قراءة في كتاب “أنا أُوسيلفِي إذن أنا موجود” “تحولات الأنا في العصر الرقمي”

كتب بواسطة الخامس مفيد


للــــــــكاتبة: إلــــــزا غـــــــــودار
تـــــــــــــرجمة: ســــعيد بنــــكراد

تقديم
يرجع تاريخ ظهور كلمة السِيلفي إلى سنة 2012 في منتدى أسترالي، فهو كلمة مشتقة من الكلمة اللاتينية (self)، التي تعني النفس، وقد تعني أنا وحدي، لكن هذا المفهوم لم يعرف انتشارا واسعا إلا سنة 2013، بعد اختيار كلمة ” السيلفي” كلمة السنة في قواميس أكسفورد. فالأمر لا يتعلق بكلمة بل بممارسة اجتماعية ترتبط بالذات والصورة والعالم، والعلاقة بين الذات والآخر. وبفعل ظهور السيلفي أضحى تحديد الذات رهين بالصورة، والحقيقة أن العالم لم يتغير، بل إدراكنا له هو الذي تغير. ولولا وجود ثورة تكنولوجية ما ظهر السيلفي الذي غير فهم الذات من جهة والعالم من جهة ثانية، وقد أدت هذه الثورة إلى تغير علاقتنا بالفضاء واللغة، ويمكن يُنظر إلى السيلفي بأنه يخفي وراءه ثورة مَرضية، العزلة شعارها، ويمكن أن ينظر إليه بأنه تعبير جمالي/ فني.
وقاربت الكاتبة ظاهرة السيلفي من خلال ثمانية فصول، عالجت فيها كل ما يرتبط بالذات والصورة واللغة والعالم. وهذا ما سأعمل على توضيحه بشكل مختصر.
ثورة تكنولوجية الإنسانية2.0.
تطرقت (غودار) في هذا الفصل إلى الحديث عن القطائع السبع الكبرى التي عرفها نمط حياة البشرية في العصر الرقمي، أولها: تراجع الوسائط التقليدية لصالح وسيط جماعي، وثانيها: غياب الفواصل بين العالم الافتراضي والواقعي، وثالثها: إحلال الشبكة الاجتماعية كمحل تقاس فيه شعبية الفرد، ورابعها: الإفراط في التواصل، وخامسها: أهمية اللاسلكي في زمننا العصر الرقمي، وسادسها: صعوبة التحكم في التقدم المعلوماتي، وسابعها: ظهور روبوتات بالغة الفعالية بإمكانها التحدث والتفكير، أي لها القدرة على القيام بأدوار اجتماعية. وتمت الإشارة كذلك إلى زمن ما فوق الإنسانية، حيث سيتم مزج التكنولوجيا مع الذكاء الإنساني، تحت ما سُمي “بالفرَادة”، فالشبكة الاجتماعية، تعد بمثابة دينامية حقيقية للتجمع البشري، يتم فيها حضور عنصر الاستلاب بفعل الهجمة والتحكم الرقمية.
ثورة إنسانية إبدالات جديدة
ناقشت (غودار) في هذا الفصل التحولات التي رافقت الثورة الإنسانية من قبيل تغيُر معنى الزمان والمكان، حيث أضحى تحديد هذين التصورين رهين “بالموضوع/ شاشة”، وقد تم اختصار الزمان والمكان في” الهنا والآن”، وكأنهم شيء واحد. ومن التحولات التي شهدها العالم الرقمي تراجع الخطاب العقلاني لصالح الخطاب العاطفي، فرغم الانتشار الواسع والسريع للصورة غير أنها تتسم باللحظية وعدم الخلود، فتفضيل الشكل على المضمون معناه إنتاج الهشاشة والآنية. ومع الثورة الإنسانية أصبحت الصورة بلا تمثُل، فالمئات من الصور يتم تداولها على المواقع الاجتماعية دون جدوى، وبهذا تكون الصورة قد قتلت اللغة، وفي غياب هذه الأخير يكون المضمون غامضا وهشا ومصدرا للتشويش.
ثورة ذاتية تحولات الأنا
عالجت (غودار) قضية الثورة الذاتية من خلال ربطها بصورة الأنا ” السيلفي”، فقد ارتبطت الأنا فلسفيا بالتفكير والبرهنة العقلية والهوية، لكن مجيء الثورة الرقمية شوش على مفهوم الأنا، فقد أضحى” الموضوع/ الشاشة”، هو المحدد للانا، وبفعل ظهور ما سُمي بالتسويق الذاتي، أصبحت الأنا علامة تجارية تَتداول في الأسواق وتُباع بثمن زهيد. وإذا كان ديكارت قد حدد الأنا من خلال الفكر “أنا أفكر إذن أنا موجود”، فإن الثورة الرقمية حددتها من خلال السيلفي” أنا أوسِيلفي إذن أنا موجود”، لكن هذا الوجود حسب الكاتبة يحيل على الصورة دون الجوهر، حيث أصبحنا عبارة عن صور، وهذا يدفعنا إلى الحديث عن الأنا الواقعية والأنا الافتراضية. إن ما تكشف عنه مرحلة السيلفي يتجلى في الذاتية الهجينة المرتبطة بكل ما هو افتراضي، ونتيجة إحلال الصورة محل (اللوغوس) التفكير العقلاني، فقد كانت النتيجة ميلاد رغبة مريضة، وبهذا المعنى فإن (الباتوس) التفكير الانفعالي، سينتعش مقارنة مع اللوغوس، أي تراجع التفكير العقلاني لصالح التفكير العاطفي/ الانفعالي.

