كيفية تفكيك العالم

كتب بواسطة إزدشير سليمان

لا تصدق كل ما تسمعه وتقرأه وتشاهده. لتحطيم الأفكار المُتلقاة حول الثقافة ابدأ بالتفكير مثل جاك دريدا.

بيتر سالمون

ترجمة: أزدشير سليمان

الحاجة إلى المعرفة

ثمة القليل من المفكرين في تاريخ الفلسفة الذين قسموا الآراء تماماً مثل جاك دريدا (1930-2004). بالنسبة للبعض هو أحد أعظم فلاسفة القرن العشرين، الذين قُلِبت تحليلاتهم الرائعة لنصوص الفلسفة والأدب العديد من الافتراضات الأساسية لكل منهما. بالنسبة لآخرين لا يعدو كونه دجالاً، تم معارضة الدكتوراه الفخرية له من جامعة كامبريدج في 1992 في رسالة إلى التايمز أتهمته بعدم تلبية المعايير المطلوبة للوضوح والصرامة. جادل الموقعون بأن عمله يتألف إلى حد كبير من النكات والتورية، جاعلاً من الفلسفة الفرنسية “موضوعاً للسخرية”.

كان دريدا وسيماً وجذاباً ومدخناً للغليون، يشبه كل ما ينبغي للفيلسوف الفرنسي أن يكونه. كُتبت عنه أغاني البوب، وأُنتجت أفلام مثل فيها بنفسه، وظهرت أقواله على القمصان وأكواب القهوة، “لا يوجد شيء خارج النص”، “لكي أتظاهر أقوم بالأمر الذي أتظاهر به بالفعل، وبالتالي أنا أتظاهر بأنني أتظاهر”، “أحلم دائماً بقلم يمكن أن يكون حقنة”.

وُلد في الجزائر في 15 تموز 1930 وكان اسمه الحقيقي جاكي- سُمي على اسم جاكي كوجان، نجم فيلم الطفل 1921 من قبل والديه المحبين لتشارلي شابلن. كانت هوية دريدا اليهودية، الفرنسية، الجزائرية معقدة، وسعى جاهداً لتطبيق هذا التعقيد على كل ما لمسه. التفكير مثل دريدا يتضمن في جزء منه تناول تلك الأشياء التي نعتبرها من المسلمات – مثل هويتنا ومثل لغتنا- والبحث عن افتراضات وتناقضات وفقدانات غير مُكتشفة. التفكير مثل دريدا هو شكل من أشكال القراءة عن كثب، ليس فقط للنصوص الخاصة بالفلسفة والأدب، ولكن لكل شيء، الفن والدين والسياسة وحتى أنفسنا.

في عام 1976 قدم دريدا طريقة جديدة للفلسفة أطلق عليها التفكيك. ببساطة –ونادراً ما يكون كذلك، خاصة من قبل دريدا– هو فكرة أنه إذا كان ثمة شيء مُشاد، فمن الممكن تفكيكه. ينطبق هذا على الأشياء الموجودة في العالم مثل الكراسي والسيارات والمنازل لكنه ينطبق أيضاً على المفاهيم التي نستخدمها مثل الحقيقة والعدالة والله. هذه الأشياء التي نميل إلى افتراض أنها طبيعية، هي في الواقع مبنية ثقافياً. قد يكون ثمة إله حقيقي وقد لا يكون –لا يناقش التفكيك هذا الأمر- لكن الإله الوحيد الذي يمكن أن نواجهه هو إله مبني ثقافياً.  كما قال الفيلسوف الآخر المثير للجدل، لودفيغ فتجنشتاين، إذا كنت تريد أن تعرف معنى كلمة الله، انظر إلى كيفية استخدامها.

الأمر إلهام، أن التفكيك ليس تدميراً. إذا أن المفهوم أو الموضوع “الكائن” لا يزال موجوداً في النهاية. في الواقع، بالنسبة إلى دريدا، ما كان رائعاً لم يكن فقط العوامل المتعددة التي تدخل في بناء المفهوم، ولكن الفعل النهائي الفعلي للبناء ذاته، إيماننا أو اعتقادنا أن أي مفهوم متساوق ومتواصل. تتمثل إحدى حيل التفكير في إقناعنا أن لكلمة أو مفهوم أو نص معنى واحداً ثابتاً. وأن هذا المعنى صحيح، صرف، وغير مرّكب طبيعياً وإنما ثقافياً. أطلق دريدا على هذا اسم “ميتافيزيقيا الحضور”، الاعتقاد بأن الاتساق مقياسا للحقيقة.

