بقلم: تود فوغل Todd Vogel
العنوان الأصلي للمقال: When a tricky task makes your brain hurt, here’s what to do
ترجمة: د. هويدا صالح
ماذا يحدث إن خُيِّرت بين أن تكمل عملك الذهني المرهق في مكتبك أو تتسكع على الشاطئ، ماذا ستختار؟ في العموم سيختار الكثير من الناس التسكع على الشاطئ في الهواء الطلق وأشعة الشمس بدلا من حل المشكلات الذهنية. ومع ذلك، فإن هذا الاختيار المغري ليس معناه أن ترك المهام العقلية الصعبة ليس علامة مباشرة على الكسل. في العديد من السياقات، يمكن أن يكون العمل العقلي مزعجًا حقًا، بل يمكن أن نعدّه “حكة” في عقلك تحثك على التوقف والقيام بشيء آخر.
تتطلب المهام العقلية الصعبة نوعًا من الجهد والشعور بالحماس -مثل عندما تحاول التفكير في كلمة في معنى كلمة “خربشة” Scrabble، أو معرفة الإرشادات الخاصة بأثاث “ايكيا” IKEA، أو إنهاء واجباتك المدرسية، أو حتى مجرد تذكر ما الذي كان موجودًا في قائمة التسوق الخاصة بك. ولكن ما هي بالضبط طبيعة الجهد الذهني؟ ولماذا أظهر هذا الكم الهائل من الناس اختيار المهام السهلة إذا خيروا بين المهام العقلية الصعبة والمهام السهلة- حتى لو كان بذل الجهد يعد بنتائج إيجابية، مثل كسب المال، ومساعدة شخص آخر أو التعاطف مع مشاعر شخص ما؟
أنا مفتون بهذه الأسئلة. إن الفهم الأفضل لكيفية تجربة الناس وتفكيرهم والتعامل معهم للجهد الذهني له إمكانات أكبر من تعزيز إنتاجية العمل. قد يكون لفهم سبب تجنب الناس للجهد في بعض الأحيان آثارًا منقذة للحياة. فكر فيما يمكن أن يحدث إن تجنب فني الأشعة بذل الجهد وهو يبحث عن ورم محتمل في مخ إنسان ما؛ أو توقف طيار عن بذل الجهد ليظل يقظا ومركزا عند الطيران.
على الرغم من أن الجهد العقلي هو جانب شائع وأساسي للتجربة البشرية، إلا أن البحث لفهم أفضل للشعور الذاتي بالجهد، ولماذا يجده الناس ثقيلا، هو مجرد بداية. أظهرت العديد من الدراسات أن الناس سيتجنبون المجهود العقلي أو “المعرفي”، لكن القليل منهم قارن بين الشعور بالجهد والتجارب البغيضة الأخرى المعروفة. العبارات المستخدمة كثيرًا مثل “يؤلمني التفكير” أو “رأسي يؤلمني من التفكير بشدة” تشير إلى أن الجهد المعرفي يثير مشاعر الانزعاج، وربما حتى تلك المشاعر المرتبطة بالألم. لقد اختبرت وزملائي مؤخرًا فكرة أن هذه الأقوال هي أكثر من مجازية- أي ما إذا كان التفكير الجاد أكثر كرهًا من الشعور بالألم.
يمكننا إعادة صياغة المثال السابق للاختيار بين مهمة عقلية مرهقة في المكتب أو فرصة للاسترخاء على الشاطئ، ماذا لو كان الاختيار الآن بين مهمة عقلية مرهقة أو وضع إصبعك في مصيدة فئران؟ هل ستظل على استعداد لتجنب المجهود العقلي إذا كان البديل هو الألم الجسدي؟ في دراستنا، اختبرت أنا وزملائي هذا من خلال تقديم هذين الخيارين بالضبط للأشخاص محل الدراسة: هل أنتم على استعداد لأداء مهمة عقلية صعبة أو التعرض للإحساس بالألم نتيجة التعرض لحرارة مرتفعة؟
تم إعطاء المشاركين لمحة عن الخيارات قبل تحديدها؛ حتى يعرفوا ما الذي يمكن أن تتضمنه. تطلبت مهمة الذاكرة من المشاركين تذكر تسلسل عدد من الحروف، ثم الإشارة إلى ما إذا كان الحرف الحالي يطابق حرفًا معينًا في وقت سابق من التسلسل. كانت هناك خمسة مستويات مختلفة من الصعوبة، كل منها يعتمد على مدى ظهور الحرف “الهدف” الذي ورد في مقدمة التسلسل. الممارسة اليومية الشبيهة بهذه المهمة هي الاحتفاظ بقائمة تسوق في ذهنك وأنت تمشي في متجر بقالة هنا، يجب أن تتذكر العناصر التي لديك بالفعل، والعناصر التي تحتاجها، وتحديث قائمتك الذهنية في كل مرة تضيف فيها عنصرًا إلى سلتك.
