حاورها: عبدالرزاق بن علي
بدرية البدري روائية وشاعرة عمانية استطاعت ان تجد لها مكانا في الساحة الأدبية الخليجية والعربية عموما. توجت بجائزة الشارقة الثقافية للمرأة الخليجية سنة 2015 ، وبجائزة كتارا “شاعرة الرسول ” سنة 2021 . جمعت بين الرواية والشعر الفصيح والشعر الشعبي وتمكنت منذ انطلاقتها الأدبية سنة 2010 ان تمثل انموذجا للمرأة العربية المبدعة التي تزاحم الرجل في مختلف مجالات الابداع.
باعتبارك روائية وشاعرة كيف تقيمين التجربة الأدبية في الخليج ؟
لماذا يجب علينا تصنيف الأدب إلى رجالي ونسائي؟ برأيي العمل الأدبي هو ما يستحق الالتفات إليه أيًا كان كاتبه، ومهما كان جنسه أو جنسيته. نعم لاحقا يُضم العمل إلى جنس وجنسية، لكن قبل ذلك يكون العمل، وهو الذي يحمل كل هؤلاء على عاتقه، ويضعهم في المكان الذي يصل إليه، وليس العكس.
وحقيقة لا أجد نفسي قادرة على تقييم التجربة الأدبية عموما في الخليج، ولا التجربة النسائية خصوصا، ولكن يكفي أن أقول أن الكاتبة الخليجية تنافس في المحافل الدولية، ولا أدل على ذلك من فوز جوخة الحارثي بجائزة البوكر الدولية كأول (كاتب)عربي يفوز باللقب، وفوزي بجائزة كتارا لشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم كأول شاعرة أيضًا تحصل على هذا اللقب الكريم، وهذا يُصب لصالح الأدب النسائي الخليجي، وبالأخص العماني.
بدايتك مع روايتك “ما وراء الفقد” سنة 2015 ما الذي دفعك لاقتحام هذا المجال؟
بداية أود التنويه أنني بدأت بكتابة القصة في سن صغيرة في المدرسة، ثم اتجهت للشعر، أي أن الرواية أو الكتابة النثرية ليست غريبة علي، وقبل أن تصدر روايتي الأولى شاركت بها في مسابقة المنتدى الأدبي الأدبية أواخر العام 2013 كمسودة، وحصلت على المركز الأول مع حجب المراكز من الثاني حتى الرابع، ومُنحت رواية أخرى المركز الخامس، وجاءت طباعة الرواية في بداية العام 2015 من قبل المنتدى الأدبي، وهو مؤسسة ثقافية تابعة لوزارة الثقافة والرياضة والشباب والتي كانت تحمل مسمى وزارة التراث والثقافة.
أيضًا أنوّه أن ظهوري في الساحة الأدبية جاء متأخرًا في العام 2010م فقط، توقفت قبلها عن الكتابة أو النشر لبعض الظروف الحياتية التي فرضت انشغالي عن الكتابة، وحين عدت كنت قد وصلت إلى ما يقارب مرحلة النضج الكتابي الذي جعلني أركز في كل ما أكتب، وأدقق فيه حتى يظهر بالصورة التي تليق به.
ماهي العوامل التي ساهمت بتتويجك كأول امرأة بجائزة كتارا شاعرة الرسول سنة 2021 ؟
من يقرأ القصيدة الفائزة بعين ناقدة (صادقة) بعيدا عن الحساسية، يجد أنها قصيدة تم الاشتغال عليها بعناية شديدة، لترقى بي إلى رتبة شاعرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولعلي كشاعرة أقول إن ما يميزها هو الصدق؛ فهي قصيدة كُتبت بصدقٍ كبير، وكان الرسول حاضرًا في لحظات كتابتها، كما أنها ابتعدت عن النمط المألوف في المدح النبوي.
ما ذكرته ليس رأيي الشخصي، ولكنه رأي الكثير من النقاد، الذين اطلعوا على القصيدة، كما أن هناك دراسات نقدية تناولت القصيدة، وحللت أبياتها مُظهرة مواطن الجمال الشعري والبلاغي.
بدأت تجربتك الأدبية المنشورة بالرواية ونشرت أول مجموعاتك الشعرية بعدها بثلاث سنوات كيف تفسرين ذلك؟
نُشرت الرواية بعد فوزها بمسابقة أدبية في مجال الرواية، والديوان كذلك تم نشره بعد فوزي بجائزة الشارقة الثقافية للمرأة الخليجية، وربما لولا ذلك لما نشرت الديوان؛ لأني متريّثة كثيرا في النشر، وكلما كتبت قصيدة وجدت أن التي قبلها لا تستحق النشر، وأن مستواي تطوّر، وهذا أوقعني في مصيدة التردد في النشر، ولم ينتشلني إلا الفوز بجائزة الشارقة الثقافية للمرأة الخليجية، حيث تم نشر الديوان الفائز، ولن تصدق إن قلت لك أني حتى اللحظة كلما نشرت كتابا نظرت إلى الذي قبله وخاطبته قائلة: ليتك لم تكن منشورا، ليتني تريثت، ليتني اشتغلت عليك أكثر، ليتني حذفت هذه القصائد، أو ما الذي كنت أفكر فيه وأنا أضيف هذه القصيدة أو تلك إلى الديوان؛ ثم أتنهد وأتمنى لو أنني أستطيع حذف الكتاب من تاريخي.
