محاولة قراءة
(كثيرون ممن شاهدوني في ذلك الوقت تنبأوا لي بالنبوغ في كرة القدم، وبأنني سألعب ضد الأندية الكبيرة، ومنها إلى الأولمبياد مع المنتخب الوطني.. لم يأخذني من الكرة سوى الأدب، ولو كنت داومت على ممارستها فربما أصبحت من نجومها البارزين).
نجيب محفوظ
المجاز السياسي، عمار علي حسن، عالم المعرفة٤٨٦، ص١٣٤
١. اللعبة الحلوة:
عُرف عن الروائي والكاتب الأرغواني إدواردو غاليانو شغفه بمتعة مشاهدة اللعبة الحلوة بغض النظر عمن يلعبها أو بتعبيره، في ترجمة الراحل صالح علماني:
عندما أرى كرة قدم جيدة أحمد هذه المعجزة دون أن يهمني قدر فجلة من هو النادي أو البلد الذي قدم ذلك اللعب الجيد.
إدواردو غاليانو، كرة القدم بين الشمس والظل، ص٧.
ينبهنا غاليانو في كلمته إلى فاصل حاسم، إلى الحدود التي تماهت بين النادي والبلد والفريق، لقد ذابت الفواصل، فقد تماهت الهيئات والذوات الاعتبارية بجسد الانسان المتجرد في كرة القدم، تماهى النادي بلاعبيه، مثلما تماهى البلد، فليس اللاعبون هم من يفوز أو يخسر، بل البلد كله، ما داموا يلبسون قمصانه، ولم يعد مهمًا إن كان أصل هذا اللاعب من هذا البلد أم من ذاك، ما دام يلعب بهذا القميص، أذابت كرة القدم كل الفواصل وأصبح المنتخب الوطني ممثلًا رسميًا للبلد، بلا مراسيم ولا قرارات، ولعلها الحالة الوحيدة غير الرسمية التي يعزف فيها النشيد الوطني للبلد على شرف اللاعبين.
٢. قراءات:
في كتابه (الإنسان الخليجي) يخصص الناقد السعودي محمد العباس فصلًا كاملًا لكرة القدم، يستعرض فيه بشكل واسع آراء الكتاب والمثقفين المعاصرين في عالمنا حول لعبة كرة القدم، في فصل ممتع للقراءة يطلع فيه القارئ على جملة آراء الأسماء الثقافية الكبيرة في عالمنا اليوم حول كرة القدم، منها رأي الروائي الإيطالي امبرتو إيكو القائل مرة “الموت لكرة القدم” والذي نشرت آراؤه وتصريحاته وقراءته للعبة الشهيرة في كتاب تحت عنوان امبرتو ايكو وكرة القدم.
كذلك نجد سعيد بنكراد في كتابه الأنساق الثقافية يعيد التأمل في كرة القدم، وبعد أن ينطلق من ضرورة اللعب للإنسان وتأسيس الطفل لنظرته للعالم من خلال اللعب، يقرأ في لعبة كرة القدم إما معركة بصيغة مخففة تساعد على التنفيس أو استيهامًا جنسيًا، وهي قراءة يوافقها الرؤية عدد من القراءات السابقة منها قراءة إدواردو غاليانو، ومحمد العباس إلى حدٍ ما.
ولدينا كذلك قراءة عمار علي حسن في كتابه المجاز السياسي الذي حاول الإحاطة في أحد فصول كتابه بالمجاز الذي يحيط بلعبة كرة القدم، وأورد نبذًا من تاريخ اللعبة والأحداث السياسية التي نسبت إليها، وقرأ فيها ظاهرة الألتراس بوصفها استعاضة الشباب عن العمل الحزبي، كما أورد عددًا من آراء الكتاب المعروفين والشعراء كمحمود درويش المفتون بلعبة كرة القدم، وعنه نقلنا اقتباس التصدير عن نجيب محفوظ الذي نقله هو بدوره عما حرره رجاء النقاش من مذكرات محفوظ.
