أسد بحر العرب الهندي

كتب بواسطة فاطمة بنت ناصر

نعم، ما قرأتموه صحيح، هناك أسد لبحر العرب –ليس أحمد بن ماجد الذي نعرفه- ولكنه خاص بأخوتنا الهنود واسمه اسمه ماراكار محمد علي. وقد عرض الفلم الذي يتناول قصته في السينما ببلادنا العربية بعنوان: MARAKKAR: LION OF THE ARABIAN SEA – ماراكار أسد بحر العرب. لفتني هذا العنوان لفلم هندي، فشرعت بالبحث عن قصة هذا الفلم وعما يحيكه.

 وإليكم بعض التفاصيل التي جمعتها عن قصة هذا البطل الموازي لبطلنا العماني أسد البحار أحمد بن ماجد، وعن تاريخ أسود البحار الهنود التي كان ينتمي لها هذا البطل، وما علاقتهم بالعرب، وسيادتهم على بحار وتجارة الهند، وصراعهم الطويل مع أطماع البرتغاليين في السواحل الهندية.

أولاً بيانات الفلم للراغبين في مشاهدته:

عنوان الفلم: MARAKKAR: LION OF THE ARABIAN SEA  – ماراكار أسد بحر العرب

البلد: الهند

اللغة الأصلية: Malayalam

لغة العرض: الإنجليزية والعربية

تصنيف الفلم: أكشن

مدة الفلم: ١٩٠ دقيقة

تاريخ العرض الأول: ٢ ديسمبر ٢٠٢١

مختصر القصة– كما ورد في موقع فوكس سينما عمان: القصة الملحمية للبطل الآسطوري الكنجالي ماراكار الرابع ضد البرتغاليين.

المكان الجغرافي لقصة أسد البحار الهندي / مدينة كاليكوت الهندية 

لنبدأ حديثنا بكشف العلاقة التي ربطت العرب سواحل الهند وتحديداً ولاية كاليكوت التي سنتكلم عنها مطولاً هنا –المعروفة بولاية كيرلا حالياً- وهي جزء من ساحل الملبار الهندي الذي يقع في الجزء الجنوبي الغربي من الهند. ونظراً لنشاط هذا الشاطئ تاريخياً وإطلالته على بحر العرب، فقد واجه ما واجهه بحر العرب من مخاطر وتهديدات، كان أبرزها خطر العدو البرتغالي المشترك.

ويذكر الأستاذ فالح حنظل في كتابه: (العرب والبرتغال في التاريخ) أن حاكم مدينة كاليكوت هو هندي مسلم يعرف باسم (السامري) الذي تشير إليه كل المصادر الأجنبية بمسمى Zamorian، غير أن ابن بطوطة يخالف أ. فالح حنظل في ديانة هذا الحاكم! بل أن أغلب المصادر تخالف ما أورده الأستاذ فالح حنظل في كتابه، فمعظمها تقول إن السامري كان هندوسي! ومن تلك المصادر: الموسوعة البريطانية وابن بطوطة في رحلته في الهند التي أوردها في كتابه المسالك وزيارته لمدينة كاليكوت (التي كتبها قالقوط) وقد قال فيها الآتي:

“وسلطانها كافر يعرف بالسامري (3)، شيخ مسن يحلق لحيته، كما تفعل طائفة الروم، رأيته بها، وسنذكره إن شاء الله. وأمير التجار بها إبراهيم شاه بندر (4) من أهل البحرين فاضل ذو مكارم، يجتمع إليه التجار، ويأكلون في سماطه. وقاضيها فخر الدين عثمان فاضل كريم، وصاحب الزاوية بها الشيخ شهاب الدين الكازروني، وله تعطى النذور التي ينذر بها أهل الهند والصين للشيخ أبي إسحاق الكازروني نفع الله به “

” ولما وصلنا إلى هذه المدينة، خرج إلينا إبراهيم شاه بندر، والقاضي، والشيخ شهاب الدين، وكبار التجار، ونائب السلطان الكافر والمسمى بقلاج، ” بضم القاف وآخره جيم ” ومعه الأطبال والأنفار والأبواق والأعلام في مراكبهم. ودخلنا المرسى في بروز عظيم ما رأيت مثله بتلك البلاد. فكانت فرحة تتبعها ترحة. وأقمنا بمرساها، وبه يومئذ ثلاثة عشر من مراكب الصين ونزلنا بالمدينة. وجعل كل واحد منا في دار. وأقمنا ننتظر زمان السفر إلى الصين ثلاثة أشهر، ونحن في ضيافة الكافر”.

