العبودية بين الأسرة والمجتمع والدين

كتب بواسطة مازن المعولي

أول ما يمكن أن نتحدث عنه حين يأتي موضوع الحرية هو ما معنى الحرية؟

 وهنا نجد تعريفات كثيرة لهذا المصطلح حيث أنه لا يوجد تعريف متفق عليه؛ وذلك يعود إلى أن هذا المصطلح يرتبط بأمر كبير يمس حياة كل فرد على حده ويحفظ كرامته المستقلة عن أي كيان آخر. ولكن لا يمنع أن نطرح مفهومنا للحرية وهو: (أن يمتلك الانسان قدرته على اتخاذ أي قرار دون أي مؤثر)، وهذا التعريف فقط من حيث المبدأ، لا يعني أن أي قرار قد يكون صائبا أو مفيدا.

أما بالنسبة لأول مصدر من مصادر تعلم الحرية فهي الأسرة. ذلك لما للأسرة من تأثير مباشر على الفرد، وكما عُرف أن الأسرة هي المدرسة الأولى للإنسان ومنها يتعلم أول أساسيات الحياة، وبالتالي إن كانت الأسرة تعدّ الحرية قيمة أساسية للفرد فيها، فإنها ستكون المكان الأول الذي يتعلم فيها الفرد مقت العبودية وتقربه من اتخاذ قراره بشكل مستقل في أي شيء يفكر فيه. وتكون الحرية في حياته ذات دافع قوي لأنه تأسس على احتقار العبودية وتعلم منذ نعومة أظافره أهمية أن يكون غير تابع لأحد.

أما أن كان الأب أو الام يسيطر كلٌ منهما على الآخر في كل شيء، بل ويملي كل منهما على الآخر ما عليه فعله وتركه فهنا تبنا أسرة تابعة، حيث سيكون الأبناء تابعين لأبيهم أو أمهم لا يحسنون إدارة شؤونهم ولا يعرفون ماهية الحرية أو معنى الاستقلالية. سيتعلم الابن أن الحرية مصدر إزعاج وأنها جالبه للمتاعب، وبذلك تصنع الأسرة شخصيات ضعيفة تابعه تخاف من كل شيء. هنا تبدأ صناعة فرد خائف متوتر من كل شيء لا يستطيع أن يبدي أي رأي مختلف حر، وهذا بدوره يصنع لنا مجتمعا مليئا بالعبيد التابعين الخائفين من كل شيء، وعندها لن يكون هذا المجتمع قادرًا على المطالبة بأبسط حقوقه حين يُستولى علية من أي جهة كانت.

وحتى يستطيع المجتمع أن يكون حرا يجب علية أن يبرز دوره في صناعة الإنسان، ومن ثم يصنع من أفراده شخصيات حره ذات إرادة وقرار مستقلين عن أي تأثير عند المطالبة بالحرية والعدالة والعيش الكريم، ولا يكون ذلك إلا عن طريق إسناد المجتمع بعضه بعضا في المطالبة بالحقوق المشروعة حتى لا يشعر الفرد المتبني للحرية والمطالبة بالحقوق والعدالة أنه وحيد غير قادر على تحمل المسؤولية وتبعات تلك الحرية. إن المجتمع هو البيئة التالية التي سيرتبط بها الفرد بعد الأسرة فإن تعلم الحرية في البيت هذا لا يعني أنه سيكون بتلك الحماس والإقبال على الحرية إذا وجد مجتمعا ضعيفا، تغلب عليه مظاهر العبودية والخضوع لكل شيء يأتيه.

إن على المجتمع أن يكون واعيا لأهمية تعليم أبنائه معنى الحرية والمطالبة بالحقوق ورفض الظلم أينما كان، ولا يغيب عنا كوننا مجتمع مسلم أن ديننا الحنيف لا يرضى لأتباعه أن يكونوا عبيدا لغير الله تعالى، بل يحث الإسلام أتباعه أن يطالبوا بحقوقهم وأن يتجردوا من اتباع أي كيان أو شخصية أو غيره. فيقول النبي صل الله عليه وسلم: (أنصر أخاك ظالما أو مظلوما)، حيث أنها دعوة صريحة لنبذ الظلم، بل ومحاربته والتحرر منه.

يجب على كل انسان أن يعّود نفسه على الاستقلال في كل شيء، فلا يكون تابعا لأحد ولا يرهن عقله ليفكر عنه شخص آخر في أي شيء. فالإنسان الحر هو الذي يفكر ويطرح أفكاره غير ساعٍ لتمجيد حاكمٍ، أو عالمٍ، أو معتقدٍ، أو فكرة. فإن رأى ظُلمًا قال هذا ظُلم، وأن رأى حقا قال هذا حق، وإن أفتاه أحد استفتى قلبه بعد تلك الفتوى، فالمفتي إنسان قد يصيب وقد يخطئ، كما قال صل الله عليه وسلم: (استفت قلبك ولو أفتاك الناس) أو كما قال صل الله علية وسلم.

أن أفضل أمر يقدمه أي أب أو أي قائد لدولة أو مسؤول بها، هو أن يحث الأسر والمؤثرين على تربية قادة أحرار قادرين على اتخاذ قراراتهم ليساعدوا في تقدم الأمة وبنائها بناءً قويا حضاريا لا يخشى عليها من الضياع.

مصدر الصورة: https://2u.pw/8EnDB

العدد الأخير العشرون بعد المئة ثقافة وفكر

عن الكاتب

مازن المعولي