بعد توقف أثناء جائحة كوفيد 19، تطل الدراما العمانية علينا بمسلسل “اسمع وشوف” ولعلها كانت استراحة محارب لتعود بعدها بتألق وانفتاح سواء كان على مستوى السيناريو أو على مستوى الكادر الفني للمسلسل. هذا الانفتاح أعطى المسلسل زخما كبيرا من التنوع في الأفكار وعناوين الحلقات والشخصيات وأعمار الممثلين وجنسياتهم. مسلسل “اسمع وشوف” دراما عمانية من تأليف الكاتب يوسف الحاج وإخراج المخرج عارف الطويل ومن بطولة مجموعة مميزة من الممثلين العمانيين والخليجيين.
سيناريو تقليدي:
تميز العمل بسيناريو من نوع “الكوميديا التراجيدية” فأغلب حلقات المسلسل كانت عبارة عن نصوص جادة تمت معالجتها بشيء من الكوميديا الخفيفة أو الحوارات الساخرة ضمنيا. كما أن سيناريو المسلسل حاد عن تقليدية الدراما العمانية قليلا في السنوات الأخيرة، فلم يلتزم بالحدث المتواصل أو المبني على تطور الأحداث، ليقدم في كل حلقة موضوعا منفصلا. ورغم أن الفكرة ليس بالجديدة، فقد قدمت الدراما العمانية سابقا مسلسل “درايش”، إلا أن إبداع الممثلين في الأداء جعل المشاهد يغرق في تفاصيل كل شخصية على حده، رغم أن الممثل الذي قدم تلك الشخصيات المختلفة هو الممثل نفسه. وحيث أن المسلسل لم يلتزم بوحدة المكان “فقد صور العمل في أماكن مختلفة” ولا الزمان “بسبب الحلقات المنفصلة” مع غياب واضح لوحدة الحدث إلا أن صنّاع المسلسل أبدعوا في صنع تقارب مكاني زماني فيما بين الحلقات والشخصيات بالشكل الذي خلق ألفه لدى المشاهد مع البيئة العامة للمسلسل.
كذلك، ومع التنوع الجميل في الموضوعات التي يطرحها المسلسل، خصوصًا تلك القضايا التي تعدّ حديث الساعة كتعامل الناس مع أزمة كورونا وتجاوزات استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن بعض الحلقات شابها التكرار من حيث المضمون، حيث تعددت الحلقات التي تتحدث ضمنيا عن المسؤول وسوء استخدامه للسلطة مثلا، وظهر ذلك في حلقات “كيف تشرب قهوتك” و”المدير” وكذلك الحلقة المعنونة بـ “ود شمّاس”، كما ناقش المسلسل قضايا الجيران بطريقة غير مباشرة في عدة حلقات مثل “الجار” و “انتظار”.
عنوان العمل:
حمل المسلسل الدرامي العماني اسم “اسمع وشوف”، وهو عنوان ملفت أتى بصيغة فعل الأمر، وغالبا ما تدل صيغة الأمر على طلب القيام بالفعل على وجه التكليف أو الالزام وهي دلالة ربما تكون غير محببة كثيرا لدى المتلقي، وقد يتم تفسير الدلالة بأن المقصود منها هو النصح والإرشاد وهذا ربما ما يفعله المسلسل من خلال معالجته الموضوعية المباشرة للقضايا التي يطرحها.
كان من المهم أن يحتوي العنوان على صياغة خبرية ألطف أو جملة استفهامية مليئة بالأثارة، أو على أقل تقدير أن يضم العنوان الحالي للمسلسل قرينة لغوية تفضي بهدف المسلسل وهو “الإرشاد” وليس “الالزام”. وفي كل الأحوال فقد كشف العنوان عن ثيمة المسلسل العامة حتى قبل أن يعرض، مما غيّب شيئا من الجاذبية والتشويق لمتابعة العمل.
أداء محترف:
لقد أحدث أداء الممثلين في العمل علامة فارقة في قيمة المسلسل، فبعيدا عن الصراخ والعويل والحوارات المشحونة التي امتلأت بها أغلب المسلسلات الرمضانية، كان أداء الممثلين سلسًا بالدرجة التي تشعرك بقيمة الحوارات الهادئة في توصيل الفكرة رغم جدلية تلك الفكرة.
أبدع الممثلون كذلك في تقمّص الشخصيات وأداء الحوارات رغم تلك الصياغة الهندسية التي جاءت في سيناريو بعض الحلقات، حيث المثالية التي بالغ فيها كاتب العمل على مستوى الحدث والحوارات كما حدث قي حلقة “المهر”، وبالتأكيد لن يصل المجتمع إلى تلك الدرجة من الرفض والتأويل التي عرضها المسلسل لأصحاب الأفكار والمبادرات التي تصلح من فعل المجتمع، كما أن المبالغة في محتوى حلقات “الشغّالة”، تلك الشخصية “الفلتة” التي تتحدث كل اللغات وتقوم بكل الأعمال ويحبها كل من بالقرية، كانت خارج نطاق المقبول أو الواقع.
أيضا الكثير من الحوارات بدت وكأنها تصدر من أفراد متخصصين أو باحثين وليس من أفراد عاديين مما أحدث شيئا من التناقض أحيانًا بين طبيعة تلك الشخصيات والحوارات التي تقدمها كما حدث مع شخصية فارس في حلقة “لغة الجسد”.
اكتمال الصورة:
من خلال متابعة حلقات العمل نلاحظ تذبذب مستوى الموسيقا التصويرية والتي تعد المعادل المسموع في الأداء الدرامي، حيث كانت الموسيقا مبهرة في بعض الحلقات مثل حلقة “مشاكيك” بينما تم الاكتفاء ببعض المؤثرات الصوتية المتكررة في أغلب الحلقات، ورغم أن ذلك لم يقلل من قيمة العمل بشكل عام إلا أنه غيّب التأثير العاطفي لدى المتلقي مع بعض المشاهد الهامة. وعلى مستوى العناصر المرئية كانت الديكورات والأزياء ومكياج الممثلين مميزة بالدرجة التي أحدث تناغما ما بين تلك العناصر والخط الدرامي لكل حلقة.
ومما يمكن تسجيله على إخراج العمل أيضا هو تلك المساحات الضيقة لبعض المشاهد رغم أن تصويرها كان خارجيا، حيث اعتمد المخرج على الزوايا الضيقة والتركيز على الممثلين دون إعطاء مساحة كافية لبيئة الحدث وهو أسلوب تخلت عنه الكثير من الأعمال الدرامية الحديثة.
لقد قدم مسلسل “اسمع وشوف” تجربة جميلة لدراما رمضانية تتسم بالتنوع وايصال المفاهيم والقيم بشكل بسيط، مما ميزه عن الكثير من الأعمال الدرامية التي غابت عنها القيم الإنسانية مع زخم المآسي وعروض الأزياء والمساحيق المغال فيها، ورغم غياب الابتكار في بعض عناصر المسلسل إلا أن الكثير من الإبداع قدم من خلال حلقات المسلسل خصوصا على مستوى أداء الممثلين، المحترف منهم والجديد، مما يجعلنا نتفاءل كثيرا بمستقبل أفضل للدراما العمانية.