تراجع اهتمام الإعلام بأفغانستان رغم استمرار المعاناة

كتب بواسطة مزنة الرحبي

مقال: عائشة جيهانغير

ترجمة: مزنة الرحبية

يقاتل الأفغان منذ السبعينات للأسباب ذاتها التي يقاتل من أجلها ‏الأوكرانيون اليوم، إلا أن أنهم تعرضوا ‏للتهميش والخذلان. ‏

ورغم ما تكبده المجتمع الدولي خلال عقدين من خسائر بشرية وثروات ‏طائلة لتأسيس ما يشبه الحكومة التمثيلية في ‏أفغانستان، إلا أنها ‏‏سرعان ما سقطت على يد طالبان، كما صرف الإعلام النظر عن القضية ‏بأكملها خلال أسابيع.‏

وفي يناير، قامت عناصر من طالبان بالاعتداء جنسياً وبشكل جماعي ‏على ثمان نساء معتقلات في سجن مزار ‏شريف الواقع شمال البلاد. ‏وقد ‏جرى اعتقال هذه المجموعة من النساء مع آخرين حاولوا مغادرة ‏أفغانستان عقب خروج القوات ‏الأجنبية، وإعلان طالبان ‏السيطرة عليها. ‏إلا أن طالبان، وبطبيعة الحال، قد نفت تلك الحادثة. ‏

كما أخبرني زملائي الصحفيون في كابل، بأن النساء اللواتي تمكن من النجاة بعد ‏حادثة الاغتصاب الجماعي، قد قتلن لاحقاً ‏على أيدي ‏عائلاتهن تحت ‏ذريعة ما يسمى “بالشرف”، بعد أن سلمتهن طالبان إلى العائلات. ‏في حين ما تزال ‏باقي نساء المجموعة، ‏حسب قولهم، في ‏‎“‎عداد ‏المفقودين‎”‎‏.‏

ومع مضي ما يقارب السبعة أشهر منذ ‏استيلاء طالبان على السلطة في البلاد، ما تزال أغلب مدارس البنات الثانوية ‏قيد ‏الإغلاق. ‏إذ تتزايد الصعوبات التي تحول بين الشابات الأفغانيات والتعليم الجامعي ‏لتصل إلى أعلى ‏مستوياتها، كما تحظر ‏النساء من مزاولة أغلب الوظائف ‏مدفوعة الأجر، أو ممارسة الرياضات النسائية. ‏بالإضافة إلى ذلك فإن أكثر ‏من 72% من ‏النساء العاملات في قطاع الصحافة قد فقدن وظائفهن. ‏

وخلال الأيام الأولى من سيطرتها على البلاد، ألغت حكومة طالبان وزارة ‏شؤون المرأة واستبدلتها بوزارة ‏‏”الأمر بالمعروف ‏والنهي عن المنكر”، لتقر بعدها سلسلة من القيود التي تعيق سفر المرأة. ‏كما ‏يجري تعنيف واختطاف النساء المشاركات في ‏مسيرات سلمية ‏للمطالبة بحقوقهن في العمل والتعليم والصحة. ‏ومع تدهور الأوضاع، يلجأ ‏كثير من الناس إلى بيع بناتهم ‏لأسر أخرى لسد رمق العيش. ‏

وعلى الرغم من ذلك، يخيم صمت مطبق على وسائل الإعلام الدولي، ‏التي يبدو أنها سئمت تغطية محن الشعب ‏الأفغاني، وما ‏تعانيه المرأة ‏هناك على وجه الخصوص.‏ فلا تعد حياة المرأة الأفغانية في ظل حكم طالبان أمراً خفياً عن العالم ‏الخارجي.‏ إلا ‏أن الإعلام الدولي صار، وعلى نحو متزايد لا يعبئ بهذه القضية، بل ‏وينشغل عنها بقضايا أخرى.‏

