قراءة في كتاب “روح الجماعات”لغوستاف لوبون

كتب بواسطة حليمة الركيبي

يعدّ كتاب “روح الجماعات”* لمؤلفه غوستاف لوبون من بين أهم الكتب التي اهتمت بمفهوم الجماعات ومميزاتها انطلاقا من ظروفها الدينية والعقائدية وأحوالها الاجتماعية وظواهرها النفسية. في محاولة منه لتسليط الضوء على الروابط التي تساهم في بناء وصياغة معتقدات وسلوكات الجماعات مع التركيز على كيفية اتفاق هذه الجماعات والتفافها وحاجتها إلى رمز يقودها والثغرات النفسية للعقل الجمعي وتأثير الأجواء الجمعية طقسا ومجالا للجذب وكيفية انصهار الأفكار الفردية بفكر وقوة والاتجاه نحو الأهداف التي يرسمها الرمز.

كل هذه الأفكار تطرّق إليها غوستاف لوبون في كتابه “روح الجماعات”، والذي عمل على تقسيمه إلى ثلاثة أبواب رئيسية وثلاثة عشر فصلا فرعيا.

في الباب الأول من هذا الكتاب سيبين غوستاف خصائص الجماعات وطبيعة مشاعرها والأفكار التي تسيرها ثم الأصبغة الدينية الخاصة بها .

سيعرف غوستاف لوبون الجماعة من منظوره الخاص وسيطلق عليها اسم “الجماعة النفسية”، معتبرا أن الفرد ينصهر في الجماعة “فتتلاشى شخصيته الشاغرة وتتجه أفكار كل واحد من أولئك الأفراد نحو صوب واحد[1] إلى حد أن الشخص يفقد عقله ويتجه نحو القيام بسلوكات لم يكن يقدر على ارتكابها لولا تواجده ضمن جماعة ما، هذه الأخيرة التي لا شيء يصدر عنها عن تأمل، ففي كل مرة هي معرضة للانفعال والغضب والتعبئة والشحن مع تغيب الشك والتردد. كل هذه الأخلاق هي سمات تطبع الجماعات من منظور غوستاف لوبون وبالنسبة له أخلاق الجماعات أخطر من أخلاق الأفراد كما ذكرنا سابقا وسيميز أخلاق الجماعات بالميزات التالية:

  • استعداد الجماعات للانفعال والتقلب والغضب.
  • استعداد الجماعات للتلقين والتصديق.
  • غلو مشاعر الجماعات وبسطتها وعدم تسامحها.

أما فيما يخص أفكار الجماعات وتعقلاتها وخيالها فهي تتميز بكونها:

أفكار الجماعات: حيث الأفراد لا يستثمرون الأفكار إلا بعد أن تلبس شكلا بسيطا إلى الغاية، وأن تتغير تغيرا تاما في الصلب لتصبح شعبية. وتكتسب شرعية حيث يصعب تغيرها أو تحويلها أو تجاوزها فيما بعد تبقى أفكار غير قابلة للتعديل.

تعقل الجماعات: إن تعقّل الجماعات وتأثرها يأتي من براهين مناقضة للمنطق في بعض الأحيان، ومن أفكار متشابهة ومتعاقبة في الظاهر. “مثال الهمجي الذي يخيل له أنه سيبدو شجاعا إذا ما أكل قلب شجاع أو أفكار العامل المضطهد من طرف رب العمل، والذي يظن أن كل العمال مضطهدين من طرف أرباب العمل”[2].

خيال الجماعات: يتميز خيال الجماعات التصوري بقوة استعداده للثأثر العميق وعدم الاحتكام إلى العقل والجماعات التي تغيب الاحتكام إلى العقل قادرة على فعل كل شيء. “ونحن إذا ما بحثنا عن كثب في عقائد الجماعات سواء في أدوار الإيمان أو الانقلابات السياسية العظيمة كالتي حدث في القرن السابق وجدناها ذات شكل خاص “لم نجد خيرا من تسميته بالشعور الديني”[3].

هذا الأخير الذي يتعقبه الخضوع الأعمى والتعصب الشديد والإكراه في الدعوة، وهنا تظهر أهمية الأصبغة الدينية التي تصطبغ بها الجماعات حيث “لا تستقر المعتقدات السياسية والإلهية والاجتماعية بالجماعات إلا باكتسابها شكلا دينيا”[4].

أما في الباب الثاني قسم لوبون العوامل التي تؤثر على الجماعات إلى قسمين أساسين: هما العوامل البعيدة والعوامل القريبة.

