حياة على الهامش

كتب بواسطة أيوب مليجي

الضجر الذي يحاصره ويكاد ينقضّ على روحه يجعله يمزق ثيابه التي يرتديها غير ما مرة، حتى أنه صار يرتاد الحانات ليسكر ويرقص ويعربد ويضاحك من لا يعرفهم من مرتادي تلك الأماكن، وكل هذا تجنبًا للضجر الذي صار ظلًا له.

ذات مرة وهو لتوِّه خارج من الحانة ثملًا:

“مرت سنوات على آخر مسرحية شاهدتها، لكنها ما لبثت أن أعادتني إلى أجواء المسرح، لم أشاهد المسرحية بعينيَّ فقط بل بقلبي وكل حواسي، أشاهد العرض المسرحي وكلي ترقب للحظة دخولها الركح، أتابع حركات يديها، تدلِّلها كأميرة، أتفحص ملابسها قطعة قطعة غير آبه بالديكور ولا بالحوار.

أشم أنفاسها ولو أنني بعيد ومندس في مكاني بين الجمهور.

 لم تكن تتمشى على الركح بل على قلبي،

هكذا كان ومازال…

 يفكر في العلاقات الإنسانية التي يحكمها المد والجزر، كقارب تتأمله من على الشرفة فيبتعد رويدا رويدا إلى أن يختفي؛ كذلك مئات القوارب اختفت قليلا قليلا إلى أن غابت عن ناظره … ليس غريبا على المكان والزمان والناس، بقدر ما يشعر بأنه غريب عن نفسه..

كلما اقترب منها ابتعدَت، وكلما اقتربت منه مسافة خطوة فر منها لمسافات ضوئية.

البحث عن الذات يحتاج نفس عداء ماراثون، وصبر جيولوجي ينبش الأرض بتأن كي لا يدمر الجماجم البشرية والبقايا المطمورة في الباطن.

 قد يحصل أن نعثر على أنفسنا في قصيدة أو أغنية ما، أو أن تتخفى عنا في روح وجسد آخرين.

لا يحتاج الأمر ببساطة سوى إلى الحفر والحفر ثم الحفر…

نهض متثاقلًا من ثمالته الويسكية، يريد أن يقطع الشارع في وقت الليل الساكن حيث السّيارات والضجيج، ليس هناك مخبرون ولا متلصصون:

والأمر المؤسف أنها لا تعي ما تقوله، تهلوس وتهذي بكلام لا أفهمه، أو ربما أنا الذي لا أعيه جيدا، فقد حاولت مرارا أن أتحاشى ذلك، لكن الأمر مؤلم خصوصا بالنسبة لفتاة بمستوى جمالها حين تكون مدعاة للشفقة والرحمة، لذلك كل ما أستطيع فعله أن أهلوس وأهذي مثلها، حينها سنكون معا في نفس مستوى التواصل والإندماج، وبالتالي لن يعطف أحد منا على الآخر…”

 يبدأ النهار من جديد، طلبة يتنظرون الباص، وسيارات تحتل المساحات وتقض المضاجع بأصوات المنبهات، باعة يفتحون محلاتهم مستبشرين برزق الصباح والكلام المباح.

 شرطي يلمح مارة متحلقين حول شيء ما، يقترب منهم ويدنو ليجد رجلا يبدو نائما من فرط الموت ويبتسم.

مصدر الصورة: https://2u.pw/9YzQs

أدب الثامن عشر بعد المائة

عن الكاتب

أيوب مليجي