فبعد التغطية الأولية للأحداث القائمة على جدلية “المنتصر والمهزوم” ‏والتي شغلت الفضاء الإعلامي لأسابيع، ‏إلا أنه وما إن ‏خرجت القوات ‏الأجنبية والمتعاقدون معها من البلاد، حتى خرجت معها وسائل الإعلام ‏الدولي ‏أيضاً.‏

‏ومع تخلي الولايات المتحدة عن أفغانستان، فقد ترك السكان ليواجهوا ‏مصيرهم في حياة يملؤها التخويف ‏والترويع، ‏ويهددها ‏السجن، وانتهاك حقوق الإنسان، وانتشار الفقر والتشرد، وهو ما ‏يحول الكابوس ‏الذي يخشاه الأفغان إلى حقيقة. ‏

لكن الولايات المتحدة ليست هي الوحيدة التي تكذب على العالم بشأن ‏حقيقة ما حدث في نهاية حرب تُعد واحدة من أطول ‏الحروب في التاريخ. فالإعلام الدولي يكذب أيضاً عبر إخفاءه للمعلومات والحقائق، أو إقصاءه ‏‏أصوات الكثيرين من ضحايا ‏هذه الحرب.‏

إن انتهاء الحرب لا يعني تحقق السلام، ‏وربما لا يسعى الصحفيون إلى الترويج لدعاية الحرب، إلا أنهم عبر ‏التغطية ‏المتقطعة والشحيحة، لا يولون عملية إحلال ‏السلام أية أولوية، ‏خاصة بعد انتهاء الحملة العسكرية التي شنتها الولايات ‏المتحدة مع ‏حلفائها على أفغانستان، ‏وتولي طالبان مقاليد السلطة. ‏الأمر الذي يمهد الطريق أمام الدعاية الإعلامية المضللة والمعلومات الخاطئة ‏‏للانتشار ‏دون أن يلفت ذلك انتباه الرأي العام أو ‏يثير تساؤلهم. ‏

وأسهم الغزو الروسي على أوكرانيا، وما أحدثه من تقلبات في سوق الأسهم العالمي، إلى جانب ارتفاع حالات العدوى بفيروس كورونا حول العالم في تجاهل الإعلام الدولي للأوضاع في أفغانستان التي مزقتها الحرب، وتغييبها عن المشهد الدولي ‏لتستمر معاناتها في ظل صمت عام وعجز بالغ.‏

حيث تراجع اهتمام الإعلام الدولي بأفغانستان سريعاً، ‏رغم أن معاناة شعبها لم تنته بعد، خاصة ما تواجهه النساء ‏والفتيات، ‏‏والذي لا تلوح له نهاية في الأفق مع تصاعد الأزمة بسبب تدهور الرعاية ‏الصحية، ونظام الخدمات ‏العالق بين العزلة ‏الدولية، والحكم المتشدد لطالبان.‏

ومن المؤسف، وغير المستغرب في الوقت ذاته، أن الإعلام المحلي لا ‏يملك هامشاً كافياً من الحرية لطرح ‏الأسئلة، ناهيك ‏عن تفعيل دور الصحافة ‏الاستقصائية. نظراً لأن طالبان تتحكم بوسائل الإعلام المحلية. ‏فقد شوهد مقاتلو ‏طالبان المدججون ‏بالأسلحة وهم يرافقون زعماءهم أثناء البث التلفزيوني ‏المباشر.‏

بينما أظهرت استطلاعات متفرقة أجرتها منظمة مراسلون بلا حدود، ‏والاتحاد الدولي للصحافيين، إغلاق ما يزيد ‏على ‏النصف من وسائل ‏الإعلام الأفغانية منذ استعادة طالبان زمام الحكم بالبلاد في أغسطس ‏الماضي،‏ أما بالنسبة لما تبقى من ‏الصحفيين، فقد أعلنت طالبان بصيغة غير ‏واضحة “القواعد الإحدى عشر للصحافة” ‏والتي جاءت لترسم في ‏الأساس آلية ‏الحكومة في التحكم بوسائل الإعلام وفرض الرقابة عليها.‏

