إكليروس لاهوت التحرير

إلى متى يظل الوعي العربي المقهور والمهضوم في مرمى نفاق الساسة وأصحاب المطامع الرئاسية التكتيكية على اختلاف أشكالها ، فرئاسة سياسية وزعامة دينية وقيادة اقتصادية ، ومتى تكون النخبة المغيبة ضمير هذه المرحلة المفصلية ، لتعرية هذا الوهم الثوري وتصيح في هذا الجمع الغفير من الملايين البشرية أن الطريق إلى الحرية في الجانب الآخر ، وأنهم مجرد أدوات في أيادي عابثة طامعة في تحقيق مكاسب خاصة تترصد فرص البقاء بدماء أولئك الشهداء ، ولن تكون نهاية نظام ديكتاتوري فاسد إلا ببداية نظام ديكتاتوري أكثر منه فسادا وفتكا بمصالح هذه الأمة المنكوبة .

censorship-press-freedom

إكليروس لاهوت التحرير

يشهد الوطن العربي اليوم بعض حالات المخاض العسيرة وغير المسبوقة ، وصل ببعضها إلى مراحل متقدمة أدى إلى خروج أمواج وكتل بشرية هائلة تتدافع دون توجيه أو قيادة باتجاه تجسيد هيولى ثورية ، خاصة بعد أن دغدغ ذلك الحراك الشعبي مشاعر الكثيرين على اختلاف منطلقاتهم الدينية والسياسية والاقتصادية وهم يرون أن خطوط التماس بين مصالحهم وأجنداتهم التي تراكم عليها غبار الزمن ، وبين معطيات المشهد الثوري العفوي أصبحت الآن أكثر تقارباً ، فإذا بذلك الحراك الثوري يتحول إلى عجين بشري متعدد الرؤى والأهداف ، بعد أن تطحنه رحى المصالح الجامحة وكلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها : كيف استغفلكم إكليروس؟
لقد أدى ذلك الخدر الأيديولوجي الآني إلى برود النـَفـَس الثوري لأنه غامر بالخروج بعيداً عن أطره ومقيداته ودفعه التهور إلى القبول بخلطة مقادير غير آمنة جعلت من الصعب فصل عوالقه عن بعض ، فالأصولية على اختلاف مرجعياتها الدينية وتعدد فلسفاتها وثقافاتها والعلمانية والقومية واللائكية وغير ذلك اختزلت أهداف هذا الهجين البشري الهائل في هدف واحد وهو توطين الثورة وما بعد الثورة في قبضة المجهول ، ربما حداثة مخملية أو لاهوتية دينية أو ديموقراطية لائكية .. وهذا ما دفع بجملة من المثقفين والمفكرين وبعض العلماء إلى تبرير ذلك بدل تفسيره كما يفعل الكهنة والعرافين ، وقد وقعوا في فخ التعليب الثوري ، بدعوى الإبحار إلى ساحل الحرية العريض دون الانتباه إلى حقيقة مفادها أنهم على مركب يشبه في شكله الخارجي سفن الثورة العظيمة ، وأن صيحات التحرير التي تحلق في سمائهم إنما هي حصان طروادة .
إلى متى يظل الوعي العربي المقهور والمهضوم في مرمى نفاق الساسة وأصحاب المطامع الرئاسية التكتيكية على اختلاف أشكالها ، فرئاسة سياسية وزعامة دينية وقيادة اقتصادية ، ومتى تكون النخبة المغيبة ضمير هذه المرحلة المفصلية ، لتعرية هذا الوهم الثوري وتصيح في هذا الجمع الغفير من الملايين البشرية أن الطريق إلى الحرية في الجانب الآخر ، وأنهم مجرد أدوات في أيادي عابثة طامعة في تحقيق مكاسب خاصة تترصد فرص البقاء بدماء أولئك الشهداء ، ولن تكون نهاية نظام ديكتاتوري فاسد إلا ببداية نظام ديكتاتوري أكثر منه فسادا وفتكا بمصالح هذه الأمة المنكوبة .
ما أشدها من مصيبة وما أصعبها من لحظات إحباط عندما يخرج من علماء الإسلام من ذوي القامات الفكرية ؛ يطلقون للناس صيحات مجانية أن لا عذر لقاعد عن الخروج إلى الهلاك الكل يلزمه الخروج ، دون أدنى اعتبار لما يمكن أن يترتب على ذلك من الويلات والمصائب الاجتماعية لأولئك الخارجين ، والتي قد يكون ما سيقع عليها من الضرر والأذى أضعاف ما هو واقع بها أصلا ، فضلا عما يلحق بالمنجز الوطني من خراب ودمار عن كيد وتآمر كأعمال النهب والسلب المنظم وأعمال التفجير والتخريب لخطوط الانتاج والقتل الانتقائي مكانا وزمانا كل ذلك لأغراض وغايات متعددة . نحن نكنّ لكافة علماء الإسلام الاحترام والتقدير والتعظيم والتبجيل اللائق بهم ، وننتظر منهم مواقف أكثر رصانة وحكمة ، ونتفهم معاناة بعضهم وآلامهم في طريق نضالهم وكفاحهم الشريف تجاه أنظمة فاشية وظلامية مارست ضدهم أشد أنواع التنكيل ، ولكن ليست الشعوب المقهورة والمسحوقة هي من يتعين عليها دفع الثمن كله ، نعم نفخر أن يكون الوعي العربي ثوري بالقوة والفعل ينتزع كرامته من صلد صخور الجور المستبدة ، ولكن كتائب الثورة الخالدة إنما تسترشد في طريق تقدمها برايات المقاصد العالية ومناراتها الشامخة ، فهي طريق الخلاص والحرية وهي سبيل الأمن والأمان من الظلم والاستبداد وأشكال القهر والاستعباد .

العدد الثالث عشر ثقافة وفكر

عن الكاتب

خالد بن سعيد الكندي

كاتب عماني