العتابا والميجانا في بلاد الشام

كتب بواسطة هشام عدرة

العتابا والميجانا في بلاد الشام: أنماط غنائية شعرية شعبية تعتمد البساطة مع مفردات الشوق والحنين والحب.. وقصة حزينة مؤثّرة لمن أطلقها.. “

   ـ مازالت لها شعبيتها الكبيرة في بلاد الشام ومازالت آلتي الربابة والناي التراثيتان ترافقان هذه الأنماط.

ينتشر في بلاد الشام عموماً ( سوريا ولبنان وفلسطين والأردن) غناء (العتابا والميجانا) وهي عبارة عن أشعار تراثية تعتمد غالباً الأسلوب البسيط في الأداء والوزن مع اعتماد الاسلوب الشعبي والنبطي في العديد منها، ومازالت ترافق(آلتي الربابة والناي) الموسيقيتين التراثيتين هذه الألوان من الغناء الشعبي وكذلك مازال معظم المغنين في بلاد الشام يؤدون هذا النوع من الغناء في حفلاتهم وأمسياتهم الفنية، وتؤكد الباحثة الموسيقية السورية (الهام أبو السعود) أن الموّال عبارة عن شطرات تنظم على البحر البسيط ولا يشترط في نظمه الالتزام بالفصحى، ويعتمد قالبه الفني على الارتجال في التلحين، وقد غنى الموّال عدد كبير من المغنين والمغنيات منذ نهاية القرن التاسع عشر واشتهر منهم(إليا بيضا وأحمد الفقش) وغيرهم وكانوا يرتجلون الموال ارتجالاً ويجمعون عفوية النظم إلى موهبة التلحين الفورية، ويسبقون(الموّال) بكلمة( يا ليل) حتى اقترن بها.

 أما(العتابا) فلها حكاية شيّقة وحزينة من حيث أول من قدّمها ومن ثم انتشارها في المناطق السورية، حيث يذكر الباحث(ابراهيم شعبان) أن الروايات اختلفت حول مصدر وأصل هذا النوع من الغناء، والحكاية الشعبية عن أصل العتابا تقول أن فلّاحاً كان متزوجاً من امرأة جميلة تدعى(عتابا) أحبّها إقطاعي المنطقة، فأخذها من زوجها الذي هجر قريته بعد أن فشل في استردادها، وراح يتنقل من مكان إلى آخر حزناً وألماً ولشدة ألمه كان يردد الأبيات العفوية التالية:

  عتابا بين برمي ولفتي

عتابا ليش لغيري ولفتي

أنا ما روح للقاضي ولا أفتي

 عتابا بالثلاثة مطلقا

 ولكن الباحث شعبان يعود ليقول أن الاعتقاد بأن العتابا هو نوع من الشعر العامي اخترعه أهل البادية، والبعض الآخر من المهتمين بالتراث الموسيقي والغنائي والشعر الشعبي يقول أن العتابا هو جزء من فن(الميمر) الذي اخترعه(السريان) والفرق بينهما أن الميمر ينتهي براء ساكنة، بينما العتابا ينتهي بباء ساكنة أو بألف، وحسب الباحث شعبان يبقى نمط العتابا فن شعبي يعتمد أنواعاً من البلاغة كالبديع والجناس أساساً له، والعتابا مؤلف من أربعة أشطر ثلاثة منها محكومة بجناس ويأتي الشطر الرابع والقفلة الخيرة منتهية بباء أو ألف.. وكلمة العتابا مشتقة من كلمة العتب والتي نسمعها عادة في أغاني الحب، فصاحب هذا الفن تارة يعاتب الحبيب الذي نسي حبه القديم وطوراً يعاتب القدر الذي يفرّق بين العشّاق، وتارة أخرى يجسّد حب الوطن أو الحبيب أو غيرها من الأمور الأخرى المعبرة عن العذاب والفرح واليأس والسهر والشوق والصد واللهفة ـ حسب الباحث شعبان ـ والذي يضيف إلى مصدر هذا النمط حكاية تراثية أخرى وهي أن شاباً اسمه (محمد العابد) من قضاء عكار في لبنان أحب فتاة اسمها (عتابا) كانت تقول مثله الشعر.

 وفيما تؤكد الباحثة ابو السعود الحكاية الشعبية الحزينة الخاصة بالفلاح وزوجته الجميلة والاقطاعي، لابتكار نمط العتابا الشعري والغنائي الشعبي تقول أبو السعود أنه وبعد وانتشار نمط العتابا على ألسنة الناس أدخلوا عليه مقدّمة غنائية شعرية شعبية أُطْلِقَ عليها( الميجانا) والميجانا حسب الباحث ابراهيم شعبان كلمة آرامية تعني المطرقة الخشبية الكبيرة التي كان يستخدمها الناس في قشر البرغل أو ندف الصوف على المندف لصناعة اللبابيد وهناك من يقول أن أصل الكلمة هو( يا ماجانا) أي أكثر ما أصابنا، والعض يقول أن أصلها سرياني منحدر من كلمة(نجن) أي اللحن والغناء، وهناك من يربط الاصل بكلمة( يا ماجنة) بمعنى أيتها العابثة المحبة للمزاح والاستهتار ـ كما يذكر الباحث شعبان ـ والذي يرى أن الميجانا مثل العتابا والاختلاف بينهما في الوزن واللحن فقط.

