سينما المرأة العربية .. من قوائم الأوسكار إلى جدل المصطلح

كتب بواسطة حجاج سلامة

بعد سنوات من النضال السينمائي، بات من حق صناع السينما العرب، أن يُعلنوا النصر، وأن يحتفوا بما حققوه أخيراً من انتصار وحضور قوي في المشهد السينمائي العالمي، بعد أن نجح جيل المؤمنين بحتمية وجود سينما بديلة تصنع للعرب مجدهم، وتضعهم ضمن قائمة أهم الأفلام العالمية، بعد أن جاء فيلم “الرجل الذي باع ظهره” للمخرجة التونسية، كوثر بن هنيَة، ضمن قائمة الأعمال المرشح لنيل جوائز الأوسكار للأفلام الروائية لصنف الأفلام الأجنبية في دورتها الثالثة والتسعين لهذا العام. 

ووصول فيلم “الهدية” للمخرجة الفلسطينية فرح نابلسي، لقائمة الأعمال المرشحة لنيل جوائز الأوسكار للأفلام القصيرة، في إشارة إلى تطور صناعة السينما العربية، وإلى ريادة المرأة العربية لصناعة السينما في الكثير من بلدان العالم العربي. 

الإنجاز الذي تحقق على يد كوثر بن هنية، وفرح نابلسي، يدعم نظرية السينما الجديدة في بلدان العرب والعالم، وفي بلدان تعيش ظروفا معيشية واقتصادية صعبة، فكانت “سينما المتعبين” طريقها لفرض رؤيتها لقضايا العالم. 

وإذا كان البعض يري أن عائدات صناعة السينما تتراجع جراء الجائحة وما رافقها من أزمات اقتصادية، فإن البعض يرى أن نجاحا لافتا يتعاظم يوما بعض يوم حققته سينما المرأة والشباب، وما صار يمكن أن يُطلق عليه “سينما المتعبين” أو السينما من أجل الإنسانية، والتي راحت تعزف على أوتار بشر وشعوب أثقلتهم الهموم، وأنهكتهم المعارك والحروب والهجرة والنزاعات، والشتات والصراع من أجل البقاء.   

ولعل المتتبع لقوائم الأفلام التي سيطرت على عروض المهرجانات السينمائية، العربية والدولية منها، يلحظ وبوضوح أن تلك العروض سيطرت عليها خلال السنوات الماضية، فمع تفاقم الأزمات الإنسانية، تزايد الإقبال على إنتاج أفلام تٌعبر عن الهَمٌ الإنساني، وصارت المهرجانات السينمائية تخصص مسابقات للأفلام التي تٌنتج من أجل الإنسانية، وتلك التي تتناول قضايا الحريات العامة.

وصارت الأفلام التي تحمل قصصا إنسانية، وتجسد معاناة الناس، وتقترب من متاعبهم وترصد لحظات الألم، وترصد انكساراتهم وانتصاراتهم، وصراعهم اليومي من أجل الحياة، هي الأكثر حضورا في المهرجانات السينمائية.   

وإذا ما رجعنا لبرامج عروض الأفلام في مهرجاناتنا العربية التي انطلقت عروضها خلال فترة الجائحة، لوجدناها تقدم لونا من الأفلام –التر تروى كما أسلفنا- تفاصيل حكايات مأساوية، وأفلام تدور في فلك المعاناة الإنسانية، وتكشف زيف الحياة في المجتمعات الفنية، وتعرض لعوالمها السفلية الخفية، وتعالج قضايا اللاجئين والمهمشين، والحروب والنزعات الطائفية التي تؤرق حياة البشر في كل يوم.

ولعل قصة فيلم المخرجة التونسية كوثر بن هنية، الذي جاء ضمن قائمة الأفلام الروائية الطويلة المرشحة ضمن القائمة النهائية للأوسكار، ينتمي ذلك النوع من الأفلام ذات النمط الإنساني المتفرد من السينما التي تلمس شغاف القلب، وتؤرخ لحاضر مؤلم، وتقدم صورة صادمة لحقائق بشرية صادمة برغم كل يثار ويكتب ويقال عن الإنسان وحقوقه.

 ” الرجل الذي باع ظهره ” هو إنتاج  مشترك ( تونسي .. سعودي .. فرنسي .. بلجيكي .. سويدي .. ألماني ” .. وتأخذنا تفاصيل أحداثه قصة إلى “مأساة مهاجر سوري شاب عفوي وحساس، غادر بلده هربا من الحرب متوجها إلى لبنان، على أمل أن يحظى بالسفر من لبنان إلى أوروبا، حيث تعيش هناك الفتاة التي يحبها، وفي سبيل ذلك يقبل أن يرسم له أحد الفنانين التشكيليين المعاصرين وشما على جسده، الذي تحول لقطعة فنية، أملاً في الوصول إلى الحلم الأوربي، لكنه يدرك بعد أن قام بذلك بأنه فقد حريته مجدداً.