العوامل البعيدة: هي التي تجعل الجماعات قادرة على اتخاد بعض المعتقدات وغير مستعدة لتقبل معتقدات أخرى ومن بين العوامل البعيدة تجد عوامل عامة في صميم جميع آراء الجماعات ومعتقداتها وهي:

العرق، التقاليد، الزمن، النظم التربية.

أما العوامل القريبة:  فهي تؤثر تأثيرا مباشرا في روح الجماعات و التي يمكن سردها على الشكل التالي:

الصور والألفاظ وبعض الصيغ التي “ينطق بها أمام الجماعات نطق احترام فتعنو لها الوجوه وتنحني أمامها الرؤوس”[5].

الأوهام: لقد بدت الأوهام على رأس جميع الحضارات التي ازهرت في دنيانا، وباسم الأوهام شيدت معابد وقلبت أوروبا رأسا على عقب.

التجربة: “التجربة هي الوسيلة الفعالة والوحيدة تقريبا لتقرير الحقيقة في روح الجماعات والقضاء على خطر الأوهام”[6].

العقل: وهنا يقصد لوبون قيمة العقل السلبية وكيف لا يتم التأثير في الجماعات بالمعقولات ولكن يتم على الدوام بمخاطبة مشاعرها .

وإلى جانب المؤثرات التي تؤتر بالجماعات يوجد المعتقدات والزعماء، ومن المعروف على أنه وفي كل جماعة يوجد زعيم “والزعماء وجدو في الامم على الدوام”[7] إلى أنهم يمتازون بمميزات تميزهم عن غيرهم، والتي يوظفونها من أجل اقناع الناس بأفكارهم وميولاتهم، ومن هذه الوسائل يذكر غوستاف لوبون:

التكرار والتوكيد المحض الخالي من كل تعقل، والتوكيد كلما كان بسيطا وخاليا من التعقلات كان أقوى وأكثر تسللا لمشاعر الجماعات.

النفوذ: إن التكرار والعدوى التي تتم من خلالهما السيطرة على الجماعة النفسية يكسب الشخص أو الزعيم السيطرة والنفوذ، وقد قسم غوستاف لوبون النفوذ إلى نوعين: النفوذ الشخصي والنفوذ المكتسب.

أما فيما يخص المعتقدات، فإن معتقدات الجماعات تتسم بتلون معتقداتها ودرجة تأثيرها فمن جهة نجد المعتقدات ذات التأتير الكبير والتي تعرف بسيرورتها واستمرارها، ومن جهة أخرى نجد المعتقدات المؤقتة والتي تعرف التأثير على الجماعات في وقت وجيز وسرعان ما يزول هذا التأثير.

في الباب الثالث والأخير من هذا الكتاب يقسم لوبون الجماعات إلى أنواع الجماعات المتباينة والجماعات المتجانسة ثم الجماعات الجارمة.

الجماعات المتباينة: وهي التي تشمل الجماعات المغفلة كجماعات الشوارع. والجماعات غير المغفلة كالمحلفين والمجالس والبرلمانيين كمحلفي محكمة الجنايات، حيث يتجلى أفضل مثال للجماعات المتباينة غير المغفلة المميزة بهيمنة قابيلة التلقين وسطو المشاعر اللاشعورية. وكذلك في المجالس البرلمانية تطغى صفات الجماعات المتباينة غير المغفلة حيت تطغى قابلية التصديق والتلقين والآراء المتحولة…

الجماعة المتجانسة:  تشتمل على الفرق/ الطوائف/ الطبقات.

الجماعات  الجارمة:  وهي كباقي الجماعات الجماعات النفسية التي يمكن أن تكون جارمة قانونيا لكنها غير جارمة لاشعوريا وتتميز بسرعة التصديق وقابلية الشحن والتلقين والتطرف في المشاعر.

وفي الأخير يمكننا القول على أن هذا الكتاب قدم لنا صورة مفصلة عن أنواع الجماعات، وكيفية تكونها وكيفية تأثرها ومن يؤثر فيها ومميزات كل جماعة وخصوصيتها.


[1]غوتساف لوبون: روح الجماعات، ترجمة عادل زعيتر، دار الرافدين، ط 1، 2019، الصفحة 27

[2] المصدر السابق، ص: 67

[3] المصدر السابق، ص: 67

[4]  المصدر السابق، ص:70

[5] المصدر السابق، ص:95

[6] المصدر السابق، ص:100

[7] المصدر السابق، ص:106

أدب الثاني والعشرين بعد المئة العدد الأخير

عن الكاتب

حليمة الركيبي