  على صعيد آخر، ما زالت آلتي الربابة والناي الموسيقيتين التراثيتين ترافقان أنماط الغناء الشعبي في بلاد الشام وخاصة العتابا والموال والميجانا، وما زال هناك العديد من المصنعين اليدويين لهما ينتشرون في المناطق السورية خاصة تلك القريبة من البادية. والربابة ترافق الشعّار ومطربي البادية و الريفيين في بلاد الشام، في المضافات و جلسات السهر كما أن العزف عليها يعطي نكهة خاصة لتلك الجلسات يرتبط معها عبق الماضي بالشعر النبطي العريق بسكون البادية الجميل في ليالي الصيف المقمرة .وكما أن هناك عازفين مازالوا يعزفون على الربابة ويؤدون الأغنيات الحزينة الشفافة فإن هناك أيضاَ مصنعين لهذه الآلة التي تحتاج لإتقان و خبرة في تصنيفها، خاصة تلك التي تصنّع بشكل يدوي ومن يمارس هذا العمل أصبحوا قلة لصالح تصنيعها بشكل آلي.

 ولكن ماهي الربابة … تلك الآلة الموسيقية العجيبة التراثية التي تعطي المستمع لألحانها شعوراً بالحزن و الاسترسال والتحليق في الخيال؟. . يؤكد هنا الباحث الراحل ابراهيم فاضل أن الربابة آلة موسيقية شرقية وهي آلة موسيقية (عجوز) ترافق غناء كل من القصيد والعتابا الشرقية وأحياناً القبلية و تنسب الربابة أو ( الرباب) إلى هوميروس وهي عبارة عن جلد غزال أو جدي أو ذئب مدبوغ و مبشور يرطب ثم يلف على هيكل خشبي رباعي الطواح مستطيل الشكل ، يمر بمنتصف قاعدته في السطح المقابل لها محور طويل ، ينتهي بقبضة مدرجة مثقوبة . يقوم على هذا الثقب مقبض آخر أرفع منه له ثقب أدق و في هذا الثقب الأخير يعقد طرف الوتر . و الوتر عبارة عن مجموعة من شعر الحصان ، يمتد هذا الوتر من فوق الجلد الملفوف إلى نهاية المحور السفلي . و يتصل بها بواسطة ماسك من الجلد بالتداخل و الربط . ويرفع الوتر عن سطح الجلد بجسم من الخشب أو العظم على شكل هرم مقطوع مرقق من الجانبين محصور القمة ليسهل ارتكاز الوتر عليه ، وهناك القوس وهو عود الخيزران أو ما  يشابهه محني على شكل قوس يشد بين سمتيه أو نهايتيه مجموعة من شعر ذيل الحصان مثبته في أدناه ربطاً مباشراً و في أعلاه بواسطة امتداد من الجلد ليسهل ضغطه باليد . أما طريقة العزف على الربابة فيكون بجر القوس على شعرها المشدود مع تلاعب أصابع اليد القابضة على أعلاها بتواتر الشعر ، ويقابل الإبهام الأصابع الأربع بالضغط و التنغيم ، وليس للربابة نوته موسيقية و العزف سماعي .

  كما يعرفها آخرون بأنها آلَةٌ مُوسِيقيَّةٌ مِنَ العائِلَة الوَتَرِيَّةِ ،وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ صُنْدُوقٍ مُجَوَّفٍ ، لَهُ إطَارٌ خَشَبِيٌّ ، عَلَيْهِ قِطْعَةٌ مِنَ الجِلْدِ ، فِي أَعْلاَهُ مِفْتَاحٌ وَاحِدٌ ، وَيَتَضَمَّنُ وَتَراً وَاحِداً يَعْزِفُ عَلَى الرَّبابِ.

 أما الناي وهو من الآلات الموسيقية الشعبية البسيطة فيعرّف على أنه آلة موسيقية شرقية الهوية والجذور، ارتبط صوته وإيقاعه الشجي الحزين بالذاكرة الشعبية وذاكرة الأجداد لأنها آلة موسيقية قديمة عَرَفَهَا البابليون والمصريون القدماء وانتشرت لاحقاً في معظم البلدان العربية، يصنع الناي من نبات القصب البري، وهو عبارة عن قصبة جوفاء، مفتوحة الطرفين ، ويتكون من تسعة عُقَل بها ستة ثقوب على استقامة واحدة وثقب آخر من الخلف يتحكم به الإبهام، يصدر الناي النغمات بـ(تون) ونصف التون وثلاثة أرباع التون بدقة كبيرة ، وتعتبر آلة الناي من الآلات الموسيقية الأساسية في فرق التخت الشرقي كما يرافق أغاني العتابا والموّال والميجنا، وللناي نموذجان قصير وطويل وهناك (المفرد) و(المجوز) ويستخدم عادة المجوز الذي يتألف من نايين اثنين في ألحان وأغان حماسية ترافقها الدبكة الشعبية والتي تنتشر بشكل شعبي في المناسبات السعيدة والأعراس والحفلات في منطقتي الساحل السوري واللبناني ويعتبر العزف عليه صعباً ويحتاج لمهارة كبيرة من العازف، ولشهرته وصعوبة العزف عليه فقد أدّت المطربة اللبنانية الشهيرة الراحلة(صباح ـ والملقبة بشحرورة الوادي ـ) أغنيتها من تأليف وألحان الأخوين رحباني والتي تقول فيها( جيب المجوز يا عبود ورقص أم عيون السود خلي الشحرورة الصبوحة تغني وتهب البارود).

                                                                                  

مختارات الأدب مختارات الثقافة والفكر

عن الكاتب

هشام عدرة