تأثير دريدا مُدهش بشكل خاص في الأدب والفنون، حيث تكون “البنية المركبة” للنص واضحة وسهلة النسيان. نحن مُدربون على تعليق شكوكنا عند مناوشة كتاب أو فيلم أو برنامج تلفزيوني. ليس لدى دريدا مشكلة في كون هذه طريقة أحادية لمقاربة النص، لكن يجب ألا نرتكب خطأ الاعتقاد أن ما نناوشه حدث بشكل طبيعي. بدلاً من ذلك، ربما بعد أن استمتعنا بهذا النص الثقافي، فإن الوقت قد حان لإشعال غليوننا، وشحذ خرطوشة قلمنا، وتفكيك الشيء (النص) لمعرفة ما يحدث بالفعل.

فكر بالأمر ملياً

أولاً، كن مرتاحاً، فأنت تخطط لإسقاط كل فكرة مسبقة

ابدأ بإغلاق الباب. قام دريدا بكل أعماله الدراسية في علية منزله المليئة بآلاف الكتب. (في إحدى المقابلات سُئل إذا ما كان قرأها جميعًا، قال مُبتسماً “لا”، ثلاثة أو أربعة منها فقط. لكني قرأت تلك الكتب الأربعة حقاً، بشكل جيد حقاً). ربما غيّرت ملابس نومك واستبدلتها بملابس اليوم وربما لا، غالباً ما كان دريدا يعمل منذ لحظة استيقاظه صاعداً إلى مكتبه بالبيجامة “بعد القهوة بالطبع”. ستحتاج أيضًا إلى غليون، قد تختار تدخينه، وإن لم تكن ترغب فلا يزال بإمكانك أن تمضغ التبغ وتعيد مضغه.

بعد ذلك، أنت بحاجة إلى شيء لتفكيكه

هذا يمكن أن يكون أي شيء، من الأمور الأساسية للتفكيك هي فكرة أن أي نص يمكن تفكيكه، قصيدة، جدول مواعيد السكك الحديدية، لائحة التسوق، أفكار أدموند هوسرل المتعلقة بالظاهراتية الصرفة والفلسفة الظاهراتية – الكتاب الأول: مقدمة عامة لفلسفة ظاهرية خالصة (1913)، شيفرة دافنشي دان براون (2003)، الكتاب المقدس، الجريدة، هذه المقالة، أو إن كنت تشعر بعدم الرغبة بالإسهاب، يمكنك متابعة شيء ما على الانترنت، أن تستمع إلى الراديو، إلى تدوين صوتي. ضع كوباً على الجدار واصغ إلى حديث الناس في الجوار، بالنسبة لدريدا الجالس هناك مرتدياً بيجامته، كانت كل تلك “الأشياء” عبارة عن نصوص، كل منها يمكن تفنيده بطرق مختلفة، كل منها يمكن تفكيكه. 

ابدأ التفكيك

كيف؟ حسناً، أولاً قد يكون من المفيد معرفة كيفية النظر إلى النص أي المعرفة السائدة. على سبيل المثال، قرر المجتمع أن السيد سميث يذهب إلى واشنطن (1939)[1]، والبحث عن نيمو (2003)[2] وأرق في سياتل (1993)[3]، هي أفلام مؤثرة بالنسبة لجميع أفراد العائلة. أن “الأرض اليباب” (1922) قصيدة صعبة عن الشرط الإنساني. أن المسلسل التلفزيوني Downton Abbey (2010-2015) هو قصة إنكلترا كما اعتادت أن تكون (وكانت الأمور أفضل حينها).

يُسمى هذا الإجماع، وفق المصطلحات الفلسفية المدرسية القديمة، doxa (الذي اشتُقت منه كلمة orthodoxy “الأصولية” وهو يتناقض مع المعرفة “episteme“. منذ العصر اليوناني(على الأقل) كان الاثنان في حالة توتر. لا يعني التفكير التفكيكي فقط التشكيك في الحقائق المقبولة، بل أن نسأل لمصلحة من يتم قبول هذه الحقائق. قد تكون هذه الحقائق المقبولة غير خطرة (حميدة) –ناجمة عن تفكير كسول أو إجماع حقيقي- ولكن يمكن أن تكون أيضاً خبيثة.

