الدراما الخليجية في رمضان 1443: بين الثابت والمُتغيّر

كتب بواسطة خليفة سليمان

كالعادة، وكما يحدث في رمضان من كل عام، كثافة في الإنتاج الدرامي الخليجي من حيث المسلسلات التي تعرض على الشاشة الفضية يوميًا خلال الشهر الفضيل، ورغم أنه لا يوجد تناسب بين كمية الإنتاج الدرامي وبين عدد المشاهدين للتلفاز، مع سيطرة شبكات التواصل الاجتماعي على الجمهور، إلا أنه ما زالت الدراما الخليجية تركز على الإنتاج التلفزيوني المكثف في رمضان في تقليد سنوي، ربما يعود إلى البدايات الأولى للتلفاز وفكرة الفوازير وما تبعها من مسلسلات الفنتازيا بعد ذلك كحكايات ألف ليلة وليلة، وفنتازيا المسلسلات التاريخية التي اختفت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.

في هذا العام ومع العدد الكبير للمسلسلات المعروضة احتفظت أغلب المسلسلات الخليجية بنمط التراجيديا المعتمدة على حدة وارتفاع مستوى نبرة الحوار والمبالغة في التعاطي مع المواقف، ورغم وضوح خط سير القصة في أغلب المسلسلات من الحلقات الأولى، وجلاء الشخصيات التي تعتمد عليها تراجيديا القصة إلا أن الفكرة العميقة والبيان اللفظي للمشاهد الدرامية تغيب عن أغلب المسلسلات. كميات النصائح الموجهة للجمهور ونزعة المثالية –على سبيل المثال- لبطلة مسلسل “ناطحة سحاب” تدفع الى إطالة المشاهد الدرامية بدون مبرر، وكذلك يحدث مع بطلة مسلسل “الزقوم” التي تظهر في حياتها العامة ما لا تبطن في حياتها الخاصة مع كمية كبيرة من الحوارات الحادة. مفردات الخيانة والكذب والاستغلال وعدم الاعتراف بفضل الوالدين أفكار استهلكت ولكنها تتكرر في كل عام، وكأن المجتمع الخليجي لا هم له سوى الصراعات العائلية التي تسير نحو الفاجعة التراجيدية دون وضوح المعنى أو إيجاد حل حقيقي للعقدة، التي غالبا ما تنتهي سريعا بموت البطل أو سجنه أو أن يتغير بين ليلة وضحاها من شخص مريع إلى بطل ودود.

أيضا هناك نمطية أخرى تتكرر في كل عام وهو الإسقاط التاريخي لبعض المسلسلات، والتي وإن بدت مختلفة بعض الشيء عن السائد من حيث المشاهد والتصوير إلا أنها تأصيل لنفس الأفكار التراجيدية المعتادة والفرق فقط هو إبراز تلك الصراعات المجتمعية والعائلية النمطية في مواقع تصوير تراثية ومسميات قديمة كصراع النواخذة مثلا في مسلسل ” نوح العين” وهو لا يذهب بعيدًا عن فكرة مسلسل “محمد علي رود”، تلك الصبغة التاريخية تتقاطع أحيانا مع غياب الوحدة الزمانية للتراجيديا الدرامية والمتمثل في اللهجة المستخدمة وأشكال الشخصيات التي تؤدي المشهد القديم برسوم وجه حديثة وصفّة شعر مبتكرة على سبيل المثال كما يحدث مع بطلات مسلسل”عين الذيب”.

