جماليات وسائل الإعلام.. التأثير الخفي للميديا على المشاهدين

كتب بواسطة أحمد مصطفى

تلعب الوظائف الجمالية والفنية للإنتاج الإعلامي دورًا لا يلاحظه الجمهور غير المتخصص، لكنها مؤثرة بشكل كبير وفق قياسات علم النفس، إذ ما يصطلح عليه (جماليات وسائل الإعلام) ليست قاصرة على توضيح المضمون، أو المحتوى الإعلامي فحسب، وإنما تحقيق آثار قوية صوب الخداع أو التضليل، جراء تأثر الجمهور بالمحتوى المعلوماتي الذي تم توظيفه فنيًا، أو ما تم توظيف فنياته فصارات معلوماته أكثر وضوحًا ومصداقية وسهولة اقناع وتيسير اتباع، بهدف تحقيق استيعاب معرفي محدد، ومن ثم تأثير عاطفي يليه تبني اتجاهات ثم ببعد زمني أكبر التأثير على سلوك جمهور وسائل الإعلام.

 أي أن عمد وسائل الإعلام نحو توظيف الصور الإعلامية بشكل فني وتقني يستهدف مساندتها في تشكيل التصورات الذهنية لجمهورها بنجاح، مستغلة ما أتاحه التطور التكنولوجي من إمكانيات متنامية، تساهم فعليًا في تقديم قدرات مبهرة لسبل الإنتاج الفني والتقني، ومن هنا نلاحظ الشغف البالغ لدى وسائل الإعلام في ملاحقة هذا التطور الرهيب في توظيف المعلومات، يومًا بعد يوم، شغفًا باستخدام آلية “جماليات وسائل الإعلام”.

ومصطلح “جماليات وسائل الإعلام” هو مصطلح حديث يشير إلى استخدام الفنانيين المبدعين للقدرات الفنية لوسائل الإعلام لتحقيق التأثيرات المرادة، وهو مأخوذ من الفلسفة، إذ له علاقة بمعنى الإدراك الحسي للمعني، أي تشكيل التصورات والإدراك، إذ تتعامل جماليات وسائل الإعلام مع دور المؤثرات الفنية المهم في جعل نص ما له مغزى لدى الجماهير، حيث الأشياء التي نادرًا ما نفكر فيها، أو نعيها، كزوايا الكاميرا لها أهمية بالغة، وكذلك كيفية تحرير النصوص لتحقق هدفنا، مما أظهر أهمية السيميائية أي علم العلامات والإشارات. ([1])

وصولاً إلى محاولات تطبيق تكنولوجيا VR داخل المحتوى الجاد، بحيث يشاهد المشاهد الواقع المتخيل مدموجًا بالواقع الحقيقي، بما يجعله أكثر فزعًا أو شعورًأ بالاستجابة، هذا إلى جانب تطبيق إمكانيات غمر المشاهد في الحدث، من خلال إمكانية جعل المذيع أو القائم بالاتصال داخل موقع الانفجار أو الحادثة وعبر تضخيم المكونات والوصول لقلب الأماكن الملتهبة بينما هو لم يتم في الحقيقة لاستحالته، ولكن تم ذلك عبر التكنولوجيا المتطورة.

إذن الصورة تعدّ إشارة مرئية تلائم أعضاء الجماهير الأكثر نشاطًا مما نتصور، كتفسيرهم معنى اللقطة وتسلسل اللقطات، وإدراكهم معني الإضاءة والموسيقى والصوت، بجانب ترميز الرسالة من اللغة أو الصور أو تعابير الوجه والإيماءات ولغة الإشارة الجسدية، فبمحادثة عادية نجد أن 70 % من المعلومات يولدها تعابير الوجه ولغة الجسد وأشكال الاتصال غير اللفظي، ومن خلالها يجد المتلقي إجابة على تساؤلاته: ماذا يقولون؟ وماذا يفعلون؟، أي فك ترميز الرسالة، ومن هنا تعمل جماليات الإعلام على تحديد كيفية عمل النصوص، وطريقة الأفراد لفك ترميزها، أو خلق معنى للنصوص بمرور الوقت وبدون تفكير، بل وفهم الأهمية الاجتماعية والثقافية للصور والشخصيات.([2])

أي أننا نتحدث عن فن تصنيع المعلومات، العامدة إلى استيعاب أهمية عرض المعلومات بصورة تنفذ إلى العقل، وتستأثر بالنفس، خصوصًا وأن المعلومات متوافرة لأنها سمة عصر المعلومات، سواء عبر الإنترنت، أو في الكتب، وهنا التحدي الحقيقي للبرامج الإعلامية للنجاح في إقبال الجمهور عليها، أو النفور منها.([3]) أي أن هنالك فن يتعلق بتوصيل المعلومة، وإتقان هذا الفن يحقق هدف السيطرة إعلاميًا على الجمهور.([4])

لهذا عمدت وسائل الإعلام على أدوات الاخراج الفني المتطورة في توظيفها للإنتاج السريع للمعلومات، وفي ذلك أيضًا الاستخدام اللغوي الاحترافي الذي يمكنها من أن تصبح قوة مسيطرة أمام ضعف الخبرة الشخصية للجمهور، ليصير بها إمكانية التلاعب، أو تشويه الصور، أو إعادة تشكيل وبناء الصور في أذهان الجماهير المستهدفة، وهو ما أثبتته دراسات كريستوفر1997Christopher  حول ارتباط وسائل الإعلام المعاصرة بتشكيل الصورة الذهنية. ([5])

