اهتم العديد من الباحثين والفنانين التشكيليين بـ(المولوية) ومفرداتها وهي تلك الرقصة الصوفية الشهيرة في تركيا وبلاد الشام والتي أسسّها قبل مئات السنين جلال الدين الرومي في تركيا حيث عمد الرسامون إلى إنجاز لوحات تشكيلية تعبر عن راقصي المولوية وحركاتهم ولباسهم المتميز ودلالاته الروحية والفلسفية، بينما اهتم الباحثون بتفسير حركات ولباس ومعاني ورموز ودلالات المولوية.
. مفردات و مصطلحات و معانٍ.
وبالرغم من أنّ العديد من التشكيليين رسموا شخصية المولوي بلباسه المميز وبدورانه حول نفسه ومنهم(سعد يكن وعبد المحسن خانجي وسارة شما وبديع جحجاح وممدوح قشلان وآخرون) إلاّ أن الباحثة والفنانة التشكيلية المحاضرة بجامعة دمشق( هلا قصقص) جمعت الناحيتين أي الرسم والبحث فحاولت تقديم المولوية في لوحات خاصة رسمتها وأقامت لها معرضاً خاصاً بالمركز الثقافي العربي بدمشق تحت عنوان(عشق) وكذلك في أبحاث تحدثت عنها، تقول هلا قصقص عن مفردات المولوية ورموزها التعبيرية موضحة: إنّ الحركات التي يؤديها المولوي ما هي إلا حركات تعبيرية عن حالة التوحد التي يصل إليها أثناء دورانه. ولأداء الرقصات في المجالس الصوفية يجب أن تتوفر ثلاثة عوامل أساسية هي: (الدرويش أو المولوي): وهو الرجل الذي اطلع على الأسرار الخفية، وكان (جلال الدين الرومي) أحد الواصلين لهذه المرتبة تحت تأثير شمس الدين تبريزي. فانتقل من خلال رحلته من واعظ ومرشد ديني إلى متصوف عاشق ثم توصل إلى حالة الوجد وهي غاية المولوي ـ (السماع): وهو الوسيلة المثلى لدى المولوية للوصول إلى حالة الوجد، والسماع في نظر جلال الدين الرومي من الأمور الواجبة على المريدين فهو قوت العاشقين ومن خلاله يتحقق الوصال ـ (الحركات الراقصة): حركات المولوي لها رمزية خاصة وكذلك لباسهم، وحتى الألوان التي يستخدمونها في ملابسهم لها رمزية خاصة. إنّ دور الشيخ ـ تتابع قصقص ـ بحركات دائرية واسعة كأنه يدور حول مركز الكون، بينما يدور الراقصون حوله فكأنهم يرمزون لحركة الكون. ويدور المولوي عكس عقارب الساعة وهو إشارة إلى تخلصه وتحرره من قيود الزمن يبدأ بالدوران بثلاث دورات بطيئة وهو يلبس عباءته السوداء، وهذه الدورات الثلاث تمثل مراحل التقرب من الله عز وجل (طريق العلم والمعرفة، طريق الرؤيا، طريق الوصال)بعد ذلك يخلع المولوية الرداء الأسود بحركة عنفوانية تدل على تحقيق المراد والانتصار والتطهر من الدنيا ويكشفون الرداء الأبيض وهو إشارة إلى تحررهم من ماديات هذا العالم وبداية حياة جديدة تقربهم أكثر من معشوقهم الأزلي. و يبدأ المولوية بالدوران البطيء ضامين أيديهم إلى صدورهم، ثم يفتحونها كما الأجنحة، اليمنى مرفوعة إلى السماء لطلب المدد والرحمة ولقطف ثمار النعمة، واليسرى ممدودة نحو الأرض لينثروا عليها النعمة التي دخلت إلى قلوبهم. وهو يتلقى الرحمة من الله تعالى ويحاول أن يتوجه بها إلى البشر على الأرض أملا في تخطي ذنوبه. الدوران يكون بثبات القدم اليسرى التي تدور في مكانها على الكعب ،بينما تلتف القدم اليمنى على أطراف الأصابع حولها في تتابع سريع، أمّا القدم الثابتة فترمز للشريعة (الثابتة) والقدم المتحركة ترمز للدنيا وما يستجد فيها. وفى كل لفة يذكر اسم الجلالة الذى يشكلونه بحركة أيديهم وأجسامهم للاستعانة به لحفظ الشريعة أمام هول وسرعة تعاقب الأيام والذنوب .
وحول ملابس المولوية ورمزيتها تقول قصقص: بالنسبة لألوان الملابس، فالزي الأبيض يمثل الكفن وهو يعبر عن النقاء والصفاء والنور وتحرير الروح من الجسد.. أما السترة السوداء فترمز إلى الجسد الذي يمنع الروح من التحليق ورؤية نور الله عز وجل.. والقلنسوة العالية أو الطربوش يسمى(القبلق) وهو يدل على شاهدة القبر.
. لوحات تشكيلية للمولوية فقط.
