للعام الثاني علي التوالي تطرق الفنانة الكويتية حياة الفهد تاريخ الأقليات في منطقة الخليج، فبعد النجاح المصحوب بشيء من الجدل لمسلسل “أم هارون” في رمضان 1441هـ تطل علينا الفهد هذا العام بمسلسل آخر حمل عنوان ” مارجريت”، وبينما تناول مسلسل أم هارون الأقليات الدينية في الخليج والصراع بين تلك الأقليات وبين السكان المحليين في مرحلة مهمة من مراحل تاريخ المنطقة، فأن مسلسل “مارجريت” تطرق إلى الأقليات الأجنبية في المنطقة من خلال شخصية “مارجريت” الإنجليزية التي ارتبطت في مرحلة من مراحل حياتها بعلاقة زواج من خليجي ثري أسفر عن وجود ثلاث فتيات، ونتج عنه-لاحقًا- مجموعة من الصراعات للسيطرة على الثروة والمال بعد وفاته.
ورغم أن المسلسل لم يعطِ تفاصيلًا أكثر عن قصة الزواج التي حدثت بين “مارجريت” بطلة المسلسل و”أبو سالم” الراحل عن الحياة، إلا أن المسلسل قدم صورة مهمة من صور التعايش بين سكان الخليج والأقليات المختلفة التي فرضتها الظروف السياسية عبر مراحل مختلفة من تاريخ المنطقة، أو تلك التي جلبتها التداعيات الاقتصادية التي نتجت عن وجود النفط في الخليج.
والحقيقة أن ما يقدمه المسلسل جزء مهم من تاريخ الخليج الثقافي والاجتماعي، من حيث قدرته على التعامل مع الآخر والتعايش مع المختلف، بدايةً من التمازج الذي حدث بين الشعوب في المنطقة وما جاورها من أصول بشرية نتيجة للهجرات المتبادلة، وصولا إلى وجود الكثير من الأقليات العربية والآسيوية التي تدفقت للعمل في المنطقة منذ منتصف القرن العشرين. كما أن المسلسل يقدم رسالة مهمة بضرورة التعايش رغم الاختلاف، في ظل ما نشده من تجاذبات سياسية ودينية وعرقية في الوقت الراهن.
البناء الدرامي
ارتبطت “مارجريت” برجل عربي ثري له مكانته في المجتمع، ويتضح ذلك من خلال نعته بلقب “الغالي” ولأسباب ما، غادرت “مارجريت” الخليج لتعيش مع والدتها الإنكليزية في بريطانيا، لتعود مرة أخرى بعد وفاة زوجها “أبو سالم”. تعود السيدة من المملكة المتحدة إلى قصر زوجها في الخليج كسيدة إنجليزية أرستقراطية قوية، حاملة معها “الإتكيت” الإنجليزي والقوانين الصارمة التي تحاول فرضها على الجميع المتخلف منهم والمختلف. تحاول السيدة فرض سلطتها على سكان المدينة من خلال استغلال قيمة العطاء، بينما تحرك أفراد أسرتها من خلال التحكم بالثروة وإدارتها، مع أن الثروة ثروتهم، وهو ما يعيد إلى الأذهان-ربما- المحاولات الغربية لفرض السيطرة السياسية والاقتصادية على الشرق الأوسط من خلال الرعاية الممنهجة للشرق المتأخر “من وجهة نظرهم” من قِبل الغرب المتقدم، والتحكم بالثروة والتنافس على النفوذ وهنا إسقاط سياسي آخر يحسب للمسلسل.
وعلى خط درامي موازٍ يعود “سالم” ابن زوجها الوحيد من أم خليجية من بريطانيا أيضا، حيث نفاه والده الثري اختياريا بسبب سلوكه غير السوي في البلاد، ليدخل الصراع على الثروة ضد “مارجريت” وبناتها منعطف آخر، حيث تدخل السيدة التي تحرك جميع من بالقصر كأحجار الشطرنج بمساعدة حارسها الأمين مزيد “حسن البلام” في تحدٍ جديد للحفاظ على المال والقصر.
إبهار الصورة والأداء
أبدع القائمون على صناعة المسلسل في إخراج الصورة من خلال اختيار أماكن التصوير والزوايا، مما خلق الكثير من المتعة لدى المتلقي. أيضا عكست الأزياء التي ارتداها الممثلون شخصياتهم في المسلسل أكثر مما عكست المرحلة التاريخية التي جرت فيها الأحداث، فبين أزياء “مارجريت” الملقبة بـ”الغالية” سيدة القصر وبين أزياء “هيفاء” التي تقطن في حي متواضع هناك بون شاسع، ومثّل ذلك محورًا مهمًّا في إثراء الأحداث.
أما من حيث الأداء فقد أبدع الجميع في تقمّص الشخصيات التي يمثلونها، وتلوّن المسلسل بألوان الابتكارات في الأداء للصراعات بين الخير والشر، والجنوح إلى الحب، والرغبة في الانتقام واضطراب الحالات النفسية. ويمكن الإشارة هنا إلى شخصية “زبيدة” التي أدتها الممثلة ليالي دهراب باقتدار، حيث أبدعت في التفاعل مع الجميع وبين الجميع، وكانت مدهشة في تقمّص الشعور تبعا للشخصية التي تتعامل معها في المشهد، فهي خادمة منزل وهي الحبيبة وهي المطيعة وهي الشريرة التي دخلت القصر من أجل الانتقام.
بين المشاهد
في هذا العمل المبهر كان من الأفضل لو كان هناك تكاملًا في الشخصية المحورية للمسلسل، فـ”مارجريت” بقوة أدائها والأزياء الغربية الفخمة التي ترتديها كان من المهم أن تطعَّم حواراتها في المسلسل ببعض الكلمات الإنجليزية، أو أن تكون لكنتها العربية فيها شيء من التفرُّد ليعطي ذلك شيء من المصداقية، بينما نجد البطلة في المسلسل وبكامل زيها الغربي المدهش وتصرفها الأرستقراطي الصارم تتحدث اللهجة الخليجية بطلاقة. أيضا كان من الأجدر بالممثلين استخدام بعض المصطلحات التي تتناسب مع الحقبة الزمنية التي جرت فيها الأحداث.
كذلك هناك بعض التفاوت في إخراج بعض المشاهد في المسلسل، فبينما أسهبت بعض الحلقات في تصوير آسيا “نور الشيخ” على سبيل المثال، وهي تعبر عن مشاعرها وهمومها، أتت بعض المشاهد سريعة ومقتضبة، ربما كانت تستحق مساحة أكبر في التصوير والإخراج كلقاء أم سدرة بحفيدها في حديقة القصر مثلا.
وعلى الرغم من أن الحديث بين “مارجريت” و”مزيد” في الحلقة الأولى وهي قادمة من المطار كان واقعيا، إلا أنه يمثل مرحلة متقدمة من تاريخ المنطقة، فالحديث عن ضرورة وجود قطار في الدولة على غرار ما قامت به دول الجوار ربما لا يمثل واقع المنطقة قبل الألفية الجديدة.
المسلسل من تأليف محمد وعلي شمس، ومن إخراج باسل الخطيب، وقام بأداء البطولة مع حياة الفهد كل من حسن البلام، هبة الدري، بشار الشطي، حمد العماني، ليالي دهراب، نور الشيخ وريم ارحمة.
مصدر الصورة:https://cutt.ly/7buE7W0