لذلك، فإن أول شيء يجب فعله، بينما تُشعل غليونك (أو بينما لا تشعله) هو أن تفكر لماذا يُنظر إلى هذه النصوص بهذه الطريقة ولماذا هذه هي الـ((doxa. ما مدى صحة هذا التقييم؟ انظر في “الشرط البشري” الذي تسعى الأرض اليباب لتقصيه. الشرط البشري لمن؟ هل رؤى القصيدة قابلة للتطبيق عبر الثقافات؟ عبر الأجناس؟ وإن لم تكن كذلك، لماذا هي غير قابلة؟ إن كانت قابلة للتطبيق جزئياً، لماذا جزئياً، وما هي الحدود؟ وماذا يمكن هذه الحدود أن تفيدنا؟ doxa بالنسبة لدريدا هي تأويل واحد، وهيمنة هذا التأويل ليست حتمية لمجرد أنه “أكثر صحة” بطريقة ما.

خذ Downton Abbey أرجوك

في الواقع، بالنسبة إلى دريدا، لا يوجد تقويم حقيقي تماماً للنص، وفكرة أن تقويماً واحداً هو المهيمن يمكن أن تخبرنا عن الظروف المحيطة بالنص أكثر مما تخبرنا عن النص ذاته. يتم تسويق نص مثل Downton Abbey كونه استكشافاً لمقطع من تاريخ اللغة الإنجليزية ويُزعم أنه يخبر هذا التاريخ كما كان، لكن أي استكشاف من هذا القبيل يجب أن يحمل في طياته عدداً من القرارات بشأن ما يجب تضمينه أو استبعاده، لذلك فإن ذريعة “هذا ما كان الأمر عليه” خاطئة. يمكن تفكيكها.

على سبيل المثال، تم الإشادة بالعرض ليس فقط لتصور الطبقة الارستقراطية وإنما لتصوير طبقة الخدم أيضاً، نتابع رحلاتهم العاطفية والميلودراما الخاصة بهم في الوقت الذي نتابع فيه تلك الخاصة بأرباب عملهم، ونُدفع للابتسام بحزن على مدى تشابه الناس في أعماقهم، بصرف النظر عن الطبقة يتم “أنسنة” كل من الأرستقراطيين والخدم بشكل متبادل من خلال هذا.

في الواقع اتسمت العلاقة بين الطبقتين بالاستغلال بشكل كبير، كما أشارت المؤرخة مارغريت ماكميلان، لم يكن الخدم في هذا العصر يرتدون ملابس جيدة أو يأكلون جيداً بالضرورة، وبشكل عام كانوا يستيقظون في الخامسة صباحاً ويعملون حتى وقت متأخر ليلاً. لكن هذه قد تكون حقيقة غير ملائمة لعرض مبني أساساً على “الشعور بالسعادة والثقة”. من خلال تعزيز إنسانية الطبقة الأدنى والطبقة المالكة يُنظر إلى النظام الطبقي نفسه بوصفه نتاجاً للصدفة أكثر مما هو بنية إلزامية قاسية للهوان.

أيضاً، هل من قبيل المصادفة أن تظهر هذه السلسلة بتصويرها المتعاطف للأرستقراطية في هذا التوقيت؟ مرة أخرى، مصالح من قد تناسب هذه السلسلة؟ ثمة حرب ثقافية حقيقية تحدث في المملكة المتحدة الآن حول أشياء مثل العرق والامتياز والجنس ومعنى أن تكون بريطانياً. أليس إنتاج وشعبية برنامج لا تُناقش فيه هذه القضايا جزءاً من تلك الحرب الثقافية؟ هل يُعدّ “الهروب من الواقع” تعزيزاً للمعايير المهددَة؟

ابحث عن التناقضات

بعد ذلك، ابحث عن أمكنة داخل النص تعارض بعضها بعضاً، وحيث تكون روح النص مختلفة فعلاً عما يحدث بالفعل أو حتى تتعارض معه. أفلام هوليوود رائعة لهذا الغرض. على سبيل المثال، أصبحنا أكثر فأكثر ألفة مع سردية “المخلص الأبيض”. الأفلام التي تزعم فحص القوالب النمطية العرقية، على سبيل المثال، ثم تستخدم تلك الصور النمطية ذاتها لرواية قصتها، من قبيل حاجتها إلى بطل أبيض للمضي في رحلة “الإدراك” مع الشخصيات المُضطهدة المجسمة بالطريقة ذاتها التي يدعي الفيلم أنه ينتقدها. البياض هو الحالة السوية التي تُشرح الآخرية بالمقارنة معها. لقد جرى تدريبنا على عدم ملاحظة ذلك، لكن تفكير دريدا يحاول تدريبنا لجعله محور تركيزنا، للبحث عن التوترات داخل النص، ورؤية حمولاته الثقيلة وعملياتها. 

