لغة مستقبلنا الرقمي

كتب بواسطة نانجالا نيابولا

نانجالا نيابولا*

ترجمة أحمد منصور

يعرف أي شخص يتقن عدة لغات أن الكلمات تتجاوز تسميات نطلقها على الأشياء، كما أننا نتسلى باستعمال لغة محددة لأننا نتلاعب بالألفاظ بشكل أسرع، ونعرف كيف نتمنى لشخص ما صباحًا مليئًا بالزهور وليس مجرد ترديد “صباح الخير”. تشكل الكلمات ملامح حياتنا الاجتماعية وتفتح مخيلتنا على الممكن، وتسمح لنا بالكتابة والتحدث عن أنفسنا في مجتمعاتنا وفي العالم، وتتيح لنا اللغة ليس فقط وصف العالم، بل العيش فيه. قالت توني موريسون في خطاب قبولها لجائزة نوبل: “”نحن نمارس اللغة، قد يكون هذا هو مقياس حياتنا”.

كيف ستكون لغة مستقبلنا الرقمي؟ ماذا سيكون مقياس حياتنا الرقمية؟ خاصة وأننا نحن المدافعون عن الحقوق الرقمية نقر بالتعثرات في ترجمة العناصر الجديدة في فضاء سريع التغير إلى جمهورنا – غير المتخصص الذي يحتاج إلى فهم التداعيات بشكل سريع وكامل حتى يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم. تعتمد معظم التكنولوجيا التي نستخدمها اللغة الإنجليزية بشكل مباشر، حتى لو كان الترميز الأساس للأنظمة الأساسية والتطبيقات النهائية بلغات معينة من الحاسوب. في العديد من البلدان، غالبًا ما يتم وضع المبادئ التي نطورها لكبح أسوأ السلوك على الإنترنت باللغة الإنجليزية. ورغم أنه يوجد في كينيا قانون لحماية البيانات، إلا أن اللغة السواحيلية، إحدى لغاتها الرسمية، ليس لديها مصطلح موحد لـ “حماية البيانات”.

ستكون اللغة حاسمة في تحديد نسخة مستقبلنا. يُأخذ بالاعتبار في تصميم معظم التقنيات التي نستعملها المستخدم المُتحدث بالإنجليزية. ويتم استخدام اللغة الإنجليزية في جميع أنحاء العالم، حيث يتحدثها أكثر من مليار شخص باعتبارها لغة ثانية، وغالبًا ما يستعملون اللغة الإنجليزية فقط في سياقات رسمية محددة أو عند استهلاك المنتجات الثقافية للهيمنة العالمية الحالية: الولايات المتحدة. إن المنصات التي نعتمدها للاتصال في هذا العصر الرقمي غير جاهزة لحقائق تعددنا اللغوي: فنحن نعيش بلغات عديدة، ويحد تقييد قدرتنا على التواصل بها بشكل فعال من قدرتنا على المشاركة الكاملة في مستقبلنا الرقمي.

ضع في اعتبارك الإشراف على المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي. في إفريقيا، حيث يتم التحدث بحوالي ألفي لغة، نحتاج إلى الإشراف على المحتوى فيما لا يقل عن ثمان لغات للسكان الأصليين تضم أكثر من عشرة ملايين متحدث، على الرغم من أن ذلك لن يغطي سوى عدد قليل من دول القارة البالغ عددها 54 دولة. سنحتاج أيضًا إلى ترجمة فعالة للغات الخمس غير الأصلية وهي اللغات الرسمية للاتحاد الأفريقي وللغات غير الرسمية مثل”الشانغ” و”البيدجينغ” التي نداولها في حياتنا اليومية. يفسر النقص الحالي في مثل هذه الترجمة جزئيًا سبب عدم ملاحظة خطاب الكراهية والمعلومات المضللة في لغات أخرى غير الإنجليزية إلى أن يفوت الأوان. أي منشور يحرض على العنف على أساس شائعات عن اعتداءات عرقية بلغات “الأورومو” أو “التيغرينيا” سينتشر عدة مرات قبل أن يدرك وسيط المحتوى الناطق باللغة الإنجليزية في الفلبين أو الولايات المتحدة ما يعنيه ذلك. هذه ليست مشكلة يتم حلها بمرور الوقت: إنها فجوة سياسية كبيرة تكشف الإهمال المنهجي لأجزاء معينة من العالم.

