ترجمة وتحرير: فراس التوبي
المقال الأصلي: برنارد دوبيني
https://theconversation.com/afghanistan-des-decennies-de-guerre-et-derreurs-de-calcul-166431
بينما تتجه أنظار العالم كله إلى أفغانستان يتساءل البعض عن أسباب الانتصار السريع لطالبان؛ لذا فإن إلقاء نظرة على التاريخ الحديث والأقدم للبلاد أمر لا بد منه، ربما لمحاولة فهم ما يجري.
في الواقع ليس من الممكن فهم التطورات الأخيرة بشكل كامل دون الحصول على نظرة عامة للتطور الذي شهدته هذه المنطقة في العقود الأخيرة. تطور شهد البلاد وهي تقترب من الاتحاد السوفيتي، ثم تغرق في حرب أهلية، وتهيمن عليها لأول مرة طالبان، ثم تخضع لمدة عشرين عامًا للتدخل الأمريكي الذي يبدو أنه ينتهي حاليا.
دخول العالم الحديث
استفادت أفغانستان الدولة غير الساحلية من الإعانات البريطانية في القرن التاسع عشر، ثم جاء الاهتمام السوفييتي ثم الأمريكي، وخلال الحرب الباردة أدت المساعدات الخارجية الضخمة إلى ظهور طبقة متميزة في كابول معزولة عن حقائق المقاطعات الأخرى.
في الستينيات تنافس السوفييت والأمريكان على التمويل لجذب أفغانستان إلى منطقة نفوذهم، وفي هذه اللعبة انتصر السوفييت، حيث تم تقديم آلاف المنح الدراسية في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية للشباب الأفغان. أحب المهندسون والضباط الفودكا والشقراوات الروسية، والتي كانت بالنسبة لهم ذروة الحداثة. تزوج الكثيرون هناك، وبقوا بعد عام 1980. وفوق كل ذلك زوّد السوفييت الجيش الأفغاني بالسلاح، وكسبوا الضباط لقضيتهم. وكان هؤلاء الضباط المخلصون هم من نظموا انقلاب عام 1987.
تبع ذلك قمع ضد رجال الدين وملاك الأراضي، مما أدى إلى ثورات شعبية، سرعان ما سيطرت عليها الأحزاب المعادية للشيوعيين الذين استقر قادتهم في باكستان المجاورة.
في محاولة لإضعاف الاتحاد السوفيتي قدم الأمريكيون مساعدة كبيرة لهذه الأحزاب. وسرعان ما اعتاد قادتهم المحليون الذين سافروا على دراجات نارية، وعلى سيارات الدفع الرباعي اليابانية التي تبرعت بها واشنطن.
تم توجيه كل المساعدات الأمريكية من خلال الجنرالات الباكستانيين وأجهزتهم السرية وعلى الرغم من تحذيرات الغربيين الذين يعرفون المجال، إلا أن الأحزاب المتطرفة والأكثر معاداة لأمريكا هي التي حصلت على التمويل الأفضل، وبعد مغادرة السوفييت في عام 1989، قصفوا العاصمة مطولًا وأخضعوها لحصار صارم.
عام 2001 وبعد هجمات 11 سبتمبر، التي نظمها أسامة بن لادن من أفغانستان، حيث تم استقباله في عام 1979 مقابل إعانات كبيرة، لم تستطع الولايات المتحدة إلا الرد. كان القرار في البداية عدم إرسال رجال إلى الميدان، لذلك اعتمدوا على قادة “تحالف الشمال”، مع مصالح متباينة بالفعل وتم توزيع حقائب من الدولارات لتحريض أمراء الحرب على القتال.
إعادة إعمار صعبة برعاية أمريكية
بعدما تم قتال حركة طالبان وانسحابها إلى قواعدها في باكستان، أخذت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي -تحت رعاية الأمم المتحدة- على عاتقهم إعادة بناء الدولة الأفغانية.
تم تبني دستور أمريكي برئيس (وليس على الطراز الأوروبي مع رئيس ورئيس وزراء) عام 2004، وانتهكه الأمريكيون أنفسهم عام 2014، مع إنشاءهم غير المخطط لمنصب ”رئيس الجهاز التنفيذي ”؛ لإرضاء المرشح للانتخابات التي أجريت ذلك العام عبد الله عبد الله، هذا الزعيم الطاجيكي الذي قدم نفسه على أنه وريث للقائد مسعود.
