السينما السورية

كتب بواسطة هشام عدرة


“105 أعوام على إطلاق أول صالة عرض سينمائي في دمشق و93 عاماً على إنتاج أول فيلم سينمائي سوري طويل”
في خضم الحرب العالمية الأولى افتتح في عام 1916 أول صالة عرض سينمائي في شارع الصالحية وسط دمشق واسمها (جناق قلعة) كان الافتتاح بعرض فيلم ألماني بعنوان (حياة أمة) يتحدث عن الشعب الألماني ولكنها لم تستمر بالعمل أكثر من شهر واحد (وبعض المعنيين يقول استمرت ثمانية أشهر) ففي ليلة قمراء استفاق سكان دمشق على أصوات (فرقعة) عظيمة وشاهدوا هذه الدار كتلة من اللهب نتيجة احتراق (بكرة الفيلم) حيث كانت الأفلام في تلك الحقبة سريعة الاشتعال فتحول المبنى الذي كان مشيداً على الطراز الشرقي الأندلسي، ومصمما من داخله على نسق الأوبرا إلى ركام ـ كما يذكر المؤرخ الراحل قتيبة الشهابيـ وليقام مكانها بعد ذلك بحوالي 12 سنة (في عام 1928) مبنى المجلس النيابي السوري (البرلمان) الذي جاء درّة معمارية جميلة ما زالت قائمة.
بعد سنتين من احتراق صالة جناق قلعة، تأسست صالة جديدة تحت اسم (باتييه) في ساحة المرجة وسط دمشق في عام 1918 ولتكرّ السبحة فيما بعد حيث شهدت دمشق وغيرها من المدن السورية تأسيس حوالي ثمانين دار سينما وخاصة بين أربعينيات وسبعينيات القرن المنصرم والتي كانت الفترة الذهبية لدور السينما في دمشق، في الثمانينيات تراجعت حركة تأسيس دور سينما جديدة في سوريا (كانت آخر دار خاصة تأسست عام 1982 في مجمع فندق الشام ذو الخمس نجوم والدار مغلقة حالياً منذ بداية الأزمة السورية فيما تأسست صالة بتمويل حكومي قبل ثماني سنوات في ضاحية دمّر غربي دمشق باسم صالة الكندي) ولأسباب كثيرة منها قرارات حكومية غير مُنْصِفة لأصحاب الصالات حيث اضطر الكثيرون لإغلاق صالاتهم فلم يبق في العاصمة دمشق سوى حوالي عشر صالات تعمل وبشكل محدود، كما تجري حالياً محاولات لإعادة افتتاح بعضها وبشكل حديث (استخدام البعد الثالث في العروض السينمائية) كحال سينما أمير لصاحبها الثمانيني (أنطون شلهوب) والتي أطلقها في شارع الصالحية بداية خمسينيات القرن الماضي ولكن أوقفت الحرب استمرارية حلمه بتحديث صالته وافتتاحها من جديد وكانت هذه الدار تستقطب شخصيات معروفة لحضور العروض فيها ومنهم قائد الجيش السوري السابق الراحل عدنان المالكي الذي اغتيل في عام 1955. كذلك استقطبت دور سينما دمشقية عريقة أخرى شخصيات شهيرة ومنها دار سينما (دنيا) التي تقع في شارع الفردوس التجاري وسط دمشق وتأسست عام 1945 حيث حضر فيها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وهي الوحيدة من بين صالات دمشق التي زارها وحضر فيها عرض فيلم كانت الصالة تعرضه بالصدفة وهو إيطالي عنوانه (برسلينو بانو ايفينو) وكان ذلك في أواخر الخمسينيات في عهد الوحدة السورية المصرية، وقد أرسل مرافقيه حيث طلبوا له ولهم تذاكر ودفعوا ثمنها وحجزوا مقاعد في (اللوج) أي الطابق العلوي من الصالة.