في هذا الاختبار الذي قمنا به، ولتطبيق درجات الحرارة المؤلمة، استخدمنا جهاز “محفز حراري” سمح لنا بالتحكم الدقيق في درجة الحرارة وتجنب إتلاف الجلد وضعنا الجهاز على ذراع الشخص، مستخدمين خمس درجات من درجات الحرارة المتزايدة (كانت أعلى درجة حرارة هي الدرجة التي صنفها المشارك على أنها 80/100 على مقياس الألم في المرحلة التمهيدية للدراسة).
لقد فوجئنا عندما اكتشفنا أن المشاركين غالبًا ما اختاروا الألم الجسدي على المهمة المجهدة عقليًا. يشير هذا إلى أن الناس يمكن أن يدركوا أن تكاليف الجهد المعرفي مرتفعة بما يكفي لدرجة أنهم يفضلون تجربة الألم الجسدي بدلاً من بذل الجهد العقلي. في الواقع، بدت هذه النتيجة عالمية: كل شخص تقريبًا اختار الألم بدلاً من مهمة الذاكرة مرة واحدة على الأقل، مع اختيار الكثير للألم عدة مرات لتجنب المجهود.
في المستويات الأعلى من الجهد -أي مع زيادة متطلبات الذاكرة للمهمة- كان الناس أكثر استعدادًا لتجربة الألم الجسدي بدلاً من القيام بالعمل الذهني المطلوب للمهمة. بالنسبة للنسخة الأكثر صعوبة من مهمة الذاكرة، اختار المشاركون أن يشعروا بالألم (على مستوى ما) 60% من الوقت، في المتوسط ، لكن بعضهم اختار في الواقع الشعور بالألم بنسبة 100% من الوقت. على العكس من ذلك، في المستويات الأعلى من الألم، كان المشاركون أكثر عرضة لاختيار مهمة الذاكرة.
تظهر هذه النتائج أنه، في مرحلة ما، كان عدم الراحة من الجهد العقلي يمكن مقارنته بالألم الجسدي على الرغم من أن الجهد العقلي قد يكون غير ضار، فإن الفكرة القائلة بأنه مكروه (أي شيء غير سار حقًا نريد تجنبه) يبدو أكثر من مجرد فكرة مجردة أو استعارة. أظهرنا هنا أن الناس، في الواقع، سيتجنبون الجهد المعرفي، حتى لو كان البديل هو الألم.
على الرغم من أن الحياة اليومية قد لا تتطلب منا في كثير من الأحيان الاختيار بين التفكير الجاد أو المعاناة من الألم، إلا أن بحثنا يسلط الضوء على مدى قوة الشعور بالجهد العقلي. يبدو أن الشعور غير السار الذي يمكن أن يشعر به الناس عند القيام بشيء يتطلب تركيزا ذهنيا هو أكثر من مجرد تأثير جانبي غير مهم. في حين أنه من الخطأ القول إن الجهد المعرفي مؤلم، فإن التكاليف المتصورة للجهد والرغبة في تجنبه لها عواقب حقيقية على اتخاذ القرار.
وهذا يثير سؤالا إذا كان من الممكن أن نعدّ الجهد العقلي مكلفًا وغير سارٍ، فلماذا لا يكتفي الناس بالقيام بالجهد العقلي على مضض، ولكن في الواقع يبحثون عنه من أجل المتعة؟ بعد كل شيء، يستمتع العديد من الأشخاص بالمهام التي تتطلب مجهودًا كبيرًا، مثل إكمال الكلمات المتقاطعة الصعبة أو حل الألغاز المنطقية المعقدة أو قراءة مقالات عبر الإنترنت حول الجهد المعرفي. هل هناك شيء خاص بهؤلاء المفكرين؟
يرى بعض الخبراء أن الجهد المعرفي قد لا يكون دائمًا غير مرغوب فيه، وأن بعض الناس قد يجدونه مجزيا. تمامًا كما يمكن للعدّاء تجربة “السعادة” بعد إنهاء السباق، وكما يمكن للاعب الشطرنج الاستمتاع بشعور من الرضا بعد التفكير في حركة معقدة بشكل خاص. في مثل هذه المواقف، ربما تبرر الغايات الناجحة الوسائل الجادة. يُعدُّ إجراء الماراثون أمرًا مزعجًا، كما أن إجهاد عقلك للعثور على حركة الشطرنج المثالية قد يكون أيضًا مكروهًا، ولكن في كلتا الحالتين، قد تفوق الفوائد المحتملة تكاليف الجهد العقلي المبذول.