إذن، التفكير مثل دريدا يعني البحث عن هذه التناقضات واستقصاء ما تعنيه. لقد فعلها دريدا بنفسه مع كارل ماركس في كتابه “أطياف ماركس” (1993). يمتاز الفكر الماركسي بمفهوم مادي للوجود، يجادل بأن كل شيء، بما في ذلك وعينا الفردي، يمكن تفسيره بالأشياء المادية (العمل، ظروف العمل الطبقة، وما إلى ذلك)، لكن دريدا في تفكيكه يستقصي استمرار وجود اللامادي في كتابات ماركس: من أشباح وأوهام وخيالات. هذا موجود في الجملة الأولى من البيان الشيوعي (1848) “شبح ينتاب أوروبا، شبح الشيوعية” ولكنه موجود أيضاً في استخدام ماركس للصور  المجازية من ويليام شكسبير ومناقشاته للمال، تلك القوة الغير مرئية التي تتحرك مثل شبح خلال المجتمع.

أنت تقرأ الآن ضد السائد

دريدا رأى أن هذا النوع من القراءة هو قراءة ضد مزاج المرء (أو ميله الفطري). خذ نصاً، وجد ما يبدو أن هذا النص يُدافع عنه ثم انظر في الاتجاه المعاكس. كتب هيجل عن الروح غير الملوثة بجلبة الحياة، فاكتشف دريدا علاقته بالعائلة. كتب هوسرل عن الذاتية من خلال وصفه للعالم المحيط، لذلك بحث دريدا عن لحظات تضرع فيها هوسرل إلى الله. هذا لا يُسقط النص أو التفكير، وإنما يجعلهما إشكاليين، يجد الحدود، بمعنى ما، يجب أن نتعامل مع كل نص بريبة، على الرغم من أن دريدا وصف هذا بأنه فعل “حفاوة”. أن نقرأ نصاً عن كثب هو أن نتعامل معه بجدية، وأن ننظر حقاً إلى ما يحدث.

يمكن أن تكون القراءة عكس التيار هذه أكثر دقة من مجرد البحث عن العكس. نظراً لأن جميع القراءات هي تفسيرات، يمكن للمرء استكشاف طرق مختلفة جذرياً في النص. ما الذي يحدث، نفكر بينما نشعل غليوننا الثاني، إذا نظرنا إلى “الأرض اليباب” من خلال النظرية المثلية؟ ما هو الدور الذي يلعبه العِرق في أفلام مارفل Marvel؟ ما هي اقتصاديات الكتاب المقدس؟

كل هذا جعل  دريدا مفكراً مؤثراً في مجالات مثل النسوية ودراسات ما بعد الاستعمار والنظرية المثلية. إنه يدعونا جميعاً لفحص أفكارنا الأساسية، حتى تلك -خاصة تلك- التي تبدو أقل عرضة للمساءلة. مثل سيجموند فرويد وفكرته عن المكبوت “وعودته”، بالنسبة إلى دريدا، إن ثوابتنا هي البقعة الحلوة، هي التصدعات في معتقداتنا وثقافتنا، غالباً ما تكون تحيزاتنا الثقافية أقل استقراراً بالضبط عند النقاط الي نشعر فيها أنها طبيعية للغاية. 

