ثورة مصر…ثروة العرب

مصر كانت الحظيرة الأمريكية وقاعدتها الدائمة ,فالولايات المتحدة الأمريكية تعتبر القاهرة شريكا مهما في الشرق الأوسط الكبير ودولة هامة في محاربة ما يسمى الإرهاب والحركات الإيديولوجية,فمصر كانت دائما تقف مع الجانب الأمريكي وتحمل أفكاره وتطلعاته ولم تكترث يوما لإرادة الشعب ,فتأمين الحدود لإسرائيل ومنع تدفق السلاح لحماس واعتقالها للمطلوبين دوليا وتقديمهم كهدايا للأمريكيين وسكوتها عن الظلم التي تقترفه كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية من جرائم في كل من العالمين العربي والإسلامي

egypt3

إن كلماتي انتهت ,وتعابيري اكتملت ,وأفكاري انطفأت ومجمل تحليلاتي السابقة عن شعب مصر ألغيت
إن مشاعري اهتزت, وأحاسيسي استيقظت ,ومواقفي انقلبت وكل ارائي القديمة عن أمة النيل قد سقطت
لست أدري من أين أبدا ولا أين أنتهي فأفكاري مشوشة ,سعادتي غامرة ودموع فرحتي منهمرة…
قرءنا كثيرا في كتب التاريخ عن بطولة مصر وشجاعة أهلها ,تلك البطولة التي كنا قد يئسنا منها بعدما شاهدنا خنوعا كاملا لأهلها طيلة ثلاث عقود من الظلم والقهر والعدوان.
بيد أن شعب مصر العظيم أبى إلا أن يبقى عظيم…
لكن ماذا ستقدم ثورة مصر لأمة العرب والإسلام, وهل ستقدم نتائج ملموسة أم ستبقى مجرد كلام
1 ) العلاقة بالصهاينة
لعل أكثر الدول قلقا من سقوط الطاغية في مصر هي الدولة الصهيونية التي تحد مصر بطول يبلغ 215 كيلومترا من جانب صحراء سيناء,والتوتر الذي كان يخيم على الجانب الإسرائيلي كان واضحا جليا منذ اليوم الأول للثورة
على أكثر تقدير فالعلاقة بين مصر وإسرائيل قبل الثورة ستكون مغايرة تماما عن تلك التي سنشهدها في الأشهر القادمة
إسرائيل أصابها الرعب بعد سقوط مبارك لأنها ببساطة كانت المستفيد الأول طيلة حكم الرجل للبلاد والعباد ,فالامتيازات التي عرفتها أثناء حكمه لا تعد ولا تحصى نذكر منها
أ_ أن العدو الصهيوني اطمأن طيلة حكم مبارك على أن كل الحروب التي سيخوضها لن تشارك فيها الدولة المصرية ولا جيشها ,فغزا الصهاينة الجولان ودمورا بيروت وأسالوا الدم في غزة ولم يتحرك جفن لمبارك ولا لجيش مبارك…
كما ضمنت إسرائيل هدوءا كاملا مع الجانب المصري وبالتالي إخلاء المناطق الحدودية من الجيش الإسرائيلي لكي تشارك به سواء في حروبها أو في تدريباتها وفي كلا الحالتين ,الأمر لصالح الإسرائيليين
ب _ جعل الكيان الصهيوني من الجيش المصري حارسا على حدودها بدلا من دوره الحقيقي ,فرأيناه أول الأمر يطارد المهاجرين السريين ثم انتقل بعد ذلك للبحت عن أنفاق تهريب الأسلحة والمال لحركة حماس في غزة ,ولا ننكر أنه كان يقوم بواجبه على أكمل وجه ولا نشك للحظة واحدة في ذلك
ج _ إغراق السوق المصرية بالمنتوجات الإسرائيلية بسبب العلاقة الاقتصادية بين الطرفين المصري والإسرائيلي ,وعلى أغلب الضن كان الإسرائيليون هم المستفيدين من هذه العلاقة بسبب الأرباح التي كانت تأتيهم من تصدير السلع إلى داخل مصر بالإضافة إلى نقص تكلفة التصدير وتحوليها بدلا من البحر والجو إلى البر