ربما هو سعي الكاتب بداخلي إلى الكمال، وكتابة الأجمل.
هل تتفقين مع القول أنه يوجد أدب نسوي وأدب رجالي؟
لا أتفق أبدا في ذلك؛ فالكتابة واحدة، والقضايا واحدة، والهموم والمعاناة واحدة. إن الرجل والمرأة في قارب واحد، وكل واحد منهما يجدّف من جهة، ولكن اتجاه القارب يحدده كلاهما، لذلك لن تجد اختلافا بين مواضيع الرجل الأديب والأنثى الأديبة.
ما الذي يستفرك للكتابة؟ ومن أين تستقين أفكار أعمالك الأدبية ؟
أبنما وجد الوجع الإنساني وُجدت روحي تحوم حوله، وتُظلل أصحابه، لا يمكنني تخطي الألم في وجوه الناس، ولا العبور دون الالتفات لأولئك الذين لا أحد لهم، تدوسهم الأقدار وهم يصارعون من أجل البقاء.
الحروب والكوارث والموت بكل صوره، والطرق التي تؤدي إليه، المادي منه والمعنوي، العنصرية، والظلم، والجوع، والقهر، وغيرها. كل هذه الأشياء تجعلني أقف حائرة، ما الذي يمكنني فعله، ولا أجد إلا قلمي الذي يتحول إلى رجل أمن يقف وسط الدمار، محاولا توجيه البشر إلى الجهة الآمنة من الحكاية، تلك العامرة بالحب والضحكات والحُلم
ماهي الأغراض التي ترين أن على المراة العربية المبدعة الاهتمام بها ؟
لا حدود، ولا قيود إلا الأخلاق على النتاج الفكري والأدبي، سواء كان للرجل أو المرأة؛ فكلاهما يمكنه الكتابة في أي موضوع يرى أنه قادر على الكتابة فيه، وصناعة التغيير، أو التأثير الإيجابي.
فزت سنة 2018 بالمركز الأول في جائزة الشارقة الثقافية للمرأة الخليجية عن ديوانك “واد غير ذي بوح” كأفضل ديوان فصيح ، كما فزت بالمركز الأول في الشعر الشعبي في مسابقة المنتدى سنة 2015. أيهما أقرب إلى قلبك الشعر الفصيح أم الشعر الشعبي؟
كيفما أتتني القصيدة كتبتها؛ فالقصيدة تأتي بحلتها، وتفرض عليّ حضورها. الأمر لم يكن اختياريا يوما ما، ولا أخفيك أني أمر بفترات لا أكتب فيها إلا الشعر الفصيح، حتى أظن أني لن أكتب الشعر الشعبي أبدا؛ ثم فجأة ودون سابق تهيئة أكتب شعرا شعبيا، كما أن الأمر قد يطول معي، ويهجرني الشعر الفصيح حتى أخالني لن أكتبه مرة أخرى.
أنا لا أستطيع تفسير ما يحدث، إلا أنه وحي من الله يأتي كيفما شاء له، وما أنا إلا امرأة وهبني الله موهبة، وقال لي: اكتبي؛ فأكتب.
الأمر هذا لا يختص بالشعر فقط، بل حتى الرواية؛ فكم ظننت أنني لن أكتب رواية أخرى سوى التي كتبتها، وكم من مرة توقفت أثناء كتابة رواية عاجزة عن إكمالها، وحين تأتي التكملة تأتي كطوفانٍ يجتاحني ويحملني معه حيث يشاء؛ لأغرق ما شاء له الوحي، وشيئا فشيئا أطفو خفيفة من الثقل الذي كان يشدني إلى الأعماق.
هل تحول اللهجات المحلية دون انتشار الشعر الشعبي في الوطن العربي؟
لا أظن ذلك؛ فاللهجات وإن تعددت إلا أن أغلبها مفهوم للعامة، كما أن أغلب الشعر الشعبي المكتوب يُكتب بلهجة بيضاء أقرب إلى الفصحى، مما يجعله مفهوما للكل؛ فمن منا لا يفهم شعر البدر، أو سيد حجاب؟
شخصيات أدبية عربية واجنبية تأثرت بها بدرية البدري؟
لم يتمكن أي كاتب من بسط هيمنته على فكري، ربما لأني كنت أحب التأمل منذ صغري وما زلت، لذا نجحت في وضعي داخل دائرة الأمان التي حمتني من التأثر بأي كاتب، ووجدتني أتخذ مساري الخاص.
وإن كان عليّ ذكر شخصيات تأثرت بها؛ فسأقول إني تأثرت بأمي وأبي وجدتي، هؤلاء الثلاثة على وجه الخصوص لهم تأثير كبير في تشكيل ووعيي، وشخصيتي هي خليط من هذا التأثر، وتأملي الممتد في الحياة، والقراءة جزء بسيط من هذه الحياة.
ماهي واجبات المرأة العربية المبدعة تجاه القضايا الكبرى في واقعنا العربي ؟
ككل إنسان مؤثر، يجب على المرأة العربية المبدعة أن تقول كلمتها المساءلة عنها، من باب انتهاج قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) وأعتقد أن الكاتب محظوظ لأنه يستطيع هذا التغيير بلسانه (قلمه)، وكلنا نعلم ما للكلمة من أثر، خاصة في هذا العصر الذي لا تكاد تخرج فيه الكلمة إلا وتنتشر كالنار في الهشيم بفضل وسائل التواصل الاجتماعي.