مقال: إميليا جنتلمان
ترجمة: سماح ممدوح حسن
امتلك “جوزيف ستالين” أكثر من 20 ألف كتاب، وفي كثيرٍ منها تدوينات لهوامش بخط يده، فهل كانت مكتبته هي مفتاح شخصيته؟
صدر حديثًا كتاب “مكتبة ستالين، الدكتاتور وكُتبه، للمؤرخ البريطاني جيوفري روبرتس، فبراير 2022”.
كان ستالين نهما للكتب، وطّد نفسه على قراءة ما بين 300 إلى 500 صفحة يوميًا، وعندما مات بالسكتة الدماغية فى مكتبته 1953، كان المكتب والطاولات حوله مكدّسة بالكتب، وكثيرًا منها امتلأ بهوامش كتبها بخط يده.
كان أثناء القراءة يدوّن ملاحظات بقلم رصاص باللون الأحمر والأزرق والأخضر. يتحدّث عن الأقسام التي لفتت انتباهه، أو يرقّم النقاط التي يشعر أنها مهمة، وأحيانا يكتب ملاحظات ك “نعم نعم، أو موافق، أو جيد، أو لنركز على هذا، أو هذا صحيح”. وأحيانًا أخرى يُعبّر عن ازدرائه ببعض الخربشات مثل هاها، مجرد ثرثرة، أو كلام فارغ، أو سخف، أو حثالة، أو مزعج”، وكان يستاء للغاية كلما رأى أخطاء إملائية أو نحوية، ويصححها بالقلم الرصاص الأحمر.
طوال حياته، جمّع حوالي 20 ألف كتاب، بالإضافة إلى قراءة الكثير من مجموعات أصدقائه. فالشاعر السوفيتي “ديميان بيدني” اشتكى من أن ستالين يترك علامات دهنية لأصابعه على الكتب التي يستعيرها.
بعد إدانة خروتشوف لستالين عام 1956، تراجع عن خططه في الحفاظ على تلك المكتبة في بيته الريفي، والتي تبعثرت وأهملت كُتبها. وكانت المكتبة تحتوي على مجلدات في (علم نفس الأطفال، وفي الرياضة والأديان، ومرض الزهري، والتنويم المغناطيسي، بإلاضافة لأعمال تورجنيف، ودوستويفسكي) ولمّا كانت تلك الكتب متفرقة، كان من الصعب عمل دراسة شاملة عما كان ستالين يستمتع حقًا بقراءته بالضبط.
يعترف “جيوفري روبرتس، المؤلف” بأن العديد من الأكاديميين قبله درسوا بقايا هذه المجموعة، آملين في معرفة حقيقة وطبيعة ستالين، أو “ليجدوا مفتاح شخصيته التي جعلت من حكمه وحشيا”.
لم يجد “روبرتس” دليلًا قاطعًا على جدوى المنحى الذي اتخذه سابقوه لكنه قال “باتباع الطريقة التى كان ستالين يقرأ بها الكتب، يمكننا فقط أن نرى العالم بعينه. ربما لن نستطيع الدخول إلى روحه، لكن باستطاعتنا ارتداء نظاراته”
في العموم أحب ستالين الكتّاب. فقد قال في مؤتمر الكتّاب السوفيت 1934 ” بينما تحتاج البلاد لمهندسين مدنيين لبناء الاشتراكية، فالبلاد أيضًا في حاجة لمهندسين للروح البشرية. والكتّاب هم المهندسون الذين يبنون الروح الإنسانية”
كان ستالين يُصّر على ضرورة حفاظ أسرته وزملائه على القراءة ، وبقدر كبير. فقد أعطى ابنه بالتبنى نسخة من “روبنسون كروزو” وكتب عليها إهداء: “أتمنى أن يكبُر بلشيفيا واعيًا صامدًا ولا يعرف الخوف” وأعطى لابنته “مختصر تاريخ الحزب الشيوعي” وأمرها بقراءته. ولاحقا قالت ابنته سيفيتلانا، أن الكتاب أصابها بالملل. فيما بعد هربت سيفيتلانا إلى الغرب.
وأدعى سيرجو بيريا، ابن مفوض الأمن الخاص بستالين، لافرينتى بيريا، إنه عندما كان يزورستالين شخصًا من دائرته المقرّبة كانا يتوّجهان إلى المكتبة ويفتحا كتبًا ليتأكدا من العلامات التي اتفقا على ضرورة قراءتها.
لكن ستالين كان قد كتب رأيه المحبط، بعض الشيء، في مجموعة ضخمة من الأدب الروسي والعالمي الكلاسيكي التي ضمتها مكتبته، ومنهم أعمال بوشكين، وجوجول، وتولستوي، وتشيكوف، وهوجو، وشيكسبير، وللأسف ضاعت آرائه المكتوبة هذه بعد موته. فآراؤه عن “ديستويفسكي” مثلًا، لا يمكن استشفافها إلا من خلال التعليقات غير الرسمية لأصدقاءه الذين يتذكرون بعضًا من أراء ستالين عنها، فيقولون أن ستالين كان يرى أن كتابات “ديستويفسكي” تؤثر بالسلب على عقول الشباب السوفيتي. لكن هؤلاء الأصدقاء لا يتذكرون الملاحظات التي دوّنها بالتحديد أثناء قراءته.
تكشف بعض الأعمال المتبقية عن مدى اهتمامه الكبير بالتاريخ، وانشغاله بدروس الحكم القيصري الروسي، وهوسه بعهود إيفان الرهيب وبيتر وكاثرين العظيمة.
معظم الأعمال المتبقية متعلقة بالفكر الماركسي، ومن أهم الأفكار التي تدل عليها مجموعة كتبه، إنه كان قارئ دؤوب، ومبّجل ومتحمس حقًا لأعمال لينين، ولو تعثر في الحصول على أعماله فيقرأ أعمال منافسيه. وعندما أزعجته استنتاجات تروتسكي كتب على هامش كتابه “غبي”.
لم يترك ستالين مذكرات، ولم يكتب بالأساس مذكرات، ولهذا أصبحت الهوامش التى دوّنها في كتبه تحظى بأهمية ربما بأكثر مما تستحق، ويحذر “روبرتس” من قراءة الكثير من قرارت ستالين على ضوء هذه الهوامش، مثل: عندما رسم خط تحت سطر منسوب لجنكيز خان يقول فيه: “موت المهزوم ضروري لراحة بال المنتصر”، أو أن نفترض أن كلمة “مُعلم” التي كتبها على غلاف مسرحية “إيفان الرهيب” تعني أن ستالين كان ينظر لهذا الطاغية على أنه نموذج يحتذى به.
يتسامح “روبرتس” بشكل مدهش مع ستالين، وكتب في هذا “بالنظر لحجم أفعاله الخاطئة كحاكم سوفيتي، فمن الطبيعي أن نتخيله وحشًا، لكن لنراه بعين العقل فنجده مجرد منذر للخصوم “وبدلا من ذلك استنتج روبرتس أن ستالين كان “مثاليا متفانيا” ليس مختلا، ولكن “عاطفيا وذكي وعقلانيا”
ووفقا لما كتبه “فيتالي شينتالينسكي” في كتابه “الأرشيف الأدبي للمخابرات السوفيتية” فإن ما يقارب من 1500 كاتب فُقدوا خلال حكم ستالين الرهيب، ومن المفاجئ قليلا التركيز على معاناتهم في هذا الكتاب.
نشر المقال في صحيفة الجارديان بتاريخ 16 فبراير 2022.