د_ بسبب المعاهدات, كانت مصر تبيع الغاز والبترول إلى إسرائيل بثمن بخس وحتى عندما كان البترول يساوي 147 دولارا للبرميل الواحد في الأسواق الدولية كانت إسرائيل تأخذه بثمن رمزي,وحصول دولة ما على مادتين أساسيتين ودائمتين ومكلفتين جدا بأثمان بخسة لا شك أن ذلك مشجع جدا لاقتصادها الوطني
2 ) العلاقة بالأمريكيين
مصر كانت الحظيرة الأمريكية وقاعدتها الدائمة ,فالولايات المتحدة الأمريكية تعتبر القاهرة شريكا مهما في الشرق الأوسط الكبير ودولة هامة في محاربة ما يسمى الإرهاب والحركات الإيديولوجية,فمصر كانت دائما تقف مع الجانب الأمريكي وتحمل أفكاره وتطلعاته ولم تكترث يوما لإرادة الشعب ,فتأمين الحدود لإسرائيل ومنع تدفق السلاح لحماس واعتقالها للمطلوبين دوليا وتقديمهم كهدايا للأمريكيين وسكوتها عن الظلم التي تقترفه كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية من جرائم في كل من العالمين العربي والإسلامي … كل ذلك كان بمثابة مكسب لا يعوض لكل الإدارات الأمريكية المتعاقبة على حكم أمريكا.
السيد أوباما قال قبل شهور إنه لا يرى نقصا في الديمقراطية بمصر وبعدما استشعر بقرب سقوط ذاك النظام عبر عن دعمه للمتظاهرين,إن ذاك هو قمة النفاق والكذب والخداع
3 ) العلاقة بمحور الاعتدال
لا شك أن مصر كانت الدولة رقم واحد في هذا المحور الذي شكلته الولايات المتحدة الأمريكية ودعمته بالمال والسلاح من أجل تنفيذ مخططاتها في ما أسمته من قبل بالشرق الأوسط الكبير
ومما لا شك فيه أن هذا المحور قد تلقى صفعتين قويتين في أقل من شهر بسقوط دولتين مهمتين داخله وهما كل من تونس ومصر.
كان محور الاعتدال العربي يجتمع كل مرة في القاهرة وكانت مصر عاصمته ومهده ومركزه الأمني والسياسي والإعلامي, وبسقوط نظامها فجأة ومن غير تنبؤ سيصعب مهمة البحث عن بديل مرتقب بحجم مصر.
ولعل أكبر ما لاحظه حلف المعتدلين أنه رغم كل الامتيازات التي قدموها للولايات المتحدة الأمريكية وعملاتهم الدنيئة لها طيلة عقود كاملة إلا أن ذلك كله لم يشفع لهم عند الإدارة الأمريكية الحالية بل أدارت وجهها شطر البيت الأبيض وشطر المتظاهرين المصريين الشرفاء
4 ) العلاقة بمحور المقاومة
في أيام عبد الناصر_ ورغم تحفظنا على الكثير من أعماله _ إلا أن مصر كانت آنذاك حاملة للواء المقاومة والممانعة وكان ملايين العرب والمسلمين من شتى بقاع العالم يحجون إلى القاهرة والإسكندرية ويحلمون بأن يتم قبولهم في صفوف الجيش المصري الأبي الذي كان ذاك الوقت مفخرة وعزة وكرامة قبل أن يحوله نظام مبارك إلا مجرد مراقب للمهاجرين السريين.
وبسقوط هذا النظام فإن أملنا كبير جدا بعودة مصر وأهلها إلا مكانتهم الحقيقة في قيادة الأمة والذب عن أهلها وممتلكاتهم, ولعل أكبر ممتلك لديهم ما زال مسلوبا منذ 90 سنة أولا وهو الأقصى وفلسطين الحبيبة كل فلسطين
إن أملنا كبير بعودة القاهرة إلى ربوع محورها الحقيقي الذي غابت عنه منذ أكثر من 50 سنة
5 ) مصر والاتفاقيات السابقة