ومن المُبهج أيضاً أن فيلما فلسطينيا، عرف طريقه إلى قائمة الأوسكار النهائية للأفلام القصيرة، وهو فيلم ” الهدية ” للمخرجة الفلسطينية، فرح نابلسي. قصّة فيلم “الهدية” لـ “نابلسي” تتمحور تفاصيله رجل فلسطيني مجتهد يعيش في الضفة الغربية، وينطلق مع ابنته الصغيرة لشراء هدية لزوجته في عيد زواجهما، ولكن العيش في ظروف الاحتلال ونقاط التفتيش والجنود وحواجز الطرق، كما هو الحال بالنسبة لجموع الشعب الفلسطيني، جعلت من هذه المهمة البسيطة ليست بالأمر السهل، لتكشف لنا تفاصيل الفيلم صور ذلك الواقع العبثي الذي تعيشه فلسطين اليوم.

وفيلم الهدية من بطولة صالح بكري، ومريم كنج، ومريم باشا، وقد سبق للفيلم الفوز بعدة جوائز من مهرجانات دولية عدة.

من قوائم الأوسكار إلي جدل المصطلح :

وربما السؤال الذي يطرح نفسه هنا، في ظل ذلك الحضور النسوي العربي، في القوائم النهائية لأفلام الأوسكار لهذا العام، هو هل نحن بصدد التأصيل لما يمكن أن نطلق عليه سينما المرأة، أو سينما للمرأة، أو سينما من صناعة المرأة.

 أم أننا إزاء مزيد من الجدل حول المصطلح ؟

الفنانة المصرية، إلهام شاهين، التي خاضعت معترك صناعة السينما، وعاشت تفاصيل تجربة تقديم إنتاج سينمائي، رأت بأننا إزاء جدل حول المصطلح بالفعل، وأشارت في مداخلة لها ضمن فعاليات النسخة الماضية من مهرجان الجونة السينمائي على شواطئ البحر الأحمر المصرية، أنه ” ا شيء يسمى سينما المرأة، ولا شيء يسمي سينما الرجل، وأنه لا بد من قضايا مشتركة”، لكنها حين تحدثت عن فيلم “يوم للستات” ينتمي لما اسمته بـ “سينما المرأة”، وهي بذلك جعلتنا أمام أزمة مصطلح حقيقية.

الفنانة المصرية، ليلي علوي، رأت في الندوة ذاتها، بمهرجان الجونة السينمائي، أنه يوجد بالفعل “سينما للمرأة” وأن ذلك التصنيف من وجهة نظرها يكون مناسباً لأي عمل سينمائي من بطولة أساسية للمرأة، أو يتناول قضية تهم المرأة، وذهبت إلى التأكيد على أن فيلم “يا دنيا يا غرامي ” هو فيلم للمرأة.

الفنانة المصرية، هالة صدقي، رأت من جانبها أن “سينما المرأة، سينما عالمية، ووصفت المجتمع بـ ” لذكوري”، وقالت بأنه لا أحد عرف كيف يكتب للمرأة وعن المرأة سوى إحسان عبد القدوس، واصفة إياه بـ “ملك الإحساس”، وأشارت إلى أنها تفضل أن يكون إخراج أي عمل “يتناول المرأة أو يُعبر عنها” بمعرفة مخرجة وليس مخرجا من الرجال.

وكأننا بذلك –هنا- أمام أزمة مصطلح تزداد تجذراً.

تراجع نموذج المرأة :

في حلقة نقاش جمعت عددا من العالمات بصناعة السينما، وفريق من النقاد السينمائيين، وانعقدت على هامش الدورة الأخيرة لمهرجان أسوان لأفلام المرأة، دارت مناقشات حول صورة المرأة في السينما العربية، وكيف عكستها الأفلام الأخيرة. ودار الحوار حول وضع المرأة في الدول العربية العديد من التساؤلات منها هل رسخت الصورة النمطية للمرأة أم قدمت صورة واقعية صادقة تلامس قضاياها وتطرح همومها؟ وهل أتاحت الفرصة كاملة أمام المرأة كصانعة أفلام؟ وذهب بعض من شاركوا بالنقاش إلى التأكيد على وجود مشكلات في كتابة الشخصيات النسائية في الأعمال السينمائية. 

الناقدة السينمائية المعروفة، خيرية البشلاوي، رأت من خلال مداخلتها أن هناك تراجعاً في تقديم نموذج المرأة الفعال في المجتمع، وأنه لم تُقدم أعمالاً تُبرز دور المرأة وتأثيرها، حتى ولو كان ذلك في صورة دور صغير للمرأة، على غرار دور الفنانة هند صبري، في فيلم الممر، والذي وجدت فيه الناقدة خيرية البشلاوي، دوراً يُقدم نموذجاً للمرأة المصرية في الأحداث السياسية، ويبرز دورها المحوري.. ويؤكد على أن المرأة “ليست كمالة عدد أو خُلقت للإمتاع الجنسي للرجل”، وشددت “البشلاوي” على ضرورة تتغير الصورة الذهنية عن المرأة عند صناع السينما.

مصدر الصورة: https://2u.pw/vyn12

السابع عشر بعد المائة سينما وأفلام

عن الكاتب

حجاج سلامة