لقد اخترت شخصية المولوي أو الدرويش ـ توضح هلا شارحة اختيارها المولوية كموضوع رئيسي للوحاتها الفنية ـ للتعبير عن حالة العشق الإلهي من خلال اللوحات، لقد كنت أشاهد المولوية وأراقب حركاتهم بشغف فكل حركة لها رمزية خاصة ومن خلال قراءاتي عن التصوف استطعت الدمج بين هذه المشاهدات والحكم الصوفي لأترجم الحركات إلى خط ولون وحركة وسكون، وحاولت أن أنقل حالة الوجد التي يصل إليها المولوي إلى المتلقي وأردت إظهار حالة الحركة والسكون من خلال دراسة علاقة المولوي بما حوله كعلاقته بالناي وبالدف وبالشيخ وبالراقصين الآخرين وعلاقة المولوي نفسه مع جسده وروحه وعلاقته بهذا الكون الفسيح وبخالق الكون الله عز وجل المعشوق الأزلي وتحويل كل هذه العلاقات إلى خط ولون ضمن هذه المساحة البيضاء التي وَضَعْتُ عليها كل مشاهداتي وقراءاتي عن التصوف. إنّ لوحاتي ـ تتابع قصقص ـ ليست أعمالاً توثيقية، بل هي تعبيرية واقعية وأعتقد لو تمعّن المرء في عمق اللوحة لوجد أعمق من الصورة المشهدية، فيوجد أكثر من أربعين مولوياً يرقصون، لكل منهم تعبيره الخاص، وأركز على أن المولوية ليست حالة حزينة بل مليئة بالفرح والتأمل، وسبب ذلك يعود إلى الغوص الداخلي في عمق الكون وعظمة الخالق، ومن هنا تخلص المولويون من العلاقات المادية التي تسبب الحزن والقهر للناس، وأصبحت لا تعنيهم، وأصبحوا بعيدين عن الحزن والغضب بالحالة الروحية التي وصلوا إليها.
. تجارب لتشكيليين مع المولوية.
كذلك استوحى العديد من الرسامين أعمالهم الفنية من رقصات المولوية، ومنهم الفنان التشكيلي( عبد المحسن خانجي) الذي رسم بشكل تعبيري رمزي راقصي المولوية بلباسهم الأبيض و القبعة العالية ذات الشكل المخروطي و المصنعة من اللباد و البساط الأحمر الذي يرقصون عليه و ردهم لتحية شيخهم عندما يدخل عليهم وهم بوضعية الاستعداد فيردون بإيماءة معبرة ليبدؤوا بعدها بالرقص بعد أن يأمرهم شيخهم بذلك وقد أقام معرضاً شخصياً في دمشق قبل سنوات قليلة ضم فقط لوحاته الخاصة بالمولوية أطلق عليه عنوان:(المولوية بين الحركة والسكون).
كذلك فعلت رسامة البورتريه السورية(سارة شما)والتي استلهمت من راقصي المولوية مواضيع عديدة للوحاتها. كذلك فعل الرسام السوري الواقعي( نذير بارودي)في تقديم لوحة للمولوية حيث نشاهد إحدى فقراتها في باحة بيت شامي تقليدي وهو يجسّد واقعا ما كان يقام في بيوت الأثرياء الشوام والزعماء في النصف الأول من القرن العشرين المنصرم من حفلات وأمسيات فنية تتخللها فقرة لرقصة المولوية من إحدى الفرق الدمشقية المتخصصة بهذا الرقص الصوفي.
من جهته الفنان التشكيلي السوري( بديع جحجاح)قدّم راقص المولوية بمنظور إنساني روحاني في لوحات عديدة، كما حاول عكسها على الواقع السوري الحالي ضمن مشروع فني روحي أطلق عليه عنوان(دوران: ألا.. مشروع تفكير).. وعن تجربة جحجاح يقول الناقد التشكيلي(أديب مخزوم): قدم الفنان التشكيلي بديع جحجاح في مــرحلته (الدراويش) مجموعة من اللوحات، التي أبرز من خلالها رشاقة (الفتلة المولوية) أو الحركة الدورانية، والتجسيد التكويني المأساوي، لا يظهر فقط في حركات الأجساد وملامح وجوه الدراويش، وإنما يظهر أيضاً في اعتماده الكلي على تحديد الأشكال والرموز بواسطة، إضاءة الأشكال المرسومة على خلفية لونية خافتة أو معتمة، تزيد من حالات التعبير عن مرارة الواقع، المتردي بشكل مريع ومخيف ومفجع. هذا موجز للمظهر الخارجي المقروء في أعماله، في حين أن مضامينها على الصعيدين التكويني والتلويني والتقني والتنظيري، تعبر في النهاية عن روحيته الصوفية ونزعته الانسانية, فهو يرسم الدراويش بألوان الأكريليك، ويعتمد أحياناً على تدرجات الأبيض والأسود.
الفنان التشكيلي المخضرم( ممدوح قشلان) نفذّ قبل سبع سنوات لوحة كبيرة للمولوية بأسلوبه الخاص وأقام لها معرضاً في صالته الخاصة(ايبلا) بدمشق كما نفذّ وبأسلوبه المعروف في تقديم الأشخاص لوحة أخرى بعنوان( حلقة ذكر) تضمنت أربعاً وستين شخصية تناجي الله عز وجل.
ولم يتأخر منتجو ومخرجو مسلسلات البيئة الشامية والتراثية والدينية عن إظهار فرق المولوية في العديد من مسلسلاتهم التلفزيونية كحالة تراثية صوفية تخدم أعمالهم الدرامية.