لكن هذه فوضى

اتَّهم بعض النقاد التفكير الدريدي بأنه يتيح أي تفسير، أو الأسوأ من ذلك، القول إن أي تفسير صواب بالمثل، ربما كان الاتهام الأول صحيحاً، لكن الاتهام الثاني غير صحيح. لطالما كان دريدا واضحاً فيما يتعلق بوجود طرق أكثر فاعلية وأقل فاعلية في قراءة النص. لا يوجد شيء خاطئ بالضرورة في تحليل روايات ليو تولستوي من خلال الرقص الحديث، على سبيل المثال، لكن من المرجّح أن تكون النتيجة غير فعالة أو هزيلة. جادل بعض منتقدي دريدا وأتباعه بأن هذا هو بالضبط نوع الحرية للجميع الذي يؤدي إليه التفكيك. لكن في النهاية فإن أي فكرة فلسفية يتم دفعها إلى أقاصيها، تسمح بالهراء. سيكون دريدا –كان- مُروعاً من سوء استخدام عمله وسوء فهمه مثل أي من منتقديه. بعيداً عن كونها عملية فوضوية، دعا دريدا إلى قراءة دقيقة جداً للنص المطروح وكما هو الحال مع أي شيء، كلما نظرت عن كثب إلى شيء ما، كلما رأيتَ المزيد من التصدعات.    

لا تستمع إلى ما يقوله المؤلف

أخيراً، الآن ربما يكون الوقت قد حان لارتداء الملابس وتناول الغداء -التفكير مثل دريدا يعني الثقة في تحليل الفرد للنص- حتى، أو ربما على وجه الخصوص إذا كان يتعارض مع فكرة المؤلفين عما يقومون به. بالنسبة لدريدا فإن تفسير المؤلف لنصه ليس أكثر صحة من تفسير القارئ. مرة أخرى، فرويد هو نقطة مرجعية مفيدة هنا. يكشف المرضى في التحليل عن حقيقتهم ليس فقط في الكلمات التي يستخدمونها ولكن في تلك التي لا يستخدمونها، في التعتة والتكرار، في الأوقات التي يحاولون فيها السخرية من الأشياء، وعندما يناقضون أنفسهم. إن كون “الذات” كليّة ومتسقة هو فعل إرادة. بالنسبة لدريدا إن كون “النص” كلياً هو الأمر ذاته.

نقاط رئيسية

  • يمكن تفكيك أي شيء تم بناؤه. يصح هذا بالنسبة للأشياء، لكنه يصح أيضاً بالنسبة للمفاهيم مثل الله والعدالة والحقيقة.
  • التفكيك ليس هدماً. الشيء المُفكك لا يزال موجوداً.
  • يمكن أن يكون النص أي شيء، كتاب، فيلم، تسجيل.
  • جميع الآراء المتعلقة بالنص هي تفسيرات، حتى تلك التي تبدو أكثر وضوحاً.
  • أي تفسير لنص صحيح، لكن بعضها أكثر صحة من بعضها الآخر، اعتماداً على ما ينتج عنه.
  • اقرأ بطريقة مغايرة، أدخل مفاهيم غير متوقعة إلى تحليلك، وأنظر في تأثير ذلك على النص.
  • تفسير المؤلف للنص ليس أكثر صحة من تفسيرك. في الواقع ما يقوله المؤلف عن النص قد يكشف عن بعض المشاكل الموجودة فيه كما هو الحال في التحليل النفسي.

لماذا يهم

أحد العوائق التي تحول دون الانخراط في التفكيك هو أسلوب نثر دريدا المخيف. بعد أن جادل بأن جميع الكلمات والمفاهيم مشبوهة بقدر ما تعلن عن معنى مستقر، فإن كتاباته مثلت هذا الموقف من خلال تجنب الجمل التقريرية البسيطة و”التعريفات”. على حد تعبيره “ما إن تطلب علامات الاقتباس الظهور، لا تعرف متى تتوقف”. يُعدّ النص التأسيسي للتفكيك “في علم النحو” (1967) كتاباً مجنوناً ورائعاً ممتداً عبر عموم اللغة وأنظمة اللغة وعموم التاريخ وعموم الأدب. دعواه الرئيسية أن الخطاب حظي بامتياز على الكتابة ويلفت الانتباه إلى واقعة أن الكلمات والمفاهيم التي نستخدمها بما في ذلك تلك الكلمات الموجودة في رؤوسنا  التي نحسب أنها تفكيرنا- أو حتى روحنا- موروثة من الثقافة المحيطة بنا.

