بقلم: بيث باركين1
ترجمة: إسماعيل الموساوي
يقع السلوك البشري عادة في قلب أزمة المناخ، إذ لم يكن تغيير هذا السلوك بهذه الأهمية من قبل. فمن الضروري إجراء تخفيضات جذرية في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (GHG) خلال العقد القادم، وسيتطلب هذا الأمر تغيير السلوك داخل الحكومات والمنظمات والمجتمعات والأفراد لتحويل أنماط الإنتاج والاستهلاك الحالية لدينا، بالنظر إلى حجم التغييرات الجماعية المطلوبة، قد يكون من المغري الاعتقاد بأن خياراتنا وسلوكياتنا الفردية ستحدث فرقًا ضئيلًا. في الواقع، يمكن أن تتراكم التغييرات في سلوكيات الاختيار الشخصي التي سيكون لها عواقب كبيرة على المناخ، خاصةً أن الغالبية منا الذين يقودون أنماط حياة كثيفة الكربون، الأمر الذي يجعلنا نثير السؤال التالي وهو: كيف يمكننا تسخير علم النفس لتغيير سلوكنا ومساعدة الآخرين على فعل الشيء نفسه؟
تتمثل الخطوة الأولى، في تركيزنا على تغيير السلوكيات ذات التأثير الأكبر، إذا وجهنا انتباهنا إلى الإجراءات الفردية، فإن تلك التي يمكن أن تقلل بشكل كبير من البصمة الكربونية السنوية للشخص تشمل اتباع نظام غذائي نباتي (يوفر 0.8 طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنويًا)، والحد من السفر الجوي (كل رحلة عودة عبر المحيط الأطلسي يتم تجنبها توفر 1.6 طن)، والذين يعيشون بدون سيارات (يوفر 2.4 طن)، ووجود عائلات أصغر (توفر 58.6 طنا لكل طفل)، يمكن أن يكون للتحول إلى مورد للطاقة الخضراء والعزل المنزلي تأثير متواضع، ولإدراك هذه الرؤية، ضع في اعتبارك أنه إذا حول الجميع في المملكة المتحدة وجبة لحم بقر أو خروف واحدة فقط في الأسبوع إلى خيار نباتي، فإن هذا سيؤدي إلى خفض انبعاثات غازات الدفيئة المحلية بنسبة 8 في المائة.
وبطبيعة الحال، فإن معرفة التغييرات الشخصية الأكثر تأثيرًا ليس سوى جزء من القصة، الخطوة التالية هي تنفيذها وتفعيلها، فمند سنوات والقرارات الجديدة غير المعقولة أو الأنظمة الغذائية التي لم يتم التخطيط لها تمامًا، يمكننا جميعًا أن نقدر أن العمل وفقًا لأفضل النوايا ليس بالأمر السهل، في علم النفس، يشار إلى هذا اللغز باسم مفارقة القيم والعمل بها، إنه يشير إلى الظاهرة التي بموجبها لا ترتبط أفعالنا بالضرورة بمواقفنا (على سبيل المثال، قد يكون لدى الشخص موقف إيجابي تجاه حماية البيئة، ومع ذلك لا يفعل أي شيء حيال ذلك). تم إجراء الكثير من الأبحاث في مجال تعزيز السلوك المؤيد للبيئة في محاولة لتغيير القيم من خلال زيادة التعليم والوعي. تُحَسسُ هذه التدخلات الناس بمخاطر أو عواقب سلوك معين، على غرار المعلومات التي قدمتها أعلاه حول تأثير خيارات نمط الحياة المختلفة، ولسوء الحظ، بسبب مفارقة القيم والعمل بها، كان هذا النوع من المعلومات وحده غير ناجح إلى حد كبير في إقناع الأفراد بتغيير سلوكهم فعليًا. لتقليص هذه المفارقة، يجب أن نتعمق أكثر في الأسباب الجذرية للسلوك البشري.
