الهجوم على”ريش” أجدى من الدعاية

كتب بواسطة سماح ممدوح حسن

قبل أيام أعلن في حفل ختام مهرجان الجونة السنيمائي الدولي عن جوائز المسابقة وقد فاز الفيلم المصري”ريش” بجائزة نجمة الجونة الذهبية كأفضل فيلم روائي طويل، من إخراج وتأليف عمر الزهير وشارك في التأليف أحمد عامر. إنتاج مصري، فرنسي، هولندي، يوناني مشترك. وهو العمل الروائي الطويل الأول لمخرج الفيلم.
سواء كان انتشار وسائل التواصل الاجتماعي نعمة أو نقمة، إلا أنه يصل بمستخدميه لمرامهم، خاصة فيما يتعلق بالفنون بشكل عام، والسنيما وصانعيها بشكل خاص. وآخر هذه الأفلام التي شهرتها وقامت وسائل التواصل بما لم تفعله الدعاية لها هو فيلم “ريش”.
وكما يحدث قبل انطلاق كثير من معارض الكُتب هجوم على أحد الكتب، التي لم تنشر بعد، وعلى أغلفتها، والذي يكون في أحيانا كثيرة هجوم متعمد للوصول بالعنوان إلى أوسع نطاق، كذا الأفلام. فقبل إعلان جوائز مهرجان الجونة السنيمائي عُرض فيلم “ريش” وتسبب في واحدة من أكبر حملات الانتقاد والتي قادها ممثلين سينمائيين كالممثل “شريف منير، وأشرف عبد الباقي” مما أكسب الفيلم انتشارا أكبر من أي حملة دعائية أعد لها. حيث بحث عن الفيلم من لم يخطر على باله أو حتى يعرف بوجود كهذا عمل. وجاءت ذريعة هذا الهجوم، التهمة الشهيرة “الإساءة لسمعة مصر” وهذا على عكس ما جاء في الفيلم تماما.
المرأة عائل الحياة أبداً
يدور محور الفيلم الرئيسي عن دور المرأة في حياة الأسرة عندما يغيب الأب. وكيف تحافظ على حياة الجميع وإيصالهم إلى بر الأمان بغض النظر عن سبب غياب الأب، بالموت، بالطلاق، ترك البيت، أو حتى إقامته وعدم تحمل المسؤلية، أو كما جاء في الفيلم بالاختفاء والتحول إلى “ريش” في دجاجة.
يُفتتح الفيلم على عائلة بسيطة، فقيرة لكنهم يحاولون الفرح قليلا بإقامة عيد ميلاد أحد الأبناء، وفي الحفل أحضر الأب شخصا ليؤدى أمام الأولاد بعض الخدع السحرية، ومن ضمن هذه الخدع إخفاء الأب داخل صندوق على أن يُخرجه الساحر شيء آخر. لكن والمفاجأة أن الساحر لم يُخرج الأب، بل أخرج دجاجة أقنع الأم والزوجة أن هذا هو زوجها، وهرب.
واستكمالا للمأساة تذهب الزوجة لدجال يقنعها هو الآخر بالاحتفاظ بالدجاجة، الزوج، حتى يقضى الله أمراً كان مفعولا. وفي هذه الرحلة تبيع الأم وتنفق كل ما تملك، ويزيد الأزمة بعد غياب الزوج، تكاثر الديون والالتزامات المادية على المرأة كل يوم. تعمل في كل شيء، خادمة، عاملة نظافة، يرفض مدراء عمل زوجها صرف معاش أو “مرتب” لاعتبارهم الزوج منقطعا عن العمل فهو غير مستحق. ونصحوها بعمل محضر لتثبت فيه أن الزوج متغيب حتى تستحق المعاش.
تذهب لعمل المحضر وهناك تفاجأ بالعثور على زوجها ضمن مجموعة مشردين، فاقد للوعي والحس، ميت يتنفس. تسلمته وأثبتت حالته الصحية لتأخذ معاشه. لكن ظلت معاناتها كما هي. وككل سيدة تقع فى أزمة مالية لا بد وأن تتعرض للاستغلال والتحرش، فقد تحرش بها صديق زوجها وحاول اغتصابها واستطاعت رغم كل شيء المحافظة على كرامتها والدفاع عن نفسها.
