التوسع العمراني وتقليص مساحات الأراضي الزراعية في سهل الباطنة

كتب بواسطة ريان السعيدي

تقلصت وانحسرت مساحات الأراضي الزراعية في سلطنة عمان خلال الأعوام الماضية، ومن الواضح أن الزحف العشوائي للوحدات السكنية والعمران بعمليات زحف عشوائية قد غطى  على المساحات الخضراء، وقضت على الأراضي الزراعية التي اجتهد فيها أجدادنا وآباءنا وبذلوا فيها الغالي والنفيس. 

يعد سهل الباطنة في شمال السلطنة من السهول التي تجلت فيها المشكلة وظهرت بشكل واضح، والمدهش أن هذا السهل كان في التسعينات مغطى بمساحات خضراء واسعة. لعل مخيلتنا لم تتناسى امتداد أشجار النخيل وبعض الفاكهة المحلية التي كان لها الحصة الأكبر من هذه المساحات، وكان من الممكن أن يحقق هذا السهل الأمن الغذائي في السلطنة، ولكن الوضع تبدل وصارت أغلب المساحات الخضراء إما مهجورة أو تحولت إلى مبانٍ عمرانية اسمنتية.

ظهرت مشكلة التمدد العمراني على حساب الأراضي الزراعية بعد الزيادة الكبيرة في أعداد السكان في محافظة الباطنة، وغالبية هذا التمدد هو تمدد أفقي؛ بسبب توفر المساحات الشاسعة والطبيعة السهلية التي ساعدت على التوسع في العمارة، وبالرغم من أن هذا التمدد العمراني شاهدٌ على الطفرة التنموية الكبيرة في السلطنة، إلا أن الآثار السلبية الناتجة عنه كبيرة أيضا، حيث أثر على الكثير من المساحات الخضراء، وقلص مساحات الأراضي الزراعية. ينصرف هذا الأمر على حالة سكنية وعمرانية منظمة في بعض الحالات وغير منظمة في حالات أخرى كثيرة،  ما يؤدي إلى زيادة الطلب على الأراضي الزراعية ومن ثم إيجاد خلل في التوازن البيئي.”.

ليست السلطنة وحدها من تواجه هذه المشكلة فمعظم دول العالم التي تشهد نموا ديموغرافيا كبيرا تعاني من نفس المشكلة. وهناك أسباب أخرى لزيادة أعداد السكان في سهل الباطنة من ضمنها نزول سكان المناطق الجبلية (جبال الحجر الغربي) للسهل بسبب توفر الخدمات الضرورية من مدارس ومراكز تجارية ومستشفيات وسهولة المواصلات وغيرها، ولكن لا تخفي هذه المشكلة ما لنظام توزيع الأراضي السكنية من خلل كبير، فالنظام سعى إلى سد احتياجات المواطنين من خلال توفير أراض سكنية على حساب الأراضي الزراعية وبهذا خلق أزمة بيئية كبيرة، وأيضا فإن التوسع العشوائي غير المنتظم إحدى هذه الأسباب.

تشير إحصائيات وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه في موقعها، أن مساحة الأراضي الصالحة للزراعة تبلغ نحو (2.2) مليون هكتار وتشكل نحو 7% من المساحة الكلية للسلطنة، وتصنف إلى درجتين؛ الدرجة (S1) وتشمل على الأراضي التي يمكن زراعتها بدون وجود محددات، وتبلغ مساحتها نحو (790) ألف هكتار وتشكل نحو 2.5% من المساحة الإجمالية، والدرجة (S2) وتشمل على الأراضي الزراعية التي لا يمكن استغلالها بشكل مباشر بسبب وجود بعض المحددات كالملوحة مثلاً والغدق … الخ. وتبلغ مساحة هذا الصنف نحو (1.43) مليون هكتار وتشكل نحو 4.5 % من المساحة الكلية.