والأهم من ذلك، أن الدفاع عن الحقوق الرقمية يعتمد بشكل متزايد على اللغة الإنجليزية. إن هذه الحركة، التي تشمل النقاشات حول كل ما يتعلق بالخصوصية وحماية البيانات إلى حيادية الشبكة العنكبوتية والعمليات التجارية العادلة، تحاول كبح تجاوزات السنوات المبكرة والمهمة للإنترنت. بعد عقد أو عقدين من الإجماع شبه العالمي على أن الإنترنت سلعة لا تشوبها شائبة، يتحدى النشطاء بشكل متزايد الطريقة التي تُشكل من خلالها المصالح التجارية والسياسية الإنترنت بدلاً من قيم المجتمع مثل الإدماج والثقة. ولكن حتى في عالم الترافع، لا يزال المطالبون منا بالحقوق الرقمية يعودون إلى اللغة الإنجليزية، لأنها لغة المنصات التي نَنتظم على أساسها وضدها.

أعتقد أن هذا النقص في التنوع اللغوي هو جزئيًا سبب ثبوت صعوبة بناء لحظة عالمية لحركة الحقوق الرقمية. يتحدث المدافعون، لكن هل يتم فهمهم؟ هل نستخدم اللغة بشكل فعال كأداة للاحتواء، أو نفعل ما يكفي للتنقل في التواريخ التي تدعم كيفية تلقي رسالتنا؟

في برلمان المملكة المتحدة، إن لتعلم اللغة الإنجليزية إرث من العنف البنيوي والجسدي؛ كان محو لغات السكان الأصليين جزءًا من الجهود المبذولة لمحو ثقافات السكان الأصليين. في كينيا، حتى بعد عقود من الاستقلال، اختبر الطلاب الأفارقة القرص، قطعة دائرية من الخشب تمثل الوعد بالعقاب. إذا اكتشفك مدرس أنك تتحدث بلغة أخرى غير الإنجليزية، فستستلم القرص، وعندما تعيده في نهاية اليوم الدراسي، ستتعرض للضرب. أسفرت السنوات العديدة من التغلب على السواحيلية، و’دولو’، و’بانيالا’، و’كامبا’ من طرف الأطفال القابلين للتأثر عن جيل ما بعد الاستقلال الذي بنى أنظمة اجتماعية حول المكافآت لإتقان اللغة الإنجليزية. على الرغم من أن هذه القواعد قد تراجعت مع الاستقلال، إلا أن العديد من الناس ما زالوا يضحكون على أولئك الذين يتحدثون الإنجليزية “المكسورة”- نكتة مستمرة عن “التخلف”. إن الميزة التي يوفرها تعلم اللغة الإنجليزية محصورة. هذه القصة تكرر نفسها في البلدان المستعمرة حول العالم حيث لا تزال اللغات الاستعمارية تُدرس من خلال التعلم عن ظهر قلب والمعزز بالعصا، وبالتالي قمع استخدام لغات السكان الأصليين.

يثير هذا التاريخ التساؤل حول ضرورة أن تكون اللغة الإنجليزية لغة المستقبل الرقمي، وهو ما يرفضه نشطاء الحقوق الرقمية الأفارقة بشكل متزايد، لا نعمل فقط مع المنصات التقنية الحالية لترجمة محتواها إلى لغات أخرى غير الإنجليزية؛ بل نقوم بإنشاء برنامج لتحسين الترجمة إلى اللغات الأفريقية، إلا أنه لا يكفي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرابط الأصلي للمقالة:

 What Will Be the Language of Our Digital Future? تأليف Nanjala Nyabola : https://www.thenation.com/article/society/digital-rights-language-technology/

* نانجالا نيابولا كاتبة ومحللة سياسية في نيروبي، كينيا، ومؤلفة كتاب “Digital Democracy, Analogue Politics: How the Internet Era is Transforming Politics in Kenya“(2018)  و”Travelling While Black: Essays Inspired by A Life of on the Move” (2020)

ترجمات ثقافة وفكر

عن الكاتب

نانجالا نيابولا