في بلد شديد المحافظة أراد الغرب أن يفرض رؤيته الخاصة للعالم. عرضت المنظمات النسوية الإسكندنافية المساواة بين الجنسين على جميع مستويات المشورة والتمثيل، وصولاً إلى القرويين.
لم يكن لأعضاء البرلمان أي سلطة سوى جمع الأموال في أسرع وقت ممكن. وكان ثمة نصٌ في الدستور يقتضي موافقتهم على تعيين الوزراء. هؤلاء اضطروا إلى شراء أصوات النواب، ثم الإسراع بفساد شديد لاسترداد نفقاتهم. وظلت الوزارات المهمة بدون مناصب شاغرة لعدة أشهر، لعدم وجود تسوية. لم تكن أي من خدمات الدولة تعمل.
دفعت الولايات المتحدة للمسؤولين والفاسدين، كما تم إطلاق كمائن كاذبة على الطرقات لدفع ثمن الشركات الأمنية المملوكة لوزراء أو أمراء حرب. وفي هذا الإطار من خيبة الأمل والفساد المستشري، سرعان ما استعادت حركة طالبان قوتها في الريف، وأقامت إدارة كانت، رغم قسوتها، مفضلة على الفوضى.
ماذا تريد طالبان؟
بمجرد إعلان الانسحاب الأمريكي كان تقدم طالبان سريعًا. في كثير من الأحيان استولى ضباطهم على كشوف رواتب جنود حكومة كابول. بدا الجيش النظامي كبيرًا، لكن العديد من الأفواج كانت موجودة فقط على الورق، وكانت الولايات المتحدة تدفع رواتب لقوات لم تكن موجودة في الواقع.
استحوذ أعضاء بارزون في النظام الأفغاني على مساكن فارهة في العديد من دول العالم، وكل هذا على حساب دافعي الضرائب الأمريكيين.
لماذا قُتل الجنود الأفغان، الذين يتقاضون رواتب متدنية، والذين تم التخلي عنهم للسماح لرؤسائهم بالاستمرار في عيش حياة راقية؟
بحلول عام 1996 كانت حركة طالبان آنذاك قد غزت المحافظات بسرعة، دون مواجهة مقاومة. ثم احتشد السكان إلى حد كبير معهم لاستعادة النظام والأمن. أكثر ما فاجأ هذا العام هو التقدم السريع للغاية، من يونيو 2021 في المقاطعات الشمالية من البلاد، والتي يسكنها بشكل أساسي الأوزبك. وتعاون الأوزبك، الذين كانوا معارضين سابقين لطالبان اليوم في استعادة الأمن من خلال التحالف مع الأقوى.
اليوم، مع النهاية المحتملة للتمويل الأمريكي، سيجد قسم كامل من مجتمع كابول- الذي استفاد بشكل مباشر أو غير مباشر- نفسه عاطلاً عن العمل. النساء اللواتي كن قد اكتسبن الحريات في هذا الجو الغربي، سيجدن أنفسهن مقيَّدات كما كن قبل مئة عام.
تأسف العديد من النساء في كابول على عهد الملك ظاهر شاه (1963ـ1973) عندما تحرر سكان المدن، ثم الفترة الشيوعية القصيرة (1978ـ1979)، عندما تمت الدعوة لتحرير المرأة، وسارت نساء الميليشيات لتفتيش الفلاحات المحجبات.
يصف طالبان أنفسهم بالقوميين، يريدون استعادة السلطة في بلادهم، ليحكموها كما يحلو لهم، وهم بهذا يختلفون عن متطرفي داعش الذين يريدون أن يكونوا دوليين. بالنسبة لطالبان، يتعلق الأمر بقيادة الأمة الأفغانية. بالنسبة لداعش، فهذا يعني تصدير نظام يسمونه “إسلامي” في كل مكان. الحركتان غير متوافقتين. علاوة على ذلك، فقد تصادموا من أجل احتلال الأراضي، واحتفظت طالبان بالتفوق.
طالبان هنا منذ زمن طويل. لا توجد معارضة مستعدة لمواجهتهم، ولا دولة أجنبية أيضًا. ويبقى أن نأمل أن تلين أساليب عملهم مع مرور الوقت وممارسة السلطة.