“الرواية مضيعة للوقت لا فائدة منها”

كتب بواسطة عبير الحوسني

عبير الحوسني

الرواية شكل من أشكال الجمال، وأعني بذلك نوع من أنواع الفن الأدبي النثري، الذي يشكل سلسلة من الأحداث التي تسرد بشكل طويل يصف الشخصيات والأماكن بدءًا من عقدة الرواية إلى حلّها. عندما تقرأ رواية تنعكس عليك مشاعر أبطال الرواية كالفرح والحزن والخوف والتوتر، وتنمي الخيال والإبداع وعُمق الأفكار، كما أنك تحسن مفرداتك اللغوية والأدبية وتحسن من كتاباتك _بشكل ملحوظ_ فالكاتب المبدع في السرد الأدبي الروائي كان شغوفًا بقراءة أدب الرواية أكثر من أي نوع آخر من الكتب صدقني!

دخول قارئ الروايات في عوالم الفن ومختلف العلوم والتاريخ والجغرافيا والتعرف على ثقافات الشعوب وعاداتها وتاريخها وتراثها وعواصمها وعملاتها يقينًا ليس بعده شك يجعله يكتسب المعلومة عن طريق الرواية.

لم أرى الفلسفة بصورة واضحة وعميقة غير مبتذلة الا في الرواية التي يقدمها أنطون تشيخوف ودوستويفسكي من خلال الولوج لأعماق النفس البشرية بشكل يجعل القارئ يتعجب من هذا التحليل النفسي للروائي لشخصيات الرواية، ودخوله في عالم الإِجرام  والقيم والأخلاق بصورة كالتي يصورها دوستويفسكي لنفسية المجرم،  بحيث تعتقد أنه ربما يتحدث عن نفسه، فالروائي غالبًا ما يعكس “أناه” في كتاباته بشكل متماهٍ لا يدركه القارئ للوهلة الأولى قبل قراءة سيرته، فدوستويفسكي مثلًا لم أكن أعرف قبل قراءة سيرته أنه قبل تنفيذ الحكم بلحظات تم إيقاف الإعدام وذلك من خلال مرسوم بإيقاف تنفيذ الحكم من قِبَل الامبراطور نيكولاس الأول، ليتم الحكم عليه بالنفي إلى مقاطعة أومسك بسيبيريا لمدة أربعة أعوام قضاها في الأعمال الشاقة في معسكر السجن، وبعد هذه المعاناة التي قضاها في السجن والتي صورها في روايته ذكريات من منزل الأموات أُجبر على الخدمة العسكرية والعمل لدى الجيش السيبيري…إلخ. ومن يقرأ لفيودور حتمًا سيجده بذاته بشكل أو بأخر في أبطال رواياته.

ولن يدرك الا قارئ الرواية أن رواية جورج أورويل أثرت بشكل كبير في تاريخ المجتمع البريطاني والعالمي وغيرت مجرى الأمور في الشؤون السياسية.

يقول جوناثان غوتشل: “نحنُ البشر… كائنات لدينا هوس وإدمان على سماع القصص والحكايا… فحتى عندما ينام الجسد يظلُ العقل متيقظًا يسرد ويحكي لنفسه القصص من خلال الأحلام”

وتبعًا لذلك وصلتُ لأقصى درجات اندهاشي من الذين يمقتون ويستهينون بالرواية بشكل يُوحي انها “طفرة أدبية” غير مرغوبة…  وفي الوقت ذاته لا يمكن القول لمعارضين الرواية: “من لا يقرأ الرواية لا يملك قلبًا شاعريًا” القضية ليست قضية انحياز لأدب الرواية أو محاولة إثبات رأي صائب لا يحتمل الخطأ! القضية الرابحة هي نوع الرواية التي تقرأها وأن تكون ذات هدف ومغزى، تجعلك تُدرك حقيقة الصراع بين الخير والشر، وتنقذك من كل شيء حتى من نفسك، وأن تحرك عقلك بدرجة كافية تُشعرك بأن الحدث مألوف لك نوعًا ما، ولديك القدرة لمقاومة ردود أفعال الآخرون اتجاهك، وتفهمها بشكل ناضج.

فالرواية كما وصفها “كونديرا”: ” تمنحنا فرصة للهروب الخيالي وتقتلعنا من حياة لم تكن تمنحنا أي إحساس بالرضا”، وخلاصة الأمر برمَّته أن الرواية فاصل جميل بين الكتب العلمية والفلسفية.

أدب

عن الكاتب

عبير الحوسني