والبيانات السابقة توضح أن نسبة الأراضي الزراعية التي لا يمكن استغلالها بشكل مباشر أكبر من التي يمكن استغلالها مباشرة، ومن الأسباب التي أدت إلى ذلك مع مرور الزمن، قيام أصحاب المزارع بتأجير مزارعهم للعمالة الوافدة التي تهدف إلى تحصيل الربح دون الاكتراث لسلامة الأرض الزراعية أو جودة المنتجات المحلية وكفاءة تربة الزراعة، حيث سيلحظ الزائر أو المستوطن لهذه الأراضي عددا من الممارسات الخاطئة التي تضر بالتربة بينها التكثيف من استعمال الكيماويات والاستخدام الجائر للمياه وزراعة الحشائش التي تستهلك كميات كبيرة من المياه في معظم مساحة الأرض الزراعية دون زراعة أشجار أخرى.  يؤدي ذلك مع مرور الزمن إلى تملح التربة وبالتالي تصبح إنتاجيتها ضئيلة أو تصبح غير صالحة للزراعة، فمشكلة تملح التربة من ضمن الأسباب أيضا، وكذلك شح المياه الصالحة للري.

خلال السنوات الماضية شكلت الظواهر الطبيعية أحد الأسباب الأخرى المفاقمة لمشكلة تقلص مساحة الأراضي الزراعية في سهل الباطنة، ومثال على ذلك الآثار التي خلفتها عاصفة الرابع من مايو 2021 التي أثرت على بعض ولايات الباطنة، منها السويق والخابورة وصحم، نتج عنها تدمير الغطاء النباتي بما فيها أشجار المانجو والنخيل وغيرها. ما  زاد من حدة المشكلة أن بعض أصحاب المزارع لم يعوضوا هذا الضرر باستصلاح التربة أو تجديد المدمر منها؛ إما بسبب الإهمال أو بسبب عدم توفر الإمكانات اللازمة لإعادة إعمار الأراضي الزراعية، وتم استبدال بعض تلك المساحات بالمباني.

 ولا ننسى إعصار شاهين في الثالث من أكتوبر 2021، والأضرار الكبيرة التي أثرت على المساحات الزراعية، ولكن في المقابل هناك جوانب إيجابية تلت الأنواء المناخية لإعصار شاهين حسب ما ذكرته بعض التقارير وما صرح به المهندس سليمان السنيدي، مدير عام بلدية شمال الباطنة، منها انخفاض نسبة ملوحة التربة، وارتفاع خصوبة الأراضي الزراعية في السهل.

إن الأسباب السابقة قد صاغت ملامح غياب البيئة الزراعية التي شكلت لزمن جزءا من هوية السهل الأخضر في الباطنة ومصدرا من مصادر دخل سكانه بيد أن سوء التخطيط العمراني من أهم الأسباب التي أدت إلى حدوث المشكلة وتفاقمها، حيث تركز سكان محافظة الباطنة على طول السهل الخصب وعلى المساحات الصالحة للزراعة ولم يتم الاكتراث للضرر الذي ستتعرض له الأرض، ولا لمستقبل السهل.  

نتج عن هذه الأسباب ازدحام المباني وقلة المساحات الخضراء، وارتفاع درجات الحرارة وزيادة مشكلة الاحتباس الحراري، والتلوث.  وقلت إنتاجية سهل الباطنة والمحاصيل الزراعية التي تخرج منه، وهو ما أثر سلبا على الاقتصاد الوطني، وقل تصدير المحاصيل الزراعية من السهل إلى الدول الأخرى، في المقابل ارتفع الاستيراد من الخارج، مع أن السهل كان قادرا على إخراج تلك المحاصيل لو لم يتم تدميره.

تحتفظ الحكومة بعدد من القوانين الداعمة لهذه المشكلة رغم غياب تأثيرها الكبير على أرض الواقع؟ ومن ضمن هذه القوانين الوزارية ما يتعلق بتنظيم زراعة الحشائش بمنطقة الباطنة وسهل صلالة 35/2005، وذكر في المادة الأولى “حظر زراعة الحشائش في المزارع الجديدة أو في مساحات إضافية في المزارع القائمة…”، وجاء في المادة الثانية إلزام أصحاب المزارع تقليص المساحات المزروعة بالحشائش. وصدرت قوانين خاصة بإقامة وحدات سكنية على الأرض الزراعية المروية بالآبار، بحيث لا يجوز إقامة وحدات سكنية ثابتة على الأرض الزراعية المرورية بالآبار، أو تعديل القائم منها إلا بموافقة من الوزارة، وأصدرت قوانين لتأجير الأراضي الزراعية، كما وضعت عقوبات وغرامات مالية على من يخالف اللوائح التي أصدرتها الوزارة. 