ثورة اجتماعية ثقافية الهوية المتكلسة
تشير (غودار) في هذا الفصل إلى علاقة الأنا بالآخر، فالتقاط المرء صورة لنفسه، معناه تساؤله عن الأنا التي أصبحت غامضة وغير قابلة للإمساك. لكن مرحلة السيلفي ترشدنا إلى
المعنى التالي:” اعرف نفسك بنفسك”، فحضور الآخر أضحى سهلا من خلال الشاشة، إنه حضور وجداني في عالم افتراضي. فلم يعد الاعتراف مرتبطا بالعمل، بل أن تكون، معناه أن يراك أكبر عدد من المتتبعين وينقرون على خانة الإعجاب فهذا هو الاعتراف الذي أصبح الآخر شريكا فيه ولا يمكن الاستغناء عنه. فالسيلفي يمكن أن يُوفر للفرد شهرة خارقة في مدة زمنية قصيرة، لكنها شهرة وهمية وآنية غير قادرة على الاستمرار، وبهذا يكون السيلفي بمثابة تلفاز للواقع.
ثورة إيروسية إيروس في الممارسة
ترى (غودار) أن التقاط سيلفي لجيل (z) يعد أمرا بسيطا وعفويا، يكاد يكون بمثابة تعبير عن الحياة، وبهذا سيكون السيلفي عبارة عن لعب يتعايش داخله اللعبي والشبابي على شاكلة واحدة، فهو سند للصداقة، وقد يكون تعبيرا عن السخرية من الذات. وتبعا لهذا يكون بمثابة عن إرسالية غير قابلة لتأويل واحد، فهو صورة بلا لغة، وقد يلعب السيلفي دور إعادة تركيب الذات الممزقة والمتشظية، ويتحقق هذا الأمر عبر الجسد، وتوجه صور السيلفي إلى العامة من أجل الاعتراف والاطمئنان النرجسي، ويلعب المتلقي دور القاضي في الشبكة الاجتماعية فهو من يدعم أو يدمر نرجسية الفرد، وبهذا تكون صور السيلفي استمناء بالجسد.
ثورة باتالوجية تاناتوس متوتر
نبهت (غودار) في هذا الفصل إلى مخاطر السيلفي من قبيل الحديث عن الدور السوي والمرضي، أي” السيلفي المَرضي” الذي لا يتم فيه مراعاة الاعتبارات الأخلاقية، فالإفراط فيه يمكن أن ينزع عنا ملكة الحُكم، والسيلفي في سخريته أثناء العرض وجب فيه استحضار مسألة الألم والأذى الذي يمكن أن يسببه للذات المعروضة على الشاشة، وقد يساهم هذا الأخير في عزلة افتراضية السبب فيها مرتبط بالثورة الرقمية، وتغير الإبدالات التي واكبتها، وقد يتم داخل هذا العالم الرقمي قتل الغير افتراضيا نتيجة الاختلاف حول أمر ما في العالم الافتراضي، وقد يتحقق القتل بدون سبب إما لغياب التواصل والدردشة أو عدم الإعجاب بما ينشره صاحب الحساب المقتول. ولعل هذا العمل مُدان من الناحية الأخلاقية في علاقتنا بالآخرين، ويمكن للحساب في عالم افتراضي أن يحقق الخلود رغم وفاة صاحبه.
ثورة جمالية من المرئي إلى الرائي