كحيوانات اجتماعية، فإن أحد أقوى مصادر التحفيز لدينا هم الأشخاص من حولنا، وقد تجلى ذلك بأفضل وجه من خلال العمل على دراسة سلوكيات الأكل، التي وجدت أن فرصة إصابة الشخص بالسمنة تزداد بنسبة 57 في المائة بعد أن يصبح أحد أصدقائه بديناً، ولهذا تحدث تأثيرات “العدوى الاجتماعية” لأن عوالمنا الاجتماعية تخلق قواعد أو معايير توجه سلوكنا، يمكننا الاستفادة من هذه التأثيرات الاجتماعية على دوافع الناس للمساعدة في تنفيذ تغيير طويل الأمد للسلوك المؤيد للبيئة، تتمثل إحدى طرق القيام بذلك في الالتزامات العامة أو “التعهدات” بالقيام بسلوك معين، ومن الأمثلة الشائعة على ذلك هو الإنسان النباتي حيث يتعهد الأفراد بتناول طعام نباتي للشهر الأول من العام، تعمل التعهدات بشكل أفضل عندما تكون نشطة: على سبيل المثال، عندما تتطلب إجراءً إيجابيًا، مثل بيان مكتوب، وعندما يتم تقديمها إلى الأشخاص الذين نتعرف عليهم أكثر، والمعروفين باسم مجموعتنا الداخلية. لهذا إذا كنت ترغب في محاولة التحول إلى نظام غذائي نباتي، فلماذا لا تفكر في تعهد يدعو إلى خطة نباتية (أو مبادرة مماثلة تنطوي على التزام عام)، حيث يمكنك، جنبًا إلى جنب مع زملائك في المكتب، مواجهة تحدي اللحوم، في شهر يناير مجاني و أفضل، لماذا لا تشارك نواياك على وسائل التواصل الاجتماعي؟
ومع ذلك، غالبًا ما يكون هناك تغيير السلوك أكثر من الزيادة الحافز، وكما هو منصوص عليه في نظرية رائدة تسمى نموذج COM-B لتغيير السلوك، فإن التحفيز في حد ذاته لا يكفي بل يتطلب ذلك تبني واعتماد سلوك جديد ناجح، لأن الفرد يحتاج أيضًا إلى القدرة و”اختيار” الفرصة، وتشير “القدرة” هنا إلى المعرفة والمهارات اللازمة لدعم مسار عمل جديد، على سبيل المثال، في حالة التمكن من العيش بدون سيارات، فقد يعني ذلك امتلاك القدرة على ركوب الدراجة بثقة، وفي الوقت نفسه، تتعلق “الفرصة” بالعوامل الخارجية (التي غالبًا ما تكون خارجة عن سيطرة الشخص) التي تجعل التنفيذ ممكنًا، على سبيل المثال، عند اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان ينبغي تجنب السفر إلى وجهة لقضاء العطلة، سترتبط عوامل الفرصة بالقيود الزمنية وخيارات السفر البديلة، مثل التفكير في ركوب القطار.
لذلك، فإذا كنت مصمماً وعازماً على اتخاذ المزيد من الخيارات المؤيدة للبيئة، ففكر فيما إذا كان هناك أي شيء يمكنك تعلمه للمساعدة في إجراء هذه التغييرات، هل تحتاج إلى تحسين مهاراتك في الطبخ النباتي، أو تعلم طرق جديدة للمشي وركوب الدراجات للرحلات التي تقوم بها عادة، وإذا كنت مديراً أو تُدير منظمة، فقد ترغب في التفكير في الطرق التي يمكنك من خلالها زيادة الفرصة المتاحة لأعضائك للتصرف بشكل مؤيد للبيئة، يمكن أن يشمل ذلك ضمان وجود حمامات استحمام يمكن الوصول إليها في العمل لراكبي الدراجات، ورفوف للدراجات للسماح بركنها بشكل آمن، كما يمكنك تنظيم اجتماعات دولية عبر “زوم” Zoom للمساعدة في تقليل السفر الجوي غير الضروري، إن التفكير من خلال الجوانب العملية واكتساب مهارات جديدة تجعل السلوكيات المؤيدة للبيئة ممكنة و لا تقل أهمية عن الجهد الذي يرغب الفرد في بذله.
وهناك عامل آخر يجب أخذه بعين الاعتبار عند مساعدة الأفراد على تغيير خيارات نمط حياتهم وهو ما إذا كانت بعض السلوكيات المتكررة في كثير من الأحيان قد أصبحت معتادة، إن العادات هنا تشبه العمل على الطيار الآلي، فهي تعتمد على طريقة سريعة وبديهية لاتخاذ القرار تكون غير واعية إلى حد كبير ويتم تشغيلها تلقائيًا من خلال إشارات معينة، (فعلى سبيل المثال، قد تؤدي مشاعر الجوع أثناء التنقل إلى المنزل إلى اتخاذ القرار المعتاد بالتوقف عن تناول البرجر)، يمكن استخدام تقنيات تغيير السلوك التي تسمى التنبيهات بشكل فعال لتعطيل الإشارات البيئية التي تفضي إلى هذا النوع من السلوك الروتيني والمعتاد، قفي المثال المقدم أعلاه، يمكنك التفكير في اتخاذ طريق مختلف إلى المنزل يجنبك المرور من أمام محل الوجبات السريعة.
ولقد ثبت أن هذه التنبيهات فعالة بشكل خاص في مساعدة الأشخاص على اتخاذ خيارات غذائية أكثر صداقة وملاءمة للبيئة أثناء التسوق، أحد الأمثلة في هذا السياق هو معالجة “الاختيارات الافتراضية”، وهي طريقة لفهم الكسل البشري، ويتضمن هذا النهج تصميم سيناريو اتخاذ القرار بحيث يتطلب السلوك المنشود أقل قدر من الجهد، ويتطلب السلوك غير المرغوب فيه “اختياراً” وعملاً جهيداً، يمكنك تطبيق هذا المنطق على سلوكك الخاص، فعلى سبيل المثال، إذا كنت ترغب في تقليل كمية اللحوم التي تتناولها، فيمكنك حفظ طلب التسوق الأسبوعي المتكرر عبر الإنترنت بحيث يحتوي فقط على الأطعمة النباتية بشكل افتراضي، مما يعني أن هناك حاجة دائمًا إلى مزيد من الوقت والجهد لإضافة اللحوم إلى سلتك، مما يجعل هذا السلوك أقل احتمالاً.