لكن مع ذلك أتى هذا التدخل الحكومي جاء متأخرا بعد أن تمددت مساحات كبيرة من العمران على حساب الأراضي الرزاعية وفي الوقت الذي ينتظر بعض المواطنين ممن نالوا أراض حكومية في هذا السهل اللحظة المناسبة لتكثيف العمران مما يفاقم المشكلة يوما بعد يوم.

إننا بحاجة لمعالجة سريعة لتنظيم توزيع الأراضي، بحيث يكون هذا التوزيع في المناطق غير الخصبة وغير القابلة للزراعة أو أن يتم التوزيع بما يراعي عوامل البيئة واستدامة الزراعة المحلية، كما يلزم توزيع الأراضي الجديدة على طول خط الباطنة السريع ودعم الخط بالخدمات الضرورية لتسهيل عملية التسكين وبالتالي تقليل الضغط الواقع  على سهل الباطنة، ونشر التوعية بين المواطنين والوافدين وتزويدهم بالمعلومات الضرورية لتجنب الممارسات الخاطئة التي تضر بالأرض، ويمكن أن تقوم وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه بإطلاق حملات زراعة أشجار النخيل والمانجو في السهل، ومن ضمن الحلول المقترحة أن يحصل أصحاب المزارع على دعم حكومي ومالي  للاعتناء بالأرض الزراعية.

خلاصة القول، إن  المحافظة على سهل الباطنة هي قضية وطنية لا تمس سكان المحافظتين فقط بل يمتد وقعها على جميع المواطنين والمقيمين على بلدنا عمان. إن قضية الأمن الغذائي ليست مجرد محاضرات وندوات تبث عبر شاشات التلفزة بل ينبغي أن يتبعها سياسات انمائية واقتصادية وزراعية سعود بالخير الوفير على البلاد ويحقق الأمن الغذائي، والسعي لوضع حلول جذرية للمشكلات التي يعاني منها أو التقليل من تلك المشكلات واجب وطني. 

انظر أيها القارئ الكريم في البيئة التي تعيش فيها فإنك حتما ستجد أثرا واضحا لهذا التمدد والزحف السلبي، وعليك ألا تجعل الأمر طبيعيا بل حاول أن تقلل من المشكلة ولا تكن سببا في زيادتها، ويمكنك أن تسهم في ذلك من خلال عدم قطع الأشجار وإنما زراعتها… إن هذا الإشعار بالخطر ليس سوى محاولة من كاتبة المقال لأن يتغير شيء ما قبل أن يفوت الأوان ويعدم ذكرى سهل الباطنة الأخضر بأشجاره الوارفة ونخيله الممتد ومزارعه الشاسعة من الذاكرة العمانية. 

المصادر:

1- موقع الشبيبة، الثلاثاء ٠٦/نوفمبر/٢٠١٨ ١٥:١٦ م: الشبيبة

2- موقع وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه:

https://www.maf.gov.om/Ministry/dynamicPage/3107

3- التوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية ومشكل العقار في المدن الصغرى– حالة مدينة لولوج- بلدية بني زيد – والية سكيكدة، مشري سمية، جـامعة العربي بن مهيدي أم البـواقي: التوسع_العمراني

4- وزارة الزراعة والثروة السمكية: قرار وزاري رقم ٨٤ / ٢٠٢٠ بإصدار لائحة تنظيم استخدام الأراضي الزراعية – Qanoon.om

5-https://www.maf.gov.om/eServices/Details/53

6- صحيفة_عمان

7- القرار الوزاري رقم 35/2005، تنظيم زراعة الحشائش بمنطقة الباطنة وسهل صلالة، 25مايو 2005م.

8-https://www.youtube.com/watch?v=8XLfiPobihQ

رسائل القراء

عن الكاتب

ريان السعيدي