وفي إعادة لفكرة البطل المريض بهدف جذب المشاهد من خلال التأثير العاطفي ظهرت بطلة مسلسل “بيبي” في مبالغة مستفزة في تقديم شخصية المريض نفسيا، ورغم محاولة البطلة والمخرج إضفاء لمسة كوميدية على أداء البطلة إلا أن الأداء الحركي للشخصية كان متناقضًا جدًا في أغلب الأحيان مع ملامح الوجه والحوار، وهو دور لا يذهب بعيدًا عن المسلسلات التي قدمت قضية الإعاقة أو المرض سابقًا، رغم أن البعض قدمها بشكل أفضل كمسلسل “فضة قلبها أبيض” على سبيل المثال. أيضا فإن النزعة الجارفة لكسر التابوه الاجتماعي تكررت في رمضان هذا العام، فبعد مسلسلات “دفعة القاهرة” و”دفعة بيروت” التي قدمت الشباب الخليجي في شخصيات جانحة نحو الإثارة والنزوات وقصص الغرام المبالغ فيها، قدم مسلسل “من شارع الهرم إلي” شخصية الراقصة وخيانة الأخ لأخيه والزوج لزوجته وشخصية المتدين المتناقض مع غرائزه بصورة فجة دفعت بعض المشاهدين لنقد بعض المشاهد الدرامية بقوة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، تلك المشاهد التي لو لم تقدم فهي بلا شك لن تقلل من قيمة المسلسل أو تؤثر على خط سيره الدرامي، مما يدفع بالاعتقاد بأن تلك مشاهد قد زجت في المسلسلات لجذب الجمهور لا أكثر.

وبعيدًا عن تراجيديا القصة في المسلسلات، قدم بعض الفنانين أنفسهم في قوالب درامية اعتاد عليها الجمهور لدرجة الثبات الذهني، فعلى سبيل المثال ما زالت حياة الفهد تقدم شخصية المرأة التراثية أو الأسطورة في نسخ متشابهة في مسلسلاتها في السنوات الأخيرة وإن اختلفت القصة كمسلسلات “أم هارون” و”مارجريت” لتقدم هذا العام “سنوات الجريش” ولم تكن حياة الفهد بعيدة عن هذه الشخصية في مسلسلات أخرى مثل “الجليب” و “بياعة النخي”، وهو الفعل نفسه مع سعاد عبدالله التي دائما ما تأطرت الأدوار التي قدمتها بشخصية المرأة الأرستقراطية صاحبة المبادئ والمثل العليا، وإن تداخلت الأحداث ما بين نزعة الخير والدفاع عن الحقوق في “جنة هلي” و “ناطحة سحاب” و “أنا عندي نص” ونزعة الشر في مسلسل “عبرة شارع”. أيضا أعادت إلهام الفضالة تجسيد دور المرأة المجتمعية المختلفة، المتحكمة أحيانا والضحية أو الزوجة الثانية في أحيانا أخرى وأن كانت أدوراها مصبوغة بشيء من الكوميديا المصطنعة حواريًا بعض الشيء إلا أنها كانت متشابهة جوهريا، كأدوار التسلط والانتقام في “الكون في كفة” و “من بعدي الطوفان” وحلم مسلسل “أمينة حاف 1″ ثم حقيقة مسلسل” أمينة حاف 2″ في هذا العام، وكذلك سار محمد المنصور في تجسيد شخصية الثري الطيب الذي ينتصر للخير في نهاية القصة في مسلسلاته ذات الصبغة التراثية كمسلسل “محمد علي رود” و”الناموس” وأخيرا “نوح العين”.

ومع الثابت في الدراما الخليجية يأتي المتغير الذي يرتكز جله في إبداع الصورة وطرق الإخراج، فرغم نمطية الأفكار إلا أن التصوير والإخراج الدرامي يحوي كمية من الإبداع بما يكفي لجذب المشاهد، وبما يعكس قوة الدعم المادي الذي تدفع ببعض المسلسلات إلى مستوى الإبهار. إن تحقيق عملية الإبداع في الإخراج الدرامي تتلخص في استخدام التقنيات الحديثة بطرق صحيحة أو الدمج بين تقنيات الإخراج والتفكير الإبداعي في آن واحد من أجل إبراز المشاهد الدرامية، وهو ما يمكن أن تشاهده فعلا في بعض المسلسلات لهذا العام كمسلسل “الزقوم” للمخرج أحمد يعقوب المقلة ومسلسل “من شارع الهرم إلي” للمخرج المثنى صبح.

العدد الأخير العدد الثلاثون بعد المائة سياسة سينما وأفلام

عن الكاتب

خليفة سليمان

كاتب وأديب عماني