والآن، وفي الوقت الذي يقصي فيه الإعلام الغربي وبشكل واضح القضية ‏الأفغانية، فقد صار من الصعب إيجاد ‏وسيلة ‏إعلامية يمكن الاعتماد عليها ‏في تقديم تغطية لا تصعد الأحداث، بل تنطلق من أطر الإنسانية، ‏والعدالة، ‏والسلام. ‏

من جانب آخر فقد خرجت ‏الأحد مجموعة من النساء إلى شوارع ‏كابل، للمطالبة بحقهن في ‏التعليم والعمل وسط تهديدات ‏بالاختطاف، والاستهداف بالاضطهاد. ‏

ويعكس وقوف هؤلاء النساء في وجه الطغيان، الذي لا ترغب في ‏‏مواجهته أعتى قوة في العالم، قدرتهن العالية على الصمود ‏خلال أقسى ‏الظروف. ‏الأمر الذي يستدعي من الإعلام الدولي تغطية إعلامية مكثفة وتضامناً ‏واسعاً. ‏

صحيح أن بعض مدارس الفتيات الإعدادية قد أعيد فتحها هذا الشهر، كما ‏سمح لبعض النساء بالعودة إلى ‏وظائفهن في ‏قطاعي التعليم والصحة، ‏إلا أن انتهاكات حقوق الإنسان، والجوع، والفقر والمرض، ما ‏تزال ‏تسجل معدلات عالية، ‏جاعلة البلاد على أعتاب مجاعة محتملة في ظل ‏الأزمة الاقتصادية. ‏

ومع لجوء الكثير من الناس إلى بيع بناتهم وكلاهم في السوق السوداء ‏لسد رمق العيش، فإن ذلك يؤكد عجزهم عن إيصال ‏أصواتهم والمطالبة ‏بحقوقهم.‏

ولذا، لا بد من نقل هذه الوقائع لتحريك الوعي وإيقاظ الضمير العالمي لاتخاذ ‏موقف من أجلها.‏

وفي هذا العصر الذي أصبح فيه الإعلام شاهداً على الحرب، وعلى أزمات ‏أخرى تفصل بينها مسافات بعيدة، ‏يأتي أيضاً ‏عصر اقتصاد الانتباه، حيث ‏تصارع القضايا الأقل أهمية للبقاء ضمن دائرة الاهتمام العام لفترات أطول.‏ لذلك يجدر التذكير بهذه ‏القضايا دائماً، عبر تقارير المتابعة المستمرة والتي تنقل الوضع العام بعد الحرب لتلفت ‏الانتباه ‏إلى أحداث قد يكون غفل عنها ‏الرأي العام؛ ‏نظراً إلى أن الدورة الإخبارية في وسائل الإعلام تتمركز حول ‏القضايا ‏العاجلة والملحة. ‏

وبالتالي يمكن أن يسهم جانب الاستمرارية في إبقاء المعلومات حية ‏وواضحة للعيان. ‏

كما ينبغي أن نتذكر بأن ما يقاتل من أجله الرجال والنساء في أفغانستان ‏منذ 1970 ومنذ الحرب السوفييتية ‏الأفغانية هي ‏الأسباب ذاتها التي ‏يقاتل من أجلها الأوكرانيون اليوم. ‏مع فارق وحيد يكمن في تجاهل الشعب ‏الأفغاني، وخذلانه، مرة تلو ‏‏الأخرى.‏

إن صحافة السلام تعد أمراً ضرورياً في أوقات النزاع، ومسؤولية تقع على ‏عاتق الصحفيين.‏ ففي الصراع العالمي الدائر بين ‏الأقلام وبنادق الأي كيه 47، فإنه من ‏واجب الإعلام الدولي والصحفيين ‏مواصلة العمل على تغطية الأزمة ‏الأفغانية من خلال ‏صحافة السلام التي لا ترضى بهزيمة سهلة أمام ‏السلاح. ‏

-نشر المقال في صحيفة الغارديان بتاريخ 18 مارس 2022.

العدد الأخير العدد الثاني والثلاثون بعد المائة ترجمات ثقافة وفكر سياسة

عن الكاتب

مزنة الرحبي