكيفية التعبير عن مثل هذه الموضوعات عبر اللغة وكيف يمكن للإنسان أن يفصِح عن نفسه عبر اللغة، بالنسبة إليّ كانت الرواية عن سبرٍ للتغيرات التي يمرّ بها الإنسان في حياته. لم يكن عملًا روائيًا، بل عملية مستمرة.

المحاور:

هل يمكنك أن تخبرنا بالمزيد عن تجربتك مع اللغة الصينية بما أنكَ أشرتَ للتوّ إلى  أن اللغة هي الوسيلة التي يمكن عبرها سبر أغوار جميع جوانب التراث الثقافي والتاريخي التقليدي للصين، فضلًا عما أعربتَ عنه من شكوك حول إمكانات تجديد اللغة. من ناحية ثانية ابتكرتَ مصطلح “تيار اللغة” لإيجاز مقصدك. برجاء أن تخبرنا المزيد عن بعض التجارب التي أجريتها على رواية جبل الروح؟ أقصد على سبيل المثال في استخدام الضمائر: أنا وأنت وهو وهي …إلخ.

إكسينجيان:

في هذه الرواية تفحّصتُ شكوك الإنسان إزاء اللغة وهواجسه حول ماهية الرواية والغرض منها، لم يثر اهتمامي توظيف اللغة كوسيلة لوصف الشخوص الروائية أو توليف الحبكة أو شرح ظروف أبطالها فقررتُ استدعاء الأسماء والضمائر كموضوع للدراسة في حد ذاته، فصارت الضمائر هي لبّ الحبكة نفسها، كنتُ على وعي أنك لو حاولتَ سرد شيء حول الضمائر بوصفها موضوع حبكة الرواية فلن يتسّنى لك فعل ذلك إلا عبر اللغة أيضًا. ففي اللحظة التي تستخدم فيها اللغة يبرز السؤال: من الذي يتكلم؟ من الذي يروي الحكاية؟ فأعادني السؤال إلى نقطة البداية حيث الوصف السردي وكتابة الحبكة. فكّرتُ أن استخدام الضمائر والأسماء لم يكن إلا وسيلة لأمسك بيد القارئ وأقوده نحو الحكاية.    

ومن هنا يمكن استخدام الضمائر الثلاثة (أنتَ وأنا، هو/هي) للإشارة إلى شخص واحد. فلو أنك استخدمتَ الشخص الأول “أنا” فسيكون من الواضح تمامًا إلى مَـن أشير، بينما لو استخدمتُ “هو” أو “هي” فسيخلق هذا بعض المسافة وسيعطيني منظورًا مختلفًا يُتيح لي ككاتب خلق حيلة فنية، حيلة حول نفسي، منظور رؤية مختلف أتأمل به ذاتي. على أن الأمر ليس مقصورًا على ممارسة ألعاب لغوية فحسب، لأن كل ضمير من هذه الضمائر الثلاثة يفتح عليكَ بدوره ثلاثة مستويات مختلفة للسرد، ويضمن لك نقاط بداية مختلفة للولوج إلى العمل، فلو كنتُ أصف موقفًا واقعيًا وأتكلّم عن نفسي، مستخدمًا ضمير “الأنا”، فمن الواضح أنني أصف نفسي، في حين أنني لو استخدمتُ ضمير الراوي العليم ساردًا أحداثًا ووقائع فمعنى ذلك أن الحدث السردي مستمرّ. ولكن في اللحظة التي تستخدم فيها الضمير “أنت”، الشخص الثاني، يتحول السرد إلى حوار ويمسي تبادلًا للأفكار بين البشر. ومن ثم فاستخدام الضمير “أنت” يخلق حوارًا، والطريقة التي استخدمت بها الشخص الثالث كانت ترمي إلى خلق مسافة ما.

المحاور:

سأنتقل الآن إلى الموضوع التالي وهو روايتك الضخمة المنشورة في سنة 1995 تحت عنوان One Man’s Bible[2]. أولًا بِمَ تفسّر العنوان؟ وثانيًا ما سبب احتواء هذه المذكرات على هذا الكم من المعاناة والأحزان والفظائع التي ضربت جمهورية الصين الشعبية في العقود الثلاثة الأولى؟ ولِمَ تعاود مجددًا توظيف ثيمة المرأة، وتحديدًا العلاقات الجنسية كوسيلة لاستعادة الذاكرة المفقودة واسترجاع التجارب الضائعة؟

إكسينجيان:

هذا سؤال مجدد لنشاط الذاكرة وصادم أيضًا. أولًا.. نعم هذه الرواية هي الكتاب المقدّس لرجل، ومن ناحية أخرى فالرواية ليست مقصورة على الكتاب المقدس لرجلٍ بعينه لأنها رواية عن الفرد، رواية عن الناس بوجه عام، عن الكيفية التي ينجو بها البشر من الأزمات والكوارث والأهوال التي تضربهم. الشائق في الرواية أن شخوصها ليسوا أبطالًا كالأبطال العاديين. كان السؤال الشاغل: كيف يستطيع البطل الخروج من خضم الكوارث والأزمات؟ لأن هذا السؤال يكشف عن ضعف البشر، فلو كان الجميع أبطالًا لفقدتْ الكوارث والفظائع معناها، ولو كان بعض الناس أبطالًا وغيرهم ليسوا أبطالًا لفقدتْ هذه المآسي والكوارث التي تواجهها البشرية أي معنى أو غاية.

فمن ناحية كنتُ أروي قصصًا وأوضّح الأزمات والمواقف السياسية ساعيًا إلى وصف ذلك وصفًا تفصيليًا دقيقًا، ومن ناحية أخرى سعيتُ إلى رسم السمات الفردية للبشر ونقاط ضعفهم ملتقطًا أدقّ التفاصيل، أما السؤال الثاني فهو: أي معيار نتخذه للحُكم على هؤلاء الأشخاص وأي نوع من الأخلاقيات أو المعايير الأخلاقية التي ينبغي أن نركن إليها للحُكم عليهم؟ بالنسبة إليّ كان المعيار الحاسم هو كون المعيار واقعيًا أم لا؟ أصليًا أم لا؟ هذا هو المعيار الحقيقي في تقديري.

كما حاولتُ الكتابة عن الخرافات التي يؤمن بها البشر، عن اليوتوبيا التي نحاول تشيييدها. يميل الإنسان إلى الاعتقاد بأنه خالق وبأنه مثله مثل الرب. وينسحب ذلك في المقام الأول على المثقفين، فقد نسى المثقفون في القرن المنصرم أنهم بشر مثلهم مثل أي شخص آخر. فكان تأليف هذا الكتاب وصفًا لحالة رجل ينتقل من مرتبة الإله إلى مرتبة الإنسان، عائدًا إلى كونه إنسانًا عاديًا.

المحاور:

ماذا يعني أن تكون كاتبًا يعيش في المنفى أو في الشتات؟

إكسينجيان:

للموضوع أبعاد ثلاثة، أولها: أن مشكلة العيش في المنفى أو مشكلة الاغتراب طبعتْ حياة الكُتاب والفنانين في القرن العشرين، وثانيها أكثر روحانية: فالعيش في المنفى يعني أيضًا تغلّب الفنان على الأيديولوجيا، وتجاوز المواقف السياسية والنزعات الفكرية، وبالتالي فهو وسيلة لبلوغ “العدمية” ولتجاوز ما هو أيديولوجي، أما البعد الأخير فهو أن الفنانين عادة ما يميلون إلى العيش على هامش المجتمع، ومن ثم فالمنفى حالة ذهنية مناسبة لهم، وهذا أمر محمود، لأنك لو عشتَ في قلب المجتمع ستكون عُرضة للمداخلات وللضغوط من جهات شتى، وهي ليست البيئة الخصبة التي يحتاج إليها الفنان لشحذ موهبته الإبداعية وتنمية أفكاره.

المحاور:

من بين كُتب القرن العشرين مَـنْ هم الكُتاب الصينيون أو الأجانب المفضلّون لديك؟ وحينما تقرأ أعمالًا لكُتاب أجانب هل تقرأ أعمالهم مُترجمة إلى الفرنسية أم باللغة الصينية؟ وهل يشكّل أمر الترجمة بالفرنسية أم بالصينية فارقًا لديك؟

إكسينجيان:

عدد الكُتاب الذين أحبّهم كثير، فقد نشأتُ في بيئة مُحبة للكتب، فقد كانت لأبي مكتبة كبيرة بالمنزل وكانت أمي تكنّ احترامًا عميقًا للآداب الأجنبية. كانت أعمال الكُتاب الغربيين مُترجمة لدينا وقد اعتدتُ منذ نعومة أظفاري ألا أقرأ كتب الأطفال وحدها بل الأدب الحقيقي كذلك، في ذلك الوقت شرعتُ في قراءة كلاسيكيات الأدب الغربي والصيني على حد سواء. فتحت لي دراسة اللغة الفرنسية بابًا يفضي إلى ساحة جديدة وأتاحت لي قراءة الأدب الغربي في لغته الأصلية، في تلك الفترة كانت أعمال العديد من الكُتاب الفرنسيين محظورةً داخل الصين وكان من الصعوبة بمكان قراءة كُتّابٍ فرنسيين بعينهم. كنت أقرأ بنهم شديد آنذاك حتى أنني في سنوات دراستي الجامعية كنت أقرأ نحو خمسين مسرحية أو أكثر في الأسبوع الواحد.

