دراما رمضان 2021: مسلسل “سما عالية” فكرة النسوية، ونضال المرأة الخليجية من أجل الحريات والمساواة والعدالة الاجتماعية.

كتب بواسطة خليفة سليمان

            مع أن المسلسل الخليجي “سما عالية” يصوّر قصة حب وزواجي استثنائي بين راشد “حمد العماني” وشيخة “شيماء سليمان” إلا أنه يرصد أيضًا مجموعة من الأحداث التاريخية التي مر بها الوطن العربي منذ نهاية ستينيات القرن العشرين وصولًا إلى حقبة التسعينيات من القرن نفسه. ويعرض المسلسل أهم الأحداث المفصلية التي مرت بها مصر العربية خلال فترة السبعينيات من القرن الماضي مثل حرب أكتوبر 1973م، وحرب يونيو 1975م، حيث درس راشد وزوجته في القاهرة، وصولا إلى أحداث الخليج في فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين كالحرب العراقية الإيرانية والغزو العراقي للكويت. يترافق مع هذا العرض التاريخي مسار درامي اجتماعي يرصد أهم التحولات التي مرت بها المرأة العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص من خلال كفاح المرأة ضد النظرة التقليدية والعرف المتأصل لصورة المرأة في المجتمع الخليجي، حيث مثلت شيخة نموذجًا للمرأة المتمردة التي وقفت بحزم من أجل تغيير الصورة القاتمة للمرأة في المجتمع، بينما مثل راشد أيقونة للرجل المثقف الواعي الذي منح لزوجته حق اتخاذ القرار منطلقا من دفعها للقراءة والمعرفة ومن ثم اتخاذ القرار من خلال إرادة ذاتية وليس من خلال نظرة ذكورية شرقية كما يفعل أخوته. كما مّثل راشد أيضا نموذجا للوعي العربي الذي يسعى للإصلاح من خلال مسيرة دراسته التي بدأت في القاهرة وانتهت به أستاذا جامعيا في الكويت، مرورًا بمراحل دراسية مختلفة في مصر وبريطانيا لينتهي به المصير ضحية لأفكاره السياسية والتنويرية.

الخط الدرامي والفكرة

            تدور أحداث المسلسل حول البطل راشد “حمد النعماني” الذي ينتمي إلى أسرة كويتية معروفة ومحافظة. يسافر راشد للقاهرة للدراسة، وهو ما يعبر عن واقع الكثير من الشباب الخليجي في تلك المرحلة من الزمن. وبضغط من والدته وخوفًا عليه من الوقوع في المغريات، وهو في بلاد الغربة، يقرر راشد الارتباط بشيخة “شيماء سليمان” ابنة الجيران، ربة البيت المثالية والعصامية التي حرمت بقرار من أهلها من تكملة دراستها. يرتبط راشد بشيخة وتسافر معه لتقرر من هناك التمرد على واقعها والدخول في مرحلة نضال من أجل الحرية والمساواة. تقرر شيخة تكملة دراستها في القاهرة رغم رفض أسرتها، وتتواصل الأحداث حيث تخلع العباءة والحجاب، ثم تقرر قيادة السيارة وسط رفض شديد من أخوتها وأخوة زوجها. شيخة ورغم كل تلك الضغوطات والحرمان حتى من الدخول إلي بيت والدها أو رؤية والدتها، استمرت في كفاحها من أجل المرأة، فشكلت من خلال نضالها المثل الأعلى لأخريات والتي كانت في مقدمتهن أخت زوجها سميرة “غادة الكندري” التي خلعت العباءة وألقت بها في البحر. أحداث مثيرة مثلت جزءًا مهما من التطور الزمني للإيدلوجيا التي بحثت في حقوق المرأة من أجل الحرية والمساواة أو ما يعرف بالنسوية.