كل ذلك برأينا يفصح لنا عن شهية لعبة كرة القدم المفتوحة لتلبس الرموز والدلالات المختلفة، وقدرتها الاستيعابية التي يقل نظيرها لتلبس الإحالات المختلفة، وجاذبيتها المغناطيسية للمعاني والاستيهامات، وهذا ما يجعل اقترابنا منها محفوفًا بالوقوع في مثل هذا الإغواء السهل لصدى هو داخلنا في الأصل، ولقراءة سطحية تريد أن تلبس كرة القدم قميص أفكارها، فيما هي كظاهرة إنسانية تذهب إلى حدود قصية في التأثير والجاذبية على أجيال وشعوب وثقافات متباينة ومختلفة، تلتقي كلها على مدرجات ملعب كرة القدم.
٣. مونديال قطر:
لا يخفى تزامن هذه القراءة مع الحدث الدوري الأكبر في عالم كرة القدم، في الدوحة القريبة، في قطر التي تجاوزت عبر استضافتها للمونديال عدة تحديات وعقبات وعراقيل وضعت لحرمانها والمنطقة العربية من هكذا حضور عالمي معاصر، وسبق ذلك حملات من التشكيك والاستهانة بل وحتى الدعوات لسحب المونديال من قطر، لكن ها هو المونديال في ادواره الأخيرة وسط نجاح تنظيمي مشهود، وها هو الحلم الذي كان القطريون ينادون به منذ عقد وأكثر بصيغ مختلفة يتحقق بنجاح على رأي أغنية المونديال (الحالمون).
هذا الحلم المتحقق نفسه يدفع بالأحلام الأخرى الكامنة لدى الناس، خاصة لما تشكله هذه الخطوة من أثر وإرهاص بمستقبل المنطقة ككل، فهل تكون هذه العلامة البارزة دلالة على الدرب المؤدي لانخراط المنطقة ككل في مستقبل أكثر تحضّرًا وعصرنة وتقدمية، لا في شكلانيته الخارجية البرّانية، بل في أسسه ونظمه وقوانينه وثقافته ولبه العميق، ولا يمكننا أن نغفل في هذا الصدد الانفتاح الثقافي الذي تشهده الجارة الكبرى السعودية على قدم وساق، والذي يبشر بدوره كذلك بمستقبل أكثر تحضّرًا يقوم على الانسجام الحقيقي الداخلي والخارجي، لا على الانفصام.
٤. تركيز على المستقبل:
مرة أخرى كيف يمكننا قراءة اللعبة والكرة وسط كل هذا الاحتشاد الإعلامي والجماهيري والسياسي والاقتصادي والثقافي؟ وكيف يمكننا أن نغض الطرف عن المسارح والمدرجات الضخمة الملآى بالمتفرجين، والمتعززة بأضعاف أضعافهم ممن يتابعون ملعب كرة القدم خلف الشاشات.
كل هذه العيون المتجهة إليها والأفئدة والمشاعر كأنما تقول لنا أنها بانتظار شيء حاسم سيولد من رحم هذه المباريات المتكررة، التي تتشابه لكنها تختلف، مع ذلك هناك شيء ما داخلها غامض ومجهول على إدراك الإنسان، لكن الروح تهجس به، ترى هل سيأتي مستقبل الإنسان من هذه الجهة؟ ربما، وإلا ما كل هذا الالتفاف والاحتشاد العالمي الهائل، كأنما العالم يعبّر عن نفسه، عن ولادته الجديدة أو عن ولادة أمر عظيم.
٥. دراما المباراة:
أليست المباراة عرضًا حيًا؟ ألا نتحدث عن دراما بما أن كل عناصر الدراما موجودة في لعبة كرة القدم، مثلها مثل المسرحية الحية، اللاعبون يحفظون أدوارهم عن ظهر قلب، وقد تدربوا عليها وقاموا ببروفات لا حصر لها، وهم يتبعون السيناريو الذي كتبه المدرب ومساعدوه، وغاليانو يبحث فيها عن فن، والجميع يتحدث عن فن اللعب، مع ذلك هناك شيء ما مثل شعرة رهيفة يفصل المباراة عن الدراما، أقول هذا فيما أشعر أن هذا ليس تمثيلًا، بل واقعة حقيقية، لكن ما هو التمثيل والواقع في النهاية؟ أليسا مجرد أبناء يتبادلان الأدوار.
