الفيلم السياسي في السينما المصرية

كتب بواسطة محمد فؤاد علي

   تعددت الموضوعات والاتجاهات في السينما المصرية وخير شاهد على ذلك تنوع الأفلام التي قدمتها السينما المصرية على مدار أكثر من مائة عام، وقد سبق لنا من خلال صفحات مجلتنا الغراء تعريف القارئ الكريم بأهم وأشهر الأفلام الغنائية فضلا عن تعريفه أيضا بالأفلام الوطنية والاجتماعية وأبرز المهن والحرف المصرية التي خلدتها السينما المصرية، ويسعدنا اليوم تعريف القارئ الكريم بماهية وأساليب الفيلم السياسي في السينما المصرية والهدف من إنتاجه وتأثيراته على الواقع والسعي إلى تغييره وأسباب قوته واضمحلاله أو ضعفه عالميا وعربيا، والفيلم السياسي هو الفيلم الذي يتناول الأحداث والوقائع السياسية بسبب اتساع عالم السياسة ودخولها في كل مناحي الحياة التي نعيشها ونسعى إلى تطويرها وازدهارها، كما أن السينما فن رحب له جماهيريته في كل أنحاء العالم، وعندما تلتقي السينما بالسياسة تتكهرب الأسلاك ويثار النقاش بين الممنوع والمسموح، بين الشرعية والخروج على المألوف، بين الولاء والتحرر، ومن ثم يمكننا تعريف مفهوم الفيلم السياسي فنقول أنه توأم الفيلم التاريخي الذي يؤرخ لمدة زمنية معينة وأعلامها وأدوارهم في الحفاظ على بلادهم أو تدميرها، وهي الأحداث والموضوعات نفسها التي يهتم بها الفيلم السياسي بالإضافة إلى بيان السمات الشخصية السلبية والإيجابية لأبطالها وبناء عليه يمكننا القول مرة أخرى يعدّ فيلم ميرامار من الأفلام السياسية لتناوله الواقع السياسي المصري في مرحلة الزعيم -خالد الذكر- جمال عبد الناصر فالفيلم في مجموعه يعبر عن بعض الأبعاد السياسية من خلال مجموعة من شخصياته “العاملين في الحقول، أعضاء الاتحاد الاشتراكي” التنظيم السياسي الأشهر في هذه المرحلة التاريخية “واستغلال هؤلاء الأعضاء هذا التنظيم لرفع مكانتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وسخريتهم من الساسة وخبراء الاقتصاد والاجتماع ورجال البوليس عامة والبوليس السياسي خاصة قبل ثورة يوليو 1952 دون الوقوع تحت طائلة القانون يشرط عدم الاقتراب من بعيد أو قريب من شخص الحاكم أو انتقاده حفاظا على إنجازاته، والفيلم مأخوذ عن قصة الأديب العالمي نجيب محفوظ وسيناريو ممدوح الليثي وإخراج كمال الشيخ وموافقة الرقيبة السينمائية اعتدال ممتاز، وعلى الرغم من جودة الفيلم الفنية لا نعدّه فيلما سياسيا لفقدانه شرطا مهامًا من شروط الفيلم السياسي ألا وهو تناول الواقع السياسي المعاصر لتاريخ إنتاجه 1968حيث سلط الفيلم -كما نعرف-على الأخطاء الجسيمة والأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية العقيمة في مصر قبل ثورة يوليو 1952، وما ذكرناه فيما سبق ينسحب على فيلم “الله معنا” إنتاج عام 1955 وعلى الرغم من ذلك نؤكد جرأة المخرج والسيناريست والرقيبة السينمائية في اقتناص موافقة الحاكم  لعرضه على الجماهير مرحلة النقد السياسي والاجتماعي والاقتصادي التي أعقبت مرحلة الإنجازات غير المسبوقة كما لا تفوتنا الإشارة في هذا المقام إلى عدم الإقرار أو تصنيف فيلم “شيء من الخوف” الذي أخرجه كمال حسين والمأخوذ عن قصة للأديب المصري المشهور ثروت أباظة فيلما سياسيا أيضا على الرغم من تصريحات بعض من الفنانين والمنتجين والمبدعين بأن عتريس بطل الفيلم يمثل شخصية جمال عبد الناصر، ومن ثم يمكننا القول بأن فيلم “زائر الليل” الذي أخرجه سينمائيا ممدوح شكري من أوائل الأفلام السياسية في السينما المصرية لتناوله موضوعات ووقائع معاصرة لتاريخ إنتاجه وتشير معالجتها الفنية إلى إبراز إخفاقات الحاكم وضعفه مباشرة وبلا حياء في تحقيق المكاسب السياسية والاجتماعية للشعب، ولهذا السبب عرض على استحياء في دور السينما جماهيريا لمدة قصيرة لمنع السلطة السياسية استمرار عرضه جماهيريا كما منع الفيلم من العرض أيضا عن طريق لجان الرقابة في التليفزيون المصري عام 2000 ، والتي منعت أيضا  أفلاما أخرى من أشهرها “البريء” لعاطف الطيب عام 1986، اللعب مع الكبار لشريف عرفه عام 1991، “الإرهابي” لنادر جلال عام 1994، “فتاة من إسرائيل” لإيهاب راضي عام 1999 ، وقد علق أستاذنا محمود قاسم في كتابه الموسوم بـ”الفيلم السياسي في مصر” على هذا المنع بقوله: “ترجع أسباب منع هذه الأفلام السياسية لكونها أفلام مواجهة صريحة ومباشرة مع النظام بكامل مؤسساته وأجهزته العسكرية والأمنية والرقابية وأدواتها التي تدرك سلفا عدم تأييد صناعها للنظام بل سعيها لكشف عيوبه ومثالبه بدلا من الدعاية لإنجازاته ومشروعاته”، وبعيدا عن تعريف الفيلم السياسي وماهيته والمصاعب التي صادفها صناعه، يمكننا القول على لسان المؤرخ السينمائي محمود قاسم شهدت مرحلة هزيمة يونيو عام 1967 توسعا كبيرا وازدهارا عظيما في ميدان إنتاج وإخراج وسيناريوهات الأفلام السياسية لدى الفنان السياسي مدفوعا بجرأة الشارع الشعبي باختلاف طبقاته وعناصره، الساعي لمعرفة الحقيقة الكاملة في أسباب هزيمة مصر وغيرها من الدول العربية من إسرائيل وآثار الهزيمة على المستقبل العربي وفي ظل هذه الوقائع والظروف الجديدة التي شهدت تخفيف قبضة الحاكم على الوطن المصري أنتجت العديد من الأفلام السياسية نذكر منها ” ثرثرة فوق النيل، الاختيار، العصفور” وهي أفلام ذاعت وانتشرت بين الجماهير بسبب مساندة النقاد لها والتعريف بها وبموضوعاتها وخير شاهد على ذلك انتشار الأفلام السياسية التي تحدثت بموضوعية وجرأة عن الثورة المضادة وأخطاء الحاكم، والنتائج التي يمكننا الحصول عليها تتمثل في رفض صناع هذه الأفلام لكل صور وأشكال وأساليب القهر والاستبداد والديكتاتورية وتحرير الشعوب من قبضة الحكام المستبدين وعدم تبرير أخطائهم الخاصة بتحويل الشعوب إلى قطيع وخراف لا حول لهم ولا قوة، وبناء على ما ذكرناه نقول: ” السينما السياسية هي السينما التي تمجد الإنسان وتؤكد حقه في الحياة الشريفة الآمنة ومساندته في تحقيق أحلامه وأماله المشروعة في الحرية والعمل والحب والمستقبل” ، كما لا تفوتنا الإشارة في هذا المقام إلى تميز الأفلام السياسية في مصر عن غيرها من الأفلام السياسية المنتجة في العالم الأوربي والأمريكي بابتعادها عن أساليب الرمز لفنى في معالجاتها للوقائع والأحداث التي قامت عليها حواديت وقصص هذه الأفلام الأجنبية واختيارها أساليب المواجهة والمصارحة رغم سيادة الطغيان والفساد السياسي والاجتماعي والاقتصادي في فترات إنتاجها، ونرجع أسباب اختيار أساليب المواجهة والمصارحة في الأفلام السياسية المصرية إلى جرأة صناعها وحرصهم التام والحقيقي ورغبتهم الصادقة في تجاوز أسباب الأخطاء أو تبريرها والتماس الأعذار للحكام من جهة ومن جهة أخرى لإيمانهم بأن مهمة الفيلم السياسي تنحصر في  الكشف الكامل والشامل عن مكامن الخلل في المجتمعات والربط بينها وبين مظاهر العفن والفساد فضلا على تحريضها للثورة والقضاء على هذه المظاهر وبعبارة موجزة نقول السينما السياسية هي التي توفر لك سبل التقدم والازدهار على الرغم من خلودك للنوم والراحة هانئا   