سأضرب لك مثلًا عن قراءاتي في فترة الدراسة، قرأت مسرحية “فاوست” لجوته التي تُرجمت إلى اللغة الصينية على ثلاثة أجزاء وكان من الصعوبة بمكان استعارة الكتاب، لذلك اضطررتُ للانتظار، استعرتُ الجزء الأول واضطررت إلى الانتظار لفترة طويلة للحصول عليه حيث استعاره كثير من الطلاب للكتاب، وعندما أردت استعارة الجزء الثاني كان عليّ الانتظار أيضًا، لكن حوالي عشرة أفراد فقط استعاروا هذا الكتاب. وأخيرًا عندما وصلت إلى الجزء الثالث كنت الوحيد الذي استعار الكتاب.

المحاور:

إلى أي مدى تعتقد أنك أنجزت تجربتك اللغوية في رواية جبل الروح؟ وهل لديك أية مشاعر ندم؟

إكسينجيان:

الكتابة بالنسبة إليّ عملية شاقة للغاية، فقد استغرقت كتابة رواية جبل الروح نحو سبع سنوات، في الآونة الأخيرة أمست عملية الكتابة أكثر صعوبة عما مضى وأعتقد أن لغتي الصينية لا ترقى إلى المستوى الذي أنشده، الحقيقة أن مهمة وصف شيء لم يوصف من قبل أمر في غاية المشقة، عندما تقرر التخلص من الكليشيهات القديمة أو الجُمل القديمة والتوصل إلى طريقة جديدة لقول شيء ما فهذا أمر في قمة الصعوبة.

المحاور:

هل تشعر أنك جزء من مجتمع قوامه الكُــتَّـاب والفنانين المغتربين في فرنسا؟ ولو كان هذا شعورك.. هل شاركتنا أعـزّ ذكرياتك عن السنوات الأولى التي عشت فيها في فرنسا؟

إكسينجيان:

عندما شددتُ الرحال إلى فرنسا كنت روائيًا وكاتبًا مسرحيًا معروفًا، وحظيتُ بالاعتراف الاعتراف في مجال عملي، ولما وصلتُ إلى هناك كان الأمر أقل صعوبة بالنسبة إليَّ قياسًا بالكُتّاب أو الفنانين الأحدث سنًا الذين لا يعرفهم أحد، أعتقد أنه من الصعب جدًا على المؤلفين الصينيين السفر إلى بلد أجنبي ومن الأصعب اقتحام هذه المجتمعات، أما بالنسبة إلي فقد كنت معروفًا بالفعل في مجال عملي، لا أقصد أنني كنتُ شخصية عامة مشهورة ولكني كنتُ معروفًا في مجالي الأدب والمسرح. بالإضافة إلى ذلك لم تشكّل اللغة عائقًا أمام اندماجي فقد كنت أتقن اللغة الفرنسية وسرعان ما اندمجت في نسيج المجتمع الفرنسي، لذلك لم أشعر أبدًا بأنني أصبحت جزءًا من مجتمع الفنانين الصينيين المغتربين، حيث صرت عضوًا أصيلًا المجتمع الفرنسي إن صحّ التعبير بمجرد وصولي إلى هناك.

المحاور:

هل عُدتَ إلى الصين منذ أن غادرتها؟ وهل تخطط للعودة إلى الصين أو هل ترغب في ذلك من الأساس؟ وإذا رجعتَ إلى الصين  هل لديك فكرة عما ستلاقيه هناك؟

إكسينجيان:

بعد إعلان منحي جائزة نوبل في الأدب أدانت وزارة الخارجية الصينية أعمالي ووجهتْ إليها نقدًا لاذعًا. وجميع أعمالي محظور دخولها أو تداولها داخل الصين. ترى.. كم عدد المؤلفين الذين يرغبون في العودة إلى بلدٍ حظرتْ أعمالهم وكتبهم؟


 [1]  – في سنة 1989 تدخل الجيش الصيني لقمع المتظاهرين في ساحة تيانانمن “الميدان السماوي” في العاصمة الصينية بكين، مما أسفر عن مقتل 10 آلاف شخص على الأقل (المترجم).

[2]  نقلها إلى العربية د. خالد الجبيلي تحت عنوان (سِفر رجل) (المترجم)

أدب الحادي عشر بعد المئة ترجمات

عن الكاتب

أحمد الزناتي