إن عناصر الصراع الدرامي المكتمل متحققة في مباراة كرة القدم، سواء الرئيسي العام في تحقيق الانتصار وإحراز الأهداف، أم الصراع الثانوي بين اللاعب واللاعب الذي نراه في احتكاك اللاعبين ببعضهم البعض، والاعتراضات على الحكم، ورفع اليد والتمثيل على الحكم، وكل ذلك يجعلنا نربط المباراة بالدراما وبالمسرح والفيلم رغم أنها ليست مسرحًا ولا فيلمًا، مع أن الأدوار معروفة مسبقًا، وتعتمد المباراة علي سيناريو يضع خطوطه كل مدرب، بطاقم مساعديه، لكن الفارق هنا أن لدينا سيناريو مضاد، وهناك مكمن اللعبة المختلفة، ففي كل مباراة هناك سيناريوهين اثنين كل منهما يعمل للفوز على السيناريو الآخر، والكاميرات حاضرة والأداء حي، فما الذي يمنع كرة القدم من أن تكون نوعًا من الدراما.
إن المشاعر الإنسانية المختلفة تجد نفسها متجسدة هنا، في اتخاذ هؤلاء اللاعبين كموضوعة، كتجسيد لرغبة، ربما رغبة الفوز بالحياة نفسها، فالحياة كما علمنا المعري مرة هي مجرد لعبة وعبث، إذًا فها هو الإنسان يؤكد على هذا الطابع العبثي من وجوده عبر اللعب، عبر جديته في اللعب وحماسته وصرامته والطاقة التي يصرفها فيها، وكل شيء يهون لعيون كرة القدم بتعبير المشجعين المتحمسين، وكم يبدو هذا حقيقيًا وخطرًا في الوقت نفسه.
٦. الهموم والحكم:
يستبدل اللاعبون والمشجعون هموم المباراة بهمومهم الذاتية، ينفصلون عن واقعهم مدة المباراة في واقع اللعب، مع كل ما يصاحب ذلك من توق لمباراة جيدة أو لفوز، لكن هناك وسط الملعب الأخضر شخصية مركزية، كانت تلبس الأسود الليلي، كأنما في دلالة الحزن أو الغامض المجهول، قبل أن تتبدل ألوان قميصه أخيرًا، هو والحراس، ذلك هو الحكم، فكيف يمكننا إغفال الحكم من قراءة كهذه؟ وهل سيكون من تطرف القراءة أن نرى في ذلك اللون الأسود رمزية الأسلاف؟
الحكم محور إدارة المباراة ومع ذلك سرعان ما تشيح الأنظار عنه إلى الجهة الأخرى، جهة الكرة، وسرعان ما يُهمل إثر المباراة ويطويه النسيان، الحكم الذي لا يجوز له لمس الكرة إلا رغمًا عنه، مع أنه يركض مع الكرة أينما اتجهت، وهو الذي الملعب ملعبه والحكم حكمه، لكنه ممنوع من اللعب، محروم، عليه تأدية دور مثل دور عقابي، فيما العقاب بيده والمخالفة وإيقاف اللعب وحتى الطرد بيده، لكنه رغم تلك الصلاحيات محروم من تلك النشوة في ركل الكرة بقدميه، وإذا اقترب منها فعليه أن يمسكها بيديه، الأيدي التي هي خارج اللعبة أصلًا، فهذه لعبة الأقدام أساسًا، تحتاج أقدامًا نشطة على رأي أحد المعلقين، كل ما تؤديه الأيدي فيها هو ثانوي وتحكمه الضرورة، ضرورة الحارس الذي تتاح له هذه الخاصية داخل مربع الجزاء، حرم المرمى وحوزته، واللاعب من خارج خط المباراة، والحكم، إذًا هذه هي الأيدي التي تمسك بالكرة، من خارج منطقة اللعب، أية لعبة قدرية هذه، وأي خبط عشواء على رأي زهير بن أبي سلمى في المنايا، لكنها تمثيل ساحر ودلالي.