وكانت دور السينما في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن المنصرم هي المكان المفضل للكثير من الأسر الدمشقية وكان المجيء إليها يعدّ من قبل البعض سيراناً ونزهة وتسلية وترفيهاً حيث لم يكن هناك تلفزيون ولا قنوات فضائية ولا فيديو وغير ذلك؟ لقد كانت البطاقات لحضور عروض الصالات تَنْفَذْ فوراً حتى وكانت تباع في السوق السوداء بالشارع في سنوات عزها وخاصة في فترة سبعينيات القرن الماضي، وكان أصحاب دور السينما مضطرين وتحت ضغط الجمهور لتمديد عرض الفيلم لعدة أسابيع كما أن طلبة الجامعة وفي فترة امتحاناتهم كانوا يطلبون منهم تمديد عرض الفيلم حتى بعد انتهاء امتحاناتهم ليتمكنوا من مشاهدته.
وكان للأفيش (الملصق) فنونه ومسابقاته.
لقد كانت دور السينما تقدّم أحدث الأفلام السينمائية العالمية والعربية وخاصة المصرية منها.. حيث كانت دور السينما في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن المنصرم منتشرة في مدينة دمشق على اختلاف درجاتها وكانت تتسابق لاختيار أقوى الأفلام الأجنبية والعربية وكلها لنخبة من نجوم السينما في العالم. آنذاك عَمدتْ صالات السينما إلى إطلاق حمله دعائية للأفلام المدرجة في خطة العرض وقد لعبت الملصقات الدعائية دورا مهما في هذا المجال حين احتلت واجهات دور العرض متضمنة صوراً لنجوم مشاهير السينما ولقطات من مشاهد الفيلم مع عبارات مختلفة اختيرت بعناية مثل: (لا يفوتكم أقوى أفلام الموسم. فيلم الإثارة والرعب، أقوى الأفلام العاطفية، وغيرها) ولطالما شدت تلك الملصقات الأنظار وأغرت الجمهور بحضور العروض السينمائية، وكانت هذه الملصقات بأحجام مختلفة فمنها الصغير والوسط والكبير وتتضمن مشاهداً وصوراً لأحداث الفيلم وممثلّيه، وهذا ما دفع أصحاب صالات السينما؛ لجعل واجهة العرض بقياس هذه الملصقات. وحسب المعنيين والمهتمين فإن أول ملصق سينمائي رافق الفيلم السوري الاول انتاجاً وهو (المتهم البريء) الذي أُنتج عام 1928 حين ألصقت عشرات الإعلانات على الجدران في أنحاء مدينة دمشق، ومع تأسيس المؤسسة العامة السورية للسينما عام1963 حدثت انعطافه جديدة في مجال الأفيش السينمائي السوري إذ رافقت جدية الفلم وعمق الأفكار التي يطرحها جدية مواكبة في ملصقه الذي تولى مهمة تصميمه فنانون تشكيليون قاموا بتطويره والنهوض به.
ومن المحطات المميزة في رحلة الأفيش السينمائي ما كان يفعله بعض أصحاب دور السينما الدمشقية ومنهم صاحب دار سينما دنيا الراحل (مأمون سري) حيث كان يعلن عن الفيلم الذي سيعرض في الصالة بمجلة (دنيا) التي كانت من أشهر مجلات دمشق في خمسينيات القرن المنصرم وكان يعلن عن مسابقة للجمهور بنشر ملصق الفيلم بالأبيض والأسود ومن يتمكن من تنفيذ أحسن تلوين للملصق فليرسله للدار وللفائز جائزة وهي عبارة عن بطاقة دعوة لحضور أفلام الدار مجاناً ولمدة أسبوع.
الانتاج السينمائي السوري انطلق عام 1928.