تشير معظم المصادر أن السامريين وهو لقب لحكام كاليكوت -ومفردها للحاكم الواحد سامري – ليسوا بمسلمين عدا كتاب واحد بالإضافة لكتاب الأستاذ فالح حنظل وهو كتاب (تحفة المجاهدة في أحوال البرتغاليين) للشيخ أحمد زين الدين المعبري المليباري المتوفى بعد سنة 991 هجري، يشير فيه أن هناك ملك سامري واحد اعتنق الإسلام وكان اسمه عبد الرحمن السامري وقد توفي عام 166 هجرية. وهذه الحكاية مروية لا تستند على رؤية عين ، على عكس رواية ابن بطوطة التي كتبتها ووثقها برؤية العين، فقد استضافه ملك كافر لا يدين بالإسلام.

ولن يزيد العرب شرفاً إن كان حاكم هذه المملكة مسلماً، فقد كانت لهم الكلمة الفصل في هذه المملكة والسيطرة على مفاصل الدولة بأكملها، وذلك بسبب هيمنتهم الاقتصادية والقضائية والحربية فيها، فأكبر تجارها كان من البحرين كما ذكر ابن بطوطة والمعروف بإبراهيم شاه بندر، وكبير قضاتها هو فخر الدين عثمان فاضل كريم، والجنود الذين حموا موانئها وتجارتها المهمة هم من العرب المسلمين وكانوا يعرفون بالماراكار وهم موضوع مقالنا هذا.

 علاقة العرب بساحل الملبار:

علاقة العرب بالهند وبهذا الساحل تحديداً تعود لما قبل الإسلام. فقد ورد

ذكر العرب في الملحمة الهندية الهندوسية المعروفة (المهابهاراتا). كما تذكر المصادر بأن البحارة العرب استقروا في ساحل الملباري في القرن السابع الهجري، وتزوجوا من نسائها. ومنذ ذلك الحين أصبح العرب العرق العربي أحد الأعراق التي اندمجت ضمن النسيج الاجتماعي الملباري. وتعود أصول المسلمين في الساحل المليباري إلى: العرب، الفرس، أهل خراسان، وأهل دكنى الواقعة في وسط جنوب الهند.

الوجود الخليجي في ساحل الملبار:

من المهم أن نبحث عن تاريخ وجود أهل الخليج في ساحل الملبار، لقلة الدراسات العربية في هذا الشأن. وهنا سأسرد ما عثرت عليه في المصادر المختلفة :

  • بالبحث لم أجد سوى ذكر لثلاثة رجال منهم رجلين من أهل عمان وثالث من البحرين، وقد ذكرهم ابن بطوطة في كتابه المذكور سلفاً، وقد كتب عنهم الآتي:
  • عن مدينة (فندرينا) كتب عنها ابن بطوطة:

“وقاضيها وخطيبها رجل من أهل عمان، وله أخ فاضل“.

  • “وأمير التجار بها إبراهيم شاه بندر من أهل البحرين”.

من هو ماراكار الرابع –محمد علي:

يعد ماراكار الرابع هو أحد أفراد سلالة كنجالي ماراكار أو كنهالي ماراكار وهو لقلب منحه لهم حكام كاليكوت السامريون Zamorins ليصبحوا بذلك رسمياً قادة الأسطول البحري لكاليكوت وملوكها- ولاية كيرلا حالياً-، وتوارثه أربعة أفراد –وكان اللقب ينتقل بالتوارث من جهة الأم، حيث يخلف كل ابن أخت خاله بعد موته- وتعد هذه العائلة من العائلات العريقة والمهيمنة على التجارة البحرية وهم من العرب المسلمين وترجح المصادر أنهم من أتباع المذهب الشافعي وأنهم من أصول مصرية، وعرفوا بأنهم محاربين أشداء قاوموا البرتغالين لأكثر من تسعين عامًا. أما أسد بحر العرب الذي تحدث عنه الفلم الملحمي هو ماراكار الرابع واسمه محمد علي وهو آخر ملوك هذه السلالة.   