٧. المعلق:
لا يسعنا كذلك أن نغفل المعلّق، المساهم في السحر بكلماته وصوته وحماسته، المعبّر باسم المشاهدين، الذي يعلق بوصفه الخبير والعالم، مالك المعرفة بالمجريات، الذي يلقي صنوف تعليقاته وتعابيره وأحاسيسه ومشاعره عبر الصوت، لكنه الممنوع من الظهور، بل المستهجن ظهور صورته، كل المطلوب هو صوته، كلماته الذكية، أسلوبه الثرثار أو المقتضب، مع اختلاف الأذواق بين المشاهدين، بالنسبة لي أفضله قليل الكلام، ذلك أنه يفصل المشاهد بصوته وتعليقاته عن الشعور بحضوره المتوهم في المدرجات.
وهنا يلفت نظرنا دخول الشاشة إلى المدرجات، بل وحتى الملعب، فالمشاهد على المدرجات ينظر باتجاه الملعب أمامه وباتجاه الشاشة الكبيرة قربه، وأحيانًا نرى اللاعبين أنفسهم يسرقون نظرة على الشاشة وسط اللعب، كي يتمكنوا من رؤية ما تختص به الشاشة في الإعادات، ودخلت الشاشة للملعب في استعانة الحكام بها في التحكيم، وأصبحت مساعدة أخرى للحكم، وذلك الدخول يؤكد الجانب الاستعراضي للعبة.
٨. اهتزاز الشباك:
ستهتز الشباك أخيرًا بالصيد، الكرة هي الصيد، وكل فريق يحاول أن يحرز الكرة في شباك الخصم، ليس في شباكه هو، بل في شباك الخصم، لا يصطاد الكرة لنفسه، بل يكمن اصطياده لها في أن يجعلها تدخل شباك الخصم، فالممارسة هنا مقلوبة نوعًا ما، منافية لمنطق الصيد التقليدي، معكوسة عن فكرة الصيادين عن الصيد.
كل هذا الهجوم ومجمل اللعب في النهاية كي أجعل الكرة تدخل مرمى شباك الفريق الآخر، وكل الدفاع هو أن أبعد الكرة عن دخول شباكي، الكرة هي الكرة، حبيبتي إن دخلت شباك الخصم، وعدوتي إن دخلت شباكي أنا، قلب المفاهيم هذا وتعدد وجوه الكرة لربما هو الذي يجعلها شائقه، إن إحراز الهدف في كرة القدم لا يكون عبر الامتلاك الذاتي للكرة نفسها، بل عبر جعلها تدخل شباك الفريق الآخر، كل المهارات البهلوانية والأموال والتعزيز والخدمات الفنية والتكتيكات والخطط من أجل هذا الهدف، وتكون الخسارة ثقيلة بعدد ما يدخل من الكرات في مرمى الآخر، ويكون الفوز هو بنظافة شباك الذات من أي كرة، هذا التناقض الأساسي في كرة القدم، هذا التناقض اللاواعي لربما هو ما يشار إليه بالسحر والسر.
٩. مباراة مشاعر:
توهمنا لعبة كرة القدم بأن التعادل ممكن ظاهريًا، لكن ذلك مجرد وهم، فلا بد فيها من فوز وخسارة ولا مجال للتعادل إلا ظاهريًا ونظريًا، وحين يحدث التعادل يجري الاحتكام للنقاط والأهداف، أي لا بد في النهاية من تحديد فائز، وما نتيجة الفوز على الأغلبية؟ لا شيء مادي أو فيزيائي ملموس، لا ينال الجمهور الذي بذل كل ما يملك وخصص وقته للمباراة وربما دفع مبالغ التذاكر، أو الاشتراكات المفروضة على المشاهدة، لن ينال من ذلك أي شيء مادي، فلا ربح، إلا للمراهنات ربما، وفيما عدا ذلك لا نفعية مادية هنا، إذ أن كل ما يكسبه الجمهور هو مجرد المشاعر، شعور الفرح بالفوز، وشعور الانكسار بالخسارة، تلك هي النتيجة الواقعية لما بعد المباراة، لكن في خضم المباراة هناك ذلك الترقب ذلك التوق وذلك التوتر، والتي كلها مجرد مشاعر بالنسبة للجمهور، ذلك أن مباريات كرة القدم هي تجربة شعورية محتدمة، خاصة إن كان فريقك يلعب، ولم تشاهد المباراة بعقل بارد على طريقة اطباء التشريح.