بعودة الزوج الميت الحي، ثَقل الحمل على معنويات المرأة وحالتها الاقتصادية التي كانت بالكاد تكفي أولادها شر الجوع، وكانت حالة الزوج تتطلب العناية الطبية المكلفة ماديا، فقتلته. انتهى الفيلم على مشهد كتم الزوجة لأنفاس الرجل بالوسادة وذبح الدجاجة، وفي خلفية المشهد تلفزيون يذيع أغنية لنساء يرقصن بتحرر في اللحظة نفسها التي تخلصت فيها المرأة من أعبائها وتحررت هي أيضا.
الرمزية بالفيلم وغرائبيته
كانت من أهم الأسباب التي من أجلها حاز الفيلم على عدة جوائز، من ضمنها الجائزة الكبرى لأسبوع النقاد لمهرجان “كان” الفرنسي في دورته ال74، هي التركيبة الغريبة الجديدة في الفيلم.
فالأسلوب والشكل السنيمائي الجديد والمتفرد والذي مُزج فيه بين الواقع من فقر الشخصيات وحياتهم البائسة، وبين الفانتازيا وأيضا التشبه بالأفلام الوثائقية، وهو ما جعل المُشاهد أو بالأحرى نقاد الأفلام والمعنين بمنح الجوائز يرون فيه تلك السمة الجديدة المستحقة للجوائز.
فقد كنا ولسنين كثيرة نسمع، خاصة في مصر، مصطلح فيلم المهرجانات وفيلم الشباك. أما الأول فقد كان صنّاعه يسردون فيه قصة، ويصورونه بطريقة يعرفون أن ليس لها جمهور كبير، بل تُصنع لتدخل مسابقات وتفوز بجوائز. لكن هذا الفيلم جمع بين الإثنين، الشكل الجديد والذي نافس في مسابقات ومهرجانات سنيمائية كبرى وفي الوقت نفسه يُصلح للعرض في دور السنيما، وإن كان الأغلبية شاهدوه على منصات التواصل الإجتماعي(يوتيوب).
سنة أولى شهرة
غالبا ما يُشاهد الفيلم بعد الإعلان عن الأسماء الكبيرة المشاركة فيه من ممثلين ومصورين ومخرجين. لكن فيلم “ريش” اشتهر بممثلين لم يقفوا من قبل أمام الكاميرا، بل لم يكونوا ممثلين بالأساس. مجرد أشخاص عاديين شعروا وفهموا ما أراده المخرج صانع الفيلم، ونفذوه بموهبة فطرية.
ومن ضمن هؤلاء بطلة الفيلم السيدة “دميانة نصّار” ربة البيت التي صارت بين ليلة وضحاها نجمة مهرجان الجونة السنيمائي الدولي، والتي نجحت بتعبيرات وجهها البائسة طوال الفيلم حتى في لحظات الاحتفال، وكلماتها المعدودة، إيصال حالة هذه الأسرة وكربها للمشاهد حتى قبل أن نعرف معضلتهم أو حتى قبل أن تنطق. فقد كانت أولى كلمات البطلة بعد مرور حوالي 21 دقيقة من الفيلم وقالت “ماعرفش” ليستشف المشاهد من ملامحها فداحة ما هو آت.
قضايا الفيلم العالمية
طرح الفيلم عدة قضايا ليست حكرا على دولة بعينها. مثل الفقر، والذي كان الذريعة الأولى للهجوم على الفيلم، لكن من المنطقي، بل وما يقرره الواقع أن الفقر ليس حكرا على مصر، فنحن لسنا دولة اسكندنافية. وليس معنى هذا أن صناع العمل ينكروا التطور والنمو الحاصل في مصر ومحاولات القضاء على الفقر التي أتت أكلها في السنوات السبع الماضية.
أما القضية الأهم والتي لا تفرق بين الأثرياء والفقراء، في دول العالم الأول أو الثالث أو حتى العالم مما لا يخضع لتصنيف في النمو هي قضية المرأة المعيلة. النساء معيلات إذا ما غاب العائل، وأحيانا في حضوره، في كل أنحاء الكوكب. فكأنما خلقن آخذات على عواتقهن الوفاء بمسؤلياتهن ومسؤليات غيرهن.

العدد الأخير العدد الرابع والعشرين بعد المائة سينما وأفلام

عن الكاتب

سماح ممدوح حسن