إهداء للكويت الحبيبة : ٣٢ عاماً مضت على ذلك الكابوس الذي حل عليكم وعلى كل خليجي. حماكم الله من الأعداء وكل متربص بشر. كان أول الأحزان و بإذن الله ستكون آخرها.
بيانات الواقعة يسميها عامة الناس في الخليج غزو الكويت، ويسميها الباحثون المتخصصون في السياسة بحرب الخليج الثانية، ويختصرها الكويتيون ويطلقون عليها مسمى “الغزو”.
تاريخ البداية: ٢-٨- ١٩٩٠ إلى ٢٨ فبراير ١٩٩١
الدولة الغازية: العراق
الدولة المستهدفة: الكويت
كوني عمانية هذا ما أعرفه عن الغزو
كوني عمانية كان عمرها أثناء الغزو ست سنوات، لا أعرف الكثير عن غزو الكويت، عدا ما هو معروف لدى عامة الناس من أنه هو عدوان غاشم من دولة عربية جارة على دولة عربية أخرى مدعيةً إنها امتداد جغرافي لها وإحدى المحافظات التابعة لها، وتبليها على الكويت بأنها تسرق النفط من أراضي تابعة لها. وقد وودت أن أضع ذاكرتي أمام الاختبار في هذا المقال وأكتب أول ما يخطر في بالي حين اسمع كلمة “غزو الكويت” ، وهذا ما وجدته عالقاً بها بعد مرور ٣٢ عاماً على الغزو:
خوف خفي وخافت، وأحاديث في البيت عن شراء العيش (الرز) و الطحين، وعبارات تتردد: الله يستر ويحمينا. أغلب أهل الكويت خارج البلاد رايحين يصيفوا. العراقيين دخلوا الكويت وخرجوا منها بسرعة. كنت أظن أن هذه الحرب كانت مجرد أيام معدودة. مساعدة السيدة ميزون أم جلالة السلطان في تسهيل قدوم الكويتيين للسلطنة بارسال طائرات خاصة وتجهيز أماكن لاستضافتهم.عمان وقفت مع الكويت في الحرب. ياسر عرفات أيد صدام وحربه، السعودية وأمريكا أهم المشاركين والمساندين. هناك أسرى كويتيين.
قصص الناس في الغزو: دائما ما يهمل في كتابة التاريخ توثيق تلك الأيام التي عاشها الناس في الجبهتين سواء من يتبعون الغازي أو أولئك الذين يواجهون رعب الحرب عليهم. يستهويني لسبب ما هذا الجانب، كيف عاش الناس تلك الأيام؟ ماذا كانوا يفعلون؟ كيف كانوا يقضون أيامهم؟ ماذا كانوا يأكلون؟ ماذا كانوا يقولون؟ كيف يختبئون وكيف ينامون، ولمن يأتمنون؟
بداية البحث: من الصدف الرائعة أني تعرفت أثناء بحثي عن هذا الموضوع على فتاة كويتية ولدت في عام ١٩٨٤ وهو عام مولدي نفسه، وكان عمرها في الغزو عمري نفسه. أخبرتها عن نيتي في كتابة مقال يحمل ذكريات عن الجانب الاجتماعي خلال فترة الغزو وكيف تأثر بدخول قوات لدولة مجاورة لأراضي دولة خليجية، الأمر الذي لم يكن أي خليجي ليتوقع حدوثه في يوم من أيام. تحمست المهندسة آلاء للفكرة، ومدتني مشكورة بكل ما أسعفتها به ذاكرتها عن تلك الأيام العصيبة. عاشت آلاء وعائلتها كل أيام الغزو سبعة أشهر كاملة منذ بداية الغزو في ٢ – ٨ – ١٩٩٠ و حتى التحرير في ٢٨ فبراير ١٩٩١. فكانت الشخص الأنسب في توثيق التجربة بشكل كامل. جاءت معظم الذكريات على هيئة شذرات صغيرة ولكنها كانت كافية لتخيل المشهد والإحساس به، وقامت آلاء وأفراد عائلاتها –مشكورين– بمدي وتدعيم هذا المقال التوثيقي البسيط بصور التقطتها العائلة خلال فترة الغزو، مما زاد من أحساسي بتلك الأحداث والأيام العصيبة. وإليكم أضع ذكريات ما مرت به آلاء وعائلتها، وما هو إلا عينة متواضعة لبيت واحد من مئات البيوت التي ذاقت مرارة ورعب تلك الشهور القاسية.
نحن أمام ألم مضاعف، فهو ألم جرى البيت العربي الإسلامي، كانوا يظنوا أنهم أخوة لبعضهم، حتى استباح الغازي أرض أخاه وماله وعرضه.ماذا تذكر آلاء التي كانت بعمر الست سنوات عن أول أيام الغزو؟
الأسبوع الأول: فوضى وعدم استيعاب اتصالات مكثفة في وقت الصباح وربكة في المنزل. أحد أقربائي مسؤول في ميناء شويخ وكان يخبرنا عن فوضى كبيرة، وكان هو بنفسه ضمن المطلوبين. ولم يكن أحد منا قادر على فهم واستيعاب ما يحصل بسبب تلك الفوضى.دخل العراقيون علينا، وكنا نسمع في التلفزيون عن استردادهم لأرضهم، وإن الكويت أصبحت المحافظة رقم ١٩ التابعة للعراق. استمرت الفوضى مدة طويلة.وجود تحليق مكثف للطائرات في الجو، كوننا أطفال لم نكن نستوعب ما يحصل من حولنا، وكنا نرى العراقيين يمشون بأسلحتهم في “الفرجان، جمع: فريج”، وهي مسمى الحارات بالكويتية. كان ذلك المنظر بالنسبة لمن هم في عمري شي غريب جداً. عمال المنازل من الجنسيات المختلفة هرعوا لسفاراتهم في الأيام الأولى لإجلائهم من الكويت. بعد أسبوعين بدأنا نعتاد على منظر العراقين وأسلحتهم في شوارعنا، وسماع القصف ليلاً.