وبهذا تقول دراسات ميغيس يد دن Mughees-ud-Din,  1997 إن وسائل الإعلام تستخدم الوسائط لتحقيق أجندتها عبر أنماط موصى بها، لتصبح وسائل الإعلام قوة متزايدة يحسب لها في تشكيل وإعادة تشكيل، أو بناء أو تشويه الصور، حتى عن الدول الخارجية، أو المجتمعات المحلية، أو الدين، أو المذاهب، أو اللون أو العقائد، أو العرق. ([6]

إلى درجة أن عددًا من الباحثين، أكدوا على أن نفوذ التقنيات الإعلامية أدت إلى نهايات الإنسان ومحو فكره النقدي، وأسره في الخطب المقفلة، ووفق قول هربرت ماركوز Herbert Marcuse أن شيوع الثورة الإعلامية أو الموجة الثالثة، أدى إلى فقد الفردية، والتحول إلى شكل من أشكال العبودية وانتفاء الحرية، عبر طبيعة التماثل والأحادية والتشابه التي يخلقها هذا النفوذ الإعلامي، إلى حد قول توفلر إلى أنه ورغم التنوع تخلق ثقافة متشابهة فكريًا وروحيًا، وإن كان هنالك تنوع في الفنون والتعليم واللغات والثقافات الشعبية، فالإعلام سيؤدي إلى الثقافة المفككة.([7])

وتكشف لنا دراسات ميشيل بارنتي Michael Parenti 2003 عن وقائع فعلية، تمثلت في الإعلام الأمريكي وتلقيه تمويلا كاملا من وكالة المخابرات الأمريكية لمساندة الجيش الأندونيسي في قتل نصف مليون شخص خلال ثلاثة أشهر من أجل صعود الرئيس سوكارنو 1965، واستخدمت في ذلك وسائل الإعلام عدة أساليب للتلاعب بالمعلومات وخلق صور ذهنية غير حقيقية، مثل كتم الصوت والتقليل من القصص المثيرة الحقيقية، واستخدامات الصور، والانتقاص من المعلومات، حتى أن ظهرت صحيفة نيويورك تايمز بافتتاحية تصور التحية العسكرية لمن قاموا بواجبهم بأقصى درجة، وهكذا عملت الوسائل الإعلامية على تشويه الصورة، وتثبيت صورة جديدة.([8])

إذ استمالات جذب الانتباه تعمل على تغيير الصورة الذهنية، وحينها تستخدم وسائل الإعلام كل الأساليب الممكنة لجذب الانتباه لدى المتلقي المستهدف تغيير الصورة الذهنية لديه، لتشمل الموسيقا، المؤثرات الصوتية، الحركة، اللون، الإبهار، التشويق، الخروج عن المألوف… وغيرها من تكنيكات العمل الإعلامي العامدة نحو جذب الانتباه للمضمون وضمان درجة عالية من الانتباه، ومن ثم استيعاب رسالة جديدة تحمل معلومات جديدة.([9])

وبهذا يحدث تغيير الصورة الذهنية، عبر إمكانيات “جماليات وسائل الإعلام” ومؤثراتها الفنية، الجاذبة لانتباه الجمهور وإبهاره، بجانب سهولة استيعابه للمعلومات، بل وضمان تحقيق التفسير المراد من وسائل الإعلام، خصوصًا، وأن ذلك يتم عبر دمج احترافي بين الجماليات، من حركة الكاميرا والصوت، إلى مختلف أنواع الإضاءة أو الموسيقا أو الصورة المؤثرة والمعبرة عما تريده الوسائل الإعلامية، سواء بالنفور والكراهية، أو الإعجاب والتأييد، أو عدم الاهتمام واللامبالاة، وهذا حسبما أهداف وسائل الإعلام من عرضها للمحتوى أو المضمون، تجاه الحدث أو الخبر.


([1]) آرثر آسا بيرغر، وسائل الإعلام والمجتمع .. وجهة نظر نقدية، ترجمة صالح خليل أبو إصبع، ط 1 عربياً (الكويت : المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – سلسلة عالم المعرفة، مارس 2012م)، ص ص : 34، 44، 47، 60، 65.

([2]) المرجع السابق، ص ص : 34، 44، 47، 60، 65.

([3]) سامية أحمد على، النقد الإعلامي .. المسموع والمرئي، ط 1، (القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2010م)، ص 19 .

([4]) خلدون عبد الله، الإعلام وعلم النفس، ط 1، (الأردن : دار أسامة للنشر والتوزيع، 2010م)، ص 17

([5]) Ghulam Shabir, Shahzad Ali, Zafar Iqbal, US Mass Media and Image of Afghanistan: Portrayal of Afghanistan by Newsweek and Time, A Research Journal of South Asian Studies Vol. 26, No. 1, January-June 2011, p 88 .

([6])Ibidem, p 88.

([7]) نسيم الخوري، الإعلام العربي وانهيار السلطات اللغوية، رسالة دكتوراه منشورة، (لبنان : مركز دراسات الوحدة العربية، 2005م)، ص ص : 438 – 439.

([8]) Ghulam Shabir, et all, Op.Cit, p 89 – 90.

([9]) عبد الحكيم عامر سيد عامر، ، دور الإدارة العامة للإعلام والعلاقات العامة بوزارة الداخلية في تكوين الصورة الذهنية لرجل الشرطة لدى المواطن المصري، رسالة ماجستير غير منشورة (جامعة عين شمس : كلية الآداب – علوم الاتصال والإعلام، 2009م)، ص ص : 58 – 60.

العدد الأخير العدد الثلاثون بعد المائة ثقافة وفكر سياسة

عن الكاتب

أحمد مصطفى