مقال للكاتبة بيغ ستريب – موقع سايكولوجي توداي
ترجمة فاطمة إحسان
أحد أكبر التحديات التي تواجه الابنة “غير المحبوبة” من قبل الأب، والتي نشأت دون وجود نموذج صحي لما تبدو عليه العلاقات المستدامة، هو قدرتها على الاحتفاظ بعلاقتها العاطفية والعمل على إنجاح هذه العلاقة، وفي الوقت ذاته، فإن كثير من هؤلاء الفتيات يتلهفن للحصول على الحب والاعتراف من الآخر، مما يمكن أن يشكل وصفة كارثية لاسيما في سنوات النضج الأولى، وأحياناً يمتد هذا الأثر لعقود لاحقة.
إذا اعتادت الفتاة على تلقي الإساءة والتهميش في سن مبكر، فعلى الأرجح ستكون أكثر تقبلاً لتطبيع هذه السلوكيات وتبريرها عندما تصدر من الشريك؛ إذ أن احتياجها العاطفي هو مع الأسف بوصلة سيئة للغاية للرحلة التي تقوم بها، كما أن النموذج العقلي الذي تتصور العلاقات العاطفية من خلاله، يعتمد على نموذج العلاقة التي ربطتها بوالديها.
كلنا ننجذب نحو ما نعرفه في العلاقات الحميمة، وإذا نشأتَ مع أبوين محبين ومتناغمين، فالحب بالنسبة إليك سيشبه عودة جميلة إلى الوطن، لكن كثير منا أصبح معتاداً ومتقبلاً للسلوكيات المسيئة أو الدالة على عدم الاكتراث في الطفولة، كوسيلة للتعايش والتأقلم، وأصبحنا نتقدم في العمر بوجود افتراضات ضبابية عن حقيقة الحب والعلاقات، والتي –بلا عجب- لا تضعنا في مواقف حسنة.
في جلسات الاستشارة النفسية غالباً ما تتكشف اعترافات الابنة “غير المحبوبة” بجراح طفولتها، ومن الجيد أن تتوصل الابنة إلى هذا الاعتراف بعد معاناتها من علاقة فاشلة أو حتى سلسلة من العلاقات، إذ ينتهي الأمر بالعديد من الفتيات غير المحبوبات بالزواج من أشخاص يعاملونهن بأسلوب أمهاتهن أو آبائهن ذاته.
النماذج العقلية وسؤال الحميمية
من بين ثلاثة أنواع من أنماط التعلق غير الآمن في الطفولة Insecure attachment، فإن نمط القلق المنهمك Anxious-preoccupied هو الأكثر درامية؛ فبينما تحتاج هذه الابنة إلى علاقة عاطفية لتشعر بالجدارة والاستحقاق، تحتاج أيضاً إلى طمأنة مستمرة من قبل الشريك، وهي سريعة جدًا في الرد على كل ما يبدو أنه يشكل تهديدا، مما يمكنه أن يجعل البقاء برفقتها مرهقاً عاطفياً. هذا هو الأسلوب الذي لاحظ الباحثون أنه من المرجح أن يكون نبوءة ذاتية التحقق؛ أن تكون خائفة من أن يتم التخلي عنها، إلى حد يجعل الشريك يتخلى عنها بالفعل للنجاة من الضغط العاطفي.
النوعان الآخران من أنماط التعلق غير الآمن في الطفولة: النمط الرافض المتجنب Dismissive-avoidant، والنمط الخائف المتجنب Fearful-avoidant اللذان يجعلان الطريق إلى الاستقرار العاطفي وعراً. أولئك الذين تلقوا معاملة تتسم بالرفض وعدم التقبل في طفولتهم، لا يتقبلون الألفة والحميمية بسهولة، فهم يحتاجون إلى البقاء مستقلين ومسيطرين (هذا هو نمط التعلق الأكثر ارتباطاً بأولئك الذين يمتلكون سمات نرجسية عالية)، أما الذين تلقوا معاملة تتسم بالتجنب والخوف، فهم يرغبون في العاطفة لكن كثيراً ما يغمرهم الشعور بعدم الأمان ويخشون الألم العاطفي بشدة، وبالتالي يشعرون بعدم جاهزيتهم للارتباط العاطفي.
بمجرد أن نبدأ في فهم ما تعلمناه عن الحب في الطفولة بشكل كامل وكيف أثر علينا، نبدأ في اكتساب قدر معين من التحكم في كيفية تواصلنا مع الآخرين في العلاقات العاطفية. يمكننا أن نرى كيف اخترنا الشركاء الذين اخترناهم، وكيف تشكلت تصرفاتنا وردود أفعالنا، وكيف أن ما اعتقدنا أننا نريده في وقت من الأوقات كان جزءًا من صورة وسياق أكبر، ففي مجال العلاقات – الرومانسية والأفلاطونية، مع العشاق والأصدقاء – يمكننا حقًا رؤية تأثير تجاربنا المبكرة على سلوكياتنا.
مشكلة القصص الخيالية وأسطورة البطل المنقذ
تسهم الثقافة التي نعيش ضمن إطارها، في ظهور الأخطاء التي من المحتمل أن ترتكبها النساء، إذ تروج الثقافة العامة لفكرة الحب الرومانسي التي تحملك فوق السحاب وتنقذك من كل ما تعانيه. لسوء الحظ، تظل الابنة غير المحبوبة – وأنا أقول هذا بكل تأكيد لأني كنت ابنة غير محبوبة أيضاً – تبحث عن البطل المنقذ، وهذا أحد الأسباب التي تجعل قصصًا مثل سندريلا والجميلة النائمة تتمتع بحضور وتأثير قويين. لا تعالج هذه القصص إحساسنا الواضح بالظلم لأننا حرمنا من الحب في وقت مبكر، ولكنها أيضاً تقدم العدالة في صورة أمير محب (ولا مانع من أن يجلب مملكة وتاجًا جميلًا لرأس الأميرة). لكن – بغض النظر عن جاذبية القصص الخيالية – لا تخدمنا هذه النظرة للحب الرومانسي في سعينا للشفاء واستعادة ذواتنا، لأننا وحدنا قادرون على إنقاذ أنفسنا عبر فهم ما مررنا به فيما مضى.
أسئلة أساسية تطرح على النفس:
– ما مقدار الحميمية والمشاركة التي نريدها ونحتاجها؟
– كيف يرتبط الجنس بمشاعرنا تجاه شخص ما؟
– هل نحن مرتاحون للكشف عن نقاط قوتنا وضعفنا أمام الطرف الآخر؟
– ما هي رؤيتنا للشراكة العاطفية المثالية؟
– من سيكون الشريك المثالي؟
– لمن يمكننا أن نكون شريكاً مثالياً؟
– كيف نشعر عندما نكون وحدنا؟
– هل نعتقد بأن بقائنا لوحدنا هو دلالة على أننا أشخاص غير محبوبين؟
– هل نميز بين أن نكون بمفردنا وأن نكون لوحدنا؟
– ما مقدار الضغط الاجتماعي/ الثقافي الذي يدفعنا للزواج؟
كلما أصبحنا أكثر وعياً بهذه الافتراضات الداخلية واللاواعية حول العلاقات، سنكون أكثر جاهزية لتغيير تفكيرنا، ولعل العمل مع معالج موهوب هو أضمن طريقة لتغيير أنماط السلوك المعتادة، ولكن يمكن أن تكون المساعدة الذاتية مفيدة أيضًا عندما نسعى بجدية للتعافي من آثار مرحلة الطفولة.
مصدر الصورة: https://2u.pw/Fb0v8