لذلك، فإن بعض أفضل الطرق للتعرف على التفكيك هي في الانخراط في الأعمال التي تأثر بها دريدا أو التي تتوقع عمله: الأعمال التي تلفت الانتباه إلى مكانتها الخاصة بوصفها مُشادة. في الأدب يشمل ذلك كتباً مثل يوليسيس جيمس جويس (1922) وهو عمل رئيسي بالنسبة لدريدا، والتي تتخطى روائيتها من خلال التبديل بين الأنواع ، من الفقرات المكتوبة مثل تقارير الصحف إلى تلك المكتوبة من  خلال الحوار حصرياً. في الآونة الأخيرة ،  كتب مثل   Landscape With Landscape (1985) من قبل جيرالد مورناني  تجذب انتباه القرّاء باستمرار إلى حقيقة انهم  يقرؤون رواية وأنه لا يمكنهم أن يضيعوا في القصة فقط. عندما يكتب مؤلف مثل مورناني عن “رجل يسير في الشارع” فإن آخر شيء يريدك أن تفعله هو تصور رجل يسير في الشارع.

في الفيلم، تبدو أعمال المخرج الإيراني عباس كياروستامي مُذهلة بالطريقة التي تُظهر اشتغالها الخاص. الكلمات الافتتاحية التي قيلت في فيلم “عبر أشجار الزيتون” وهو فيلم عن صناعة فيلم، هي “أنا الممثل الذي يلعب دور المخرج”. في حين أن فيلم “Close-Up” (1990) الذي جرى اختياره مؤخراً كأحد أفضل 50 فيلماً على الإطلاق من قبل معهد الفيلم البريطاني، يحكي- قصة واقعية لرجل تظاهر بأنه المخرج الحقيقي محسن مخملباف-  ويقوم ببطولته الرجل الحقيقي الذي تظاهر بذلك، وكذلك مخملباف، كلاهما يمثلان ذاتهما، مع تدخل كياروستامي نفسه في نقطة واحدة لطرح أسئلة المُقلد. يمكنك العثور على جميع أفلام كياروستامي على الإنترنت.

في الموسيقا أنتج عمل دريدا نوعاً كاملاً يُسمى “هانتولوجي” وهو تورية لكلمة أنطولوجي.  الأنطولوجيا “علم الوجود” هي الاستقصاء الفلسفي للموجود. في حين أن الهانتولوجي هي الاستقصاء الفلسفي لما لا يوجد. المستقبل الضائع، الماضي البعيد، الفجوات والتصدعات في واقعنا والتي لا يمكن إغلاقها. تميل موسيقا الهانتولوجي إلى تخطي التقنية التي أنتجتها، صوت الإبر في التسجيلات، صفير الشريط والضجيج تُذكر المستمع أن ثمة ما هو “خارج الإطار”. من الأمثلة النموذجية هنا سلسلة ألبومات ويليام باسينسكي William Basinski  “The Disintegration Loops ” (2002-  2003). بينما كان باسينيسكي يحاول نقل اشرطته القديمة إلى رقمية، وجد أنه من خلال تكرار قطعة صغيرة من الموسيقا وتركها تعمل، يمكنك في الواقع سماع الشريط فيما هو يتدهور، منتجاً تأثيراً مخيفاً غير دنيوي. أنهى هذا المشروع في أحد الأيام في 2001، عندما شاهد من سطح شقته في بروكلين انهيار البرجين التوأمين يضيف طبقة من الرثاء إلى تجربة الاستماع.

بالطبع، في حين أن هذه كلها أعمال تفكك نفسها جهراً، فإنه بالنسبة لدريدا، كما نوهنا في البداية، فإن جميع الأعمال تفعل ذلك. لا يمكن لأي عمل أن يكون نقياً، وحاضراً ، في حد ذاته. يحدث التفكيك دائماً في أي عمل فني، ومن خلال النظر عن كثب يمكننا أن نرى ليس فقط كيف يحدث، ولكن أيضاً كيف تظاهر المبدع أنه لم يحدث. كما قال دريدا ذات مرة :” لكي أتظاهر أقوم بالأمر الذي أتظاهر به بالفعل، وبالتالي أنا أتظاهر بأنني أتظاهر”.

روابط وكتب

ربما يكون الفيلم الوثائقي عن دريدا (2002) هو المقدمة المناسبة المتاحة عن دريدا والتفكيك على الإنترنت، وهو متوفر على يوتيوب. إنه استشكاف رائع لعمل دريدا ويتضمن قسماً عن عودته إلى موطن طفولته في الجزائر، المكان الذي بدأت فيه أسئلته عن هويته –كصبي يهودي وفرنسي وجزائري– تتشكل. هناك أيضاً العديد من المقاطع الصغيرة في الفيلم، بما في ذلك مقطع مُسلٍ في مكتبته حول عدد الكتب التي قرأها.