 منح الساموريون اللقب الأول كنجالي ماراكار – والتي تعني حرفياً: قادة الأسطول البحري –للتاجر العربي المسلم: كوتي أحمد علي-Kutti Ahmed Ali – وهو الماراكار الأول (1520 – 1531)، وذلك مكافئة له على عرضه المقدم للملك لحماية مدينة كوتشن Cochin  من خطر البرتغاليين، والدفاع عنها بكل ما يملكه من سفن وقوة بحرية، حيث كان هذا التاجر أفراد طاقمه كافة يستقرون بالأساس في مدينة كوتشي Kochi الساحلية، ولكنه حين حكم السامري غادر كوتشي لينضم لحكمهم في مملكتهم شملت معظم ساحل الملبار.

 أما الماراكار الثاني كوتي بوكر علي-Kutti Pokker Ali- فقد استمر حكمه من (1531-1571)، ومن بعده الماراكار الثالث باتو كنهالي- Pattu Kunhali- الذي استمر حكمه من ( 1571-1595)، و أخيرا الماراكار الرابع محمد علي ( 1595 -1600) الذي كانت نهاية السيطرة التجارية  البحرية للماركار المسلمين على يديه.

سادة تجار بحر العرب مع مرور الزمن

والدرس الذي يعلمه لنا الزمان -وقليل منا المُعتبر- أن دوام الحال من المحال، فإن كنت سيد البحار في يوم سيأتي من هو أقوى منك، فلا تغتر، والآتي اختصار لتعاقب الأسياد على بحر العرب:

قبل القرن 16 = التجار المسلمون ومنهم (عوائل الماراكار العربية المسلمة تجار سواحل المليبار الهندية)

القرن 16 = البرتغاليون

القرن 17 = الهولنديون

الصورة 1: السامري حاكم كاليكوت -كيرلا حالياً- يستقبل فاسكود يجاما مايو 1498 (المصدر  www.bridgemanimages.com)
طابع تذكاري: يخلد تاريخ الكنجالي ماراكار كقادة بحريين لساحل المليبار لمدة 400
مخطط قلعة مانويل بكوتشي القرن 15

لمشاهدة أول فلم ماليباري أنتج عام 1966 لتوثيق كنجالي ماراكار، من هنا:

لمشاهدة إعلان فلم ماراكار: أسد بحر العرب إنتاج 2021، من هنا:

https://www.youtube.com/watch?v=etDC5bqj0MM

المراجع:

  • فالح حنظل، العرب والبرتغال في التاريخ، 1997
  • ابن بطوطة، المسالك
  • الموسوعة البريطانية
  • الشيخ أحمد زين الدين المعبري المليباري، تحفة المجاهدية في أحوال البرتغاليين، 1985
  • Pius Malekandathil, Maritime India: Trade, Religion and Polity in the Indian Ocean,           Delhi,2013.
  • https://www.tyndisheritage.com/indian-history/kunjali-marakkar-history/
  • Indian Nanvy, Maritime Heritage of India,Hyderabad,2016
  • Barbosa, Duarte. 1866. A Description of the Coasts of East Africa and Malabar: In
  • the Beginning of the Sixteenth Century. trans. Henry E.J. Stanley. London: The
  • Hakluyt Society.

https://commons.wikimedia.org/wiki/File:Portuguese_fort_at_Calicut.jpg

العدد الأخير العدد الواحد والثلاثين بعد المائة ثقافة وفكر سياسة سينما وأفلام

عن الكاتب

فاطمة بنت ناصر

كاتبة ومترجمة