نماذج للمرأة العربية

            قدم المسلسل بالإضافة الي شيخة المناضلة من أجل الحريات، شخصية “الست أمينة” التي ظهرت في روايات نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس من خلال شخصية “غنيمة أم مساعد” التي قدمتها الفنانة زهرة الخرجي باقتدار. كانت أم مساعد سيدة طيبة مطيعة لزوجها محافظة على العادات، متمسكة بإرث المرأة الخليجية الحريصة على نقل العادات لأبنائها وهي الصورة النمطية للأنثى في المجتمع العربي في تلك الحقبة. أيضا قدمت الفنانة “فوز الشطي” من خلال شخصية “ليلى” صورة المرأة التقليدية الغيورة، المهتمة بالتفاصيل، الثرثارة والباحثة عن المظاهر ليصل بها المطاف لتكون الزوجة الأولى، ولتكون لزوجها زوجة ثانية من أصول عربية. وفي مسار آخر قدمت الفنانة “غادة الكندري” في دور “سميرة” مرحلة أخرى من مراحل تطور المرأة الخليجية التي تحوّلت من مجرد امرأة مناضلة من أجل الحريات إلى امرأة ناشطة من أجل الحقوق المرأة وحمايتها، وهذه الصورة قُدّمت أيضًا في الكثير من الأعمال الأدبية العربية والسينمائية خصوصًا في السينما المصرية، كشخصية آمنة التي قدمتها الراحلة فاتن حمامة في فيلم دعاء الكروان المأخوذ عن رواية لطه حسين، عندما تمرّدت على العادات وسعت لاستراد حقوق أختها من ظلم العرف والمجتمع.

الصورة والإخراج

            جمع المخرج وبشكل مميز بين المقاطع المصورة قديمًا والتي يمكن أن نطلق عليها (فلاش باك الصورة) إن صح التعبير، وبين الديكورات الكلاسيكية التي مثّلت المرحلة التي وقعت فيها أحداث المسلسل. تلك المزاوجة في المشاهد دفعت المتلقي لإطلاق الخيال نحو رسم صورة أوسع لواقع تلك المرحلة. كذلك اهتمام المخرج بالتفاصيل من حيث الأثاث وأزياء الممثلين والتصوير بالأسلوب السينمائي، أعطى إحساسًا بالمرحلة التاريخية ومصداقية أكبر لأحداث المسلسل.

            في المقابل ورغم أداء الممثلين الاستثنائي إلا أن ردة فعل الشخصيات لبعض الأحداث أحيانًا -خصوصا السياسية منها- جاءت باهتة ولم ترقَ لمستوى الحدث، كالمشهد الذي ظهر به “مساعد” وزوجته وهم يتلقون خبر الغزو وقصف الجيش العراقي لمدينة الكويت، كانوا ينظرون الي النافذة في صمت وهم على السرير، وكأنهم يشاهدون فيلما سينمائيًّا على شاشة ضخمة. كذلك مع أن المسلسل يغطي مرحلة تاريخية طوية امتدت لأكثر من ثلاثين سنة إلا أن ملامح الممثلين لم تتغير كثيرًا، وإن تغيرت فأنها لا تعكس تلك السنوات العمرية التي مرت بها الشخصيّات.

 أيضا، وربما هي سمة مشتركة ظهرت في أغلب المسلسلات الدرامية في رمضان 2021، فإن الكثير من المشاهد والأحداث بدت مبتورة، خصوصًا في الحلقات المتأخرة من المسلسل، حيث كانت أحداث المسلسل تنتقل سريعًا عبر مراحل زمنية طويلة مع عدم وجود تطورات كبيرة على مستوى تلك الأحداث. في المقابل وقعت بعض الأحداث في شيءٍ من الإسهاب المُملّ، مما أفقد المسلسل شيئًا من التوازن في الخط الدرامي لمجمل القصة.

مسلسل “سما عالية” من إخراج محمد دحام الشمري، أما قصة وسيناريو المسلسل فهما من تنفيذ صالح النبهان وشيخة بن عامر. المسلسل من بطولة كل من حمد العماني، شيماء سليمان، جاسم النبهان، فوز الشطي، سليمان الياسين، زهرة الخرجي وآخرين.

مصدر الصورة: https://2u.pw/EkR6K

التاسع عشر بعد المئة مختارات الثقافة والفكر

عن الكاتب

خليفة سليمان

كاتب وأديب عماني