من ثم، يبدو أن قراراتنا للقيام بعمل عقلي تتضمن مقارنة بين تكاليف القيام به، مقابل الفوائد المحتملة الناتجة عنه. هذا يسمح لنا بمتابعة تلك الأنشطة الأكثر فائدة لنا في الوقت الحالي. من المرجح أن يدرس الطالب باجتهاد لامتحان قادم إذا كانت فوائد القيام بذلك (على سبيل المثال، الحصول على درجة جيدة في الاختبار) تفوق تكاليف بذل الجهد في الدراسة. إذا لم يساهم الاختبار في الدرجة الإجمالية للطالب، أو إذا كانت نتائجه بعيدة في المستقبل، فستقل رغبتهم في إنفاق الطاقة العقلية على الدراسة ويفضلون بدلاً من ذلك الحفاظ على طاقتهم من أجل شيء أكثر قيمة.
هناك عامل يؤثر في المسألة وهو أن الناس سوف يختلفون في مدى كرههم أو احتمالية كونهم لا يجدون الجهد العقلي مجزيا. هناك بالفعل سمة شخصية راسخة تُعرف باسم “الحاجة إلى الإدراك” والتي تصف التباين في تفضيل الأشخاص للأنشطة المعرفية المطلوبة. مثل العداء “الذي يحقق نجاحا” ويستمتع بالجري بعد البدء، فمن المرجح أن يجد الأشخاص الأكثر احتياجًا للإدراك أنه من الأسهل الدخول في حالة من “التدفق”، حيث يشعر بأن النشاط المطلوب سهل وتلقائي وحتى ممتع. ومع ذلك، فحتى أكثر العدائين انضباطًا محدودون في قدرتهم ورغبتهم في الركض لفترات طويلة من الوقت، سيكون هناك حد لاستعداد الشخص للانخراط في الأنشطة المجهدة، حتى لو كان لديهم حاجة عالية للإدراك. في الواقع، في دراستنا، وجدنا أن أولئك الذين هم بحاجة عالية للإدراك ما زالوا يختارون الألم في أشد درجاته على الجهد العقلي.
خلاصة الأمر في هذا البحثي تتمثل في أنه، بغض النظر عما إذا كنت تحصل على درجات أعلى أو أقل في الحاجة إلى الإدراك (أحد عناصر الاستبيان لقياس هذه السمة هو”أفضل أن تكون حياتي مليئة بالألغاز التي يجب أن أحلها”)، عن طريق التلاعب في إدراكك للتكاليف أو فوائد المهمة المجهدة عقليًا، يمكنك التأثير على دافعك للانخراط في جهد عقلي. على سبيل المثال، حاول تخيل النتائج الإيجابية التي ستنجم عن بذل الجهد. إذا لم تكن هناك فوائد واضحة، فحاول إنشاء بعضها. قد يكون هذا شيئًا بسيطًا مثل مكافأة نفسك بقطعة من الشوكولاتة أو فنجان قهوة طازج، أو شيء أكبر أو أكثر أهمية.
في الوقت نفسه، هناك خطوات يمكنك اتخاذها لتقليل التكاليف الظاهرة والجهد المبذول في مهمة ذهنية، على سبيل المثال عن طريق تقسيمها إلى أجزاء أصغر. تُستخدم هذه الفكرة، المسماة “القطع”، بشكل شائع من قبل أولئك الذين يعانون من استمرار الجهد العقلي، مثل الأشخاص المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD). غالبًا ما أستخدم النهج بنفسي عندما أشعر بعدم التحفيز. على سبيل المثال، أجد أنه من الأسهل تقسيم المهام الأكبر والأكثر مجهودًا (“تنظيف المنزل”؛ “العمل على المخطوطة”) إلى مهام أصغر يسهل إدارتها (“كنس أرضية المطبخ”؛ “كتابة 250 كلمة في قسم المناقشة”). من خلال تقليل التكاليف الظاهرة للجهود، وجعل المكافآت أقل تجريدًا وأكثر واقعية، قد تجد نفسك أكثر تقبلا للجهد الذهني المطلوب.
قد يكون الأسلوب الدقيق الذي يناسبك مختلفًا عن هذا، ولكن المبدأ الأساسي هو نفسه- من خلال زيادة الفوائد المتصورة لبذل جهد عقلي أو تقليل التكاليف الظاهرة، قد تجد أنه يمكنك زيادة استعدادك وتحفيزك على إكمال المهمة بسهولة. قد تجد نفسك تختار حل مشكلة العمل المحيرة هذه بدلاً من الاسترخاء في الشمس.
نشر المقال على هذا الرابط:
https://psyche.co/ideas/when-a-tricky-task-makes-your-brain-hurt-heres-what-to-do