في مجال الإنتاج السينمائي السوري، فإن ثلاث وتسعون عاماً مرّت على ولادة اول فيلم سينمائي سوري والذي جاء تحت عنوان (المتهم البريء) حيث أنتج سنة 1928وأخرجه (أيوب بدري) وتدور قصة الفيلم حول صديقين يعملان في المزرعة نفسها ويتنافسان على حب فتاة، لكنها تحب الأصغر سنا منها، مما يولد الغيرة في قلب الحبيب الآخر، فيسعى إلى أن يفرق بين الفتاة وحبيبها، وهنا يستغل صاحب المزرعة هذه الأمور، فيقوم بقتل والد الفتاة ويُلْقي بالتهمة على الشاب الأكبر سنا، مما يدفع بالشاب إلى الهرب من المزرعة، حتى يفلت من العقاب، وهو يقصد من ذلك، أن يثبت عليه التهمة، ولكن ينجح حبيبها في كشف الحقيقة، ويتم القبض على صاحب المزرعة.
وحسب (موسوعة سينما البلدان) التي صدرت مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب معرّبة ومترجمة عن الفرنسية من قبل المترجم (نبيل الدبس) فإن مدينة حلب شمال سوريا عرفت السينماتوغراف عام 1908 فيما دمشق عرفتها عام 1912حيث كانت سوريا ما تزال جزءاً من الامبراطورية العثمانية، وقد جرت التجارب الأولى تحت الانتداب الفرنسي (1920ـ 1946) وكانت تجارب فاشلة للغاية ولم تترك آثاراً تذكر، باستثناء عمل مهم، وهو (تحت سماء دمشق) في عام 1932للمخرج إسماعيل أنزور الذي تلقى تعليمه في فيينا، حيث أسسّ أول شركة إنتاج يُعتد بها، وبعد رحيل الفرنسيين عن سوريا صوّر (نزيه شهبندر) أول فيلم سوري ناطق بعنوان ( نور وظلام) في عام 1947، لكن الأفلام السورية ظلّت لفترة طويلة تعاني من نقص الإمكانات في بلد تهيمن فيه الأفلام المصرية وفي عام 1957تأسست دائرة السينما في وزارة الثقافة السورية والتي تحولت فيما بعد لكيان مستقل تحت اسم المؤسسة العامة للسينما ومن ثم استديوهات التلفزيون عام 1960 لينطلق الإنتاج السينمائي الوطني السوري الذي استند في بداياته إلى مساعدة خبراء يوغوسلاف.
والسينما السورية التي قدّمت منذ ستينيات القرن الماضي أفلام الواقعية الجديدة بدأتها بسائق الشاحنة عام 1966اعتمدت فيها على تمويل القطاع الحكومي حيث ظلّ تمويل القطاع الخاص متخلفاً وليختفي تقريباً متجهاً نحو صناعة الدراما التلفزيونية الرائجة والمربحة اكثر منذ ثمانينيات القرن الماضي، حيث امتلكت الدولة ممثلة بالمؤسسة العامة للسينما زمام المبادرة بإنتاج الأفلام السينمائية الروائية الطويلة وبسبب الإمكانيات المادية القليلة والمحددة بموازنات سنوية فلم تستطع المؤسسة إنتاج أكثر من فيلمين كل عام، خاصة وأن المؤسسة نفسها أطلقت مهرجان دمشق السينمائي في عام 1979 بنظام كل سنتين دورة ليكون متخصصاً فقط بسينما بلدان العالم الثالث الأفريقية والآسيوية وبلدان أمريكا اللاتينية ولكن مع الدعم المادي الحكومي الذي تلقته المؤسسة بداية الألفية الجديدة حولت المهرجان منذ دورته الثانية عشرة ليكون دولياً شاملاً وليتوقف عام 2011 مع بداية الأزمة والحرب السورية. تقول الكاتبة أياس قوشحة هنا: لقد عرفت سورية السينما منذ العام 1908، في عروض سينمائية لرحالة أتراك في مدينة حلب، ثم كانت البداية المغامرة في ثلاثينيات القرن العشرين، ولكن المؤكد أن سورية لم تعرف الحياة السينمائية المنظمة إلا بدءاً من وجود المؤسسة العامة للسينما عام 1963، قبلها كانت ولادة المؤسسة حلماً ينتظره المبدعون السوريون، وحاجة ملحة تخدم الحياة السينمائية في سورية.

العدد الأخير العدد السادس والعشرين بعد المائة ثقافة وفكر سينما وأفلام

عن الكاتب

هشام عدرة