     ولا يفوتنا في هذا المقام تذكير القارئ الكريم بأشهر الأفلام السياسية في السينما المصرية وهي أفلام “لاشين، امرأة هزت عرش مصر، أرض الأبطال، رد قلبي، من أحب”، الذي أخرجته الفنانة المبدعة ماجدة الصباحي بمعاونة وجيه نجيب وحسن رضا نظرا لقلة خبرتها في ميدان الإخراج، الحياة الحب، نادية، أرض السلام، يا مهلبية يا، الأقدار الدامية، وداع في الفجر، آه يا ليل يا زمن، حب من نار، عمالقة البحار، بورسعيد، ناصر 56، أيام السادات، مصطفى كامل، الخوف، الرصاصة لا تزال في جيبي، حتى آخر العمر، الكرنك، إحنا بتوع الأتوبيس، الراقصة والسياسي، الإرهاب والكباب، الصعود إلى الهاوية، الكافيار، لا وقت للحب، غرام وانتقام، سيد درويش، البرلمان، المنسي، أهل القمة، عيش الغراب، الغول، على من نطلق الرصاص، جريمة في الحي الهادي، طيور الظلام، بخيت وعديلة، فتاة من إسرائيل، جميلة بو حريد، ثورة اليمن” ويعرف القارئ الكريم الذي شاهد هذه الأفلام تنوع موضوعاتها وخير شاهد على ذلك دورانها حول حياة حكام مصر الملك فاروق وعبد الناصر والسادات، الانفتاح الاقتصادي، التطبيع مع إسرائيل، حرب يونيو وحرب أكتوبر والعدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، انتخابات مجلس الشعب، الجاسوسية، الأغنية السياسية وقضية فلسطين، سلبيات الوزراء، البوليس السياسي، المعتقل السياسي، الصحافة والسياسة، الكوميديا السياسية، الاغتيال السياسي، الإرهاب والسياسة، تجارة الأسلحة، قضايا عربية”، ولم يبق لنا أن نضع القلم غير تذكير القارئ مرة ثانية بأسباب تخلف الفيلم السياسي في السينما المصرية وعدم ازدهاره في المستقبل المنظور وهي:

1 ــ تخلف الوعي السينمائي المصري.

2 ــ توقف حركة الجماهير السياسي.

3 ــ وضعية جماهير السينما المصرية.

4 ــ قوة الرقابة وتعسفها الغير مبرر.

العدد الرابع والعشرين بعد المائة ثقافة وفكر سياسة سينما وأفلام

عن الكاتب

محمد فؤاد علي