وتستند أنواع أخرى من السلوكيات المؤيدة للبيئة على عمليات نفسية مختلفة لأنها تتضمن مجموعة من قرارات غير متكررة لمرة واحدة، مثل التحول إلى مورد للطاقة الخضراء أو اختيار تجنب السفر الجوي، وتعتمد هذه الأنواع من القرارات بشكل أكبر على نوع تفكيرنا العقلاني والمتشاور، قد تعتقد أن هذا من شأنه أن يجعل من الأسهل تجنب الإغراء واتخاذ الخيار المؤيد للبيئة، ومع ذلك، في بعض الأحيان يمكن أن تقودنا المشاورات إلى الضلال والانحراف، فعلى سبيل المثال، بمجرد أن نتخذ خياراً صالحاً للمناخ، فإننا قد نستخدم هذا لتبرير التقليل الحاصل في سلوكياتنا الأخرى المؤيدة للبيئة، وهي عملية تبرير تعرف باسم تأثير “التبرير الأخلاقي”.
يبين هذا التأثير مشكلة تتعلق بالقدرة على شراء “تعويضات الكربون”، حيث يتم تغييرها بأشياء أخرى، مثل القيام برحلة، من خلال تمويل الجهود الرامية لإزالة الانبعاثات من الغلاف الجوي، مثل زراعة الأشجار، تدعي هذه التعويضات أنها تجعل السلوك الأولي محايدًا للكربون، إن تأثير هذه المبادرات على الانبعاثات موضع نزاع على نطاق واسع، ولكن علاوة على ذلك، فإن هذه التعويضات لها عواقب نفسية غير مقصودة من حيث أنها تزيد من قبول السلوك البيئي الضار، وتأتي المشكلة مع استخدام الخيار الجيد للمناخ (التطوع) لتبرير السلوك كثيف للكربون (الطيران) أخلاقياً. وبعبارة أخرى، من خلال إزالة العبء الأخلاقي لهذه السلوكيات، فإنهم يقدمون لنا العذر الأكثر ملاءمة على الإطلاق للاستمرار كما نحن، إذا وجدت نفسك تساوم أو تبرر أفعالًا بسلوك جيد سابق، فقد تكون في هذه الحالة خاضعًا لتأثير “التبرير الأخلاقي”.
وبصفة عامة، يمكن أن تساعدنا الرؤى المأخوذة من علم النفس في التخلص من أنماط الحياة الكربونية، من خلال التركيز على السلوكيات الشخصية غير التافهة، وكذلك فهم أصول هذه السلوكيات، يمكننا تغيير سلوكياتنا بشكل أكثر فعالية، ويمكن للقادة وصانعي السياسات أيضًا استخدام الرؤى النفسية لابتكار تدخلات فعالة في تعزيز التغيير طويل الأمد، وسوف يساهم كذلك الضغط الاجتماعي، والتشجيع على المهارات والقدرات الجديدة، فضلا عن الحلول المقترحة والقابلة للتنفيذ عمليا، كل هذه الأمور ستساهم في تحقيق هذه التحولات ..
ومع ذلك، من المهم أن نتذكر أن نطاق سلوكنا كأفراد يمتد إلى ما هو أبعد من كوننا مستهلكين، كما أننا أعضاء في المجتمعات المحلية وموظفي الشركات وجزء من الناخبين، ولذلك، فإن التصويت للمرشحين السياسيين ذوي الأجندات البيئية، والانضمام إلى مجموعة الضغط المحلية، والمشاركة في الحملات الموجهة بشكل جيد، وخاصة تلك الموجهة إلى 100 شركة مسؤولة عن 71 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة، هي طرق يمكننا جميعاً كأفراد التأثير على صنع القرار على المستوى المجتمعي وبناء الضغط نحو التنظيم الذي توجه الحاجة إليه، ففي نهاية الأمر، لا تحدث الخيارات الفردية من فراغ، بل تتشكل من خلال الأنظمة الصناعية والحكومية، والإدارات التنظيمية، ولذلك فإن استخدام قوتنا الجماعية لمحاسبة هذه الجهات الفاعلة أمر بالغ الأهمية أيضا إذا أردنا أن ننجح في تجنب الفوضى المناخية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* رابط مصدر المقالة الأصلية التي صدرت بتاريخ 20 دجنبر 2021 / December 2021 20:
https://psyche.co/ideas/psychology-can-help-us-as-individuals-avert-the-climate-crisis
1- بيث باركين Beth Parkinis باحثة ومُحَاضرةٌ في علم الأعصاب الإدراكي والسريري في جامعة وستمنستر في لندنUniversity of Westminster in London.