تذهب (غودار) إلى أن السيلفي يمكن اعتباره ثورة جمالية، لكن هل يمكن أن يعدّ فنًّا؟ وحسب أفلاطون فما يجعل الشيء جميل هو الجمال في حد ذاته الذي لا نستطيع الإمساك به، فالسيلفي لا يسعى إلى إدراك الجميل، بل يروم إدانة رؤية للواقع، لكن الصورة الفنية تبحث دوما عن الابتعاد من الواقع، عكس السيلفي الذي يقدم لنا مشاهد تنتمي إلى الحياة اليومية. وقد أُقيمت عدة متاحف فنية خاصة بالسيلفي كما هو الشأن في لندن عام2013 في معرض” الأروقة الوطنية للسيلفي”، ورغم إقامة هذه المتاحف والمعارض، فإنه لم يصبح بعد شكلا فنيا معترفا به كونيا. وقد يتشكل السيلفي في صورة خدعة، لكونه يسعى إلى جعل الواقعي مرئي من خلال عالم افتراضي، وقد يتحول السيلفي إلى أيقون كما هو الشأن بالنسبة إلى العديد من الفنانين والرياضيين والسياسيين.
ثورة إيتيقية الأنا في كل بدائلها
تسعى الإيتيقا إلى إقامة قواعد ومبادئ تُمكننا من الفعل، فهي تُرغمنا حتما على العيش بشكل مشترك ومتعاون، وقد أدت الثورة الرقمية إلى غياب الرابط الإنساني بين الشعوب الذي تغير كثيرا خاصة في شقه الأخلاقي. وفي ظل هذه التغيرات يكون على الفرد لزاما تبني إنسانية جديدة بتصورات وقيم جديدة، إنسانية رقمية 2.0، ومن شأن هذا الأمر أن يدعونا إلى إعادة بناء عقد اجتماعي جديد يتجاوز ما جاء به فلاسفة عصر الأنوار، وبعدها نأتي إلى تعريف الإنسانية مع الأخذ بعين الاعتبار التحولات التي عرفتها التكنولوجيا الجديدة، وفي الأخير سيتم تحديد قيم جديدة قائمة على دراسة الإنسانية 2.0 و” الإنسان المَزيد”. وحذر بحث نشر في عام 2015 من أخطار اللوحات الرقمية على الأطفال الصغار، واعتماد منطق التخفيف أو التخلي الكلي، وبعد مرور أسابيع سيتقبل هؤلاء الأطفال أمر الواقع.
النهاية ليست سوى البداية
حاولت (غودار) من خلال عملها هذا تسليط الضوء على التطور الراديكالي الذي عرفته التكنولوجيا الجديدة وانعكاس ذلك على رؤية الفرد للعالم من خلال الأنا الافتراضية، وتدعو الباحثة إلى خلق روابط أساسية مع الآخر، وهذا أمر يتعلق بالذات الاجتماعية، أما بخصوص الذات السياسية فتدعوا من خلالها إلى خلق قيم إنسانية من نوع2.0. يسهم فيها المجتمع، وتؤكد في نهاية عملها على ضرورة مقاومة المد الراديكالي للتكنولوجيا حتى تبقى للأشياء قيمة.

أدب العدد الأخير العدد السادس والعشرين بعد المائة ترجمات ثقافة وفكر

عن الكاتب

الخامس مفيد