بين الكتابة والسينما، ووحش فرنكشتاين

كتب بواسطة حجاج سلامة

هل هناك صراع بين الكتابة والنصوص الروائية من جهة، وصناعة السينما من جهة أخرى؟

وهل صناع المحتوى العرب حاضرون فيما بات اليوم جزءاً من الحياة المعاصرة؟

وهل السينما هي فن مستقل؟

تلك الأسئلة وغيرها، جاءت الإجابة عليها في دراسة للباحث والكاتب السعودي، محمد الحميدي، الذي ناقش وبهدوء جدلية العلاقة بين السينما والكتابة.

يقول ” الحميدي” في دراسته التي حملت عنوان ” استعارة وحش فرنكشتاين”، أن السينما هي الأقدرعلى تجسيد الصورة المؤثرة، وتتيح لها الانتشار السهل بين الناس، أما الكتابة فتختص بفئة قليلة، ومثقفة، وغالبا لا تنال تلك الشهرة الواسعة، وخصوصا حينما يؤخذ في الاعتبار اللغة التي كتبت بها، فليس الجميع بقادرين على قراءة لغة الآخر المختلف.

ويؤكد على أنه لا شك في جدلية الصورة السينمائية، وهل تكتفي بنقل الواقع وتقديم الحقيقة أم تغوص داخل أعماق التفاصيل لتبرز اللحظات الأليمة والمرهقة للذات البشرية، ثم تعود لتقديمها بصورة مغايرة، بحسب أهداف المخرج، والمنتج، ووفق السيناريو المعد مسبقا؟

  وأشار محمد الحميدي- في دراسته- إلى أن السينما تستمد حكاياتها وسيناريو أفلامها من الروايات، التي تعدّ الصلة الوثيقة بينها وبين الفن كفن، وإلا فالسينما – بحسب قوله – ليست فنا قائما بذاته ومستقلا تمام الاستقلال، لهذا قد يُلاحظ الاهتمام بالمنتجات الروائية خلال عصرنا الحالي، ورصد الجوائز للكتاب، والاحتفاء بإصداراتهم.. هي عجلة الرأسمالية وتدوير الثروة (المادية والمعنوية) بين الأيدي.

   ويشير إلى أن السينما جزء من الحياة المعاصرة، لا ريب، وهي أيضا ممتعة، وفاتنة، ومغوية، وتستهلك الكثير من أوقات الإنسان، وأيضا هي تخضع لنظام رأسمالي من حيث الدفوعات النقدية، فالمشاهدة المجانية ليست ضمن قاموس التلفزيون، ولا هي عمل خيري يُقدم بالمجان، ولعل التدليل الأبرز يتمثل في لحظات القطع وإضافة الإعلانات الإشهارية المدفوعة.

   وتشير الدراسة إلى أن المال يُعد القوة الأكثر تأثيرا وفتكا داخل العالم اليوم، فعبره يتمكن المرء من الحصول على ما يرغب بشرائه والاستفادة منه، وأيضا التأثير على الآخرين، فالسينما ليست بعيدة عن هذه المعادلة، فما يُشاهد من صعود نجم النتفليكس وستارز بلاي وأبل تي في وقبلها سكاي وشوتايم وأوربت إنما تعدّ أمثلة صارخة على طبيعة الحياة والمعيش.

   وأن صناعة الترفيه تستحوذ على مليارات الدولارات سنويا، وتعمل شركات الإنتاج على تزويد سوق المشاهدين بالعديد من الأفلام والمسلسلات، إذ تغدو صاحبة تأثير ناعم على العقل البشري، عبر تجميل بعض التصرفات والسلوكيات، أو تقبيح أخرى والتنفير منها، فلا يمكن الفصل بين الأيديولوجيا والترفيه هنا، ومن يظن غير ذلك فهو واقع ضمن دائرة الوهم.

  وأن هوليوود، بوليوود، المدينة الإعلامية في مصر، أو سوريا، أو الأردن، أو تركيا تنتج الكثير من الدراما والمسلسلات بهدف الربح المادي، وهذا لا يتنافى مع التأثير الناعم الذي تمارسه، فعمل كـ “قيامة أرطغرل” الذي يحكي كيفية تأسيس الإمبراطورية العثمانية خير مثال على ذلك.

   وتناقش الدراسة، صناعة السينما وعلاقتها بالصورة، وتأثيرها الناعم على البشر، وامتداداتها التي لا تتوقف، وعدد المشاهدات لبرامجها؛ يؤشر على أن الحياة القادمة، في جزء منها على الأقل، سوف تخصص لهذا الجانب، عبر افتتاح منصات شبيهة باليوتيوب، والنتفليكس.

   وبحسب الدراسة، فإن السؤال المحير الذي ينبغي أن يُطرح: أين هم صُناع المحتوى، والمبرمجون العرب، في ظل هذا الانهمار الشديد للميديا وسيطرته على سوق المشاهدين؟

   ويحكي ” الحميدي” في دراسته عن الفيلم المشهور “وحش فرنكشتاين ” وهو فيلم مشهور أُخذ من رواية تحمل الاسم نفسه، وتفاعل معه المثقفون منذ طباعتها ونشرها، وقصته تتمثل في الآتي: يختار أحد الأشخاص، تجميع بقايا أجزاء بشرية، اقتطعها من أصحابها، ثم العمل على لصقها ببعضها، إلى أن يكتمل الإنسان الجديد، ليتفاجأ بعدها بأن الحياة تعود إلى هذه القطع!