إن أكثر ما يرعب الغرب أن تكون كل الاتفاقيات التي وقعتها الحكومات المصرية السابقة مع الصهاينة والأمريكيين في طي النسيان .
ولم تتأخر الإدارة الأمريكية فعلا في إبداء هذا التخوف على لسان متحدثها الرسمي روبرت غيبس الذي طالب الحكومة المصرية القادمة بالاعتراف بالاتفاقات المبرمة مع الصهاينة .
وقد وقعت الكثير من الاتفاقيات الظالمة والغير العادلة من قبل الأطراف المعنية وكان ذاك جورا واضحا للأمة العربية الإسلامية عامة ولإخواننا في فلسطين خاصة
اتفاقيات ككامب ديفيد والكويز وتصدير الغاز للصهاينة … كلها كانت في صالح طرف واحد هو الكيان الصهيوني الذي وجد الأرض مفروشة أمامه ليضمن أمنه الإستراتيجي والحدودي والاقتصادي بل وحتى الطاقي ” تصدير 1.7 مليار متر مكعب سنويا من الغاز الطبيعي لمدة 20 سنة ”
كلنا نعلم أن توقيع حكام مصر السابقين على هذه المعاهدة لم يكن “ببلاشِ” بل تلقوا على ذلك عمولات بالدولار حولوها مباشرة إلى أرصدتهم السمينة في كل من سويسرا وكندا …
قال الله سبحانه وتعالى معلقا على تلك التجارة بعد بسم الله الرحمان الرحيم :
” اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون”.
6 )العلاقة مع الأزهر الشريف
بعدما كنا نسمع عن علماء مصر ونحفظ أسمائهم من شدة إعجابنا بعلمهم وصدقهم وغيرتهم على قضايا أمتهم العربية والإسلامية بتنا اليوم نكره حتى سماع أسماء بعضهم ,فالحكومة المصرية المخلوعة قزمت دور العلماء وجلبت علماء سوء وافقوها في ظلمها وطغيانها وسكتوا على الباطل بل وبعضهم شارك فيه
لا نعلم كيف سيكون حال علي جمعة حاليا وهو يرى كيف أسقط شباب مصر رجلا كان يعزه لأنه أعطاه منصب مفتي مصر
ولا نعلم كيف سيكون بعض من “علماء” الأزهر الذين دخلوا إلى الأزهر الشريف لا بعلمهم وعملهم ولكن بدناءتهم وخيانتهم وقبولهم بالظلم والجور على أبناء شعب مصر العظيم…
بلا شك سنرى في الأشهر القليلة القادمة تحولا جذريا فيما يخص مسألة الأزهر لمكانته الكبيرة في قلوب المسلمين ودوره الكبير في التوعية الدينية لدى المسلمين.
7 ) الثورة وإشعال الوقود
لو لم يكن من ثورة مصر من فائدة إلا إشعال الوقود لشعب عربي أو إسلامي اخر من أجل الخروج هو الأخر إلى الشوارع ليطالب بإسقاط الحكومة فتلك أفضل فائدة وأشرفها…
فالوقود التونسي أشعل نار الحماس في شباب مصر التواق للحرية والتغيير ,وبدون شك فإن الوقود المصري سيشعل حماس شباب اخر من دولة عربية أخرى يتوق شبابها هو الاخر إلى حرية كاملة
سقط النظام المصري أخيرا بعدما كرهه الكل ونبذه الجميع حتى أقرب المقربين إليه,أسقطه مجموعة من الشباب الحالم المثقف العازم, الذي يؤمن إيمانا عميقا بأن التغيير ممكن في أي لحظة إذا ما أراده الشعب طبعا .
علمتنا ثورة مصر الكثير فشكرا لمصر العظيمة, وشكرا لشعب مصر العظيم, وشكرا لأرض مصر العظيمة
ولم أجد من خاتمة لمقالتي إلا الآية الكريمة التي تقول بعد بسم الله الرحمان الرحيم
” ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار”
صدق الله العظيم

العدد الثاني عشر سياسة

عن الكاتب

عدنان وادي