ثمة أيضاً العديد من مقدمات التفكيك على يوتيوب، أحد أفضل هذه المقدمات على قناة التاريخ Then & Now. وإذا لم تكن صادفت عمل الفيلسوف الأمريكي ريك رودريك Rick Roderickفإني أنصح به بشدة: محاضراته الفلسفية ذات طراز قديم، حتى المحاضر الذي يرتدي الحمالات، لكنها تعالج عمل بعض الفلاسفة الأكثر حداثة بما في ذلك دريدا وميشيل فوكو ومارتن هايدجر، هنا محاضرته عن دريدا.

لشي أكثر، جيد وجنوني، هناك فيلم Ghost Dance (1983) الذي يُظهر نوعاً من شخصين دريديين يتعقبان بطلهما. يظهر دريدا نفسه ممثلاً ذاته، هل يمكن للمرء أن يقول إنه يفعل ذلك بشكل سيء؟ سيكون للفيلم تأثير عميق على دريدا في الواقع. في أحد المشاهد تسأله الممثلة Pascale Ogier: “هل تؤمن بالأشباح؟”. توفيت Ogier في العام التالي عن عمر 25 عاماً، تذكر دريدا كيف أنه عندما شاهد الفيلم بعد وفاتها، وجد نفسه مهتزاً بشدة. السينما، كما قال هي علم الأشباح. وها هو قد شاهد نفسه في الماضي يسأله شبح إن كان آمن يوماً بالأشباح. للحصول على مقدمة جيدة عن التفكيك، ربما يكون كتاب جوناثان كولر Jonathan Culler “عن التفكيك” (1982) هو المعيار الذهبي. بينما يلقي كتاب كريستوفر نوريس Christopher Norris “التفكيك: النظرية والتطبيق” (1982) نظرة أوسع على تأثيرات عمل دريدا خارج نطاق الفلسفة، تأثيره على حقل الدراسات الأدبية على سبيل المثال. إن كنت تريد هجوماً ترفيهياً للغاية على دريدا وأتباعه، فإن مقالة كولين كامبل Colin Campbell” The Tyranny Of The Yale Critics” (1986) في نيويورك تايمز ممتع للغاية، أو يمكنك استقصاء الجدل بين دريدا والفيلسوف John Searle- لم يلكم أي منهما الآخر.

أخيراً، لقراءة دريدا نفسه فإن بعض أعماله اللاحقة هي الأقل تثبيطاً، وغالباً ما تقدم تفكيره بطرق تجنبها في وقت سابق. من المطالعات التي تتمتع بأهمية خاصة Circumfession (1993) تذييله الطويل لكتاب Geoffrey Bennington استناداً إلى اعترافات أوغسطين. يمتد التذييل على كامل طول كتاب Bennington. أو هناك أطياف ماركس (1993)، تأمله في نهاية الشيوعية من خلال هاملت وهو الكتاب الذي قدم مصطلح “هانتولوجي”. أخيراً هناك كتابه التجريبي Glas (1974) الذي تم تقديمه على شكل عمودين: الأيسر يناقش فلسفة هيجل فيما يناقش الأيمن كتابة جان جينيه.

رابط المقال : https://psyche.co/guides/how-to-deconstruct-the-world-by-thinking-like-jacques-derrida


[1]– السيد سميث يذهب إلى واشنطن ‏ هو فيلم كوميدي تم إنتاجه في الولايات المتحدة وصدر في سنة 1939. الفيلم من إخراج فرانك كابرا.

[2]– البحث عن نيمو ‏ هو فيلم رسوم متحركة من إنتاج شركة بيكسار ومن توزيع أفلام والت ديزني عام 2003. الفيلم من تأليف وإخراج أندرو ستانتون وحصل الفيلم على جائزة أوسكار لأفضل فيلم صور متحركة عام 2003.

[3]الارق في سياتل (Sleepless in Seattle) هو فيلم رومانسي تم إنتاجه عام 1993 بناء على قصة الكاتب جيف ارش. أخرجه نورا ايفرون، وأبرز الممثلين هم توم هانكس، ميج رايان، بيل بولمان.

أدب العدد الأخير العدد الواحد والعشرون بعد المئة ترجمات

عن الكاتب

إزدشير سليمان

مترجم وباحث سوري
إجازة في الاقتصاد السياسي