  وتستعرض الدراسة كيف يتصرف فرنكشتاين كوحش لا كآدمي، وهنا يتقاطع مع السينما وتصوراتها للمرحلة القادمة، فالانتشار الواسع، والمرور السريع ناحية المشاهدين، واختفاء الحدود بين الدول الافتراضية؛ جعلها مثل فرنكشتاين، الذي يتكون من آلاف القطع من هنا وهناك، وبسبب هذا التنوع الكبير يصبح من الصعب السيطرة عليه، وكبح أفعاله الشريرة.

   نهاية فرنكشتاين كانت اختيار تدميره، وإرجاعه إلى أصله؛ أي إلى أجزاء، وبهذا يختفي من الوجود، ولا يعود خطره موجودا.

  ويرى محمد الحميدي في ختام دراسته، أن تدمير السينما ليس هدفا، وأن الهدف هو أن تصبح العلاقة معها مرهونة بوعي المشاهد واختياره لما يناسبه، فهذه المراهنة هي ما يكشف استعارة الوحش في داخلنا، وفي داخل السينما نفسها.

وتثير دراسة الباحث- السعودي محمد الحميدي- الجدل مجددا حول التوظيف السياسي للسينما، ومدى قدرتها على التأثير في عقول المشاهدين، وتوجيه رؤاهم، وتغيير بعض المعتقدات والمفاهيم، ومدى براعة صناع السينما على تشويه التاريخ، وتزييف الواقع.. وكيف يستخدم الساسة تلك الصناعة في الانتصار لنظرياتهم “المؤدلجة “، وصناعة تاريخ مزيف يستهدف تضييع حقوق شعوب، والانتصار للمعتدين، مثل ما يجري من تناول مغلوط للقضية الفلسطينية، في الكثير من بلدان العالم.

وهنا تأتي أهمية دور صناع المحتوى والمبرمجون العرب، ومن قبلهم المنخرطون في صناعة السينما، في الرد على ما يمكن أن تقدمه السينما من تناول مغلوط حول قضايانا العربية، وفي مقدمتها قضية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

وبحسب مراقبين، فإنه بالرغم من الدور الفاعل لصناع السينما الفلسطينية في عرض قضيتهم، واهي لقضية المحورية الأولى للعرب والمسلمين، وعلى الرغم – أيضا – مما حققه السينمائيون الفلسطينيون من حضور لافت في المهرجانات الدولية، وجُل منصات السينما في العالم، فإن العرب بحاجة إلى مزيد من الإنتاج السينمائي الذي يعرض للعالم ما يجري داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة من اعتداءات، وتجاوزات في حق الشعب الفلسطيني، ومن مخالفة لكل المبادئ الإنسانية، والقوانين الدولية.

وهنا أيضا تبرز أهمية السينما كسلاح مهم في مواجهة العدو الإسرائيلي، وذلك بعد أن باتت السينما أداة قوية للحفاظ على الهوية الوطنية، وحماية التراث الثقافي للشعوب من الضياع.

والسؤال المطروح هنا: هل صناع السينما والمحتوى والمبرمجون العرب، قادرون اليوم على استغلال ما توفر من صور خلال الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، وما شهدته الأراضي المحتلة، والداخل الإسرائيلي،  من اعتداءات وتجاوزات بحق الفلسطينيين، وما يعيشه أهالي الشيخ جراح وغيره من الأحياء الفلسطينية، وما بات يعرف بالمدن المختلطة التي تجمع بين العرب والإسرائيليين، من حصار وتضييق، وهي المشاهد التي وثقتها الكاميرات، وهل ننتظر أن نرى تلك المشاهد التي ترفضها الشرائع السماوية، والمبادئ الإنسانية، والقوانين الدولية، في محتوى سينمائي وفني، يقدم للعالم حقيقة ما يجري في الأراضي الفلسطينية، وفي الداخل الإسرائيلي من تجاوز وتعنت في حق الفلسطينيين، وفضح أكاذيب إسرائيل وأنصارها في العالم، وكشف محاولاتهم لتزييف الحقيقة.

إن صناعة السينما الفلسطينية، والعربية أيضا، باتت مطالبة بلعب دور أكبر في نصرة القضية الفلسطينية، وإنتاج أفلام قادرة على إقناع العالم بحقيقة ما يجري، وبكذب إسرائيل، وكذب من يناصرونها من صناع السينما في العالم أجمع.

وفي الختام من المهم أن نشير – كما قال الباحث والكاتب السعودي محمد الحميدي في دراسته التي حملت عنوان ” استعارة وحش فرنكشتاين”، إلى السينما هي الأقدر على تجسيد الصورة المؤثرة، وتتيح لها الانتشار السهل بين الناس، وهنا يتعاظم دورها كحامية للهوية الوطنية، وكسلاح يمكن توظيفه في مواجهة من يتجاوزون بحق الشعوب، ومن يعتدون على مقدرات ومقدسات الأوطان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مصدر الصورة: https://2u.pw/kKoRt

أدب الثاني والعشرين بعد المئة العدد الأخير ثقافة وفكر

عن الكاتب

حجاج سلامة