بعد أسبوعين بدأ الفهم والاعتياد والاحتياط: بدأنا نعرف أن الخطوط الأرضية مراقبة فبدأنا نتكلم بالرموز والتشبيهات. كان عمي مسافراً للسياحة في ذلك الوقت وكان ذو رتبة عسكرية، وأذكر تكرار السؤال عنه في بيتنا من قبل العراقيين يآتون ويسألون أين فلان؟ أكثر من مرة. في البداية كانت الناس تصرف ما عندها من مال وحين انعدم المال، بدأ الأغنياء في توزيع المال على الناس، وأذكر أن الأموال كانت متداولة بطريقة ما. في البداية كانت الجمعيات التعاونية مفتوحة وكنا نشتري منها، بعدها تم إغلاق الجمعيات التعاونية، وبدأ الشباب يفتحون المخابز، و أذكر انعدام بعض المؤن لفترات. كانت الكهرباء متوفرة في الأسابيع الأولى، ثم بدأ قطعها يومياً خلال الليل بأكمله، وكنا نضيئ الشموع و نشعل السراج في أوقات المساء.بعد فترة بدؤوا بأسر الشباب الذين يقومون بالخبز، وقمنا بالخبز في بيوتنا.
قصة الحليب والبيض: حين سافر جيراننا ربطوا بقرتهم في بيتنا، و كانت البقرة تدر الحليب بغزارة، وكنا نحلبها ويسد حاجة عائلتنا ويزيد، فكان أهلي يبعثوننا نحن الصغار بالحليب الفائض لنوزعه على بيوت الجيران. وربينا دجاج واستفدنا من بيضها وقمنا بالمثل. أحجامنا الصغيرة كانت تساعدنا على الوصول لبيوت الجيران من خلال الأسوار الداخلية المشتركة بين بيوتنا، وهكذا كانت العائلات تساعد بعضها.
قصة أسر خالي: تم أسر خالي أواخر شهر يناير أو بدايات شهر فبراير تزامناً مع بدأ الأحاديث عن حرب جوية، فبدأ العراقيون يأخذون الناس بشكل عشوائي. أخذ الجنود العراقيين خالي بينما كان ذاهباً للصلاة في المسجد، و رحلوه إلى العراق، ولكن لحسن الحظ بدأ القصف في العراق، فمكثوا في البصرة لمدة قصيرة جداً، ثم أطلقوا سراحهم هناك و تركوهم ليعودوا مشياً إلى الكويت.
قصة شجرة الزيتون والطبّاخ: ذهبنا مع العائلة متسللين في يوم من الأيام إلى بيت جدتي، فجاءت القوات العراقية للمنزل لتفتش المنزل ولم تجد سوى طباخنا، وحين سألوه عنا قال: مو موجودين. فقامت القوات العراقية بوضع مشنقة على شجرة الزيتون في حديقة منزلنا، وقالوا للطباخ سنذهب الآن وإذا عدنا ولم نجدهم في البيت، سنعلقك في الشجرة. فركض الطباخ لمنزل جدتي ليخبرنا بالأمر وعدنا فوراً للمنزل.
قصة مجوهرات بيت الجيران: جارنا الذي يسكن مقابل منزلنا كان من التجار ومن أغنياء الكويت، وكان هو وعائلته خارج الكويت خلال أيام الغزو. كنا نعلم أن للجار مدير أعمال من جنسية عربية كانت مؤيدة لصدام. لاحظنا قدوم مدير الأعمال لبيت الجار و تردده المستمر وكان يقوم بعمليه تحميل لأثاث و تحف المنزل الثمينة. فقرر الوالد بمشاورة العائلة الذهاب لمنزل الجار وأخذوا مبالغ المال المتوفرة في المنزل والمجوهرات والذهب والسجاد الحرير والتحف وأغلب الأشياء الثمينة المتبقية. وطلب منا الوالد حفر حفرة في حديقة المنزل، وكوننا أطفال نعيش حالة حماس كبيرة بهذه المغامرة التي نعيشها. قام الأهل بوضع الذهب والمبالغ النقدية في أكياس بلاستيك وربطوها، وقمنا بدفنها في الحفرة، أما التحف والسجاد الحرير فقد أخذناهم لمنزل آخر كان من معارف العائلة. بعد التحرير، عاد الجار وعائلته واستضفناهم في البيت وملامح الحزن بادية عليهم ولكنهم كانوا راضيين بما قدر الله، و أخبرونا أن كل مافي البيت قد تمت سرقته. طلبوا منا بحفر الحفرة و إحضار ما فيها، وحين رأى الجار وزوجته ما بداخل الأكياس كانت فرحتهم كبيرة، وكان مشهداً مؤثراً لن ينساه كل من شهده ذلك اليوم.