لعل تلك المشاعر هي لب المسألة، هي الجاذب الرئيسي، إن مشاهدة المباريات تُخضع المتابع لتفاعل واحتدام شعوري لا إرادي، حر، يتبع الكرة وينطق بما يشعر به، ولعل تلك التجربة هي جاذب الشباب المتحمس للمتابعة، تلك اللذة، لذة الشعور الحر الذي لا يمكن التنبؤ به سلفا.
١٠. تكثيف:
ستختصر المباراة وتجد صورتها المكثفة في ضربات الجزاء، وهذا الجزاء، كما نبهني صديق، يأتي كأنه نوع من العقوبة للفريقين لأنهما عجزا عن الحسم في وقت المباراة الأصلي، هناك تأتي ضربات الجزاء التي تختصر المباراة كلها في ضرورة الفوز بالهدف أو خسارة الهدف؛ المرمى بشباكه وحارسه واللاعب بكرته، هذا هو اختصار وتكثيف لعبة كرة القدم كلها، في هذه الصورة المختزلة، على اللاعب إحراز الهدف، وعلى الحارس صد الكرة، بالتناوب بين الفريقين، وعلى الجميع التوتر وتحمّل اللحظة، هذه كل الحكاية باختصار، وهذا الاختصار كأنما يقول لنا أن الملعب الواسع بلاعبيه ولد من منطقة الجزاء، وأن كل اللاعبين ولدوا من حارس المرمى.
١١. اللقاء العالمي:
يمكننا القول في النهاية أن ملعب كرة القدم أصبح مسرحًا للإنسان، مسرحًا بارزًا لكل ما يحويه الإنسان من فضائل ورذائل، وأن هذا الملعب بقوانينه منقاد كليًا للكرة كلعبة، يضع قياده في تلك الكرة التي تقوده، وتلك الكرة التي لا تعترف بالإكراهات أوجدت مساحة للجميع، للدول الغنية والفقيرة، للأقليات واختلاف الأجناس والأعراق أن تلتقي على اختلافها، أن تجتمع من أجل لعبة، مهما كانت الحمولة خلفها، وإن وصلت بعض المباريات إلى أن تتسبب في اندلاع حرب، كما حدث بين هندوراس والسلفادور، أو أزمة سياسية، كما حدث بين مصر والجزائر، أو هياج جماهيري، لكنها في داخلها تحمل من الإمكانيات ما يؤهلها فنيًا لتصبح بوابة عبور، خلاص أنساني، من إعاقات السمو الأخلاقي، والخلافات المستعصية التي يمكن الوصول لحلها عبر اللعب المشترك، تجاوز الهزيمة وقبولها بروح رياضية كما يقال، والتعامل مع الفوز بروح رياضية كذلك، إن السمو الأخلاقي باللعبة يجعل الإنسان المعاصر في موضع التقاء مع نظيره، مثلما يلتقي أطفال الأعداء في غفلة من أهلهم ليلعبوا معًا، ملعب يجمع المستعمِر بالمستعمر في أرض واحدة، والمهيمن بالمهيمن عليه، في ملعب واحد ومدرجات واحدة، فيتجاوزون بتلك اللعبة الكثير من الخلافات ويصلوا لاتفاق ما، ينقلب عدم الفهم فهمًا وعدم الاستيعاب ممكنًا حين يتلاقى الناس ويتعارفون، وينظرون إلى بعضهم البعض، يسمعون ببلدان لم يسمعوا بها، وأسماء مختلفة عن ثقافتهم، وثقافات تأتي بكاملها لتتابع مباراة كرة قدم، وليس هذا اللقاء الأرضي بالأمر الهين.
١٢. أمل:
(على الرغم من وجود حكومات انتهازية وحكام فاسدين في عالم كرة القدم وأعمال وتجارة بالملايين، فإن كرة القدم تُظهر يوميًا أنه ما يزال هناك أمل).
لوثيانو بيرنيكي. أغرب الحكايات في تاريخ المونديال. ص١٥